أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1563
التاريخ: 28-09-2015
1874
التاريخ: 8-10-2014
1568
التاريخ: 29-09-2015
1601
|
السماء أبادت أعداء الله الذين حاولوا إلحاق الأذى بالكعبة حتى اتيح لقريش أن يعاد إليها أمنها وتجارتها بعد أن هربوا إلى رؤوس الجبال أثناء الغزو الحبشي المذكور .
والقصة تبدأ بهذا النحو :
{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
إن ما يعنينا الآن من هذه القصة ، هو دلالتها الفكرية . أما دلالتها الفنية قد سبق أن أوضحناها في حينه .
إن القصة صيغت وقريش تـتعامل مع رسالة الإسلام تعاملاً وسخاً ، مستجمعة كل قواها وكيدها لمحاربة محمد (صلَّ الله عليه وآله) ورسالته .
ودلالتها في هذا السياق واضحة كل الوضوح . إنها أولا تذكر القرشيين بحادثة قريبة العهد بهم . فقد كان الغزو الحبشي الفاشل في نفس العام الذي ولد فيه محمد (صلَّ الله عليه وآله) مما يعني أن معمريهم يتذكرون الغزو تماماً .
ثانيا : أنها تداعي أذهانهم إلى المصير الذي لاقاه أعداء الله في محاولاتهم للوقوف حيال مساكن الله ...
إذن ، القصة فيما يتصل بمعاصري الرسالة تـترك لدى أذهان القرشيين وأذهان الإسلاميين أيضا إيحاءات واضحة ، إنها تريد أن تقول للقرشيين : إن السماء التي أرسلت طيراً أبابيل على الغزاة بمقدورها أن تصنع ذلك حيال العدو الجديد : قريش .
وتريد أن تقول للإسلاميين : إن السماء التي أبادت العدو القديم بمقدورها أن تبيد العدو الجديد أيضا ، مما يشيع الاطمئنان في نفوس الإسلاميين ، وإزالة القلق الذي قد يساورهم حيال شتى وسائل الكيد التي مارسها القرشيون .
بيد أن الملاحظ أن القصة شددت على ظاهرتين في هذا الصدد ، وهما : الطعام والأمن {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} .
مثلما شددت على قضية محددة هي رحلة الشتاء والصيف وصلتها بكل من الطعام والأمن .
والسؤال : ما هو التفسير الفني لهذا التشدد ؟
إن كلا من الدافعين الدافع إلى الطعام والدافع إلى الأمن يشكلان في تصور علماء النفس الذين يعنون بدوافع الشخصية دوافع رئيسة لا مجال لممارسة التأجيل حيالها .
وواضح أن الحاجة إلى الطعام تجيء في مقدمة الحاجات الحيوية .
وتجيء الحاجة إلى الأمن في مقدمة الحاجات النفسية .
وهذا يعني أن القصة اختارت أقوى دافع حيوي عند الشخصية ، وهو البحث عن الطعام ، واختارت أقوى دافع نفسي وهو البحث عن الأمن ، وجعلتهما مصدر تذكير لهؤلاء الذين يلهثون وراء إشباع دوافعهم ، ... وهم غافلون عن أن أهم دوافعهم التي لا مناص من إشباعها ، قد توفرت لهم فعلا ... ففيم تحركاتهم إذن ؟
لا شك أن اللهاث وراء الإشباع الزائد عن الحاجة ، أو الإشباع الذاتي الصرف الذي لا يعنى بحاجات الآخرين أو الحاجات المنضبطة بالمبادئ ، هو الذي يفسر سلوك هؤلاء المرضى ، من نحو بحثهم عن السيطرة والتفوق والتملك واللذة العاجلة بعامة .
إن رحلة الشتاء والصيف ، وهي الرحلة التي ألمحت القصة إليها ، تعد مؤشرا فنيا لقضية التذكير بنعم السماء على هؤلاء القوم الذين وقفوا من رسالة السماء سلبيا .
لم تـتحدث القصة عن الطعام بعامة ، ولم تـتحدث عن الأمن بعامة ، إنما أشارت إليهما بعد أن ألمحت إلى رحلة الشتاء والصيف ، مما يعني من حيث البناء الهندسي للقصة أن الرحلة هي المفتاح الرئيسي لتفسير كل شيء .
فما هي تفصيلات هذه الرحلة ؟
القصة ذاتها لم تـتحدث عن تفصيلات هذه الرحلة ، وإنما اكتفت بالقول
{إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} .
والتفسير الفني لهذا الصمت الذي نسجته القصة حول رحلة الشتاء والصيف ، ينطوي على سمة جمالية ممتعة هي : أن القصة نفسها قدمت إجابة في نهاية القصة ، حينما طالبت بعبادة رب البيت الذي حماه من غزو الأحباش ، وحمى القرشيين من الجوع والخوف :
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}
{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
القارئ مدعو من جديد إلى أن يتأمل إشارة القصة إلى {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} ليتعرف أسرار الفن العظيم لهذه الإشارة واكتنازها بأكثر من دلالة يستخلصها القارئ .
إن البيت الحرام يداعي ذهن القارئ إلى أنه نفس البيت الذي حاول الأحباش أن يكيدوا له ، ثم رد الله كيدهم إلى نحورهم .
والبيت الحرام في الآن ذاته يداعي ذهن القارئ إلى أنه هو نفس البيت الذي أحاط به هؤلاء القوم الذين تـتحدث القصة عنهم ، وعن نعم السماء عليهم ، ...
ومنها : النعمة التي تفرزها رحلة الشتاء والصيف .
ولكن رحلة الشتاء والصيف لا تزال غامضة في الأذهان ... فكيف تم إلفات الذهن إليها ؟ تم ذلك من خلال طريقة فنية غير مباشرة ، هي اختـتام القصة بعبادة رب البيت الذي أطعم القرشيين وآمنهم من الخوف ، ... بحيث يستخلص القارئ من أن كلا من الإطعام والأمن ، مرتبطان برحلة الشتاء والصيف .
إذن رحلة الشتاء والصيف التي ذكرت القصة بها قريشا إنما هي تلك المعطيات التي اقترنت بها نعم الطعام الذي توفر لهم ، ونعم الأمن والطمأنينة من أي خوف يداهمهم .
وأخيرا فإن تفصيلات الطعام والأمن ، لا تحمل ضرورة فنية لأن تسرد في القصة مادام الهدف الفني هو : التذكير بالنعم وليس بجزئياتها .
ومن هنا فإن النصوص المفسرة هي التي تنهض بهذه المهمة الثانوية .
وتقول هذه النصوص بما مؤداه :
إن الحرم أرض مجدبة وقريش تعتمد على التجارة الخارجية في معيشتها وقد هيأت السماء لهذا البلد رحلتين ، واحدة في الشتاء : متجهة نحو اليمن ، نظرا لحرارة هذه المنطقة .
وواحدة في الصيف : متجهة نحو الشام ، نظرا لبرودتها وهذا فيما يتصل بالحاجة إلى الطعام .
أما فيما يتصل بالحاجة إلى الأمن ، فإن النصوص المفسرة تشير إلى أن السماء حملت قلوب الناس على تعظيم البيت الحرام ، ... ومن هنا لم يتعرض أحد لهذه القوافل التجارية بسوء ، لمجرد أنهم يقولون : نحن أهل حرم الله ... وحتى داخل الجزيرة فإن الحرميّ يُخلى عنه وعن أمواله ، للسبب ذاته .
المهم ، أن التذكير بهذه النعم وفق الطريقة الفنية التي سلكتها القصة يظل مفسراً لدلالة القصة التي تستهدف لفت الانتباه ، ليس لقوم بأعيانهم فحسب ، بل كل الآدميين قديما وحديثا ، إلى أن نعم الله لا تعد ولاتحصى وإلى ضرورة تثمين هذه النعم وتقديرها ... وإلا فإن الله قادر على إزالة هذه النعم عمن يحاول الكيد لرسالة الإسلام ، بل إبادتهم أساسا ، كما ابيد من كان قبلهم ممن هو أشد قوة .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|