أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
16120
التاريخ: 23-04-2015
5506
التاريخ: 2023-06-01
1457
التاريخ: 2023-02-26
1590
|
نريد بالنصاعة إخراج الصوت واضحا لا يلتبس به غيره من أصوات العربية ، وإعطاء الحرف حقه من النطق المحقق غير مشتبه بسواه ، وهذا جوهر الأداء ، وقد سماه القدامى بعلم التجويد ، ولعل تسمية علم الأداء القرآني ب «التجويد» ناظرة إلى قول الإمام علي عليه السلام المتقدم :
«الترتيل معرفة الوقوف ، وتجويد الحروف» (1)
فأخذ عنه هذا المصطلح بإعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله ، وتلطيف النطق به على كمال هيئته ، من غير إسراف ولا تعسف ، ولا إفراط ولا تكلف» (2).
وهذه القاعدة تبنى على مخارج الحروف صوتيا ، وقد تقدم أنها سبعة عشر مخرجا عند الخليل ، وستة عشر مخرجا عند تابعيه ، بإسقاط مخرج الحروف الجوفية.
ومخرج الحرف للتصويت به دون ليس ، أفاده ابن الجزري (ت : 833 هـ) في تعريفه له من الخليل عمليا ، يقول : «و اختيار مخرج الحرف محققا أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكنا أو مشددا ، وهو أبين ، ملاحظا فيه صفات ذلك الحرف» (3).
فتقول في الباء والتاء والثاء «ابّ ، اتّ ، اثّ» وهكذا بقية الحروف ، فتتحكم الذائقة الصوتية في نطق الحروف على أساس منها كبير ، والدليل على ذلك تقسيم الحروف على أساس مخارجها عند علماء الأداء القرآني تبعا لعلماء اللغة ، فكل حيّز ينطلق منه الصوت يشكل مخرجا في أجهزة النطق ، وذلك عند اندفاع الأصوات إلى الخارج من مخارج الحلق ومدارجه.
وقد أورد السيوطي (911 هـ) ، ملخصا في مخارج الأصوات استند فيه إلى ابن الجزري (ت : 833 هـ) وكان ابن الجزري ذكيا في جدولته للأصوات من مخارجها ، إذ- فاد من كل ما سبقه ، ونظمه جامعا تلك الإفادات ، وهي ليست له إلا في إضافات من هنا وهناك ، استند إلى ترتيب الخليل (ت : 175 هـ) وبرمجة سيبويه (ت : 180 هـ) وذائقة ابن جني (ت : 392 هـ).
و لا ضير في ذكر مخارجه مع الجزئيات المضافة لا على الأصل فهو واحد ، بل في تحسين العرض ، وضبط حيثيات المخارج على النحو الآتي :
الأول : الجوف ، للألف والواو والياء الساكنين بعد حركة تجانسهما.
الثاني : أقصى الحلق ، للهمزة والياء.
الثالث : وسطه ، للعين والحاء المهملتين.
الرابع : أدنى الحلق للفم ، للغين والخاء.
الخامس : أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك للقاف.
السادس : أقصاه من أسفل مخرج القاف قليلا ، وما يليه من الحنك.
السابع : وسطه ، بينه وبين وسط الحنك ، للجيم والشين والياء.
الثامن : للضاد المعجمة ، من أول حافة اللسان ، وما يليه من الأضرس من الجانب الأيسر ، وقيل : الأيمن.
التاسع : اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه ، وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى.
العاشر : للنون من طرفه ، أسفل اللام قليلا.
الحادي عشر : للراء من مخرج النون ، لكنها أدخل في ظهر اللسان.
الثاني عشر : للطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعدا إلى جهة الحنك .
الثالث عشر : لحروف الصفير : الصاد والسين والزاي ، من بين طرف اللسان ، وفويق الثنايا السفلى.
الرابع عشر : للظاء والثاء والذال ، من بين طرفه وأطراف الثنايا العليا
الخامس عشر : للفاء ، من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.
السادس عشر : للباء والميم والواو غير المديّة بين الشفتين.
السابع عشر : الخيشوم للغنة في الادغام والنون أو والميم الساكنة (4).
لقد اتسم تشخيص هذه المخارج بالدقة ، وتعيين المواضع بما يقرّه علم التشريح حديثا ، من حيث الضبط لجزئيات المدارج ، فهي تتلاءم تماما مع معطيات هذا العلم بعد مروره بتجارب الأجهزة المختبرية ، ونتائج جراحة مخارج الأصوات ضمن معادلات دقيقة لا تخطئ.
ولا يكتفي ابن الجزري في هذا العرض حتى يضيف إليه مفصلا صوتيا في خصائص الحروف ، وملامح الأصوات ، وسمات الاشتراك والانفراد في المخارج والصفات.
يقول ابن الجزري (ت : 833 هـ) فالهمزة والهاء اشتركا مخرجا وانفتاحا واستفالا ، وانفردت الهمزة بالجهر والشدة ، والعين والحاء اشتركا كذلك ، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة ، والغين والخاء اشتركا مخرجا ورخاة واستعلاء وانفتاحا وانفردت الغين بالجهر ، والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا ، وانفردت الجيم بالشدة ، واشتركت مع الياء في الجهر ، وانفردت الشين بالهمس والتفشي ، واشتركت مع الياء في الرخاوة ، والضاد والظاء اشتركا صفة وجهرا ورخاوة واستعلاء ، وإطباقا ، وافترقا مخرجا ، وانفردت الضاد بالاستطالة ، والطاء والدال والتاء اشتركت مخرجا وشدة ، وانفردت الطاء بالإطباق والاستعلاء ، واشتركت مع الدال في الجهر ، وانفردت التاء بالهمس ، واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال ، والظاء والذال والثاء اشتركت مخرجا ورخاوة ، وانفردت الظاء بالاستعلاء والأطباق ، واشتركت مع الذال في الجهر ، وانفردت الثاء بالهمس ، واشتركت مع الذال انفتاحا واستفالا ، والصاد والزاي والسين اشتركت مخرجا ورخاوة وصفيرا ، وانفردت الصاد بالإطباق والاستعلاء ، واشتركت مع السين في الهمس ، وانفردت الزاي بالجهر ، واشتركت مع السين في الانفتاح والاستفال. فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موفّى حقه ، فليعمل نفسه بأحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد ، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب ، وقوي وضعيف ، ومفخّم ومرقق ، فيجذب القوي الضعيف ، ويغلب المفخّم المرقق ، ويصعب على اللسان النطق بذلك على حقه ، إلا بالرياضة الشديدة ، فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب ، حصل حقيقة التجويد» (5).
حقا لقد أعطى ابن الجزري مواطن تنفيذ الأداء القرآني على الوجه الأكمل بما حدده من خصائص كل حرف في المعجم ، وما لخصه من دراسة صوتية لمواضع الأصوات ومدارجها في الانفتاح والاستفال ، والجهر والهمس ، والشدة والرخاوة ، والتفشي والاستطالة يساعد على تفهم الحياة الصوتية في عصره ، ولا يكتفي بهذا حتى يربطها بعلم الأداء في حالة تركيب الحروف ، وتجانس الأصوات قوة وضعفا.
بقي القول أن علم الأداء القرآني يرتبط بالأصوات في عدة ملاحظ كالوقف وقد تقدم ، والإدغام وسيأتي ، ونشير هنا إلى ملحظين هما الترقيق والتفخيم ، فالترقيق مرتبط بحروف الاستفال (الحروف المستفلة) لأنها مرققة جميعا. والتفخيم مرتبط بحروف الاستعلاء (الحروف المستعلية) لأنها مفخمة جميعا ، وقد سبقت الإشارة في موضعها إلى الامالة والاشمام.
وما قدمناه- عادة- قد يصلح مادة أساسية للاستدلال على صلاحية الرأي القائل بأن علم الأداء القرآني في قسيميه الأساسيين : عبارة عن جزء مهم من كلي الصوت اللغوي في القرآن ، لارتباطه بعلم الأصوات ارتباطا متماسكيا لا يمكن التخلي عنه ، فهو ناظر إلى مخارج الحروف وتجويدها ، والمخارج بأصنافها تشكل مخططا تفصيليا لأجهزة الصوت ، وكل حرف ينطلق من حيزه صوتا له مكانه وزمانه ، ساحته ومسافته.
(2) السيوطي ، الاتقان في علوم القرآن : 1/ 281.
(3) ابن الجزري ، النشر في القراءات العشر : 1/ 198.
(4) انظر السيوطي ، الاتقان : 1/ 283 وانظر مصدره.
(5) ابن الجزري ، النشر في القراءات العشر : 1/ 214.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|