نشأة الجغرافيا الحديثة ومحتواها

ولقد كان منتصف القرن التاسع عشر الميلادي هو الفترة الحاسمة في تطور علم الجغرافيا، وذلك عندما اخذ هذا العلم كل معناه بانتقال ميدان دراسته من مرحلة الوصف إلى مرحلة جديدة تسم باستيعاب الحقائق المكانية وفهمها بظهور افكار كل من همبولت وريتر، فقد بدأت الجغرافيا الحديثة بكتاباتهما وأفكارهما، حيث لم تكن الجغرافيا قبلهما قد تحددت مفاهيمها أو اتضحت معالمها او تحددت اهدافها.

 كما أن للجغرافيا محتوى محدد وواضح، بعكس ما يتهمها به البعض بعدم وضوح محتواها، وعلى الجغرافي أن يفهم محتوى جفرا فيته في وضوح تام حتى لا يرتبك عندما يبحث وينقب أي المعلومات يستقيها وأيها يتربى.

ويعود السبب في اعتبار كتابات وأفكار كل من همبولت وريتر البداية الحقيقية للجغرافيا الحديثة التي أعطت لألمانيا الأسبقية في بلورة الأفكار الجغرافية وساعدت على نشوء اتجاهات جغرافية واضحة قامت عليها مدارس فكرية أسهمت في إنماء الفكر الجغرافي وإثرائه لا سيما المدرسة الجغرافية الحتمية ، إلا أن جغرافيي القرنين السابقين على كلمن همبولت" وريتر" لم يحاولوا وضع مفهوم جغرافيي يتضح من خلاله هدف يحدد معالم الطريق لكل مشتغل بالحقل الجغرافي ، بحيش يحمى هذا المفهوم ذلك المشتغل من الانزلاق إلى حقول تخصصات علمية اخرى ويمكنه من التخصص في زاوية من زوايا العلم فيصبح عمله متميزا على غرار العلوم الأخرى، وبهذا يكون قد انتقل بالعلم من مرحلة الوصف إلى المرحلة الكمية ، كما انه قد وضع الأسس الصحيحة لعناصر الدراسة الجغرافية بالتفرقة بين منهجي بحثها : العام أو الأصولي  والخاص أو الإقليمي، اي الجغرافيا العامة الأصولية والجغرافيا الإقليمية، أما كانت فقد اوضح مركز علم لجغرافيا بوصفها أحد ثلاثة طرق لدراسة الحقيقة هي:

• العلاقة بين الأشياء المتشابهة (العلوم الطبيعية)

• التطور عبر الزمن (علم لتاريخ).

• الترتيب في المكان (علم الجغرافيا).

وبهذا تكون بذور الجغرافيا الحديثة قد وضعت مع ظهور افكاره ، خاصة عندما اختلفت الجغرافيا الطبيعية عنده عما كانت عليه قبله في أنها قد خلت من الجغرافيا الرياضية أو الفلكية وفي أنها قد اصبحت أساسا لدراسة الجوانب البشرية من الجغرافيا، ولقد تعرض علم الجغرافيا لشيء من الانتكاس عندما تعرضت أفكار كل من" همبولت وريتر لبعض الانعكاس بظهور فكرة الازدواجية التي فصلت بين ظاهراته الطبيعية و البشرية.

ولقد جاء راتزل ليضع اساس المدرسة الجغرافية الحتمية، او ما يعرف بالحتمية البيئية ويؤسس الجغرافية البشرية، وفي المقابل ظهرت المدرسة الجغرافية الإمكانية في فرنسا على يد فيدال دي لابلاش  الاي كان يرى آن البيئة ليست مظهراً أرضياً طبيعياً، بالمظهر ارضيا حضاريا، وهذا المظهر الجغرافي هو في الواقع موضوع علم الجغرافيا.

بدأت الجغرافيا تأخذ مكانها كعلم بين العلوم بفضل المدرسة الجغرافية الألمانية والى كل من كارل ريتر وهمبولت بصفة خاصة، وإذا كان ريتر وهمبولت من جغرافي القرن التاسع عشر الا أن البذور الأولى لعلم الجغرافيا قد وضعت على يد الفيلسوف كانت في القرن الثامن عشر، عندما قاده اهتمامه بنظرية المعرفة وفلسفة العلم إني أن يجمع مادة لمصنف في الجغرافية الطبيعية التي كانت تدور عنده حول محور إنساني، اما كارل ريتر كا فقد اتجه فى البداية نحو الجغرافيا ليضع أساسا لدراسة التاريخ، ولكن الجغرافيا لم تلبث ان احتوته وانصرف إليها تماماً بنشر كتابه الأول تحت عنوان دراسة الأرض الذي جعل منه اعظم جغرافي في عصره واول أستاذ للجغرافيا في العالم "بجامعة برلين, والحقيقة أن آراء ريتر وهمبولت وافكارهما في دراسة الجغرافياً تكملان بعضهما البعض الآخر وتصلان مجتمعين منهجاً متكاملاً للجغرافيا . ولذلك يمكن القول بحق بانهما وضعا حجر الأساس لعلم الجغرافيا.