أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-05-2015
3763
التاريخ: 27-05-2015
927
التاريخ: 27-05-2015
509
التاريخ: 27-05-2015
541
|
اتّفق المسلمون تبعاً للذكر الحكيم على أنّ الرسالة المحمّدية رسالة عالمية أوّلاً ، وخاتمية ثانياً ، قال سبحانه : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف : 158] ، وقد حملت الأُمّة الإسلامية رسالة إبلاغ الإسلام على عواتقها بعد التحاق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى فنشروها في مشارق الأرض ومغاربها حسبما توفر لديهم من الإمكانيات ، وقد وصلت النوبة في هذا العصر إلى قادة المسلمين وأئمّتهم ، فيجب عليهم بث الإسلام وتعاليمه بين الناس ـ شرقيّهم وغربيّهم ـ في حدود الإمكانيات والوسائل الموجودة في سبيل بسط الدعوة ونشرها حتّى ينقذوا العالم من مخالب المادية ومن الحروب التي تهدد كيان الإنسانية.
وممّا لا شكّ فيه أنّ للتأثير في النفوس وجذب القلوب ، عللاً وأسباباً مختلفة ، أهمها كون الداعي مجهزاً بقوة المنطق والاستدلال القاطع الذي تخضع له العقول السليمة ، فعند حسن الدعوة وأسلوبها ، وقوّة المادة ورصانتها ، ترى القلوب تهوي إليها من كلّ صوب وجانب ، والناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً ، وأمّا إذا كانت الدعوة غير منسجمة مع الفطرة السليمة ، فنفور الناس هو النتيجة الحتمية وتكون من قبيل « مايفسده أكثر ممّا يصلحه ».
وفي ظل هذا العامل سيطرت الدعوة المحمدية ـ آن ظهورها ـ على قلوب العالم واكتسحت العراقيل الموجودة أمامها ، وما ذاك إلاّ لكون الدعوة حائزة للشرائط موافقة للطباع ، وإلى هذا الانسجام يشير قوله سبحانه : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم : 30]
فالدعوة إلى التوحيد ورفض الأصنام ، وبسط العدل والقسط بين الناس ، والدعوة إلى الاعتدال في ما يرجع إلى أُمور الدنيا والآخرة ، وتأمين سبل الحياة ، والحفاظ على الروابط العائلية و ... كلّها أُصول إسلامية مطابقة للفطرة الإنسانية.
فإذا كان هذا هو الأساس لنشر الإسلام في العالم وجذب النفوس إليه ، فيجب على قادة المسلمين على الإطلاق والحنابلة وأهل الحديث بالخصوص ، تجريد الدعوة عن الأُمور التي تعارض الفطرة ومن التي تناطح العقل السليم ، ثمّ عرض الإسلام بشكل يتجاوب مع العقول السليمة كما كانت عليه الدعوة المحمدية آن ظهورها وبعدها ، وهذه الغاية المتوخاة لا تتحقّق ـ بلا مجاملة ـ إلاّبدراسة الأُصول والعقائد التي نسجت على طبق الأحاديث الموجودة في الصحاح والمسانيد من رأس والعودة إليها من جديد حتى تصفو الدعوة من الأُمور التي يشمئز منها شعور الإنسان الحر صاحب الفطرة السليمة التي بني عليها دين اللّه في عامة الشرائع السماوية.
هلمّ معي نلاحظ نماذج من الأُصول التي قامت عليها الدعوة الحنبلية المتسمّية في هذه العصور بالدعوة السلفية ، ثمّ نعرضها على محك الصحة ومقياسها « الفطرة الإنسانية » ، فهل هي تتجاوب معها؟ ونحن لا نطيل الكلام بعرض عامة الأُصول بل نأخذ ـ كما قلنا ـ نماذج ونجعلها على مرأى ومسمع من القارئ.
أفهل يمكن دعوة شعوب العالم إلى الإسلام مع القول بأنّ اللّه سبحانه كإنسان له من الأعضاء ما للإنسان عدا اللحية والفرج ، وأنّ له عينين ناظرتين وذراعين وصدراً ونفساً ورجلاً وحقواً ونزولاً وصعوداً إلى غير ذلك ممّا ملأ كتب الحنابلة وقليلاً من كتب الأشاعرة؟ وأقصى ما عندهم أنّ له سبحانه هذه الأعضاء ولكن بلا كيفية ، وقد عرفت حال التدرّع به وأنّه ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع.
أ فيصحّ لنا دعوة أساتذة العلوم الإنسانية والطبيعية من المخترعين والمكتشفين في عالمنا الراهن إلى الإله الذي استقرّ على عرشه فوق السماوات ينظر منه إلى العالم كلّه الذي هو تحت قدميه ، والعرش يئط تحته أطيط الرحل تحت الراكب؟!
باللّه عليك إذا كانت رسالتنا في العالم نشر ما جاء في قول هذا الشاعر الحنبلي :
للّه وجه لا يحد بصورة |
|
لربنا عينان ناظرتان |
وله يدان كما يقول إلهنا |
|
يمينه جلّت عن الأيمان |
فهل يتصور لنا النجاح في ميدان الدعوة؟! أو يكون التراجع والفشل نتيجة حتمية للدعوة ، وإنّنا سوف نقابل بالقول بأنّ المادية والإلحاد أولى وأرجح من الاعتقاد بهذا الإله الذي جلس على سرير كجلوس الملوك ينظر إلى ملكه بعيونه ويفعل بيده ويكتب ببنانه.
أو ليس القول بالجبر وسلب الاختيار هي النتيجة الطبيعية للروايات الواردة في الصحاح والمسانيد حول القضاء والقدر ، وقد مضى حديث مسلم : « فو الذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ... ؟! » (1) .
أو ليس هذا تطويحاً بالوحي كلّه وتزييفاً للنشاط الإنساني من بدء الخلق إلى قيام الساعة وتكذيباً للّه والمرسلين قاطبة. قال سبحانه : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } [الأنعام: 104].
وقال سبحانه : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف : 29].
وهناك أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى وتعرف الإنسان بأنّه مسلوب المشيئة ، وأنّه مقهور بكتاب سابق ، وأنّ سعيه باطل ، لأنّه لا يغير شيئاً ممّا خط عليه في الأزل مع أنّه سبحانه يقول : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النجم : 39 - 41].
فهذه أحاديث واهية خلّفت تعاليم باطلة في أوساط المسلمين يجب تجريد الدعوة الإسلامية منها ، فهي تعاكس منطق الفطرة أوّلاً ، والعقل السليم ثانياً ، ومنطق العقلاء ثالثاً ، ومنطق الشرائع عامة رابعاً ، فليس لهذه الروايات أن تطيح على المحفوظ من كتاب اللّه وسنّة رسوله ، أو تنافح ما اجتمع عليه عقول العالمين ، ولو صحت هذه الروايات ، لكانت الحياة عملاً مسرحياً ، والدعوة الإلهية دعوة خادعة ، والناس محكومون بما جف عليه القلم وليس لهم التخطّي عنه قدر أنملة.
هذه بعض الأُصول (2) التي تناقض الفطرة ، وهي أكثر ممّا حررناه هنا ، فليكن منها شعار الحنابلة وبعدهم الأشاعرة بأنّه :
يجوز التكليف بما لا يستطاع ولا يطاق (3) .
يجوز تعذيب أطفال المشركين يوم القيامة (4) .
يعذب الميت ببكاء أهله عليه (5) .
ليس للعقل الحكم بحسن شيء أو قبحه ، وعليه : يصحّ له سبحانه إدخال المؤمن الجحيم ، والعاصي الجنّة.
إنّ الإطاحة بحاكمية العقل في مجال التحسين والتقبيح إماتة للمنطق وإحياء للخرافات ، وفي الوقت نفسه ردّ لصميم الدعوة المحمدية المبنية على التدبّر
والتعقّل والاحتكام إلى العقل في مجال الطاعة والمعصية ، يقول سبحانه : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [القلم : 35، 36] وشهيدي الله لا تكون الدعوة الاسلامية ناجحة في أقطار الغرب والشرق إذا كانت هذه الأُصول هي اللحمة والسدى لها.
إنّ ملحمة الكنائس ومغادرة المثقفين من المسيحيّين عن دينهم هي العبرة لقادة الحنابلة ومن يقتفي أثرهم ، ولم يكن للهوّة السحيقة بين أصحاب الكنائس والمثقفين سبب ، سوى وجود الخرافات في تعاليم الكنائس ، فلم تزل تدعو إلى التثليث أوّلاً ، وإلى التجسيم ثانياً ، وصلب المسيح لأجل إنقاذ البشرية ثالثاً ، وبيع أوراق المغفرة رابعاً ، ونوع خاص من الجبر وسلب الاختيار خامساً ، هذا وذاك صار سبباً لانسحاب الشباب والعلماء عن ساحة الكنائس والبيع واختصاص الأماكن المقدّسة بالسذج من الناس الذين لا يعرفون من العلم والحياة سوى شيء طفيف.
هذه نصيحتي لقادة الحنابلة ، وفي الأخير نضيف إليها كلمة وهي أنّ الحنابلة وأهل الحديث عمدوا إلى احتكار اسم « أهل السنّة » لأنفسهم ولا يصفون سائر الطوائف الإسلامية به ، حتّى إنّ ابن تيمية محيي الدعوة السلفية في القرن الثامن لا يبيح تسمية الأشاعرة باسم أهل السنّة فضلاً عن المعتزلة والشيعة وغيرهم ، ولكن في هذا الاحتكار بل في هذه التسمية نكتة لافتة :
إنّ توصيف طائفة من المسلمين باسم أهل السنّة من العناوين الطارئة الحديثة التي ظهرت في آخر القرن الأوّل أو في أوّليات القرن الثاني ، فإنّك لا ترى أثراً من هذا الاسم ولا التوصيف به في زبر الأوّلين إلاّ في رسالة عمر بن عبد العزيز في القدر التي مرت بنصها في ما سبق (6) ، وقد عرفت أنّ كتابة الحديث وتدوينه والتحدّث به وإفشاءه كان من الأُمور المنكرة ، وهذا هو عمر بن الخطاب قال لأبي ذر وعبد اللّه بن مسعود وأبي الدرداء : ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد؟ (7) .
وكان يقول أيضاً : جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول اللّه وامضوا وأنا شريككم (8) .
وقد خلّف هذا المنع في نفوس المسلمين أثراً خاصاً فعاد التحدّث وكتابة الحديث وتدوينه أمراً منكراً لديهم وتركه أمراً مرغوباً فيه ، حتّى إنّه بعد ما أصدر الخليفة عمر بن عبد العزيز الأمر الأكيد بضرورة تدوين الحديث ، كانت رواسب الحظر تحول دون القيام بما أمر به الخليفة فلم يكتب شيء من أحاديث النبي إلاّ صحائف غير منظمة ولا مرتبة إلى أن جاء عصر أبي جعفر المنصور فقام المحدثون بتدوينه سنة مائة وثلاثة وأربعين.
فإذا كان التحدّث بسنّة الرسول أمراً منكراً في القرن الأوّل وأوّليات القرن الثاني ، فكيف يحتمل أن يعرف أُناس ينكرون نقل الحديث وإفشاءه باسم « أهل السنّة » وعلى ذلك فلا نحتمل وجود هذه التسمية في تلك العصور ، وإنّما حدثت تسمية أهل الحديث وتوصيفهم بأهل السنّة بعدما شاع التحدّث به وقام ثلة جليلة من المسلمين بجبر ما انكسر.
فعلى ضوء ذلك ، لا يصحّ احتكار هذا اللقب وتسمية طائفة خاصة به ، بل كلّ من يحترم حديث رسول اللّه وسنّته ويعمل بها فهو من أهل السنّة فالمسلمون سنّيهم وشيعيّهم ، أشعريّهم ومعتزليّهم ، من غير استثناء طائفة واحدة كلّهم أهل السنّة ، أي مقتفون سنّة رسول اللّه وأثره من قوله وفعله وتقريره. والشيعة أولى بهذا الوصف من غيرهم ، فإنّهم لم يزالوا يحترمون سنّة رسول اللّه منذ حياته إلى يومنا هذا ، فقد قام الإمام أمير المؤمنين 7 بتدوين أحاديثه كما قامت ثلّة جليلة من خيار صحابة الإمام بتدوين الحديث إلى أن وصلت حلقات التأليف من عصر الإمام إلى عصر الأئمّة الاثني عشر وبعدهم إلى أعصارنا هذه ، فدوّنوا سنّة رسول اللّه المروية عن طرق أهل البيت وأئمتهم وما صحّ لديهم من طرق غيرهم. أفهل يصحّ بعد هذا احتكار الحنابلة لهذا اللقب وعدم السماح بإطلاقه على غيرهم والتقوّل ب ـ : نحن السنّيون؟!
________________
1 ـ راجع ص 264 من هذا الجزء.
2 ـ قد تعرفت على مصادر هذه الأُصول في الفصل الخامس من هذا الجزء : ص 138 ـ 175.
(3و4) اللمع للشيخ الأشعري ص 116.
5 ـ صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، الباب 5.
6 ـ قد مرّ الرسالة في ص 270 من هذا الجزء.
7 ـ كنز العمّال : ج10 ، ص 293 ، الحديث 29479.
8 ـ طبقات ابن سعد : ج 6 ص 7; والمستدرك للحاكم : ج1ص 102.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|