فهي أما تكون حدوداً طبيعية (Natural Boundaries) أو حدوداً اصطناعية (Artificial Boundaries). وقد كان أول من أشار إلى هذا النوع من التصنيف اللورد كرزون 1907 وبعده فاوست 1918 ومن ثم بوجز 1940(1).

الحدود الطبيعية: هي التي تتفق مع الظواهر الطبيعية كالبحار والصحارى والجبال والغابات والمستنقعات وجميعها تمتد لمساحات كبيرة فاصلة بين السكان وتنوع نشاطهم الاقتصادي وتكوينهم الحضاري والاجتماعي(2).

وقد ارتبطت فكرة الحدود مدة طويلة مع فكرة العوائق التي كان الأفراد يرونها حدوداً لمجتمعاتهم القديمة، ومثال ذلك ما عده الرومان حداً فاصلاً وخطاً دفاعياً لنهري الدانوب والراين لغرض حماية امبراطوريتهم ضد الغزوات البربرية(3). ولكن مع تطور طرق المواصلات والنقل أصبحت هذه الأنهار تمثل عامل وصل وتعاون لمن يعيش على ضفافها من السكان(4).

وعموماً تعد المظاهر الطبيعية كالبحار والجبال والهضاب وغيرها من المظاهر الطبيعية من أفضل أنواع الحدود السياسية من النواحي الأمنية وسهولة تثبيتها على الخريطة، إلا أنه في الوقت نفسه تتضمن في خصائصها أسباب الضعف التي يعجز بها عن تأكيد في الفصل بين الوحدات السياسية فقد تكون الصفة التي تكسب الحد قوة ومنعة وتساعده على الفصل بين الوحدات السياسية هي في الوقت نفسه سبيلاً للترابط وتحقيق المصالح المشتركة بين الوحدات السياسية(5).

ومن أمثلة الأنهار التي تعد حدوداً طبيعية تفصل بين الوحدات السياسية نهر شط العرب الذي يعد حداً بحرياً يفصل بين العراق وإيران أو نهر ريوجوراندا (Riogranda) بين الولايات المتحدة والمكسيك. أما الجبال التي لا تعد من المناطق الجاذبة للسكان، إلا في المناطق الاستوائية، فأنها تمثل بالرغم من ذلك عقبة أمام تحركات الجيوش في وقت الحروب. ومثال الحدود الجبلية جبال الانديز الشاهقة (Andese) بين شيلي والأرجنتين(6).

أما المستنقعات فبعد أن كانت هي الأخرى لصعوبة عبورها وقلة سكانها من الحدود السياسية المهمة فأن التقدم التكنولوجي ساعد على التغلب عليها وبذلك أصبحت أقل أهمية من ذي قبل مثالها مستنقعات (Pripet) بين روسيا وبولندا وأيضاً مستنقعات ستيتنر هاف (Stettiner Haff) البحرية التي تمتد بين بولندا وألمانيا أمام سواحل البحر البلطي والتي هي في طور التجفيف التدريجي(7).

ويندرج القول على الغابات والصحارى في إمكانية تغلب الإنسان عليها بعد التقدم العلمي والتكنولوجي فأصبحت الدول تتنافس على الصحارى، فنرى أن الفرنسيين قد نجحوا في اختراق الصحراء الكبرى ونظموا خطوطاً للنقل لها. كما أن الغابات تمثل الحدود السياسية لجميع الدول الواقعة ضمن الخط الاستوائي لجمهوريات الكونغو وغانا وغينيا(8).

____________

(1) د. محمد رياض، الأصول العامة في الجغرافية السياسية والجيوبولتكيا، ط2، دار النهضة العربية للطبع والنشر، بيروت، 1979، ص204.

(2) د. محمد إبراهيم حسن، الجغرافيا السياسية، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، 1999، ص210.

(3) L.J Bouchez, Op. Cit., p. 789-790.

(4) د. محمد إبراهيم حسن، المصدر السابق، ص211-212؛ كذلك يُنظر: د.محمد أزهر السماك، المصدر السابق، ص101-102.

(5) صلاح الدين علي الشامي، دراسات في الجغرافيا السياسية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994، ص56.

(6) د. محمد إبراهيم حسن، المصدر السابق، ص210-215؛ وللمزيد من التفاصيل يُنظر: د. محمد أزهر السماك، المصدر السابق، ص99-120.

(7) د. محمد إبراهيم حسن، المصدر نفسه، ص212-213.