أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-10-2020
5398
التاريخ: 3-10-2020
4844
التاريخ: 6-10-2020
3419
التاريخ: 7-10-2020
4629
|
قال تعالى : {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوجَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص : 29 - 32] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{فلما قضى موسى الأجل} أي : أوفاهما .
روى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الأجلين قضى موسى؟ قال ((أوفاهما وأبطأهما)) وبالإسناد عن أبي ذر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((إذا سألت أي الأجلين قضى موسى ؟ فقل : خيرهما وأبرهما وإن سألت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت {يا أبت استأجره} .
وقال وهب : تزوج الكبرى منهما وفي الكلام حذف وإيجاز وهو فلما قضى موسى الأجل وتسلم زوجته ثم توجه نحو الشام {وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا} وقيل إنه لما زوجها منه أمر الشيخ أن يعطي موسى عصا يدفع السباع عن غنمه بها فأعطي العصا وقد ذكرنا حديث العصا في سورة الأعراف وقيل خرج آدم بالعصا من الجنة فأخذها جبرائيل بعد موت آدم (عليه السلام) وكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه عن عكرمة وقيل لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى وكانت عصا الأنبياء عنده .
وروى عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كانت عصا موسى قضيب آس من الجنة أتاه به جبرائيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين وقال السدي كانت تلك العصا استودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت وأخذت العصا فأتته بها فلما رآها الشيخ قال لا أ أتيه بغيرها فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فكانت لا تقع في يدها إلا هي فعلت ذلك مرارا فأعطاها موسى وقوله {وسار بأهله} قيل إنه مكث بعد انقضاء الأجل عند صهره عشرا أخرى فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر ليزور والديه وأخاه فأذن له فسار بأهله عن مجاهد وقيل إنه لما قضى العشر سار بأهله أي بامرأته وبأولاد الغنم التي كانت له وكانت قطيعا فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام وامرأته في شهرها فسار في البرية غير عارف بالطريق فالجاه المسير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق وضل الطريق وتفرقت ماشيته فأصابه المطر فبقي لا يدري أين يتوجه فبينا هو كذلك آنس من جانب الطور نارا .
وروى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا {قال لأهله امكثوا إني آنست نارا} وقد مر تفسيره {لعلي آتيكم منها بخبر} أي بخبر من الطريق الذي أريد قصده وهل أنا على صوبه أو منحرف عنه وقيل بخير من النار هل هي لخبر نأنس به أو لشر نحذره {أو جذوة من النار} أي قطعة من النار وقيل بأصل شجرة فيها نار {لعلكم تصطلون} أي تستدفئون بها {فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن} أي نودي موسى من الجانب الأيمن للوادي {في البقعة المباركة} وهي البقعة التي قال الله تعالى فيها لموسى اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وإنما كانت مباركة لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى وقيل مباركة لكثرة الأشجار والأثمار والخير والنعم بها والأول أصح .
{من الشجرة} إنما سمع موسى النداء والكلام من الشجرة لأن الله تعالى فعل الكلام فيها وجعل الشجرة محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل وعلم موسى بالمعجز أن ذلك كلامه تعالى وهذه أعلى منازل الأنبياء أعني أن يسمعوا كلام الله من غير واسطة ومبلغ وكان كلامه سبحانه {إن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} أي أن المكلم لك هو الله مالك العالمين وخالق الخلائق أجمعين تعالى وتقدس عن أن يحل في محل أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض ولا جسم .
ثم بين سبحانه تمام قصة موسى (عليه السلام) فقال {وأن ألق عصاك} إنما أعاد سبحانه هذه القصة وكررها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب واستمالة بهم إلى الحق ومن أحب شيئا أحب ذكره والقوم كانوا يدعون محبة موسى وكل من ادعى اتباع سيده مال إلى من ذكره بالفضل على أن كل موضع من مواضع التكرار لا تخلو من زيادة فائدة وهاهنا حذف تقديره فألقاها من يده فانقلبت بإذن الله تعالى ثعبانا عظيما تهتز كأنها جان في سرعة حركتها وشدة اهتزازها {فلما رآها تهتز} أي تتحرك {كأنها جان ولى مدبرا} موسى {ولم يعقب} أي لم يرجع إلى ذلك الموضع فنودي {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} من ضررها وفي انقلاب العصا حية دلالة على أن الجواهر متماثلة وأنها من جنس واحد لأنه لا حال أبعد إلى حال الحيوان من حال الخشب وما جرى مجرى ذلك من الجماد فإذا صح قلب الخشب إلى حال الحيوان صح أيضا قلب الأبيض إلى حال الأسود {اسلك يدك في جيبك} أي أدخلها فيه {تخرج بيضاء من غير سوء} أي من غير برص {واضمم إليك جناحك من الرهب} أي ضم يدك إلى صدرك من الخوف فلا خوف عليك عن ابن عباس ومجاهد والمعنى أن الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية وقيل أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه وحثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الأحوال مما أمره بالمضي فيه وليس يريد بقوله اضمم يدك الضم المزيل للفرجة بين الشيئين .
عن أبي علي الفارسي قال وهذا كما أن اشدد في قوله ((اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا)) ليس يراد به الشد الذي هو الربط والمراد به تأهب للموت واستعد للقائه حتى لا تهاب لقاه ولا تجزع من وقوعه وقد جاء ذكر اليدين في مواضع يراد بهما جملة ذي اليد فمن ذلك قولهم ((لبيك والخير بين يديك)) ومنه قوله تعالى {بما قدمت يداك} وفي المثل ((يداك أوكتا وفوك نفخ))(2) وإنما يقال هذا عند تفريغ الجملة وقال أبو عبيدة جناحا الرجل يداه وقال غيره الجناح هنا العضد ويدل على قوله إن العضد قد تقام مقام الجملة في مثل قوله {سنشد عضدك بأخيك} وقد جاء المفرد ويراد به التثنية قال :
يداك يد إحداهما الجود كله *** وراحتك الأخرى طعان تغامره
المعنى يداك يدان بدلالة قوله إحداهما فعلى هذا يجوز أن يراد بالأفراد في قوله {واضمم إليك جناحك} التثنية وقيل أنه لما ألقى العصا وصارت حية بسط يديه كالمتقي وهما جناحاه فقيل له اضمم إليك جناحك أي ما بسطته من يديك والمعنى لا تبسط يديك خوف الحية فإنك آمن من ضررها ويجوز أن يكون معناه أسكن ولا تخف فإن من هاله أمر أزعجه حتى كأنه يطيره وآلة الطيران الجناح فكأنه (عليه السلام) قد بلغ نهاية الخوف فقيل له ضم منشور جناحك من الخوف وأسكن وقيل معناه إذا هالك أمر يدك لما تبصر من شعاعها فاضممها إليك لتسكن .
{فذانك برهانان من ربك} معناه فاليد والعصا حجتان من ربك على نبوتك {إلى فرعون وملأيه} أي أرسلناك إلى فرعون وملئه بهاتين الآيتين الباهرتين {إنهم كانوا قوما فاسقين} أي خارجين من طاعة الله إلى أعظم المعاصي وهو الكفر .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص432-436 .
2- أوكى القرية : شدها بالوكاء .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَو جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} .
بعد أن أتم موسى المدة التي اتفق عليها مع أبي زوجته جمع أشتات متاعه ، وسافر قاصدا مصر مع أهله ، وفي قاموس الكتاب المقدس : ذهب موسى إلى مصر مع زوجته وابنيه . ولما وصل إلى الصحراء ضل الطريق في ليلة مظلمة باردة كما يشعر قوله : لعلكم تصطلون . وبينا هو حائر في أمره رأى نارا تضيء ، فقال لأهله : انتظروا مكانكم ، فأنا ذاهب إلى النار لآتيكم بخبر عن الطريق ، أو بقطعة من النار تستدفئون بها . وتقدم في الآية 10 من سورة طه والآية 7 من سورة النمل .
{فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الأَيْمَنِ} أي الجانب المحاذي ليمين موسى {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} . البقعة القطعة من الأرض ، وهي مباركة لكثرة أنبيائها وكثرة خيراتها ، وقوله :
{من الشجرة} يشعر بأن اللَّه سبحانه خلق الكلام في الشجرة ، وقد استدل بهذه الآية من قال إن كلام اللَّه حادث وليس بقديم . وتقدم في الآية 52 من سورة مريم والآية 12 من سورة طه .
{وأَنْ أَلْقِ} - إلى قوله - {الآمِنِينَ} تقدم في الآية 10 من سورة النمل {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ واضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ} . اسلك يدك في جيبك أدخلها فيه ، والجيب فتحة القميص . ومن الرهب أي إذا وضعت يدك على صدرك يذهب ما بك من الخوف . وتقدم في الآية 107 من سورة الأعراف ج 3 ص 375 والآية 22 من سورة طه والآية 33 من سورة الشعراء والآية 12 من سورة النمل .
_____________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 62-63 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
فصل آخر من قصة موسى (عليه السلام) وقد أودع فيه إجمال قصته من حين سار بأهله من مدين قاصدا لمصر وبعثته بالرسالة إلى فرعون وملئه لإنجاء بني إسرائيل وتكذيبهم له إلى أن أغرقهم الله في اليم وتنتهي القصة إلى إيتائه الكتاب وكأنه هو العمدة في سرد القصة .
قوله تعالى : {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا} إلخ ، المراد بقضائه الأجل إتمامه مدة خدمته لشعيب (عليه السلام) والمروي أنه قضى أطول الأجلين ، والإيناس الإبصار والرؤية ، والجذوة من النار القطعة منها ، والاصطلاء الاستدفاء .
والسياق يشهد أن الأمر كان بالليل وكانت ليلة شديدة البرد وقد ضلوا الطريق فرأى من جانب الطور وقد أشرفوا عليه نارا فأمر أهله أن يمكثوا ليذهب إلى ما آنسه لعله يجد هناك من يخبره بالطريق أو يأخذ قطعة من النار فيصطلوا بها ، وقد وقع في القصة من سورة طه موضع قوله : {لعلي آتيكم منها بخبر} إلخ قوله : {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه : 10] ، وهو أدل على كونهم ضلوا الطريق .
وكذا في قوله خطابا لأهله : {امكثوا} إلخ ، شهادة على أنه كان معها من يصح معه خطاب الجمع .
قوله تعالى : {فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة} إلخ قال في المفردات : ، شاطىء الوادي جانبه ، وقال : أصل الوادي الموضع الذي يسيل منه الماء ومنه سمي المنفرج بين الجبلين واديا وجمعه أودية انتهى والبقعة القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها .
والمراد بالأيمن الجانب الأيمن مقابل الأيسر وهو صفة الشاطىء ولا يعبأ بما قاله بعضهم : إن الأيمن من اليمين مقابل الأشأم من الشؤم .
والبقعة المباركة قطعة خاصة من الشاطىء الأيمن في الوادي كانت فيه الشجرة التي نودي منها ، ومباركتها لتشرفها بالتقريب والتكليم الإلهي وقد أمر بخلع نعليه فيها لتقدسها كما قال تعالى في القصة من سورة طه : {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه : 12] .
ولا ريب في دلالة الآية على أن الشجرة كانت مبدءا للنداء والتكليم بوجه غير أن الكلام وهو كلام الله سبحانه لم يكن قائما بها كقيام الكلام بالمتكلم منا فلم تكن إلا حجابا احتجب سبحانه به فكلمه من ورائه بما يليق بساحة قدسه من معنى الاحتجاب وهو على كل شيء محيط ، قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } [الشورى : 51] .
ومن هنا يظهر ضعف ما قيل : إن الشجرة كانت محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل يقوم به .
وكذا ما قيل : إن هذا التكليم أعلى منازل الأنبياء (عليهم السلام) أن يسمعوا كلام الله سبحانه من غير واسطة ومبلغ .
وذلك أنه كان كلاما من وراء حجاب والحجاب واسطة وظاهر آية الشورى المذكورة آنفا أن أعلى التكليم هو الوحي من غير واسطة حجاب أو رسول مبلغ .
وقوله : {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} أن فيه تفسيرية ، وفيه إنباء عن الذات المتعالية المسماة باسم الجلالة الموصوفة بوحدانية الربوبية النافية لمطلق الشرك إذ كونه ربا للعالمين جميعا - والرب هو المالك المدبر لملكه الذي يستحق العبادة من مملوكيه - لا يدع شيئا من العالمين يكون مربوبا لغيره حتى يكون هناك رب غيره وإله معبود سواه .
ففي الآية إجمال ما فصله في سورة طه في هذا الفصل من النداء من الإشارة إلى الأصول الثلاثة أعني التوحيد والنبوة والمعاد إذ قال : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} [طه : 14 ، 15] .
قوله تعالى : {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى : مدبرا ولم يعقب} تقدم تفسيره في سورة النمل .
قوله تعالى : {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} بتقدير القول أي قيل له : أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ، وفي هذا الخطاب تأمين له ، وبه يظهر معنى قوله في هذا الموضع من القصة في سورة النمل : {يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل : 10] وأنه تأمين معناه أنك مرسل والمرسلون آمنون لدي وليس من العتاب والتوبيخ في شيء .
قوله تعالى : {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} المراد بسلوك يده في جيبه إدخاله فيه ، والمراد بالسوء - على ما قيل - البرص .
والظاهر أن في هذا التقييد تعريضا لما في التوراة الحاضرة في هذا الموضع من القصة : ثم قال له الرب أيضا : أدخل يدك في عبك فأدخل يده في عبه ثم أخرجها وإذا يده برصاء مثل الثلج .
قوله تعالى : {واضمم إليك جناحك من الرهب} إلى آخر الآية ، الرهب بالفتح فالسكون وبفتحتين وبالضم فالسكون الخوف ، والجناح قيل : المراد به اليد وقيل : العضد .
قيل : المراد بضم الجناح إليه من الرهب أن يجمع يديه على صدره إذا عرضه الخوف عند مشاهدة انقلاب العصا حية ليذهب ما في قلبه من الخوف .
وقيل : إنه لما ألقى العصا وصارت حية بسط يديه كالمتقي وهما جناحاه فقيل له : اضمم إليك جناحك أي لا تبسط يديك خوف الحية فإنك آمن من ضررها .
والوجهان - كما ترى - مبنيان على كون الجملة أعني قوله : {واضمم} إلخ ، من تتمة قوله : {أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} وهذا لا يلائم تخلل قوله : {اسلك يدك في جيبك} إلخ ، بين الجملتين بالفصل من غير عطف .
وقيل : الجملة كناية عن الأمر بالعزم على ما أراده الله سبحانه منه والحث على الجد في أمر الرسالة لئلا يمنعه ما يغشاه من الخوف في بعض الأحوال .
ولا يبعد أن يكون المراد بالجملة الأمر بأن يأخذ لنفسه سيماء الخاشع المتواضع فإن من دأب المتكبر المعجب بنفسه أن يفرج بين عضديه وجنبيه كالمتمطي في مشيته فيكون في معنى ما أمر الله به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من التواضع للمؤمنين بقوله : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الحجر : 88] على بعض المعاني .
____________
1- مجمع البيان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص25-27 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
الشّرارة الأُولى للوحي :
نصل الآن ـ إلى المقطع السابع ـ من هذه القصّة . .
لا يعلم أحد ـ بدّقة ـ ما جرى على موسى في سنواته العشر مع شعيب (2) ، ولا شكّ أن هذه السنوات العشر كانت من أفضل سنوات العمر لموسى (عليه السلام)سنوات عذبة هادئة ، سنوات هيأته للمسؤولية الكبرى .
في الحقيقة كان من الضروري أن يقطع موسى (عليه السلام) مرحلة عشر سنين من عمره في الغربة إلى جانب النّبي العظيم شعيب ، وأن يكون راعياً لغنمه; ليغسل نفسه ممّا تطبّعت عليه من قبل أو ما قد أثرت عليه حياة القصر من خلق وسجية .
كان على موسى (عليه السلام) أن يعيش إلى جوار سكنة الأكواخ فترةً ليعرف همومهم وآلامهم ، وأن يتهيأ لمواجهة سكنة القصور .
ومن جهة أُخرى كان موسى بحاجة الى زمن طويل ليفكر في أسرار الخلق وعالم الوجود وبناء شخصيته . فأيُّ مكان أفضل له من صحراء مدين ، وأفضل من بيت شعيب ؟! .
إنّ مسؤولية نبي من أولي العزم ، ليست بسيطة حتى يمكن لكل فرد أن يتحملها ، بل يمكن أن يقال : إنّ مسؤولية موسى (عليه السلام) ـ بعد مسؤولية النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله) ـ من بين الأنبياء جميعاً ، كانت أثقل وأهم ، بالنظر لمواجهته الجبابرة على الأرض ، وتخليص أمّة من أسرهم ، وغسل آثار الأسر الثقافي من أدمغتهم .
نقرأ في «التوراة» وفي بعض الروايات الإسلامية ـ أيضاً ـ أنّ شعيباً قرر تكريماً لأتعاب موسى وجهوده معه أن يهب له ما تلده الأغنام في علائم خاصة ، فاتفق أن ولدت جميع الأغنام أو أغلبها ـ في السنة الذي ودّع فيها موسى شعيباً ـ أولادها بتلك العلائم التي قررها شعيب (3) ، وقدمها شعيب مع كامل الرغبة إلى موسى .
ومن البديهي أنّ موسى(عليه السلام) لا يقنع في قضاء جميع عمره برعي الغنم ، وإن كان وجود «شعيب» الى جانبه يعدّ غنيمة كبرى .
فعليه أن ينهض إلى نصرة قومه ، وأن يخلصهم من قيود الأسر ، وينقذهم من حالة الجهل وعدم المعرفة .
وعليه أن ينهي وجود الظلمة وحكام الجور في مصر ، وأن يحطّم الأصنام ، وأن يجد المظلومون العزة بالله معه ، هذا الإحساس كان يدفع موسى للسفر إلى قومه .
وأخيراً جمع موسى أثاثه ومتاعه وأغنامه وتهيأ للسفر .
ويستفاد ضمناً من التعبير بـ «الأهل» التي وردت في آيات كثيرة في القرآن أن موسى (عليه السلام) كان عنده هناك غير زوجته ولدٌ أو أولاد ، كما تؤيد الرّوايات الإسلامية هذا المضمون ، وكما صرّح بهذا المعنى في «التوراة» في سفر الخروج ، وإضافةً إلى كل ذلك فإنّ زوجته كانت حاملا أيضاً .
وعند عودته من مدين إلى وطنه أضاع الطريق ، ولئلا يقع أسيراً بيد الظلمة من أهل الشام اختار طريقاً غير مطروق .
وعلى كل حال فإنّ القرآن يقول في أوّل من آية هذا المقطع : {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله انس من جانب الطور ناراً} ثمّ التفت إلى أهله و{قال لأهله امكثوا إنّي آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النّار لعلكم تصطلون}أي (تتدفؤون) .
«آنست» : مشتقّة من مادة «إيناس» ومعناها المشاهدة والرؤية المقترنة بالهدوء والراحة . «جذوة» هي القطعة من النّار ، وقال بعضهم : بل هي القطعة الكبيرة من الحطب .
ويستفاد من قوله {لعلي آتيكم بخبر} أنّه كان أضاع الطريق ، كما يستفاد من جملة {لعلكم تصطلون} أن الوقت كان ليلا بارداً .
ولم يرد في الآية كلامٌ عن حالة زوجة موسى ، ولكن المشهور أنّها كانت حاملا ـ كما في كثير من التفاسير والرّوايات ـ وكانت تلك اللحظة قد أحست بالطلق وألم الولادة . . وكان موسى قلقاً لحالها أيضاً .
{فلّما أتاها} أي أتى النّار التي آنسها ورآها ، وجدها ناراً لا كمثل النيران الأُخر فهي غير مقترنة بالحرارة والحريق ، بل هي قطعة من النور والصفاء ، فتعجب موسى من ذلك {نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنّي أنا الله ربّ العالمين} .
«الشاطىء» معناه الساحل .
و«الوادي» معناه الطريق بين الجبلين ، أو ممر السيول .
و«الأيمن» مشتق من «اليمين» خلاف اليسار ، وهو صفة للوادي .
و«البقعة» القطعة من الأرض المعروفة الأطراف .
ولا شك أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الأمواج الصوتية في كل شىء ، فأوجد في الوادي شجرة ليكلّم موسى . . وموسى بشر له جسم وأذنان ولابدّ له ليسمع الكلام من أمواج صوتية . . وطبيعي أن كثيراً من الأنبياء كان الوحي بالنسبة لهم إلهاماً داخلياً ، وأحياناً يرون ما يوحى إليهم في «النوم» كما كان الوحي يأتيهم . أحياناً ـ عن طريق سماع الأمواج الصوتية .
وعلى كل حال فلا مجال للتوهم بأنّ الله جسم ، تعالى الله عن ذلك .
وفي بعض الرّوايات ورد أن موسى(عليه السلام) حين اقترب من النّار ، دقق النظر فلاحظ أن النّار تخرج من غصن أخضر وتضيء وتزداد لحظة بعد لحظة وتبدو أجمل ، فانحنى موسى وفي يده غصن يابس ليوقده من النّار ، فجاءت النّار من ذلك الغصن الأخصر إليه فاستوحش ورجع إلى الوراء . . ثمّ رجع إليها ليأخذ منها قبساً فأتته ثانية . . وهكذا مرّة يتجه بنفسه إليها ومرّة تتجه النّار إليه ، وإذا النداء والبشارة بالوحي إليه من قبل الله سبحانه .
ومن هنا ومع ملاحظة قرائن لا تقبل الإنكار اتّضح لموسى(عليه السلام) أنّ هذا النداء هو نداء إلهي لا غير .
ومع الإلتفات إلى أنّ موسى (عليه السلام) سيتحمل مسؤولية عظيمة وثقيلة . . فينبغي أن تكون عنده معاجز عظيمة من قبل الله تعالى مناسبة لمقامه النبوي ، وقد أشارت الآيات إلى قسمين مهمين من هذه المعاجز : الأُولى قوله تعالى : {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنّها جان ولّى مدبراً ولم يعقب} .
ويوم اختار موسى (عليه السلام) هذه العصا ليتوكأ عليها للاستراحة ، ويهشُّ بها على غنمه ، ويرمي لها بهذه العصا أوراق الأشجار ، لم يكن يعتقد أنّ في داخلها هذه القدرة العظيمة المودعة من قبل الله . وأن هذه العصا البسيطة ستهز قصور الظالمين ، وهكذا هي موجودات العالم ، نتصور أنّها لا شيء ، لكن لها استعدادات عظيمة مودعة في داخلها بأمر الله تتجلى لنا متى شاء .
في هذه الحال سمع موسى (عليه السلام) مرّة أُخرى النداء من الشجرة {أقبل ولا تخف إنّك من الأمنين} .
«الجانّ» في الأصل معناه الموجود غير المرئي ، كما يطلق على الحيات الصغار اسم (جان) أيضاً; لأنّها تعبر بين الأعشاب والأحجار بصورة غير مرئية . . كما عبر في بعض الآيات عن العصا بـ (ثعبان مبين)
[سورة الأعراف الآية 107 وسورة الشعراء الآية 32] .
وقد قلنا سابقاً : إنّ هذا التفاوت في التعابير ربّما لبيان الحالات المختلفة لتلك الحية . . التي كانت في البداية حية صغيرة ، ثمّ ظهرت كأنّها ثعبان مبين .
كما ويحتمل أن موسى (عليه السلام) رآها في الوادي بصورة حية ، ثمّ في المرات الأُخرى بدأت تظهر بشكل مهول (ثعبان مبين)
وعلى كل حال ، كان على موسى (عليه السلام) أن يعرف هذه الحقيقة ، وهي أنّه لا ينبغي له الخوف في الحضرة الإلهية; لأنّ الأمن المطلق حاكم هناك ، فلا مجال للخوف إذاً .
كانت المعجزة الأُولى آية «من الرعب» ، ثمّ أمر أن يظهر المعجزة الثّانية وهي آية أُخرى «من ا لنور والأمل» ومجموعهما سيكون تركيباً من «الإنذار» و«البشارة» إذْ جاءه الأمر {أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} .
فالبياض الذي يكون على يده للناس لم يكن ناشئاً عن مرض ـ كالبرص ونحوه ـ بل كان نوراً الهياً جديداً .
لقد هزّت موسى (عليه السلام) مشاهدته لهذه الأُمور الخارقة للعادات في الليل المظلم وفي الصحراء الخالية . . ومن أجل أن يهدأ روع موسى من الرهب ، فقد أمر أن يضع يده على صدره {واضمم إليك جناحك من الرهب} .
قال بعضهم : هذه العبارة (واضمم إليك جناحك) كناية عن لزوم القاطعية والعزم الراسخ في أداء المسؤولية بالنسبة لرسالته ، وأن لا يخاف أو يرهب شيئاً أو أحداً أو قوّة مهما بلغت .
وقال بعضهم : حين ألقى موسى (عليه السلام) عصاه فرآها كأنّها «جان» أو (ثعبان مبين) رهب منها ، فمدّ يده ليدافع عن نفسه ويطردها عنه ، لكن الله أمره أن يضم يده إلى صدره ، إذ لا حاجة للدفاع فهي آية من آياته .
والتعبير بـ «الجناح»
[الذي يستعمل للطائر مكان اليد للإنسان] بدلا عن اليد في غاية الجمال والروعة . . ولعل المراد منه تشبيه هذه الحالة بحالة الطائر حين يدافع عن نفسه وهو أمام عدوّه المهاجم ، ولكنه يعود إلى حالته الأُولى ويضم جناحه إليه عندما يزول عنه العدو ولا يجد ما يرهبه! .
وجاء موسى النداءُ معقّباً : {فذانك برهانان من ربّك إلى فرعون وملئه إنّهم كانوا قوماً فاسقين} .
فهم طائفة خرجت عن طاعة الله وبلغ بهم الطغيان مرحلة قصوى . . فعليك ـ يا موسى ـ أن تؤدي وظيفتك بنصحهم ، وإلاّ واجهتهم بما هو أشد .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص568-572 .
2 ـ يظهر من الرّوايات الإسلامية أنّ موسى(عليه السلام) عمل مع شعيب عشر سنوات ، وهذا الموضوع موجود في كتاب وسائل الشيعة ، ج 15 ، الصفحة 34 (كتاب النكاح . . أبواب المهور . الباب 22 ـ الحديث الرابع) .
3 ـ راجع أعلام القرآن ، ص 409 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|