أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-06-2015
2366
التاريخ: 7-2-2018
3295
التاريخ: 12-08-2015
2576
التاريخ: 24-06-2015
2024
|
الحطيئة (1)
اسمه جرول. ولقب بالحطيئة لقصره أو لدمامته، وقد ولد لأمة تسمي الضراء، كانت لأوس بن مالك العبسي. ونشأ في حجره مغموزا في نسبه، وجعله ذلك قلقا مضطربا منذ أخذ يحس الحياة من حوله، وزاد في اضطرابه وقلقه ضعف جسمه وقبح وجهه، إذ كانت تقتحمه العيون، ولم يكن فيه
96
فضل شجاعة يستطيع أن يتلافي به هوان شأنه في «عبس» على نحو ما صنع عنترة من قبله. ومن ثم نشأ يشعر بغير قليل من المرارة، ولعل هذا هو السبب في غلبة الهجاء عليه.
ولما تيقظت في نفسه موهبة الشعر لزم زهير بن أبي سلمي يعلمه إحكام صنعه على نحو ما كان يعلم ابنه كعبا. ومر بنا أن الحطيئة كان يروي شعر كعب أيضا، وأنه طلب إليه أن ينوه به، حتي يدور على الألسنة ذكره. ومعني ذلك أن الحطيئة من مدرسة زهير التي كانت تعني بالتعبير وصقله وتصفيته من كل شائبة، كما كانت تعني بالمعاني ودقتها.
ويضيئ الإسلام في الجزيرة، فلا يسارع إليه، ومن هنا اختلف الرواة هل قدم على الرسول صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة فأعلن إسلامه على شاكلة كعب، أو أنه تأخر في اعتناقه الإسلام، حتي توفي الرسول الكريم. ونراه يسارع الى الردة، معينا بشعره المرتدين ضد أبي بكر وخلافته، حتي ليقول:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا … فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا، إذا مات، بعده … فتلك، وبيت الله، قاصمة الظهر
علي أن من الرواة من نسب هذين البيتين الى غيره (2). وقد عاد مع المرتدين الى الإسلام.
وجمهور شعره يدور في المديح والهجاء، ويقول الأصمعي: «كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا دنئ النفس، كثير الشر، قليل الخير، بخيلا، قبيح المنظر، رث الهيئة، مغموز النسب، فاسد الدين، وما تشاء أن تقول في شاعر من عيب إلا وجدته، وقلما تجد ذلك في شعره» (3). وقد يكون الأصمعي بالغ في نعته بهذه الصفات، وحقا كان يمدح سادة القبائل بشعره منذ نشأ في الجاهلية من أمثال عيينة بن حصن الفزاري وزيد الخيل، وكان يتورط فيما
97
بينهم من خصومات ومنافرات، إذ نراه يقف في صف عيينة بن حصن حين نافر ابن عمه زبان بن سيار، كما نراه يقف في صف علقمة بن علاثة حين نافر عامر بن الطفيل (4). وكان غيره من الشعراء يصنعون صنيعه، فقد كان الأعشي ولبيد يقفان في صف عامر. وقد تكون حادثته مع الزبرقان بن بدر هي التي شوهته، ذلك أنه لقيه في عهد عمر بن الخطاب يؤم المدينة، وكان على صدقات قومه، فلما عرفه دله على داره حيث زوجه وعشيرته، فنزل بأهله، وفزع بنو أنف الناقة-إذ كانوا ينافسون عشيرة الزبرقان-حين علموا ذلك، وعملوا على أن يفسدوا العلاقة بينه وبين زوج الزبرقان، وكانت قد تراخت في استقباله. وأتيحت بذلك الفرصة لبني أنف الناقة، فضموا الحطيئة إليهم وبالغوا في إكرامه، وانطلق يثني عليهم ثناء رائعا معرضا بالزبرقان بمثل قوله يخاطبه:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها … واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي (5)
ورفع الزبرقان أمره الى عمر، فحكم حسان بن ثابت فيه، فلما حكم بأنه هجاه حبسه. وأخذ الحطيئة يستعطفه بأبياته المشهورة التي يقول فيها:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ … زغب الحواصل لا ماء ولا شجر (6)
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة، … فاغفر عليك سلام الله يا عمر
ولان له قلب عمر. فعفا عنه بعد أن أخذ عليه العهد أن لا يعود الى الهجاء ويقال إنه اشتري منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم (7).
ونحن إذا قرأنا أشعاره المختلفة التي عرض فيها للزبرقان وجدناه لا يقذع في هجائه، إنما يمسه على نحو ما رأينا في بيته السالف برفق، عامدا الى التهكم والسخرية. ولا نشك في أن الإسلام هو الذي خفف من حدة لسانه، ونراه يصرح بذلك إذ يقول (8):
98
ولما أن مدحت القوم قلتم … هجوت ولا يحل لك الهجاء
ألم أك مسلما فيكون بيني … وبينكم المودة والإخاء
ولم أشتم لكم حسبا ولكن … حدوت بحيث يستمع الحداء
فهو يذكر حرمة الإسلام، ويتذمم بها، ويقول إنه حين مدح بني أنف الناقة وحدا بهم فسمعه قوم الزبرقان جعلوا ذلك ذما لهم وهجاء، لمدحه خصومهم. ونراه يولي وجهه نحو علقمة بن علاثة، لينشده إحدي مدائحه فيه، ولكن الموت يسبقه إليه فيجزل له ابنه في العطاء. ويتجه نحو العراق في عهد عثمان. فيمدح الوليد بن عقبة واليه على الكوفة، ويذود عنه حين يطعن عليه أهلها. وقد حملت عليه أبيات في ذمه. ويمدح من بعده سعيد بن العاص الذي خلفه في تلك الولاية، كما يمدحه في ولايته لمعاوية على المدينة (49 - 55 هـ). ونري أهلها يجمعون له من أموالهم خشية معرة لسانه. والمظنون أنه توفي في ولاية سعيد آنفة الذكر.
وقد كان على شاكلة زهير يعني بشعره وتجويده عناية شديدة، وقد أثر عنه أنه كان يقول: «خير الشعر الحولي المحكك» فهو ممن كان يتأنون في شعرهم، ويعيدون فيه النظر، حتي تخرج جميع الأبيات مستوية في الجودة والروعة.
ولعل ذلك ما جعله يكثر من المقطعات، ونراه في مطولاته يشبب ويصف الصحراء وحيوانها الوحشي والأليف. ومدائحه لا تقل عن مدائح زهير جودة على شاكلة قوله في بني أنف الناقة:
يسوسون أحلاما بعيدا أناتها … وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا … وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وكانوا يعيرون باسمهم، فما هو إلا أن قال معرضا بالزبرقان وعشيرته:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم … ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
99
حتي أصبح اللقب فخرا لهم. وتروي له أهاج في زوج أمه وفي أمه وفي ضيفانه. وكلها مزاح. حتي لنراه يمزح مع نفسه، فيقول:
أري لي وجها شوه الله خلقه … فقبح من وجه وقبح حامله
أما بخله الذي أشار إليه الأصمعي والرواة، فقد غسله بكثرة مديحه للكرم، وبقصيدته «وطاوي ثلاث» (9) وفيها يصور أعرابيا فقيرا نزل به ضيف، وعياله من حوله يتضورون جوعا، فهم أن يذبح له أحدهم، لولا أن عنت له أتان وحشية، فصادها وأطعمها ضيفه. والقصيدة رائعة في وصف غريزة الكرم العربية.
والحق أن الرواة بالغوا في اتهامه بالبخل ودناءة النفس، كما بالغوا في اتهامه بفساد الدين، قد يكون رقيقه ولكنه ليس فاسده، فقد كان يستشعره في الهجاء بشهادة لسانه كما قدمنا. ونراه في مديحه يكثر من ذكر جزاء الله لممدوحه على ما يقدم له من بره على شاكلة قوله في بعض ممدوحيه:
فليجزه الله خيرا من أخي ثقة … وليهده بهدي الخيرات هاديها
وقد يستهل المدح بالثناء على الله في مثل قوله:
الحمد لله إني في جوار فتي … حامي الحقيقة نفاع وضرار
وقال أبو عمرو بن العلاء: لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة (10):
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس
ولعل في ذلك ما يدل على أنه حسن إسلامه، وأبلغ في الدلالة على ذلك قوله في وصف التقي والعمل الصالح (11):
ولست أري السعادة جمع مال … ولكن التقي هو السعيد
وتقوي الله خير الزاد ذخرا … وعند الله للأتقي مزيد
100
فالسعادة في رأيه ليست في الدنيا وأموالها ومتاعها الزائل، وإنما هي في الآخرة ونعيمها ومتاعها الخالد الذي لا ينال إلا بالتقوي، فهي السعادة الحقيقية.
ومعني ذلك أن الإسلام لم يظل بعيدا عن روح الحطيئة، بل أخذ يرسل فيها مثل هذه الإشعاعات النيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في ترجمة الحطيئة ابن سلام ص 81 وما بعدها والشعر والشعراء 1/ 280 والأغاني (طبع دار الكتب) 2/ 157 والإصابة 2/ 63 والخزانة 1/ 408 وحديث الأربعاء لطه حسين (طبعة الحلبي) 1/ 153 وما بعدها. ونشر ديوانه في إستانبول، ونشره جولد تسيهر والشنقيطي، وكذلك نشره نعمان أمين طه بمطبعة الحلبي، وسنعتمد على نشرته.
(2) انظر الطبري 2/ 477 حيث نسب البيتين الى أخيه الخطيل وقارن بالديوان ص 329 والأغاني 2/ 157.
(3) أغاني (دار الكتب) 2/ 163.
(4) ابن سلام ص 93 وما بعدها.
(5) يريد المطعوم المكسو.
(6) ذو مرخ: واد بالحجاز. الأفراخ: سغار الطير شبه بها أولاده. زغب الحواصل: لم ينبت على حواصلهم سوي الزغب القصير، كناية عن صغرهم وأنهم لا يقوون على الطيران.
(7) انظر في القصة الأغاني 2/ 179 وما بعدها.
(8) الديوان ص 98.
(9) الديوان ص 395 وما بعدها.
(10) أغاني 2/ 173.
(11) أغاني 2/ 175 والديوان ص 393.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|