أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2020
1964
التاريخ: 2024-07-18
414
التاريخ: 29-11-2019
2138
التاريخ: 9-1-2023
857
|
ثالثا -مفهوم التنمية البشرية المستدامة :
نشأت نظرية التنمية البشرية المستدامة نتيجة للتوليف بين منهجين للتنمية. أولهما هو استراتيجية التنمية البشرية التي طرحت في تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وثانيهما منهج التنمية المستدامة الذي وضعه أخصائيون بيئيون واعتمده مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو عام 1992.
ويكمن جوهر هذا التوليف في الوصف التالي الذي ورد في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان مبادرات من أجل التغيير : إن التنمية البشرية المستدامة لا تحقق نموا اقتصاديا فحسب، وإنما تقوم أيضا بتوزيع فوائده توزيعا عادلا. وهي أيضا نمط للتنمية يقوم بالمـحافظة على البيئة، لا بتدميرها، ويمكّن البشر بدلا من تهميشهم. وهي في الأساس نمط للتنمية يعطي الأولوية للفقراء، ويوسع الفرص والخيارات المتاحة لهم، ويوفر لهم إمكانية المشاركة في اتخاذ القرارات ذات العلاقة بمعيشتهم. وعليه، فإن التنمية البشرية المستدامة هي منهج للتنمية يدافع عن الفقراء وعن الطبيعة وفرص العمل والمرأة والطفل.
ويشترك هذا المنهج في دفاعه عن الفقراء مع منهج التنمية المسمى منهج الاحتياجات الأساسية الذي قامت منظمة العمل الدولية وغيرها من منظمات الأمم المتحدة بترويجه في السبعينيات. غير أنه يختلف عنه في الكيفية التي يعالج بها قضايا الفقراء. فبينما يقتصر منهج الاحتياجات الأساسية على ضرورة الوصول إلى الفقراء كفئة مستهدفة بغرض إمدادهم بضروريات الحياة، يقوم منهج التنمية البشرية المستدامة بالتركيز على دور البشر باعتبارهم كائنات فاعلة، لا كفئة مستهدفة بتدخلات ذات طبيعة خيّرة. وعلى هذا الأساس، يمكن القول أن منهج التنمية البشرية المستدامة لا بد أن يبدأ بالاعتراف بأن أهم موارد البلدان هي معارف سكانها ومهاراتهم وخبراتهم وثقافاتهم وطاقاتهم وإبداعهم.
وعلى نقيض النموذج التقليدي للتنمية، يؤكد منهج التنمية البشرية المستدامة على دور البشر ضمن السياق الاجتماعي الذي يعيشون فيه. لذا، فإن تعزيز التنمية البشرية المستدامة يتم من خلال مجتمعات مدنية قوية تسودها أنماط تعامل تقوم على الثقة والتعاون. وإن أية استراتيجية متسقة للتنمية البشرية المستدامة لا يمكن أن تعيق النمو الاقتصـادي، بل على العكس، فإن التركيز على البشر وعلى المجتمعات البشرية يعتبر حافزا للنمو الاقتصادي. كما لا يمكن التقليل من أهمية سياسات الاقتصاد الكلي، إلا أنه ينبغي أن تكون هذه السياسات مصممة بوضوح لدعم أهداف الاستدامة والتنمية البشرية.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن منهج التنمية البشرية المستدامة لا يقلل من أهمية الدور الذي يؤديه التقدم التكنولوجي وتكوين رأس المال المادي في التنمية الاقتصادية، لكنه يؤكد على أنهما، في نهاية الأمر، مجرد وسائل تقتصر أهميتها على خدمة الإنسان. ومن هنا فإن أنماط التنمية التي تعطي الأولوية للآلة على حساب الإنسان وتسمح بتفكك النسيج الاجتماعي باسم النمو والتحديث، لا يمكن أن تحقق تنمية مستدامة في المجتمعات التي تطبق فيها.
كما شهدت التسعينيات توسعا في محاولات فهم الجوانب النوعية لعلاقة التفاعل بين الدول ومؤسسات المجتمع المدني والسوق، وبدا اقتصاديو التنمية يراعون دور المؤسسات والمجتمع المدني في تحقيق التنمية.
وقد أثبت الفكر الاقتصادي أن تشكيل المؤسسات المجتمعية وتطويرها التدريجي ثم إنضاجها، هي المفاتيح الرئيسة للتنمية، وأن هذه المتغيرات تتمتع بأهمية نسبية أعلى من الاستثمار في رأس المال الثابت. ووفقا لهذه المدرسة في الفكر التنموي يعتبر تكوين رأس المال الثابت ناتجا من نواتج التنمية وليس المحرك الأساسي لها.
وفي الفترة ذاتها، أصبح نشاط مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية التي تمثل الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المنخفض، يشكل رافداً هاماً للفكر التنموي. وأدى ذلك إلى ظهور مفاهيم جديدة أخرى مثل الاستدامة "و" التمكين وغيرها. واكتسبت هذه المصطلحات شرعية مفاهيمية ضمن هذا الفكر.
وعلى الرغم من توافق الآراء على أن مهارات البشر هي مفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا انه يجدر بنا أن نؤكد هنا أن منهج التنمية البشرية المستدامة يختلف عن منهج رأس المال البشري. ففي حين يتعامل المنهج الأول مع البشر كغاية للتنمية يتعامل الثاني مع التنمية البشرية على أساس كون الاستثمار في البشر عملية مفيدة تؤدي إلى النمو الاقتصادي. ومع أن هذين الاتجاهين قد لا يتناقضان فيما يتعلق بالسياسات التي يوصيان بها ، إلا أن كلا منهما يعكس موقفا نظريا مختلفا في تفسير التنمية. ومن ناحية أخرى، يتميز منهج التنمية البشرية المستدامة بتركيزه على ما هو إجماعي أساسا وغير فردي في قدرات الناس، ففي حين يعترف بأن تطوير معارف الأفراد ومهاراتهم ضروري للتنمية، إلا أنه يعتبره غير كاف لتحقيق تنمية مستدامة، بل يؤكد على أن أنماط التفاعل بين الناس هي التي تخلق الفرق بين رأس المال الاجتماعي ورأس المال البشري. وإضافة إلى ذلك، فإن منهج التنمية المستدامة يتضمن مفهوم الاستدامة الذي يتعلق بتنمية مجتمع بأكمله، ومن هنا فإن الاستدامة لابد أن تعامل كهدف مجتمعي.
ورأس المال الاجتماعي ذو طبيعة أكثر إنصافا من الأنواع الأخرى من رأس المال. فرأس المال الإنتاجي ورأس المال المالي يمتلكهما عادة أفراد أو الدولة. وهما يستلزمان تواجد علاقة عمودية بين المالك ومن يعملون معه. أما تراكم رأس المال الاجتماعي، فإنه يتوزع على الجميع. بل إنه قد يفيد الضعفاء أكثر مما يفيد ذوي السلطة والنفوذ.
وعلى ضوء الفرو قات السابقة، فإنه يمكن تقسيم رأس المال إلى الفئات التالية:
- رأس المال الطبيعي، ويتكون من الأرض والمياه وموارد الطاقة والمعادن.
- رأس المال المالي، وهو يسخر للاستهلاك والاستثمار.
- رأس المال الإنتاجي الذي يتألف من المعدات والآلات وما إلى ذلك.
- رأس المال الذي تتشكل منه البنية الأساسية.
- رأس المال البشري الذي يتالف من معارف وخبرات ومهارات عموم السكان.
- رأس المال الاجتماعي الذي يتألف من الأعراف والمؤسسات والشبكات والمنظمات والتقاليد وأنماط التصرف المجتمعي.
وإن تراكم رأس المال الاجتماعي هو المفتاح لنمط من التنمية أكثر إنسانية واستدامة، بل إن الثروة الممثلة برأس مال اجتماعي يمكن أن تعتبر غاية بذاتها. كما أن العيش في المجتمعات التي تتسم برأسمال اجتماعي متطور تكون أفضل بكثير من العيش في المجتمعات التي يكون فيها رأس المال الاجتماعي ضعيفا. كذلك يخلق وجود رأس المال الاجتماعي المتطور بيئة صالحة للنمو الاقتصادي.
وإن كل مرحلة من مراحل التنمية تحتاج إلى تركيبة معينة من مختلف أنواع رأس المال وهذا ما يجعل قضية الانتقال من مرحلة إلى أخرى غاية في الأهمية. فماليزيا مثلا، استطاعت أن تنتقل من التنمية المعتمدة على تصدير المواد الأولية إلى التنمية المستدامة المعتمدة على مهارات سكانها. وقد كان مفتاح نجاح الدولة في تحقيق هذا الانتقال هو السياسات التي اتبعت في تحويل الدخل المتحقق من تصدير رأسمالها الطبيعي (موارد طبيعية) إلى استثمار في أنواع أخرى من رأس المال، كالاستثمار في البنية الأساسية والتعليم والبناء المؤسسي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|