المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الادارة و الاقتصاد
عدد المواضيع في هذا القسم 7159 موضوعاً
المحاسبة
ادارة الاعمال
علوم مالية و مصرفية
الاقتصاد
الأحصاء

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01

k-Tuple Conjecture
6-9-2020
الكفر المحض عائق أمام الإنذار الإلهي
2023-10-26
حوصلة Vesicle
9-9-2020
الإرادة الالهيّة في الروايات الإسلامية
6-12-2015
وجوب سجود السهو وشرطيته في صحة الصلاة.
13-1-2016
Directions for Using a Pipet
5-4-2016


مـشكلات المـنشآت الإنتاجيـة المملوكـة للدولـة فـي الاردن  
  
2582   10:56 صباحاً   التاريخ: 24-8-2021
المؤلف : طاهـر حمدي كنعان ، حـازم تيسيـر رحاحلـة
الكتاب أو المصدر : الدولـة واقتصاد السوق ( قراءات في سياسات الخصخصـة وتجاربها العالمية والعربيـة)
الجزء والصفحة : ص303 - 314
القسم : الادارة و الاقتصاد / الاقتصاد / السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية /

رابعاً : مشكلات المنشآت الإنتاجية المملوكة للدولة

لعل من المفيد تلخيص المشكلات التي ترافقت مع ملكية الدولة جانباً من الأصول في عدد من الأنشطة والقطاعات الإنتاجية والخدمية في النوعين الآتيين :

- النوع الأول: مشکلات هيكلية كلية تمثلت في قيام الدولة بإقصاء القطاع الخاص عن عدد من الأنشطة التنافسية. وكثيراً حدث هذا في دول تتخذ من اقتصاد السوق منهجاً لها من خلال حقوق الامتياز الحصرية التي منحت لعدد المؤسسات والشركات المملوكة بشكل جزئي أو كلي للدولة. وفي حالة الأردن، نخص بالذكر كأمثلة نشاطات الاتصالات والنقل والتكرير وصناعة الأسمنت (السلع حصرية الاستخدام Excludable Goods).

- النوع الثاني: مشکلات على صعيد الإدارة والاستثمار، وتشمل الحالات التي أخفقت فيها الدولة في إدارة النشاطات التنافسية الواقعة في حيز الملكية العامة بكفاءة وفاعلية. فارتفاع تكاليف هذه النشاطات عن حدودها المعيارية وارتفاع أسعار منتوجاتها وخدماتها وتواضع مستوى الخدمات المقدمة وعدم كفايتها بدت سمة بارزة مشتركة في جميع المنشآت الحكومية التي كانت تتمتع بأوضاع احتكارية في نشاطات كان من المفترض أن تكون تنافسية.

في إطار المشكلات الإدارية أيضاً ، لم تظهر الدولة درجة عالية من الكفاءة والفاعلية في إدارة منشآت المرافق العامة غير التنافسية (Non-Rivals )، بل شهدت هذه المرافق انخفاضاً في الكفاءة التشغيلية وتدنياً في أسعار الخدمات التي تقدمها، الأمر الذي أربك الأوضاع المالية لهذه المنشآت على نحو زاد من ضغوط الأعباء المالية على موازنة الدولة. أما في حالة المنشآت التي تعمل في أوضاع تنافسية، فتبقی مساهمة الدولة فيها من دون آثار سلبية باستثناء الحالات التي تستغل فيها الدولة مساهمتها للتدخل في إدارة هذه المنشآت.

في هذا السياق، نتناول الكيفية التي يمكن فيها التعامل مع المشكلات من النوع الأول التي تتمثل بشكل رئيس في حائط الصد الذي كانت تشكله المنشآت العامة أمام مشاركة القطاع الخاص في عدد من أنشطته التقليدية ووقوفها عائقاً أمام تهيئة البيئة اللازمة لتعزيز المنافسة الايجابية في هذه الانشطة ، تعتبر الوصفة الاصلاحية لهذه المشكلات اكثر وضوحاً من غيرها ، فإتاحة المجال لمشاركة القطاع الخاص في هذه الأنشطة ربما لا تحتاج إلا إلى قرار سياسي بإزالة العوائق القانونية والتنظيمية من أمام مشاركة مستثمرين ودخول منشآت جديدة إلى هذه الأنشطة. فحرية دخول المنشآت إلى السوق وخروجها منها هي الشرط الأهم من شروط تحقق المنافسة المتكافئة. أبلت الحكومة الأردنية بلاءً حسناً على هذا الصعيد، إذ أقَرّت عدداً من القوانين والتشريعات التي تُنهِي احتكار الدولة عدداً من الأنشطة الاستراتيجية،  وتسمح للقطاع الخاص الاستثمار فيها بعدما حرم من ذلك عقوداً من الزمن. كما جرى استحداث عدد من الهيئات التنظيمية لمراقبة وضبط ممارسات المنشآت العاملة في عدد من الأنشطة التي تحول طبيعتها دون تحقق شروط المنافسة العادلة (ولا سيما احتكارات القلة). أقرّ في عام 1995 قانون تشجيع استثمارات غير الأردنيين بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الأردن من خلال معاملة المستثمر الاجنبي كالمستثمر الأردني (12)، بما في ذلك السماح له بتملك كامل المشروعات باستثناء بعض المشروعات في قطاعات النقل والتجارة والمقاولات حيث يشترط ألا تقل مساهمة الأردني فيها عن 50 في المئة. كما أقرّ أيضاً قانون الاتصالات رقم 13، وأُسست بموجبه هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لتنظيم عمل هذا النشاط وتشجيع الاستثمار وتعزيز المنافسة فيه. كذلك تقرر إلغاء مؤسسة عالية كمؤسسة عامة تمهيداً لتحويلها إلى شركة مساهمة عامة تحتكم إلى قانون الشركات (13) .

وشهد عام 1996 إقرار قانون الكهرباء الذي تم بموجبه تحویل سلطة الكهرباء الأردنية إلى شركة مساهمة عامة مملوكة بالكامل للدولة، سمّيَت الشركة الوطنية للكهرباء، وأنشئت بموجبه أيضاً هيئة مستقلة لتنظيم عمل القطاع ومراقبته. والأهم من ذلك كله، أتاح القانون للقطاع الخاص الاستثمار في أنشطة الكهرباء (14).

أُصِدرت أيضا حزمة من القوانين المساندة اللازمة لتوفير البيئة الملائمة لعمل القطاع الخاص، شملت قانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون الأوراق المالية وقانون الجمارك وقانون ضريبة الدخل وقانون الضريبة العامة على المبيعات وقوانين حماية الملكية الفكرية والعلامة التجارية وقانون البنوك (15) .

أما في ما يتعلق بالنوع الثاني من المشكلات، المتمثل في ضعف الأداء الإداري للمنشآت الحكومية التي كانت تمارس أعمالها في أنشطة تنافسية لكن بامتيازات احتكارية، فيلاحظ أن الحلول المثلى لهذه المشكلات لیست واضحة بدرجة وضوح الحلول المتاحة للتعامل مع المشكلات من النوع الأول. يتمثل الحل الواضح للتعامل مع الاحتكارات العامة وإتاحة المجال أمام مشاركة القطاع الخاص بتعديل القوانين وتهيئة البيئة الملائمة لمشاركة القطاع الخاص من دون عقبات وقيود. أما التعامل مع مشكلة تدني كفاءة المنشآت العامة فهو موضوع مقاربات مختلفة، ترتبط إلى حد بعيد بالأيديولوجيا الاقتصادية لمتبنيها. فمناهضو سياسات الخصخصة يعتقدون أن التعامل مع هذه المشكلة لا يكمن في خصخصتها، وإنما في إدخال عدد من الإصلاحات المؤسسية عليها. في واقع الحال، تشير الدراسات وعدد من التجارب العالمية إلى أن تحسين أداء المنشآت الحكومية ربما يتطلب العمل على مستويين : الأول خارجي، يتمثل بشكل أساس بتهيئة البيئة الملائمة وإزالة العوائق التي تحول دون تحقق المنافسة في النشاط الذي تعمل في كتفه المنشاة، بما في ذلك تعزيز استقرار  الاقتصاد الكلي، وتهيئة البيئة التشريعية والقانونية الملائمة، وتقوية النظام المالي على نحو يعزز فرص حصول القطاعات الإنتاجية على الائتمان اللازم ضمن أوضاع السوق التنافسية ، وتهيئة البنى التحتية وغيرها من المتطلبات التي تدعم انطلاق واستمرار عمل المنشآت بغض النظر عن هيكل ملكيتها. كما تثبت التجارب العالمية ضرورة وضع قيود مالية صارمة تُبدّد فرص حصول المنشآت الحكومية على الدعم الحكومي أو على أي امتيازات الخاصة كشرط أساس للتغلب على مشكلاتها الإدارية وتحسين أدائها.

أما المستوى الثاني فداخلي، يستهدف في مضمونه تهيئة وإعادة ترتيب الوضع المؤسسي للمنشأة، الأمر الذي ربما يتطلب العمل على إعادة هيكلة وضعها القانوني (Legal Restructuring) كأن يتم تحويلها إلى نمط مؤسسي جديد (شركة مساهمة، مؤسسة غير ربحية، جمعية ... إلخ) حتى لو أبقت الحكومة على كامل ملكيتها فيها، على أن يترافق ذلك مع إعادة النظر في العلاقة القائمة بين المالك (الحكومة) والإدارة، والعمل على اتخاذ تدابير أخرى لتعزيز الحكمانية داخل المنشآت الحكومية، من خلال العمل على تحسين هيكلية إدارة المنشآت و ایجاد أنظمة حوافز ووسائل فاعلة تربط الثواب والعقاب بالأداء. في هذا المجال، بشير عدد من تجارب الدول كفرنسا وإيطاليا والنرويج ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والهند وتركيا إلى أن النظام الفاعل للحكمانية الداخلية في المنشآت الحكومية التي حُوّلَت إلى شركات تم تحقيقه من خلال قيام هذه الدول بتوفير الحوافز الكافية للقائمين على المنشأة من المستويات المختلفة من مجالس الإدارة والمدراء والعمال لحفزهم على تحقيق أهدافها التجارية، ومن خلال بناء حكمانية مؤسسية فاعلة للعمل على إعادة توزيع المهمات والمسؤوليات الإدارية والفنية بين المتخصصين المؤهلين لإشغال الوظائف المختلفة، من منطلق " اعطِ الخبز لخبازه " كما يقال ، من المفترض أن تُفضي التحسينات التي تدخل على حكمانية المنشآت المملوكة للدولة إلى منع التدخلات السافرة من المسؤولين الحكوميين في أعمالها اليومية والتنفيذية والتي عادةً ما تنطلق من اعتبارات سياسية واجتماعية، ومن غرائز شخصية أحياناً لا تنتمي البتة إلى أي اعتبارات فنية أو إدارية منطقية. كما يجب أيضاً الفصل بين الأهداف الاجتماعية للمنشأة وأهدافها التجارية. فالمنشآت الحكومية في معظم دول العالم، ولا سيما الدول الاشتراكية سابقاً، كانت مثقلة بتقديم جملة من الخدمات الاجتماعية كالمدارس والسكن والحضانات ووسائل الاستجمام. ففي منتصف التسعينيات، على سبيل المثال، كانت المساكن التي توفرها المنشآت الحكومية تشكل نحو 40 في المئة من إجمالي المساكن في روسيا، كذلك كانت المنشآت الحكومية تعامل على أنها أداة من أدوات سوق العمل، يقع على عاتقها امتصاص جانب من فائض قوة العمل الوطنية (16)

ربما يتطلب تحسين أداء المنشأة العمل على إعادة هيكلة وضعها المالي ، ولا سيما التعامل مع أي مديونية قد ترتبت عليها. وربما يتطلب حسن الأداء في بعض الحالات ضخ مزيد من الاستثمارات فيها، لكن ضمن أسس فنية تعزز قدراتها الفنية وتحسن كفاءتها وفاعليتها.

يمكن إثارة السؤال هنا عن المدى الذي تستطيع فيه دولة نامية مثل الأردن أن تتخذ من اقتصاد السوق منهجاً لها لتحقيق تقدم على المستويين، الداخلي والخارجي. قبل الإجابة عن مثل هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن تحسین البيئة الخارجية للمنشآت الحكومية لا يعد ضرورياً للارتقاء بكفاءتها وإنتاجينها فحسب، بل يعد أيضاً شرطاً مسبقاً إذا تقرر السير قدماً بخصخصتها. إذا، يعتبر العمل على هذا المستوى في جميع الأحوال خطوة ضرورية لا بد منها، سواء كان الهدف تحسين كفاءة المنشأة أم خصخصتها. وكما أشرنا سابقاً ، أبلى الأردن بلاءً حسنا على هذا الصعيد. فحزمة القوانين والتشريعات التي أقرت على سبيل تحرير الأسواق وتعزيز البيئة التنافسية، والإجراءات والإصلاحات التي تمت على الأنظمة المالية والمصرفية وغيرها من الخدمات المساندة، ساهمت إلى حد بعيد في تحسين البيئة المحيطة بالأعمال.

أما على صعيد الإصلاحات المطلوبة على المستوى المؤسسي (الداخلي)، فهناك فجوة كبيرة بين ما يفترض عمله وما هو ممكن، إذ أثبتت التجارب العالمية ومن ضمنها التجربة الأردنية أن الدول النامية أكثر قدرة على تبني الإصلاحات المتعلقة بإعادة هيكلة المنشآت الحكومية وتحويلها إلى مؤسسات وشركات مستقلة تتمتع بشخصيات اعتبارية مستقلة عن الهيكل التنظيمي للجهاز الحكومي .

لكن هل هذا يكفي؟ الجواب في الأغلب هو النفي، لأن تغيير طبيعة التبعية القانونية والتنظيمية لهذه المنشآت خطوة ضرورية لكن غير كافية، يحتاج تعزيز الحكمانية في الشركات والمؤسسات على النحو الذي يزيد من كفاءتها وإنتاجيتها بكل تأكيد إلى أكثر من ذلك. فعلى سبيل المثال، تتطلب عملية الفصل بين الملكية الحكومية والإدارة إلى إرادة سياسية وبيئة ديمقراطية فاعلة قلما تتوافر في دول المنطقة، فبعد نحو أكثر من عقد على الشروع بسياسة الخصخصة ، ما نالت الحكومات المتعاقبة في الأردن تتدخل بشكل سافر ومباشر في إدارة الشركات التي يمتلك القطاع العام جانباً من ملكيتها. بل تعدى الأمر ذلك إلى أن وصل هذا التعدي إلى صندوق الاستثمار الخاص بمؤسسة الضمان الاجتماعي الذي تمثل موجوداته مدخرات لمصلحة المشتركين تحت مظلة الضمان الاجتماعي لغايات تغطية جانب من حقوقهم التأمينية في المستقبل.  فالحكومة تقوم بتعيين رؤساء للصندوق من دون بيان الأسس والمؤهلات التي اختيروا بموجبها، وتقيلهم من دون عناء بيان الأسباب والمبررات. وحدّ هذا بدوره من استقلالية إدارة استثمار أموال الصندوق وأضعف مستوى الحكمانية فيه، كما تواجه عملية معالجة الاختلالات التي تعانيها المنشآت الحكومية، ولا سيما إلزامها تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية غير ربحية، ضغوطاً سياسية وشعبية أحياناً تحُول دون تحقيق إنجازات ملموسة على هذا الصعيد. فعلى سبيل المثال، تحاول الحكومة بين الحين والآخر إلزام الضمان الاجتماعي تنفيذ مشروعات غير ربحية حيناً، ومحفوفة بالمخاطر أحياناً.

إذاً، ما هي الخيارات الباقية أمام الحكومة للتعامل مع التحديات التي تعانيها المنشآت الحكومية من دون الاستغناء عن ملكيتها ؟ في واقع الحال، هناك عدد محدود من الخيارات المتاحة، لكن قد لا يصلح كله للتعامل مع طبيعة المنشآت التي نتناولها في هذا المجال، وهي المنشآت الإنتاجية والخدمية التي يفترض أن تعمل وفق اعتبارات السوق التنافسية، ولا تتولى تقديم سلع عامة أو ما شابهها. فعقود الإدارة والامتياز، كما سنرى لاحقاً، هي الأنسب في حالة المنشآت التي تتولى تقديم خدمات عامة تسعى الدولة إلى توفيرها بأسعار معتدلة تقل في الأغلب عن تكاليف إنتاجها، كما هي الحال في خدمات توزيع المياه والبريد والكهرباء والتعليم وما شابه. ونظراً إلى المحاذير التي ترتبط بنقل ملكية هذا النوع من المنشآت إلى القطاع الخاص، تحاول الدول في بعض الأحيان تحسين كفاءة هذه المنشآت والسيطرة على تكاليفها من خلال إبرام عقود إدارة وتشغيل مع القطاع الخاص .

أهم ما يمكن استنتاجه من المعطيات والاعتبارات آنفة الذكر هو أن تحسین أداء المنشآت الحكومية التي تمارس نشاطها في قطاعات تنافسية من دون التخلي عن ملكيتها هو طريق محفوفة بالتحديات والمصاعب، وتكتنفها درجة عالية من اللايقين. فبعد أكثر من خمسين عاماً على انطلاق الإصلاحات العالمية الهادفة إلى تحسين مستوى أداء المنشآت الحكومية من دون تغيير ملكيتها، لم يسجل إلا عدد محدود من حالات النجاح ، في حين كان مصير عشرات الآلاف منها الفشل.

في مقابل ذلك، الخيار الأنسب هو أن تقتصر ملكية الدولة على المنشآت الإنتاجية والخدمية المختصة بتوفير السلع العامة أو ما في حكمها. أما في ما عدا ذلك، فيزول معظم مشكلات المنشآت الحكومية الأخرى المنتمية إلى قطاعات تنافسية تلقائياً بمجرد انتقال ملكيتها إلى القطاع الخاص، فنقل ملكية المنشأة إلى القطاع الخاص وإخضاعها للمنافسة الفاعلة ضمن بيئة تنظيمية ملائمة يحررها من الانشغال بتحقيق أهداف اجتماعية تتعارض مع أهدافها التجارية، فلا تبقى عرضة للتدخلات الحكومية المتكررة والمباشرة في إدارتها وآليات عملها، وتتسم بمرونة أكبر للتحكم بأصولها وفي ما يجب توزيعه أو إعادة استثماره من الأرباح بحسب ما تقتضيه الحاجات الفنية ومعطيات السوق، ومن دون أن يرتبط ذلك بشكل مباشر بوضع الموازنة العامة أو بغيرها من الاعتبارات الخارجة عن مصلحة المنشأة .

لعل تجربة الأردن في قطاع الاتصالات من أبرز الشواهد التي تؤكد قدرة القطاع الخاص على إدارة هذا النوع من الأنشطة والنهوض به وتطويره بشكل أفضل من القطاع العام، خصوصاً أن عملية خصخصة هذا القطاع ترافقت مع فتح المجال أمام دخول منافسين جدد إلى القطاع ومع قيام هيئة تنظيمية للقطاع تشرف على تحقيق سبل المنافسة فيه. فصناعة الاتصالات كانت تعمل طوال عقود من الزمن باعتبارها احتكاراً طبيعيا، إلا أن التطور التكنولوجي الذي شهدته هذه الصناعة في بداية التسعينيات وتحديداً  الخدمات اللاسلكية افضى إلى تراجع الاعتماد على شبكات الاتصالات التقليدية، وسمح بدخول منافسين جدد إلى هذه الصناعة، واستطاعت الشركة بعد سنوات قليلة من خصخصتها من الارتقاء بمؤشرات ربحيتها وأدائها التشغيلي بشكل لافت. فعلى الرغم من تراجع الهوامش الربحية المتحققة على مبيعات الشركة مقارنة بالهوامش التي كانت تحققها قبل الخصخصة (في ظل الاحتكار)، فإن نمو مبيعاتها بشكل مطّرد طوال السنوات الماضية ساهم في تمكين الشركة من تحقيق معدلات عوائد مرتفعة على حقوق المساهمين فيها وعلى موجوداتها .  

أدى السماح بدخول مشغلين جدد إلى قطاع الاتصالات بالتزامن مع تطور تكنولوجيات جديدة في هذا القطاع، ولا سيما خدمات الاتصالات الخلوية وخدمات البيانات (الإنترنت)، إلى اتساع نطاق المستفيدين من خدماته، وساهم أيضاً في زيادة حدة التنافس بين المشغلين على نحو أفضى إلى انخفاض أسعار الخدمات التي يقدمها القطاع إلى الشرائح المختلفة من المستهلكين. وتمكنت شركة الاتصالات، المشغل والموفر الوحيد لخدمة الهاتف الثابت، بعد خصخصتها من تحسين فاعلية ونوعية الخدمات التي تقدمها. وبعد أن كان يتعين على العميل الانتظار سنوات كثيرة للحصول على خط ثابت، أصبح في إمكانه الآن الحصول عليه خلال أيام قليلة، وأصبحت نسبة المستفيدين من خدمات الخط الثابت مرهونة بنمو الطلب لا بتوافر العرض (الخطوط) كما كانت الحال في السابق، وتوافرت خدمات الهاتف الثابت لكل من يطلبها في أي منطقة من مناطق الأردن يقطنها 300 نسمة فأكثر. كما أصبح للشركة الحكومية التي خُصخصت دور فاعل على صعيد الاتصالات الخلوية، بعد أن نجحت في السيطرة على نحو ثلث سوقه، وأصبح لها مساهمة فاعلة في تزويد شريحة واسعة من السكان وقطاع الأعمال بخدمات أخرى كخدمة البيانات وخدمة الطيف العريض (Broad Band) وغيرها من الخدمات الأساسية جنباً إلى جنب مع باقي المزودين الذين دخلوا إلى السوق بعد إلغاء احتكار الشركة الحكومية، حيث تصل هذه الخدمات حالياً إلى نحو ثلثي سكان المملكة، وعلى الرغم من هذه الإنجازات كلها، ما زال ثمة عدد من التساؤلات في شأن مدى كفاءة الأطر التنظيمية التي تحكم عمل هذا القطاع، خصوصاً في ظل ارتفاع مستويات ربحية الشركات العاملة فيه، ولجوء الحكومة إلى فرض المزيد من ضرائب الاستهلاك التي يتحملها المستهلك بالنظر إلى الانخفاض النسبي في مرونة الطلب على خدمات الاتصالات.

في مقابل التجربة الناجحة لخصخصة قطاع الاتصالات، ثمة تجربة أخرى كان يفترض أن يكتب لها النجاح لو ترافقت مع إجراءات وتدابير تنظيمية كافية. فشركة الأسمنت الأردنية التي جرت خصخصتها في نهاية التسعينيات ببيع أكثر من 50 في المئة من أسهمها إلى مستثمر استراتيجي هو شركة " لافارج " الفرنسية، استطاعت تحقيق أرباح استثنائية طوال نحو عشر سنوات بعد خصخصتها. لكن ذلك أتى على حساب المستهلكين نتيجة استمرار الشركة بالتمتع بوضع احتكاري مطلق حال دون توافر الحوافز اللازمة للارتقاء بفاعلية إنتاجها وكفاءته.

فالشركة استمرت برفع سعر مادة الأسمنت التي تعد المدخل الرئيس لقطاع الإنشاءات، وشكّل هذا بدوره عقبة أمام تطور هذا القطاع على النحو المأمول، وحمّل المستهلك النهائي أعباء مالية فاقت قدراته. ففي خلال خمس سنوات من خصخصة الشركة، ارتفع سعر بيع هذه المادة نحو 50 في المئة، ويؤكد هذا بدوره أن اتباع المنهج الملائم للخصخصة لن يفضي إلى نجاحها ما لم يكن مترافقاً مع إجراءات تنظيمية ملائمة تعزز الوضع التنافسي في الفضاء الذي تعمل فيه المنشأة.

كنّا قد عرضنا في الفصل الثاني من هذا ظاهرة قصور کفاءة الأداء في المرافق العامة. وربطاً للحالة الأردنية بهذه الظاهرة، نتساءل هنا إن تحرّت الجهات الحكومية المسؤولة سبل الاستفادة من المنهجيات الجديدة التي اتبعتها دول أخرى للنهوض بأنشطة المرافق العامة وتحسين كفاءتها؟ وهل كانت تدرك التبعات والتحديات المرتبطة بأي من تلك المنهجيات أو التدابير اللازمة للتعامل معها ؟ في واقع الحال، لا توجد هناك إجابات واضحة عن هذه التساؤلات، بل تدل الشواهد على التوجه نحو خصخصة ملكية المرافق العامة لم يستند إلى إعمال الفكر في المنهجيات المشار إليها بقدر ما كان متأثراً بالسياسات التي شجع عليها "توافق واشنطن"، وسعى إلى تضمينها برامج التصحيح في الأردن وغيرها من الدول النامية الأخرى. من ذلك على سبيل المثال ما وجّه به خبراء البنك الدولي في شأن خصخصة أنشطة توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها على الرغم من أن شركة الكهرباء الوطنية، الشركة الحكومية التي كانت تدير هذه الأنشطة، على عكس معظم المنشآت الحكومية الأخرى (مؤسسة الاتصالات مثلاً)، كانت استثناء بارزاً في الكفاءة، ولم تكن تعاني أي مشكلة جدية. أما وقد خُصخصت الشركة، وفُصل بين أنشطة التوليد والنقل والتوزيع، وأخضع الجميع الرقابة هيئة تنظيم القطاع، يبقى الحكم على مستقبل هذا القطاع مرهوناً بكفاءة عمل الهيئة المنظمة وقدرتها على تنظيم العلاقة السليمة بين الأنشطة المذكورة. في هذا الصدد، هناك عدد من التساؤلات التي يمكن أن تُطرح في شأن جدوى اعتماد الهيئة المنظمة منهجية "علاوة التكاليف"    ( Cost-Plus ) التي تضمن هامشاً ربحياً معيناً فوق التكاليف، خصوصاً أن التجارب في بلدان أخرى أثبتت إخفاق هذه المنهجية وعجزها عن محاكاة الحوافز اللازمة للارتقاء بكفاءة نشاط المرافق العامة . 

خلاصة القول، هناك من الشواهد ما يدل على عدم نجاح تجربة الخصخصة في هذا القطاع. كما أن المناهج الأخرى للخصخصة، التي لا تتضمن تحويل ملكية هذه الأنشطة إلى القطاع الخاص، ولا سيما نشاط التوزيع، كان من الممكن انتهاجها بجهود أقل وبدرجة أعلى من اليقين في شأن إمكان معالجة أي مشکلات تعانيها هذه الأنشطة. أصبحت أنشطة التوزيع المُخصخصة تحقق أرباحاً استثنائية من دون أن يتزامن ذلك مع أي تحسن يُذكر في أدائها التشغيلي، وهذا أصبح بدوره يشكل أعباء إضافية على خزينة الدولة باعتبارها الضامن الرئيس لهذه الأرباح بحسب منهجية علاوة التكاليف، وتتحمل الخزينة العامة أيضاً الأعباء المترتبة عن تضخم حجم التكاليف التشغيلية للأنشطة التي خُصخصت. وعلى النحو ذاته، أصبحت الخزينة العامة تتحمل تكلفة الأرباح الإضافية التي أتيح لشركة التوليد تحقيقها بعد خصخصتها من دون أن يرتبط ذلك بتحسن ملحوظ في أدائها التشغيلي، ولا تعزى هذه الاختلالات بالضرورة إلى مجرد خصخصة ملكية الأنشطة المذكورة، وإنما إلى ضعف الأطر التنظيمية وقدراتها الفنية، وإلى الاختلالات القائمة في منهجية التسعير(17).

في مقابل المقاربة شبه الأيديولوجية لخصخصة مرفق الطاقة الكهربائية، قام التعامل مع مرفق توزيع المياه دليلاً ، من ضمن شواهد قليلة، على أن الحكمة تقضي اعتماد سياسة الخصخصة بمرونة تتجنب مفهومها المطلق بتنازل الدولة عن ملكيتها للمرافق العامة، وتحصر انخراط القطاع الخاص في الأنشطة الضرورية للارتقاء بأداء المنشآت الحكومية، وهي في هذه الحالة إدارة العمليات التشغيلية لإسالة المياه وتوزيعها في العاصمة، حيث أنيطت هذه الإدارة بتحالف استراتيجي بين شركات محلية وأجنبية، في مقابل رسوم محددة للإدارة وحوافز مالية تُقدّم للمشغل في حال تمكنه من الارتقاء بالأداء التشغيلي للنشاط. وبعد نجاح التجربة، شرعت الحكومة الأردنية بتأسيس شركة حكومية مستقلة لإدارة هذا النشاط، بناء على القواعد واساليب العمل الفاعلة والناجحة التي أرساها المشغّل الاستراتيجي الخاص، تراجعت مستويات الفاقد من المياه بشكل ملحوظ عن مستوياتها في ظل الإدارة الحكومية السابقة، فبعد أن كانت نسبة الفاقد تتجاوز نصف ما يُضَخ في الشبكات (54 في المئة) في عام 1999، أخذت هذه النسبة بالتراجع بالتدريج في عهد المشغل الخاص، إلى أن وصلت في عام 2006 إلى 42.1 في المئة، كما واصلت الشركة الحكومية التي أُسست في ما بعد جهودها المبذولة لخفض هذا الهدر في المياه إلى أن وصلت نسبته إلى 32.1 في المئة من إجمالي الكمية التي تُضَخ في شبكات مياه محافظة العاصمة.

المثال الآخر على إمكان الارتقاء بالأداء التشغيلي لمنشآت المرافق العامة من دون المساس بهيكل ملكيتها وإنما بتغيير شخصية مشغليها ونمط إدارتها نقتبسه من التجربة الأردنية هو عملية خصخصة إدارة ميناء العقبة وتشغيله، وهو الميناء البحري الوحيد للأردن، كانت الدولة تدير هذا الميناء بشكل كامل، وكان يعاني ضعفاً واضحاً في الأداء على نحو أصبح يشكل عائقاً أمام انسياب حركة التجارة والقدرة التنافسية للاقتصاد الأردني، إذ كان يتعين على السفن التجارية الانتظار طويلاً في المرسى، الأمر الذي دفع الكثير من شركات الشحن الدولية إلى وقف التعامل مع هذا الميناء. كما أدى الازدحام الكبير الذي أصبح يعانيه هذا الميناء بعد الحرب الأميركية على العراق في عام 2003 دوراً في دفع شركة تطوير العقبة إلى البحث عن شريك فاعل من القطاع الخاص لتطوير كفاءة تشغيل الميناء وزيادة فرص الاستفادة من موقع العقبة، باعتباره الأكثر ملاءمة لتلبية حاجات العراق من المستوردات. لذلك، وقّعت شركة تطوير العقبة في عام 2004 اتفاقية لإدارة الميناء لمدة عامين مع AP Terminals في مقابل مليوني دولار سنوياً. وبعد تقویم تجربة العامين والتأكد من تمكن المشغل المتعاقد من تحقيق مؤشرات الأداء المحددة مسبقاً، وُقّع في عام 2006 عقد البناء - التشغيل والتحويل (BOT) مع هذا المشغل. واستطاع المشغل الخاص منذ توليه زمام الأمور في الميناء الارتقاء بشكل ملحوظ بأداء الميناء وفاعلية خدماته. من ذلك أن إنتاجية الرافعات، وهي من أبرز المؤشرات المستخدمة للدلالة على كفاءة الموانئ وفاعليتها، ارتفعت في العام الأول من تولي المشغل الخاص مسؤولياته في الميناء بأكثر من 50 في المئة، من 13 حركة / ساعة في عام 2003 إلى 21 حركة / ساعة في عام 2004، ومن ثم استمر التحسن بالتدريج على مدار السنوات اللاحقة، إلى أن وصل إلى 30 حركة / ساعة في عام 2012.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(12) في عام 2003 عُدّل القانون واستدل بقانون اخر .

(13) الهزايمة، " تقييم تأثير التخاصية على الأداء المالي والتشغيلي "

(14) Kanaan, The Changing Role of the Public Sector .

(15) الهزايمة ، " تقييم التخاصية على الاداء المالي والتشغيلي " . 

(16) Harry G. Broadman, ed., Policy Options for Reform of Chinese State-Owned Enterprises  Proceedings of Symposium in Beijing. June 1995, World Bank Discussion Papers: 335 (Washington, DC World Bank, 1996). 

(17) بنيت هذه الاستنتاجات على تحليل البيانات والمعطيات المتوافرة عن هذه الشركات من واقع تقاريرها السنوية المنشورة . 




علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





علم قديم كقدم المجتمع البشري حيث ارتبط منذ نشأته بعمليات العد التي كانت تجريها الدولة في العصور الوسطى لحساب أعداد جيوشها والضرائب التي تجبى من المزارعين وجمع المعلومات عن الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وغيرها. ثم تطور علم الإحصاء منذ القرن السابع عشر حيث شهد ولادة الإحصاء الحيوي vital statistic وكذلك تكونت أساسيات نظرية الاحتمالات probability theory والتي تعتبر العمود الفقري لعلم الإحصاء ثم نظرية المباريات game theory. فأصبح يهتم بالمعلومات والبيانات – ويهدف إلى تجميعها وتبويبها وتنظيمها وتحليلها واستخلاص النتائج منها بل وتعميم نتائجها – واستخدامها في اتخاذ القرارات ، وأدى التقدم المذهل في تكنولوجيا المعلومات واستخدام الحاسبات الآلية إلى مساعدة الدارسين والباحثين ومتخذي القرارات في الوصول إلى درجات عالية ومستويات متقدمة من التحليل ووصف الواقع ومتابعته ثم إلى التنبؤ بالمستقبل .





لقد مرت الإدارة المالية بعدة تطورات حيث انتقلت من الدراسات الوصفية إلى الدراسات العملية التي تخضع لمعايير علمية دقيقة، ومن حقل كان يهتم بالبحث عن مصادر التمويل فقط إلى حقل يهتم بإدارة الأصول وتوجيه المصادر المالية المتاحة إلى مجالات الاستخدام الأفضل، ومن التحليل الخارجي للمؤسسة إلى التركيز على عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة ، فأصبح علم يدرس النفقات العامة والإيرادات العامة وتوجيهها من خلال برنامج معين يوضع لفترة محددة، بهدف تحقيق أغراض الدولة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و تكمن أهمية المالية العامة في أنها تعد المرآة العاكسة لحالة الاقتصاد وظروفه في دولة ما .و اقامة المشاريع حيث يعتمد نجاح المشاريع الاقتصادية على إتباع الطرق العلمية في إدارتها. و تعد الإدارة المالية بمثابة وظيفة مالية مهمتها إدارة رأس المال المستثمر لتحقيق أقصى ربحية ممكنة، أي الاستخدام الأمثل للموارد المالية و إدارتها بغية تحقيق أهداف المشروع.