أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-20
194
التاريخ: 29-04-2015
1915
التاريخ: 7-3-2016
4675
التاريخ: 23-02-2015
2485
|
لقد تميز أسلوب الطباطبائي في تفسير الميزان بالدرجة العلمية والروح الموضوعية معاً ، إذ تراه يستند في فهمه للآيات القرآنية على مبادئ وأُسس ثابتة ، سواء في القرآن الكريم ، أم من السنة النبوية الشريفة وبالمأثور عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، لكونهم يمثلون حقيقة القرآن ويعرفون حقيقة ما تنزّل به من أحكام ومبادئ وقيم ، كما قال علي (عليه السلام) : «بهم عُرف الكتاب ، وبه عرفوا» ، وهذا ما ارتكز إليه الطباطبائي في تفسيره ، حيث إنه أحاط بالرواية المعصومة من كل جوانبها نظراً لما كان يتمتع به من معرفة واسعة بالقرآن من جهة ، وبسنة أهل البيت (عليهم السلام) من جهة ثانية ، ناهيك عما كان يتميز به من قدرات عقلية وبرهانية فائقة أهلته لأن يسلك مسلك التفسير والتأويل معاً . وكما يقول العلامة آملي في ما وفق العلامة الطباطبائي له في تفسيره ، أنه أحاط بالقرآن إحاطةً كاملةً جعلته على إدراك كامل لما يهدف إليه القرآن من مبادئ عامة ، سواء في مجال المعارف الاعتقادية ، أم لجهة الأحكام الإلهية ، أم لجهة ما ذكره القرآن من قصص وحكم ، وغير ذلك مما وجد فيه الطباطبائي كمالاً لا يحتاج إلى شيء معه ، فكانت الآية التي استند إليها الطباطبائي ، هي قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ [النساء : 82] ، فهذه الآية ناظرة بداية ، إلى حقيقة ما ينبغي أن ينطلق منه المفسّر في فهم وتفسير آيات الله تعالى فيما لو كان متوفراً على الشروط والصفات التي تؤهله لهذا التفسير ، لأنه غالباً ما لا تكون للمفسر القدرات اللازمة للولوج إلى هذا البحر العظيم الذي لا يدرك قعره ، فهو كلام الله تعالى ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : 42] .
وانطلاقاً من ذلك ، نرى أن العلامة الطباطبائي يختلف عن سائر المفسرين في كونه جمع إلى الإحاطة المعرفية الكاملة للقرآن ، القدرة العقلية التي تميز بها في تناول آيات القرآن للكشف عما تهدي إليه سواء في مجال الدين أم في مجال الدنيا ، يقول آملي : «إن العلاّمة بنى تفسيره على ثلاثة مصادر يستحيل أن يتعارض معها القرآن ، وهي :
أولاً : المحكمات من الآيات .
وثانياً : السنة القطعية .
وثالثاً : المبادىء العقلية والأصول اليقينية (1) .
هذه هي المبادئ التي أحاط بها ، ناهيك عمّا توفّر عليه من العلوم الأصولية والفقهية والاجتماعية والتاريخية وغيرها . ولهذا نلاحظ أن الطباطبائي في أسلوبه قد جمع الكثير من البحوث بوحي من الآيات القرآنية ، ما جعل من تفسير الميزان تفسيراً فريداً ومتميزاً عن كل التفاسير القرآنية . وهذا إن كان يدل على شيء ، فإنه يدل على مدى ما يتمتع به الطباطبائي من قدرات علمية واسعة أخرجته عن كونه مفسراً ليكون إماماً في المعقول والمنقول معاً .
إن الإحاطة العلمية الواسعة للعلامة الطباطبائي بالقرآن والسنة من جهة ، وبعلوم الحياة من جهة ثانية مع ما رافق ذلك من تكامل سلوكي في شخصيته ، كل ذلك جعل من أسلوبه في التفسير أسلوباً كاشفاً عن كثير من الحقائق القرآنية . وإذا كانت للعلامة الطباطبائي هذه الميزة ، فهو إنما ارتكز إلى حقيقة ما للقرآن من معانٍ وأبعاد تتجاوز العالم الحسي إلى عالم ما بعد المادة ، ذلك العالم الذي أنزل منه القرآن على قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث تلقى القرآن من لدن عليم حكيم . وطالما أن لهذا القرآن هذا المعنى في عالمي الملك والملكوت ، وأن ﴿ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ وأنه لو ﴿ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ فقد أوضح هذا كله للعلامة الطباطبائي طريقة وأسلوب الوصول إلى الحقائق القرآنية ، لأن ما ليس من عند الله تعالى يقع فيه الاختلاف (2) . والذي يهدي إلى التي هي أقوم تتجلى فيه المعرفة الكاملة ، خلافاً لبقية الكتب ، وهذا دليل واضح على أن كلام الله تعالى لا يشبه كلام الخلق ، كما لا يشبه أفعاله أفعالهم (3) . فالقرآن ، كما يرى الطباطبائي ، مبرأ عن الكذب ، وهو وحيٌ إلهي منزه عن الخطأ ، وكلام حق من الحق عزَّ اسمه (4) .
لذا ، فإن من أهم ما تميز به أسلوب الطباطبائي في تفسير القرآن ، فضلاً عن معرفته الكاملة للقرآن ، هو إيمانه القوي بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) : إذ هو لم يكتفِ بعرض الآيات القرآنية على نحو ما اشتهر عنه من تفسير للقرآن بالقرآن ، وإنما سعى إلى تفسير الآيات بالسنة القطعية ، لأن سنة أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن مرتبطان بحقيقة واحدة ، هي حقيقة الحق المحض ، فكيف يمكن أن تختلف السنة مع القرآن؟ وقد ثبت لنا في مبحث حقيقة القرآن ، ومراتب المعرفة عند الطباطبائي أن الثقلان كتاب الله وعترة أهل البيت (عليهم السلام) لا يفترقان حتى يردا على الحوض ، إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية التي تساعد على التجلّي في التفسير للقرآن فيما انطوى عليه من عبادات ومعاملات وسياسات ، ومنهج قويم ، وكمال دين ، حيث أن القرآن هو كتاب كامل نزل به الروح الأمين على قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون مبشراً ونذيراً ، من خلال القرآن الذي جعله الله تعالى تبياناً لكلّ شيء ، لا في مجال الهداية وحسب ، كما هو مبنى ظاهر اللفظ من البيان ، وإنما في ما هو كائن ويكون إلى يوم القيامة ، وكما يرى الطباطبائي أن هناك رواياتٍ لو صحّت تكشف عن أسرار وخبايا لا سبيل للفهم المتعارف إليها (5) .
إذاً هناك ما يميز أسلوب الطباطبائي في تفسير الميزان ، فهو بالإضافة إلى قدراته العقلية ، واستيعابه للآيات القرآنية من حيث مدلولاتها وما تعرضت له من مواضيع وحقائق ، نرى أن الطباطبائي أحاط بما سبقه من أهل التفسير ومناهجهم ، عارضاً لكثير من أغاليطهم في مجال الفهم والتحليل ، إضافة إلى المعارضة فيما عرضوا له ، سواء لجهة فهم الآيات القرآنية بذاتها ، أم لجهة الاستدلال عليها بالروايات التي لا تصلح لأن تكون دليلاً (6) ، وهذا ما أدى إلى أن يكون القرآن عرضة للتفسير بالرأي ولضرب القرآن بالقرآن ، ويكفي للتدليل على هذا المعنى التأمل في ما عرض له كثير من المفسرين في فهم الشجرة الملعونة في القرآن ، إلى غير ذلك من الآيات التي جزأت الحقيقة الواحدة ، ومنعت من فهم المراد منها (7) .
ومما تجدر الإشارة إليه هنا ، هو أن الطباطبائي لم يسلك في تفسيره ، وفي أسلوبه طريق الاستدلال بالآية على الآية وحسب ، بل نراه يميز في استدلالاته بين ما هو ناظر إلى المعارف العقلية ، وبين آيات الأحكام العبادية ، نظراً لما كان يمتلكه من منهج عقلي ميز أسلوبه في التفسير ، وتجنب من خلاله التعارض مع الدليل العقلي القاطع ، ولذا هو ميز بين الآيات التي لها بعد عقائدي ، وبين الآيات ذات البعد التشريعي العبادي ، على اعتبار أن العبادات ليست مجالاً للعمل العقلي ، وإنما هي توقيفية .
وكان إذا لم يعثر على دليل ضمن البحوث العقلية ، يفسّر الآية بحيث لا تتعارض مع أي دليل عقلي قاطع . . ولا شك في أن المتأمل في تفسير الطباطبائي يلحظ كيف أنه لم يستغرق في آيات الأحكام والعبادات لكونه يعتبر التفصيل بشأن أحكامها من اختصاص كتب الفقه ، وهذا ما بيّنه في مقدّمة تفسيره مفضّلاً عدم التعرّض لها إلاّ بالمقدار الذي لا يخل بعملية التفسير ، التي لا بد من التواصل بها في سياق عرض الآيات في السورة الواحدة .
إن الطباطبائي لم يخلط في أسلوبه التفسيري بين الآيات على النحو الذي يجعل القارىء على نفور في الربط بين سياق ومداليل الآيات القرآنية ، وذلك من خلال تخصيص بحوث لمضمون كل آية تتضمن تأسيساً أو إشارة إلى حقيقة اجتماعية ، أو اقتصادية ، أو سياسية ، إلى غير ذلك مما تضمّنه القرآن من إشارات علمية في مجال الكون والحياة والإنسان .
هناك الكثير مما تميز به أسلوب الطباطبائي في التفسير سبق لكثير من الباحثين والفلاسفة أن عرضوا لها بنحو التفصيل تارة ، وبنحو الإجمال طوراً آخر (8) ، لكن الشيء الأساسي الذي غفل عنه الباحثون في المجال القرآني هو أن السيد الطباطبائي حافظ في تفسيره وفي أسلوبه على المألوف في التفسير تاريخياً ، إذ هو على الرغم من تعمقه في المجال الفلسفي وريادته في هذا المجال ، إضافة إلى علمه بمبادىء العرفان والشهود ، لم يذهب في تفسيره ليكون تفسيراً مثالياً ، بحيث يكون له رؤيته الفلسفية أو العرفانية في التفسير على نحو ما فعل الملا صدرا في تفسيره للقرآن ، أو في تفسيره لأصول الكافي ، بل نراه ، أي الطباطبائي ، يعرض للآية القرآنية وفقاً للمألوف من التفسير ، وبالأسلوب الذي يسمح بتعقل الآية ، سواء بذاتها ، أو من خلال ما قيل فيها بالمأثور من الروايات . وقد أشرنا سابقاً ، إلى أن أسلوب التفسير عنده ميز بين البحوث بوحي من الآيات القرآنية ، فأفرد البحوث الاجتماعية والفلسفية عن تفسيره حفاظاً على أسلوبه ، وحرصاً على الفائدة المرجوة . وهذه منهجية في التفسير تفرد بها الطباطبائي وأغنت تفسيره وأخرجته جديداً في بابه ، هذا فضلاً عما تميز به في بحوثه الروائية المستقلة التي تفسح في المجال أمام الباحث ، أو المفسر أن يتأمل فيها في ضوء ما عرض له الطباطبائي في تفسيره ، ليستقيم له المعنى ، سواء سلباً ، أم إيجاباً ، قبولاً أو رفضاً .
إن أدنى تأمل فيما عرض له الطباطبائي في تفسيره الميزان ، يكشف عمّا بلغه من باعٍ في التفسير ، إذ استطاع أن يحدث قفزة نوعية في التفسير القرآني رغم أن هناك المئات من التفاسير القرآنية وبمناهج متنوعة ، إلا أن للميزان ميزته وتفرده بين هذه التفاسير ، لأنه جمع إلى تفسير الآية بالآية القدرة العقلية المتميزة لكون الطباطبائي هو ممن يؤمنون بأنه لا تناقض بين العقل والوحي ، لأن التناقض معناه عدم قبول العقل القطعي ، واعتبار الوحي الإلهي باطلاً ، وهذا بحد ذاته يؤكد استحالة التضاد بين حجتين من حجج الله سبحانه . وكيف يمكن لباحث أن يستثني العقل في تفسيره للقرآن ، وجميع المعارف الإلهية والحقائق الموجودة في القرآن مستندة إلى حقيقة واحدة ، وهي أصلها جميعاً ، كما يقول الطباطبائي ، وهي التوحيد (9) . فالقرآن ، كما يرى الطباطبائي ، يؤيد التفكر العقلي ويعتبره جزءً من التفكير الديني ، والتفكر العقلي بعد أن يصادق على صدق نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجعل الظواهر القرآنية بما فيها الوحي السماوي ، وأقوال النبي وأهل البيت (عليهم السلام) من موارد الحجج العقلية (10) .
لقد ابتعد الطباطبائي ، كما هو مشهود له ، عن التفسير بالرأي ، أو بالروايات التي لم يصح سندها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ، كما أنه ابتعد عن التفسير العقلي المحض رغم إيمانه بأن العلوم والمعارف الدينية تتعلق بما وراء الطبيعة ، باعتبار أنها منزهة عن الخضوع لقوانين الحركة والمادة ، فهي تتمتع بأصل ثابت ، وبحقيقة ثابتة غير متغيرة ، ولعله لا يكون من المبالغة القول ، أن أسلوب الطباطبائي في تفسير الميزان لو أنه سبق للمفسرين أن اعتمدوه أو أخذوا بشيء منه في سياق بحوثهم القرآنية ، لاكتشفوا الكثير من أبكار الحقائق ، ولكنهم اكتفوا بحدود الروايات وما تفيده من دلالات في سياق المعنى الديني ، ما أدى إلى أن تكون التفاسير القرآنية شعراً منثوراً ، أو ألفاظاً وقوالب مادية لا يستبين فيها الأمر إلاّ بمقدار ما يتعمّق فيه هذا المفسر ، أو ذاك في الكشف عن الأبعاد اللغوية والبلاغية والإعجازية التي ينطوي عليها القرآن الكريم . ولكن ، كما تبين لنا ، في سياق عرضنا لأهم ما تميز به أسلوب الطباطبائي ، أن كثيراً من التفاسير أخرجت القرآن من كونه تجلياً لتجعل منه تجافٍ ، وتجاهلت أن الألفاظ إنما وضعت لأرواح المعاني ، إلى غير ذلك مما لم يتنبه له كثير من المفسرين ، وخاصة في مجال تجلي القرآن (11) . الذي يرى فيه الطباطبائي ، تجلياً طولياً ينتهي به إلى أم الكتاب . ولهذا ، فإنك تجده يركز على معارف القرآن الطولية ، ويضع كل منها في مرتبته الخاصة به ، وقد يطول الكلام فيما لو أردنا الحديث عما تميز به أسلوب الطباطبائي في تفسيره ، الذي جعل محكمات القرآن أساساً له كما قال الرضا (عليه السلام) : «مَن رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هُدي إلى صراط مستقيم» (12) ، وهذا ما أبدع فيه الطباطبائي أيما إبداع لكونه برع في تحديد الآيات المتشابهات وتعيينها على النحو الذي يمكن المفسّر وفاقاً للشروط المعتبرة من ردها إلى المحكمات اللاتي يُمثلن أم الكتاب ، وأصل كل المواضيع القرآنية (13) .
_________________________________________
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|