أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
2205
التاريخ: 9-11-2014
1837
التاريخ: 23-04-2015
24727
التاريخ: 2023-05-13
1264
|
لو تركنا الخليل ذاته إلى من تأثر بمدرسته لوجدنا جهودا صوتية متناثرة ، تستند في أغلبها إلى مبتكرات الخليل ، توافقه حينا ، وتخالفه حينا آخر. فأعضاء النطق مثلا عند الخليل وعند سيبويه (ت : 180 هـ) واحدة ، والحروف في مدارجها ، ويعني بها الأصوات تبعا للخليل ، تبدأ بأقصى الحلق ، وتنتهي بالشفتين ، فهي عند سيبويه كما هي عند الخليل (1).
ولكن ترتيب الحروف في كتاب سيبويه تخالف ترتيب الخليل ، فحينما وضع الخليل الأبجدية الصوتية للمعجم العربي مبتكرا لها ، خالفه سيبويه في ترتيب تلك الأصوات ، إذ بدأ بالهمزة والألف والهاء ، وقدّم الغين على الخاء ، وأخر القاف عن الكاف وهكذا ...
يتضح هذا من ترتيبه للحروف على هذا النحو:
همزة. ا. هـ.
ع. ح. غ. خ.
ك. ق.
ض. ج. ش.
ي. ل. ر.
ن. ط. د. ت. ص.
ز. س. ظ.
ذ. ث. ف.
ب. م. و(2).
وهذا وإن كان خلافا جوهريا في ترتيب مخارج الأصوات ، إلا أنه لا يعني أكثر من العملية الاجتهادية في الموضوع دون الخروج عن الأصل عند الخليل. «كذلك نلاحظ اختلافا واحدا في ترتيب المجموعات الصوتية بالنظر إلى تقدمها وتأخرها ، فقد جاءت حروف الصّغير في كتاب العين بعد الضاد ، وهو حرف حافة اللسان ، والذي عند سيبويه بعد الضاد : حروف الذلاقة. ونتيجة لتقديم حروف الصفير ، فقد وضع مكانها حروف الذلاقة ، ومعنى ذلك أنه في العين حدث تبادل بين حروف الصفير وحروف الزلاقة» (3).
إن الاختلاف من هذا القبيل لا يعدو وجهة النظر الصوتية المختلفة ، ولكنه لا يمانع أن تكون آراء سيبويه في الكتاب امتدادا طبيعيا لمدرسة الخليل ، نعم لا ينكر أن لسيبويه ابتكاراته المقررة ، فنحن لا نبخس حقه ، ولا نجحد أهميته في منهجة البحث الصوتي ، فقد كان له فضل بذلك لا ينكر ، فتصنيفه لصفات الأصوات في الجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط ، وكشفه لملامح الإطباق واللين ، وتمييزه لمظاهر الاستطالة والمد والتفشي ، كل أولئك مما يتوّج صوتيته بالأصالة.
ولسيبويه قدم سبق مشهود له في قضايا الإدغام ، وهي معالم صوتية في الصميم ، فقد قدم لها بدراسة علم الأصوات ، كما قدم الخليل معجمه بعلم الأصوات ، فالخليل قد ربط بين اللغة والصوت ، وسيبويه قد ربط بين قضايا الصوت نفسها ، لأن الإدغام قضية صوتية «ونحن نقرر هنا مطمئنين أن سيبويه قد وضع قواعد هذا البحث وأحكامه لا لفترة معينة من الزمن ، بل يكاد يكون ذلك نهائيا ، وكان تصرفه فيها تصرفا رائعا ، صادرا عن عبقرية سبقت الزمن ، فلم يكن ممن جاء بعده من العلماء والباحثين إلا أن اتبعوا نهجه ، واكتفوا بما قال ، ولم يزيدوا بعد سيبويه على ما قال حرفا ، بل أخذوا يرددون عباراته مع كتبهم ، ويصرحون بأنهم إنما يتبعون مذهبه ، سواء في ذلك علماء النحو وعلماء القراءة» (4).
وقد يكون في هذا الحكم مبالغة ، ولكنه مقارب للحقيقة في كثير من أبعاده ، إذ كان سبّاقا إلى الموضوع بحق.
ومما يجلب الانتباه حقا عند سيبويه في صفات الحروف ومخارجها ، هو تمييزه الدقيق بين صفة الجهر وصفة الهمس فيما أشرنا له في الفصل السابق فمصدر الصوت المجهور يشترك فيه الصدر والفم ، ومصدر الصوت المهموس من الفم وحده ، وبمعنى آخر أن للرئتين عملا ما في صفة الجهر ، بينما ينفرد الفم بصفة الهمس (5).
فتعريف المجهور عنده: «حرف أشبع الاعتماد في موضعه ، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ، ويجري الصوت. بينما المهموس: حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه» (6).
وهو يعبر بالموضع هنا عن المخرج فيما يبدو ، ويجري الصوت عن الشيء الإضافي في حالة الجهر عن حالة الهمس التي يجري النفس معها لا الصوت. «و قد ظلت محاولة سيبويه تفسير المجهور والمهموس من الأصوات قانونا سار عليه جميع من جاء بعده من النحاة والقراء. إلى أن جاءت بحوث المحدثين فصدقت كثيرا مما قاله في هذا الباب» (7).
ومن المفيد الرجوع إلى ما فسره في هذا المجال أستاذنا المرحوم الدكتور إبراهيم أنيس فقد أشبعها بحثا وتنويرا (8).
ولا يمكن في منظورنا أن تفصل سيبويه عن مدرسة الخليل في اللغة والأصوات ، فهو الممثل الحقيقي لها فيما نقل لنا من علم الخليل في الكتاب ، وتبقى مدرسة الخليل الصوتية منارا يستضاء به في كثير من الأبعاد لمن جاء بعده. فابن دريد (ت : 321 هـ) مثلا ، يذكر في مقدمة الجمهرة إفاضات الخليل بعامة ، ويضيف إليها بعض الإشارات في ائتلاف الحروف والأصوات ، ولكن هذا بالطبع لا يخرجه عن إطار هذه المدرسة في كل الأحوال ، فلديه على سبيل المثال جملة كبيرة من التسميات المتوافقة مع الخليل كالأصوات الرخوة ، والأصوات المطبقة ، والأصوات الشديدة. كما أن له بعض الاجتهادات الصوتية في أكثر الحروف ورودا في الاستعمال ، فأكثرها الواو والياء والهاء ، وأقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الخاء ثم النون ثم اللام ثم الراء ثم الباء ثم الميم (9).
ولا تعلم صحة هذا الاجتهاد إلا بالإحصار. وليس كثيرا على ابن دريد الإحصاء والاستقصاء.
وبعد مدرسة الخليل نجد ابن جني (ت : 392 هـ) مؤصل هذا الفن ومبرمجه ، وأول مضيف له إضافات مهمة ذات قيمة منهجية في الدراسات الصوتية ، بما تواضعنا على تسميته ب (الفكر الصوتي عند ابن جني) أو أن جهود ابن جني في الأصوات ارتفعت إلى مستوى الفكر المخطط والممنهج ، فأفردناه ببحث خاص ، إذ انتهل من هذا الفكر رواد هذا الفن كما سنرى.
(2) المصدر السابق والصفحة.
(3) حسام النعيمي ، الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جنّي : 229.
(4) عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : 198.
(5) سيبويه ، الكتاب : 2/ 284.
(6) المصدر نفسه : 2/ 405.
(7) عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 205.
(8) ظ : إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 92 وما بعدها.
(9) ظ : ابن دريد ، جمهرة اللغة : 1/ 306.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|