أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-05-2015
1975
التاريخ: 12-10-2014
2141
التاريخ: 3-05-2015
2141
التاريخ: 23-04-2015
3072
|
قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 185]
ربما أجيب عنه : بأنه نزل دفعة على سماء الدنيا في شهر رمضان ثمّ نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نجوما وعلى مكث في مدة ثلاث وعشرين سنة- مجموع مدة الدعوة- وهذا جواب مأخوذ من الروايات التي سننقل بعضها في البحث عن الروايات. وقد أورد عليه : بأن تعقيب قوله تعالى : {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} بقوله : {هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى والْفُرْقانِ} ، لا يساعد على ذلك إذ لا معنى لبقائه على وصف الهداية والفرقان في السماء مدة سنين.
وأجيب : بأن كونه هاديا من شأنه أن يهدي من يحتاج إلى هدايته من الضلال، وفارقا إذا التبس حق بباطل لا ينافي بقاءه مدة على حال الشأنية من غير فعلية التأثير حتى يحل أجله ويحين حينه، ولهذا نظائر وأمثال في القوانين المدنية المنتظمة التي كلما حان حين مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إلى الفعل.
والحقّ أن حكم القوانين والدساتير غير حكم الخطابات التي لا يستقيم أن تتقدم على مقام التخاطب ولو زمانا يسيرا، وفي القرآن آيات كثيرة من هذا القبيل كقوله تعالى : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة : 1], وقوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة : 11]، وقوله تعالى : {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب : 23] على أن في القرآن ناسخا ومنسوخا، ولا معنى لاجتماعهما في زمان بحسب النزول.
وربما أجيب عن الإشكال : أن المراد من نزول القرآن في شهر رمضان أن أول ما نزل منه نزل فيه، ويرد عليه : أن المشهور عندهم أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إنما بعث بالقرآن، وقد بعث اليوم السابع العشرين من شهر رجب وبينه وبين رمضان أكثر من ثلاثين يوما وكيف تخلو البعثة في هذه المدة من نزول القرآن، على أن أول سورة اقرأ باسم ربك، يشهد على أنها أول سورة نزلت وأنها نزلت بمصاحبة البعثة، وكذا سورة المدّثر تشهد أنها نزلت في أول الدعوة وكيف كان فمن المستبعد جدا أن تكون أول آية نزلت في شهر رمضان، على أن قوله تعالى : {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، غير صريح الدلالة على أن المراد بالقرآن أول نازل منه ولا قرينة تدل عليه في الكلام فحمله عليه تفسير من غير دليل، ونظير هذه الآية قوله تعالى :
{ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان : 2، 3]، وقوله :
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1]، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أول إنزاله أو إنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك.
والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب أمر آخر فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وقوله تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان : 1 - 3]، وقوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} واعتبار الدفعة إما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى : {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [يونس : 24]. فإن المطر إنما ينزل تدريجيا لكن النظر هاهنا معطوف إلى أخذه مجموعا واحدا، ولذلك عبّر عنه بالإنزال دون التنزيل، وكقوله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } [ص : 29]، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحّح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلا بالإنزال دون التنزيل.
وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى : { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1] فإن هذا الإحكام مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلا فصلا وقطعة قطعة فالإحكام كونه بحيث لا يتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميز بعض من بعض لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء ولا فصول فيه، والآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنما طرأ عليه بعد كونه محكما غير مفصّل.
وأوضح منه قوله تعالى : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف : 52، 53]، وقوله تعالى : {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس : 37]- إلى أن قال- : {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس : 39] فإن الآيات الشريفة وخاصة ما في سورة يونس ظاهرة الدلالة على أن التفصيل أمر طارئ على الكتاب فنفس الكتاب شيء والتفصيل الذي يعرضه شيء آخر، وأنهم إنما كذّبوا بالتفصيل من الكتاب لكونهم ناسين لشيء يؤول إليه هذا التفصيل وغافلين عنه، وسيظهر لهم يوم القيامة ويضطرون إلى علمه فلا ينفعهم الندم ولات حين مناص وفيها إشعار بأن أصل الكتاب تأويل تفصيل الكتاب.
وأوضح منه قوله تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف : 1 - 4]فإنه ظاهر في أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروءا عربيا، وإنما ألبس لباس القراءة والعربية ليعقله الناس وإلّا فإنه- وهو في أم الكتاب- عند اللّه، علي لا يصعد إليه العقول، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل. وفي الآية تعريف للكتاب المبين وأنه أصل القرآن العربي المبين، وفي هذا المساق أيضا قوله تعالى : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة : 75 - 80] فإنه ظاهر في أن للقرآن موقعا هو في الكتاب المكنون لا يمسّه هناك أحد إلّا المطهرون من عباد اللّه وأن التنزيل بعده، وأما قبل التنزيل فله موقع في كتاب مكنون عن الأغيار وهو الذي عبّر عنه في آيات الزخرف، بأم الكتاب، وفي سورة البروج، باللّوح المحفوظ، حيث قال تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج : 21، 22]، وهذا اللوح إنما كان محفوظا لحفظه من ورود التغيّر عليه، ومن المعلوم أن القرآن المنزّل تدريجا لا يخلو عن ناسخ ومنسوخ وعن التدريج الذي هو نحو من التبدّل، فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن وحكمه الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزّل، وإنما هذا بمنزلة اللباس لذاك.
ثم إن هذا المعنى أعني : كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة إلى الكتاب المبين- ونحن نسمّيه بحقيقة الكتاب- بمنزلة اللباس من المتلبّس وبمنزلة المثال من الحقيقة وبمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام هو المصحّح لأن يطلق القرآن أحيانا على أصل الكتاب كما في قوله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ }، إلى غير ذلك وهذا الذي ذكرنا هو الموجب لأن يحمل قوله : {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وقوله :
{إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ}، وقوله : {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} على إنزال حقيقة الكتاب والكتاب المبين إلى قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دفعة كما أنزل القرآن المفصّل على قلبه تدريجا في مدة الدعوة النبوية.
وهذا هو الذي يلوح من نحو قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه : 114]، وقوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة : 16 - 19]، فإن الآيات ظاهرة في أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان له علم بما سينزل عليه فنهي عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي وسيأتي توضيحه في المقام اللائق به- إن شاء اللّه تعالى-.
وبالجملة فإن المتدبّر في الآيات القرآنية لا يجد مناصا عن الاعتراف بدلالتها على كون هذا القرآن المنزّل على النبي تدريجيا متكئا على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار العقول العامة أو تناولها أيدي الأفكار المتلوثة بألواث الهوسات وقذارات المادة، وأن تلك الحقيقة أنزلت على النبي إنزالا فعلّمه اللّه بذلك حقيقة ما عناه بكتابه، وسيجيء بعض من الكلام المتعلق بهذا المعنى في البحث عن التأويل والتنزيل في قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران : 7] فهذا ما يهدي إليه التدبّر وتدل عليه الآيات. نعم أرباب الحديث، والغالب من المتكلمين والحسيّون من باحثي هذا العصر لمّا أنكروا أصالة ما وراء المادة المحسوسة اضطروا إلى حمل هذه الآيات ونظائرها كالدّالة على كون القرآن هدى ورحمة ونورا ومواقع النجوم وكتابا مبينا، وفي لوح محفوظ، ونازلا من عند اللّه، وفي صحف مطهّرة إلى غير ذلك من الحقائق على أقسام الاستعارة والمجاز فعاد بذلك القرآن شعرا منثورا.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|