أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
15255
التاريخ: 16-11-2014
2405
التاريخ: 2024-09-23
176
التاريخ: 16-10-2014
2459
|
إذا كانت المناهج التفسيرية قد اضطربت في ما ارتكزت إليه ، واعتمدت عليه من أسس وقواعد ، فإن منهج الطباطبائي تمايز عنها في كونه استند إلى القرآن والسنة القطعية ، وكما يقول سبحاني : «إنه أسلوب في التفسير لم يرد مثله سوى في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) ، فكان العلامة أول من أثار انتباه الأمة الإسلامية إلى أهمية هذا الأسلوب التفسيري الذي عرف فيما بعد بـ (تفسير القرآن بالقرآن) ، الذي يهدف إلى إزالة الغموض عن آية بواسطة آية أخرى» (1) . وقد سبق لنا أن أشرنا في طيات كلامنا الماضي إلى أن الطباطبائي قد صدّر كتابه الميزان بالحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي دعا فيه إلى اللواذ بالقرآن في زمن الفتن ، وإلى أن القرآن هو الدليل إلى خير سبيل . . . إلى أن يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) : فالقرآن يشهد بعضه على بعض ، ويصدق بعضه بعضاً (2) . . . وهناك الكثير من الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) يرشدون فيها الأمة إلى استنطاق القرآن ، كما في حديث علي (عليه السلام) : «كتاب تبصرون به وتنطقون وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في الله ، ولا يخالف بصاحبه عن الله تعالى» (3) .
فالطباطبائي لم يعمل على تلفيق منهج تفسيري من التجربة التاريخية ، ولا مما توصّل إليه المفسرون من مناهج ، وإنما اختار هدفاً ومنهجاً تجاوز فيه الأنماط التفسيرية السائدة ، وجمع بين نمطي التفسير الموضوعي والترتيبي ، وفسّر القرآن بالقرآن ، باعتبار أن القرآن هو تبيان لكل شيء ، وكونه كذلك ، فلا بد أن يكون مبيّناً ومفسراً لنفسه . . . (4) .
وعليه ، فإنه لا معنى للقول بأن هذا المنهج التفسيري ، هو مورد أخذ ورد ، وقبول ورفض بين المفسرين ، ذلك أن نهج الطباطبائي هو أقدم منهج ، ويرجع استخدامه إلى زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد استخدمه الأئمة (عليهم السلام) وبعض الصحابة والتابعين ، ولكن نظراً لما شاب حركة المناهج والتفاسير في تاريخ المسلمين من تداخل ، سواء في العلاقة مع السلطة ، أم في طريقة استخدام الروايات ، أدى إلى أن تكون السيادة لمناهج شتى أصابت في الكثير ، وأخطأت في الأكثر بما كانت تعيشه من تأثيرات سياسية واجتماعية لابست حركة التفسير وما تزال تلابسها حتى عصرنا الحاضر . . . إن الميزة التي انفرد بها الطباطبائي في منهجه وتفسيره لا تقتصر على مجرد تفسير القرآن بالقرآن ، والآية بالآية وحسب ، بل تميز في كونه منع من تداخل الرأي مع القرآن ، وأعطى للبراهين العقلية مكانة متميزة في تفسيره ، لأن العقل هو الطريق الموصل إلى أصول المعارف الإسلامية وفروعها ، ومنه يمكن الحصول على المسائل الإعتقادية والأخلاقية ، وكذا الكليات للمسائل العملية (فروع الدين) ، ولكن جزئيات الأحكام ومصالحها الخاصة بها لم تكن في متناول العقل ، وخارجة عن نطاقه (5) ، ناهيك عما تميز به تفسير الطباطبائي في إجابته على كثير من الإشكاليات الحديثة ، التي تتعلق ببعض آيات القرآن إلى جانب حلّه الإشكالات التي كانت تتعارض مع ظاهر الآيات القرآنية ونصوصها امتثالاً لأوامر الأئمة (عليهم السلام) ، مخرجاً هذا النوع من الأحاديث من دائرة الصحة والثقة (6) ، إلى غير ذلك مما نجده من تمايزات في تفسير الميزان لجهة الفصل بين البحوث القرآنية ذات الصلة بالآيات ، وبين البحوث الشخصية التي أفردها الطباطبائي لتكون رأياً خاصاً به ، دفعاً لأي التباس يمكن أن يقع ، بحيث يتوهم البعض أنه من القرآن وهو ليس من القرآن .
إذن ، منهج الطباطبائي له تأسيساته في الكتاب والسنة ، وإذا كان من آراء لا تجد تسويغاً لهذا المنهج ، فإن ذلك يعود إلى منهجيّة المفسّر وما يعتقده بالقرآن والسنة والعقل ، وهنا لا يسعنا إلاّ أن نشير إلى بعض الأدلة التي ارتكز إليها الطباطبائي في منهجه التفسيري فنقول :
إن الدليل الأول على هذا المنحى للطباطبائي في تفسيره ، هو من القرآن الكريم ، الذي جعل الله تعالى منه تبياناً لكل شيء ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل : 89] . وقال الله تعالى : ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ [النساء : 174] . وقال الله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ [النساء : 82] . هذا بعض من الآيات القرآنية التي تحث الناس على التدبر بالقرآن ، وكما يقول الطباطبائي : «إنه من الواضح أن القرآن لو لم يكن مفهوماً من العامة ، فإن مثل هذه الآيات لا اعتبار لها . فالقرآن نور وموضّح لكل شيء ، وفي مقام التحدي ، يطالب بتدّبر آياته ، إذ ليس فيه أي اختلاف أو تناقض ، وإذا كان بإمكانهم معارضته والإتيان بمثله فليفعلوا ذلك إن استطاعوا» (7) .
أما من السنة الشريفة ، فقد استدل الطباطبائي من خلال أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) على صحة تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا ما تقدم الكلام فيه ، ويمكن أن يضاف إليه ما رواه السبحاني عن زرارة ومحمد بن مسلم ، وهما من الفقهاء الشيعة المعروفين في عصر الإمامين الباقر والصادق ، «قلنا لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في الصلاة في السفر؟ كيف هي وكم هي؟ قال : إن الله يقول : ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ ﴾ [النساء : 101] ، فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر ، قالا : قلنا : إنما قال : ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ ﴾ ، ولم يقل «افعلوا» فكيف أوجب الله ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ قال : «أوليس الله قد قال في الصفا والمروة : ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة : 158] ، ألا ترى أن الطواف واجب مفروض ، لأن الله ذكرها في كتابه وصنعهما نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)» (8) . وهكذا نرى أن جملة ﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾ ربما أشارت إلى معنيين اثنين معاً ، ولذلك لا ينبغي علينا الاستناد إلى ظاهر الآية دون دراسة بقية الجوانب المتعلقة بها (9) .
هناك الكثير من الروايات والنصوص التي يمكن أن يستدل بها على استخدام هذا المنهج ، ولكن الذي منع من الدعوة إليه في تاريخ المسلمين هو الاستناد إلى غير السنة القطعية التي تلابست مع كثير من الروايات التي احتوى عليها المأثور وجعلها منهجاً لتفسير القرآن ، وهي كما بين الطباطبائي اختلطت بروايات وقصص كثيرة دسّها اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام ، وكان لها الدور الكبير في توجيه المناهج ، سواء في تفسير القرآن ، أم في غيره .
كما لا يخفى أيضاً أن الطباطبائي هو من علماء الأصول الكبار ، ويدرك جيداً معنى بناء العقلاء ، الذي فسره الاصوليون بقولهم : «هو صدور العقلاء عن سلوك معنى قبال واقعة ما صدوراً تلقائياً ، وهم يتساوون في صدورهم عنه ، على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وتفاوت في ثقافاتهم ومعارفهم وتعدد في نِحلهم وأديانهم» (10) . . وهذا البناء العقلائي يرشد إلى أنه من أجل فهم أي كتاب لا بد من مراعاة القرائن الموجودة فيه ، فإذا جاء ذكر أحد المطالب بصورة مطلقة وعامة ، وفي مكان آخر بصورة مقيدة وخاصة ، فلا بد من النظر إلى الكلام بصورة كلية بوصفه مجموعة كاملة ، وهذا هو المقصود ببناء العقلاء ، والقرآن غير مستثنى من هذه القاعدة ، وهذا ما نسميه باسم تفسير القرآن بالقرآن ، والشارع المقدس لم يمنع من هذه الطريقة العقلائية ، بل قام بتأييدها طبقاً لما تقدم . وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الصحابة والتابعين ، كما بين الطباطبائي ، قد استخدموا هذه الطريقة ، ولكنهم ولأسباب كثيرة لم يحولوها إلى منهج ورؤية عامة في سلوكهم العلمي ، ولو أنهم كما يقول الطباطبائي ، اهتدوا إلى هذه الطريقة وأسسوا لها المنهجية المطلوبة في حياتهم ، لاستبان لهم الكثير من أبكار القرآن وحقائقه ، ولكنهم استبدلوا ، عن قصد أو عن غير قصد ، الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وكان ما كان من مناهج تفسيرية لا تحصى ، وكلها فيما ابتكرته لم تخلص إلى جزء مما خلص إليه الطباطبائي في تفسيره ، وليس في هذا الكلام اجحافاً لأحد ، نظراً لما تميز به الميزان من معارف وحقائق لم يسبق لمنهج من المناهج في تفسير القرآن أن وصل إليها ، وهذا كله يعود الفضل فيه إلى المنهج الذي اعتمده الطباطبائي ، ونقول اعتمده لأنه في الأصل هو منهج أهل البيت (عليهم السلام) في ما وجهوا الناس إليه طلباً للمعارف الدينية والقرآنية (11) .
وكيف كان ، فإن هذا المنهج التفسيري الذي اعتمده الطباطبائي لم يسلم من النقد لا من داخل مدرسة الطباطبائي ، ولا من خارجها ، فقد وجه إليه النقد ممن يرفضون المسحة العرفانية في التفسير (12) ، ويرون فيما يذهب إليه المفسّر من رؤية مثالية استحساناً ظاهراً ، وقد تمنّى المفسّر «معرفة» لو أن الطباطبائي لم يتوسّع في تأويله ليجعل من القرآن كتاباً مكنوناً لا يمسّه إلاّ المطهّرون ، مقابل وجود قرآنٍ ظاهري يتشكّل من ألفاظ وعبارات ذوات مفاهيم معروفة ، وهذا ما علّله بعض الأساتذة المعاصرين بأنّ الرابط بين ذلك القرآن المحفوظ لديه تعالى ، وهذا القرآن المعروض على الناس هو رابط العليّة ، غير أن هذا كما يرى «معرفة» تكلّف في التأويل ، وتحمّل في القول بلا دليل ، ولعلّنا في غنى عن البسط فيه والتذييل (13) .
أما ما ذهب إليه الأخباريون بشأن هذا المنهج ، فنقول : إن مرتكزهم في رفضه هو قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن عندهم ، وكونهم ذهبوا إلى هذا الرأي ، فقد امتنع عليهم القول بذلك انسجاماً مع رؤيتهم ، وهذه ليست المسألة الوحيدة التي هي موضع خلاف مع المدرسة الأصولية ، بل هناك الكثير مما جمدت عنده المدرسة الأخبارية ، ومنعت من تأويله وتفسيره إلاّ في نطاق الرواية ، ويمكن لنا أن نحصر ما ذهب إليه هؤلاء بالآتي : فهم يرون أن الروايات دلت على اختصاص فهم القرآن بالنبي وأهل بيته (عليهم السلام) ، وأين هذا الكلام مما ذهب إليه الطباطبائي بأن عامة الناس يفهمون كتاب الله تعالى ، وأن العقل يدرك المعارف والأصول الاعتقادية (14) .
كما ارتكز هؤلاء إلى ما جاء في القرآن بأن هناك من المضامين الدينية والحقائق القرآنية ما لا يمكن إلاّ للراسخين في العلم استنباطه والوصول إليه ، إضافة إلى رأيهم فيما اشتمل عليه القرآن من آيات متشابهة ، وهذا يمنع من التمسك بظواهره ، وأين هؤلاء مما ذهب إليه الطباطبائي من أن قوله تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ هو من الآيات المحكمة (15) .
وعموماً يمكن القول : إن هذه المدرسة الاخبارية في ما أسست له لم تصمد أمام المدرسة الاصولية بسبب جمودها عند الرواية ، وضربها للبراهين العقلية ، إلى غير ذلك مما اعتمدته لرفض بعض المناهج التفسيرية ، سواء كان منهج تفسير القرآن بالقرآن ، أم أي منهج عقلي آخر من المناهج التي استوى عليها المسلمون في تاريخهم . ولا شك في أن الأصوليين قد ناقشوا هذه الأدلة ، وبيّنوا تهافت الكثير منها ، وأظهروا أن تفسير القرآن بالقرآن ليس تفسيراً بالرأي ، وكما بيّن السبحاني ، أن الطباطبائي تميز في كونه اختار منهجه الفذ ليمنع من التفسير بالرأي الذي نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
نعم ، هناك تفاسير كثيرة سميت بتفسير القرآن بالقرآن في تاريخ المسلمين ، ولكن تفسير الطباطبائي هو من أهم التفاسير على الاطلاق ، لكونه فسر القرآن بالقرآن بشكل كامل خلافاً لمن استخدم هذا المنهج بطريقة جزئية ، أو اختار مقتطفات لفهم حكم شرعي ، أو مبدأ أخلاقي (16) ، ولهذا نلاحظ الشيخ الطوسي مثلاً قد استفاد من هذا الأسلوب ، ولكن ليس بالمقدار الذي يصنف معه تفسيره (التبيان) على هذا النهج ، بل هو معدود من التفاسير الجامعة بين الأسلوبين العقلي والنقلي .
_______________________________
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|