أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2017
1926
التاريخ: 23-11-2016
2755
التاريخ: 26-5-2016
10001
التاريخ: 13-12-2020
6551
|
موقع الجغرافية في مدارج المعرفة :
الجغرافية علم في غاية التعقيد؛ لاعتماده على العلوم الأخرى، وعملية البحث في الجغرافية تحتاج إلى جهود كبيرة للإلمام بكثير من فروع المعرفة، هذا فضلاً عن الصعوبة التي تتمثل في كيفية صهر هذه المعارف المتنوعة، ونسج خيوطها بدقة ومهارة؛ بحيث لا تجعل القارئ يشعر بوجود نوع من التركيبة المفتعلة.
وينفعنا في هذا المقام أن نذكر ما يذهب إليه فلاسفة المعرفة من تبويب العلوم وتصنيفها، وفق ما ذهب إليه الفيلسوف والرياضي الفرنسي (أوغست كونت August Conte) (١٧٩٨ - 1857) مؤسس الفلسفة الوضعية، وبعض أقرانه في القرن التاسع عشر، بالنسبة لنظرية المعرفة، ذلك أن العلوم تتدرج في رأي (كونت) وأقرانه من البسيط إلى المركب ؛ فالعلم البسيط هو الذي لا يحتاج في دراسته إلا إلى الإلمام بمبادئه وقواعده، دون الحاجة إلى الإلمام بغيره من ألوان المعرفة إلا في أضيق نطاق، والعلم المركب هو الذي لا بد ن يسبق دراسته الإلمام بطائفة من العلوم الأخرى.
وعلى هذا الأساس ، يعد الحساب أكثر العلوم بساطة، (وإن لم يعن ذلك بالضرورة أن يكون علماً سهلا)؛ إذ تكفي معرفة العمليات الأربعة والأرقام للإلمام بالحساب، ومن هنا، فإن أولى مراحل التعليم تبدأ بالحساب، لأنه لا يحتاج إلا إلى معرفة الأرقام. ثم يأتي بعده الجبر، الذي يحتاج إلى معرفة بالأرقام والحروف معاً، ثم تأتي الهندسة، وفيها يجب الإلمام بالأرقام والحروف والأشكال.
بعد ذلك، تأتي العلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء وأحياء، وكل منها يرتبط بالعلوم الطبيعية، بالإضافة إلى العلوم الرياضية. ثم تأتي العلوم التي تدرس الإنسان كحيوان، مثل علم التشريح وعلوم الطب المختلفة. ثم العلوم التي تدرس الإنسان ككائن اجتماعي، مثل علم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ. وأخيراً نأتي أشد العلوم تعقيداً، وهي العلوم التي تدرس نتاج العقل البشري كالفلسفة وما إليها.
ولكن أين تقع الجغرافية من هذا التصنيف السابق لمدارج المعرفة؟ إنها تقع في الذروة بالتأكيد، ولا بد أن تعد علماً مركباً غاية الركيب، بسب ارتباطها بكثير من العلوم الأخرى؛ فالطالب لا يمكن أن يستوعب الجغرافية إلا إذا أحسن استيعاب غيرها من العلوم ذات الصلة القريبة منها، فضلاً عن أن قدرة الطالب وتمكنه من الجغرافية كثيراً ما يكون دليلا على تمكنه من سائر العلوم ذات الصلة بالجغرافية.
وكان الجغرافي الألماني الشهير (البرخت بنك Albrecht Penk) (١٨٥٨-١٩٤٥) من أوائل الذين أشاروا إلى ذلك، حين قال: إن الجغرافية عبارة عن ((جسر بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية). وقد استخدم (بنك) هذا التشبيه ليعبر به عن وجود فجوة بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، وهي فجوة من صنع الإنسان، ولا وجود لها في الواقع الذي ندرسه). إن الجغرافي لا يدرس العنصر الطبيعي أو الحيوي أو البشري كلا على حدة ، بل يدرس هذه العناصر كلها مجتمعة، ويربط بينها، لأن مثل هذا الربط هو المسؤول عن وجود هذا المظهر العام (اللاندسكيب) الذي يتسم به المكان.
أما العلوم الصورية ، فتستخدمها الجغرافية في بناء هياكلها العلمية لأبحاثها المختلفة؛ فمنطق يساعد على بناء الإطار العام للمشكلة ومراحل بحثها وأسلوب معالجتها، وهذا ما يعرف « بالمنهج العلمي "، والرياضيات وسيلة كمية، تستخدم في قياس الظاهرات وتحديد ما بينها من علاقات.
نخلص مما سبق إلى أن موقع الجغرافية لا يضعها بين العلوم الطبيعية الصرفة، كما أنه لا يضعها تماماً بين العلوم الإنسانية أو الاجتماعية. وربما كان هذا في صالحها أكثر مما هو مأخذ عليها؛ إذ إن المعرفة في حد ذاتها لا تضع فواصل بين ما هو علم طبيعي وما هو علم اجتماعي، فكل من الجانبين متصل بالآخر متأثر به، وهذا هو الوضع الطبيعي للأشياء. غاية ما في الأمر، أن العلوم المختلفة اقتطع كل منها ظاهرة على حدة (أو فئة من الظاهرات) تسهيلاً للدراسة، وجاءت الجغرافية تنظر إليها مرة أخرى بوصفها كلاً متكاملا، وتعيدها سيرتها الأولى، وحدة طبيعية بشرية.
وقد أكد ايمانويل كانت E.Kant)) النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، « أن الجغرافية لا تنتمي إلى العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية أو العلوم الصورية ، إنما هي طريقة للوصول إلى المعرفة، لها منهجيتها وشخصيتها المتميزة، التي تنفرد بها عما سواها، ذلك على اعتبار أنها تتجه إلى ترتيب الظاهرات في المكان، مختلفة بذلك عن العلوم الطبيعية التي توجه اهتمامها إلى دراسة العلاقة بين الأشياء (المتشابهة)، والعلوم التاريخية التي تدرس تطور الأشياء في الزمان).
وهكذا، كان لا بد من ظهور علم يدرس العلاقة بين هذه العلوم المتنافرة؛ الطبيعية والإنسانية، فكانت الجغرافية. ولكن هذا لا يعني أن الجغرافية تتخذ من العلاقات في حد ذاتها موضوعاً لها؛ فالعلاقة مجرد أسلوب من أساليب البحث والدراسة، وشتان ما بين توجيه العلم نحو دراسة حلقات الوصل بين الظاهرات، وبين التوجه العام نحو الظاهرات المرابطة في المكان!. وبتعبير آخر، إن الجغرافية تعنى بالظاهرات المرابطة في المكان، وليس بحلقات الوصل بين تلك الظاهرات.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|