المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05



صور من الإعجاز الفني في القرآن‏  
  
2464   06:02 مساءاً   التاريخ: 23-04-2015
المؤلف : محمد علي الاشيقر
الكتاب أو المصدر : لمحات من تاريخ القران
الجزء والصفحة : ص299-313.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-13 1270
التاريخ: 3-12-2015 2449
التاريخ: 23-09-2014 2816
التاريخ: 23-04-2015 2083

ان اعجاز القرآن الكريم لم يقتصر على وجه أو لون واحد وانما يقوم على وجوه ونواحي عديدة قد تعتبر كل واحدة منها معجزة قائمة بذاتها، ومن أجل ايفاء الموضوع حقه سنشير في أدناه إلى غالبية وجوه الاعجاز في القرآن ثم نتناول واحدا أو أكثر منها بالشرح والتحليل من لها رابطة وعلاقة بروح العصر وبالتقدم العلمي والتقني الذي يعيشه المرء .. وهذه الوجوه هي :

1- فصاحة الألفاظ والجمل وبلاغتها (1) وسمو معناها وبيانها وجزالة منطقها وعذوبتها وبداعة نظمها وعجيب تأليفها وتناهيها في الكمال مما يجعل وقعها في النفوس كبيرا وتأثيرها في القلوب عظيما (2) , كما لا يوجد في العربية أثر يجاريها في بلاغتها بحيث يحفظ جمال الاسلوب‏ مع هذا المقدار من الطول والاشتمال على الموضوعات المختلفة من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والقصص وغيرها ..

2- القوانين الحكيمة والتشريعات المفصلة والانظمة الكاملة والاحكام العادلة الرحيمة لكل ناحية من نواحي الحياة ولكل العلاقات القائمة بين الأفراد ..

3- الأسرار العلمية والفلكية التي لم تكشف وقائعها ولم تفتح أبوابها إلا في هذا الوقت وبعد اختراع المراصد والمجاهر الكبيرة ..

4- أنباؤه الغيبية واعلانه عن حوادث الزمان المستقبلية وخفايا الوقائع اللاحقة مما لا يقدر البشر عليه ولا سبيل لهم إليه، وقد ظهر بعد ذلك صدقها وتحققها مائة في المائة ..

5- سلامته من أي نوع أو لون من التعارض والتناقض والاختلاف والاغلاط والسهو والاشتباه‏ (3).

6- ابتعاده عن الخرافات والاساطير التي من شأنها ان تسقط أمام العلم وتنحني بوجه تيار المعرفة والثقافة مع حملته الشعواء على هذه الاساطير وهذه الخرافات ..

7- قصصه البديعة وحوادثه التاريخية عن الايام الماضية والعصور البائدة التي عفا عليها الزمن واصبحت نسيا منسيا «فالاكتشافات التي تظهر في كل وقت تضيف حقائق تثبت أن القرآن هو أول تفصيل لما لم يكن معروفا كالحفريات التي حققت قصة النبي يوسف وما قام به وقصة الطوفان وفلك النبي نوح وملكة سبأ» (4).

8- امثاله الشيقة والجميلة التي تقلب الغائب إلى حاضر والمعقول محسوسا والخيال واقعا والخفي ظاهرا.

9- طراوته في كل زمان ومكان وكونه غضا طريا كلما تلي واينما قرئ من دون ان يجلب للمقرئ أو المستمع الملل والنفور .. وبهذه المناسبة نذكر أنه قيل للإمام جعفر الصادق عليه السلام - (5) لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل ...؟

فأجاب : لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني كما هو حجة على أهل الدهر الأول، فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا، ولأن كل امرئ متى اعاده وفكر فيه تلقى منه في كل مدة علوما غضة، وليس هذا كله في الشعر والخطب ..

10- مباحثه الإلهية كأحسن وأكمل دراسة وبحث في علوم اللاهوت وفي كشف وبيان اسرار السماوات وفلسفة المبدأ والمعاد وقيام الساعة ووصف الجنة والنار والصراط والميزان ..

11- «سهولة طريقه فهو خارج عن الوحشي المستكره والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة وكونه قريبا إلى الافهام وواضحا للأنام وهو مع ذلك ممتنع المطلب وعسير المنال» (6).

12- كونه آخر الكتاب غنيا عن غيره وكون غيره من الكتب المتقدمة قد تحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه» (7)..

هذا وان كل ما اوردناه آنفا عن وجوه الاعجاز والتي امكن جمعها من مصادر ومؤلفات عديدة يعدها السيوطي في الاتقان بانها جزا واحدا من عشر معشار وجوه الاعجاز في القرآن الكريم، وسواء أ كانت وجوه الاعجاز بالعدد الذي ذهبنا اليه أو أكثر من ذلك باضعاف مضاعفة، فانني ارى بان كل وجه واحد قد يعتبر معجزة قائمة بذاتها ليس في امكان الغير الاتيان بمثله وان ذهبت البعض كالزركشي في البرهان من ان الاعجاز في القرآن وقع بجميع ما سبق من الوجوه لا بكل واحد على انفراده لأنه جمع ذلك كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع الخ ..

وكيفما كان الحال فإننا هنا سنقتصر في البحث والاشارة إلى وجهين فقط من الاعجاز واللتين وردتا في الفقرتين  (3 و4) والمتعلقتان بالابحاث العلمية والغيبية وذلك لارتباطهما بروح العصر ارتباطا قد يفوق ما عداهما، تاركين الوجوه الأخرى في مظانها ومصادرها ..

فبقدر تعلق الأمر بالميدان العلمي فنقول بان القرآن الكريم يشير في اماكن عديدة منه إلى ظواهر علمية وفلكية لم يتفهمها الناس حق فهمها إلا في العصور المتأخرة وبعد ان تطوّرت الاختراعات والابحاث العلمية ووصلت إلى درجة عالية من الرقي والإزدهار ..

فمثلا نأمل قوله تعالى‏ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [النحل : 8] ففي هذه الآية يعدّد القرآن الكريم وسائل النقل المعروفة منذ السنوات الغابرة إلى وقت قريب، فلو وقفت هذه الآية عند ذكر الخيل والبغال والحمير لاصطدمت لا محالة مع الوسائط النقلية التي نجدها الآن وبعد ان اوشكت الوسائط القديمة على الانقراض، ولكن اللّه تعالى أعقبها بقوله : {وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ‏} فجعلت الآية تتفق وكافة وسائط النقل الجديدة من طائرات وقطارات وبواخر وسيارات وغيرها (8)..

وانظر إلى قوله تعالى : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ  (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة : 38، 39] فان القدامى عند ملاحظتهم للشطر الأخير من الآية «ما لا تُبْصِرُونَ» لم يتجاوز مدى تفسيرهم وتأويلهم لها عن معنى الجن والأرواح والأشباح إلا انها الآن تستوعب كافة الأشياء التي اثبت العلم وجودها دون التمكن من رؤيتها بالعين المجردة كالإلكترونات والبروتونات والجراثيم والذرة (9)..... الخ ..

وتدبّر كذلك قوله تعالى‏ {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء : 32] ألا تعني السماء هنا سماء الأرض وهو الجو المحيط بالأرض من كافة اطرافه، وهذا الجو يحمي الناس من الشهب والنيازك التي تتساقط منها يوميا مئات الأطنان ..

ولو كتب لهذه الشهب والنيازك والمكوّنة من الصخور والمعادن والاحجار السقوط على الأرض لدمّرت غالبية مناطق الأرض ولجعلت‏ الحياة عليها قلقة ومربكة ان لم تكن معدومة، ولكن عند مرور هذه الشهب بجو الأرض واحتكاكها بالهواء  (تحترق نتيجة سرعة هذا الاحتكاك) قبل وصولها إلى سطح الأرض، وتتحول أثر ذلك إلى ذرات وغبار تسبح في الجو.

كما ويحمي جو الأرض الانسان من الاشعاعات الكونية المهلكة والقادمة من الفضاء ويحميه أيضا من الكهارب والاجسام الكهربائية الصغيرة الواردة من الأعلى ..

اذن هل سبقت هذه الآية العلم الحديث بألف وثلاثمائة سنة وهل هي- الآية- إلا انعكاس لأحدث النظريات العلمية التي تشير إلى وقاية الجو المحيط بالأرض لسطح الأرض من فتك وتدمير الشهب والنيازك الساقطة عليه من الفضاء يوميا والتي تقدر بآلاف الاطنان من الصخور والأحجار كل يوم ..

ولاحظ أيضا قوله تعالى‏ {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } [العلق : 2] ألا يتفق مفهوم الآية وروح العصر- بعد اختراع المجاهر- والذي اثبت ان الماء الذي ينقل من الذكر إلى الأنثى عند الاتصال الجنسي ما هو إلا عدة ملايين  (300- 400) مليون من الحويمنات المنوية التي تشبه العلق في شكلها وهيئتها بان لها رأس ورقبة وذيل، وعند التقاء أحد الحويمنات وهو الذي يفوز بقصب السبق بالبويضة الجاهزة عند المرأة تنقسم البويضة الملقحة على نفسها عدة انقسامات لتكوّن بعد ذلك الجنين الذي سيستقر في قعر الرحم، ومن الجنين هذا يتكون الانسان بينما تهلك الملايين العديدة من تلك الحويمنات المنوية.

وتأمل قوله تعالى : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر : 22] أ لم تسبق هذه الآية الزمن بوقت طويل، حيث ان العالم إلى ما قبل وقت قصير لم يكن‏ ليعرف ان النبات كبقية الكائنات له عضو مذكر وآخر مؤنث وانه يتلاقح كما يتلاقح الانسان وان الرياح هي الواسطة الرئيسية في كثير منها ..

وانظر الآن إلى الآية الأخرى وهي قوله تعالى {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [النمل : 88] أ لا تشير هذه الآية الكريمة بكل صراحة ووضوح إلى أن الجبال تتحرك رغم ان رؤيتنا لها تدل على انها جامدة وثابتة في محلها، واذا ما تحركت هذه الجبال وهي متصلة بالأرض فهل يعقل ان تبقى الأرض تحتها ثابتة أم انها تأخذ نفس حركتها ودورانها.

اذن ألا توحي هذه الآية وتشير بجلاء إلى حركة الأرض وهي الحركة التي لم يدركها علماء الغرب إلا في العصور المتأخرة.

وبعد هذا تدبّر هذه الآية {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [طه : 53]  ألا يشير الوصف هنا إلى المهد الذي يصنع للطفل الرضيع ليهتز تحته لينام بكل سكينة وهدوء.

وان الأرض هذه ذات الطول والعرض هي كالمهد في حركتها الوضعية والانتقالية (10)..

ولاحظ أيضا قوله تعالى : {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر : 5] أ لا ترى ان مفهوم ووصف الآية لليل والنهار  (الذي ينزلق الواحد منها على الآخر بفعل دوران الأرض المستمرة» المحيطين بالأرض من كل الأطراف والجهات احاطة السوار بالمعصم وهو وصف التكوّر، وهل تكورهما هذا قد جاء إلا من شكل الأرض التي تحيط بها من الداخل حيث ان تكويرهما يقتضي تكوير ما انبسط عليها (11)كما هو الحال عليه في السوائل التي تأخذ شكل وهيئة قعر وجدران الاناء الذي تنسكب فيه ..

والآن هل للتكوّر معنى غير التحدب وهل التحدب إلا الكروية، وهل هذه الآية إلا دليل ناطق على كروية الأرض وعدم تسطحها على عكس ما تصوّره الأقدمون وإلى وقت قريب من ان الأرض مسطحة ومستوية ..

و تأمل بعد الآن قوله تعالى‏ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء : 30] أ لا تنطبق هذه الآية على النظرية العلمية الحديثة لخلق المجموعات الشمسية واصل الكون، هذه النظرية التي تذهب إلى ان كافة النجوم والكواكب والمجرات كانت كلها منذ ملايين السنين كتلة واحدة تدعى «السديم اللولبي» وبطريقة غير معلومة وغير واضحة جرت عليه عدة انقسامات متتالية مكونة من ذلك المجموعات الشمسية ومنها  (مجموعتنا الشمسية) والنجوم والكواكب التي تملأ سماء الدنيا.

وتدبر بعد هذا قوله سبحانه : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ  (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة : 3، 4] وهل البنان هنا إلا نهاية الأصابع وهي البصمات التي يستعملها الناس في التواقيع ..

ان هذه البصمات لا يمكن ان تتشابه بين شخصين اثنين رغم التشابه النسبي الملاحظ على بعض الاعضاء كالأعين والأنوف والآذان وغيرها، لذا اشار اللّه تعالى إلى ان قدرته وسلطته تتمكن من اعادة وانشاء ادق شي‏ء في الانسان وهي البصمات.

ان هذه البصمات لم يدرك الانسان كنهها وحقيقتها إلا منذ مدة قريبة وفي سنة 1884 م على وجه التحديد عند ما استعملت بريطانيا بصمات الأصابع لمعرفة هويات الناس وللتمييز ما بينهم ..

وانظر بعد هذا إلى قوله تعالى‏ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس : 38] ألا تتفق هذه الآية مع ما اثبته العلم الحديث اذ كشف ان الشمس تتحرك مع مجموعتها بسرعة 19 كم في الثانية في اتجاه نقطة معينة ..

وتأمل قوله تعالى‏ { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر : 21] فهل توحي هذه الآية إلى شرح دورة المياه الجوفية من السماء إلى سطح الأرض وجوفها وإلى الخزانات الجوفية ثم إلى نافورات وينابيع تعود إلى سطح الأرض من جديد» (12)

ثم انظر إلى قوله عز وجل‏ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء : 12] فهل تشير هذه الآية إلى ان القمر وهو آية الليل مظلم وان الشمس والتي هي آية النهار مضيئة حيث ان محو آية الليل هو جعلها مظلمة بنفسها وان نورها مكتسب من الشمس، كما وان جعل آية النهار مبصرة أي مضيئة بنفسها لأن النور ذاتي لها (13)..

ولاحظ أيضا قوله تعالى : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ  (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق : 11، 12]  فالسماء في هذه الآية توصف بانها ترجع ما يصعد اليها، وكلنا يرى بخار الماء يرجع الينا مطرا، كما ان الأمواج اللاسلكية والتلفزيونية ترتد الينا هي الأخرى من السماء اذا ارسلت إليها بسبب انعكاسها على الطبقات العليا الأيونية، لذا نستطيع التقاط كافة الاذاعات والمحطات من الأرض بعد انعكاسها ولو لا ذلك لضاعت الأمواج‏ وتشتت، فالسماء اشبه بمرآة عاكسة ترجع ما يبث إليها، كما ان الأرض هي الأخرى ذات الصدع أي تنصدع ليخرج منها النبات ونافورات البترول والمياه المعدنية والعيون والبراكين‏ (14)..

تعال معي لنرى سويا هذه الآية وهي قوله تعالى : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ .. أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام : 125]  .. أ لا تدل هذه الآية على ان الصعود إلى الأعلى في السماء يسبب ضيقا في الصدر وهو نتيجة طبيعية لنقص كمية الأوكسجين وانخفاض الضغط في طبقات الجو العليا، وكل هذه الأمور لم تعرف إلا من مدة قريبة (15)..

لذا نرى رواد الفضاء يرتدون ملابسا خاصة تجعل كمية الأوكسجين والضغط دائما وابدا في داخلها في الوضع الطبيعي وكما هو على سطح الأرض، وإلا فالموت المحقق سيكون في انتظارهم لا محالة ..

وأخيرا وليس آخرا نذكّر القارئ ببعض الآيات العلمية التي تشير إلى الحديد واستعمالاته وخلقة الانسان منذ استقرار النطفة في الرحم إلى ان يصبح سويا وطبيعة الكون وخلقة كل حي من ذكر وانثى من أجل البقاء واستمرار الحياة وكون هذه الخلقة منذ جاءت من الماء وطبيعة الأرض ومسالكها .... الخ ..

وأما فيما يتعلق الأمر بالفقرة الأخرى وهي الميدان الغيبي فنجد في القرآن الكريم تنبؤات عديدة تشير إلى حتمية وقوع حوادث في المستقبل القريب أو البعيد ثم يدور الزمن دورته لنرى صدق وتحقق هذه التنبؤات والحوادث مائة في المائة ..

وأول هذه التنبؤات تلك التي يشير اليها المؤرخون دوما في كتبهم واخبارهم وهي الواقعة  (المعركة) التي جرت بين الفرس والروم‏   (الرومان) والتي انتصر فيها الفرس سلفا وكانت في سنة 618 م، كما وكانت قيادة جيوش الفرس بيد ملكهم  (خسرو الثاني) وهذا الانتصار الذي تم للفرس أولا ادى- حين وصول خبره إلى مكة- ادى إلى فرح وغبطة وتشمت القرشيين بالمسلمين، لأن الرومان وهم اصحاب دين سماوي قد هزموا واندحروا امام جيوش الفرس الذين لا يدينون بدين سماوي وكذلك الأمر سيكون في مكة حيث سينتصر القرشيون وهم غير مرتبطين بدين سماوي على المسلمين الذين يدعّون  (بزعم القرشيين) انهم اهل دين جاء من السماء كالرومان ..

ولكن الوحي لم يكن ليترك الرسول  (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) والمسلمين فريسة هذه الشماتة وهذا الفرح الغامر والسرور الذي عاشه الكفار من قريش بل جاء ليخبرهم أمر اللّه وحكمه الذي لا مرد له وهو ان الرومان سيعيدون الكرة على الفرس وينتزعون منهم النصر في غضون وبحر عدة سنين‏ (16) ..

فما هي إلا سنوات معدودات واذا بالرومان بقيادة امبراطورهم هرقل ينزلون بساحة جيوش الفرس بقيادة كسرى برويز (17) الهزيمة والخسران في الواقعة المعروفة باسم الزاب أو  (نينوى) عام 627 م ...

والآية أو الآيات التي نزلت في هذا الصدد هو قوله تعالى : {الم  (1) غُلِبَتِ الرُّومُ  (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ  (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم : 1 - 4]

ومن هذه الغيبيات ما جاء في سورة اللهب وهي قوله تعالى :

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ  (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ  (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ  (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ  (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد : 1 - 5] .

فهذه السورة مكية نزلت في بدء الدعوة الاسلامية وهي تعبّر بوضوح وجلاء عن السخط واللعنة الدائمة التي تصب على رأس هذا القرشي وزوجته فضلا عن الاشارة إلى ان مصيرهما في الآخرة سيكون قطعا إلى العذاب والنار ..

هذا وقد شاهدنا في خلال احداث التاريخ الاسلامي ان كثيرين من ألد اعداء الاسلام قد تحوّلوا فيما بعد إلى اشد مدافع وذائد عنه بعد اسلامهم وانضمامهم إلى صفوف المسلمين.

فيا ترى ما هو الحال الذي سينجم فيما اذا كان ابو لهب أو زوجته كأحد هؤلاء الذين اشهروا اسلامهم فيما بعد وانضموا إلى جماعة المسلمين ..

ان اللّه تعالى علم بأن هذا الشخص وزوجته سوف يبقيان إلى الأبد على كفرهما وحربهما للرسول ولن يتشرفا مطلقا بالدخول إلى الاسلام وان اللعنة ستلحقهما حتى حتفهما وبعده ..

وهكذا تحقق صدق الآية حيث لم يزل أبو لهب ينقلب على أمواج الكفر ويظهر عداءه وبغضه للاسلام حتى هلك بعد واقعة بدر الكبرى عام 2 للهجرة والتي لم يشهدها بنفسه، فذهب مع زوجته يشيعهما العار والشنار إلى العذاب والعقاب الشديد (18)..

ومن الغيبيات أيضا قوله تعالى‏ { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة : 17] وقوله‏ { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر : 9] . فقد اشارت هاتان الآيتان‏ إلى ان القرآن الكريم في حرز حريز ومحفوظ من التحريف والضياع والتبديل، وان كل يد مهما علت وسمعت لا يمكنها ان تتلاعب فيه، وهكذا تحقق فيما بعد صدق الآيتين عن طريق عدم ضياع أو فقدان أية آية من كتاب اللّه والذي تم جمعه فيما بعد في المصحف الذي هو بأيدي المسلمين الآن وعلى الترتيب والطريقة التي اشرنا اليها من قبل ..

ومن المغيبات كذلك قوله تعالى‏ { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح : 27] فهذا الذي وعد به القرآن قد تحقق فعلا فيما بعد ودخل المسلمون مكة المكرمة معتمرين وحاجين أولا ثم دخلوها فاتحين ومنتصرين وتمت بذلك إرادة اللّه وصدق كلامه ووعده الذي لا مبدل له (19)..

هذا علما بان قريش كانت هي القبيلة الواسعة النفوذ والسلطان في الجزيرة العربية بما فيها مكة والحرم الشريف، وكانت هي السبب في ايقاف حركة الدعوة الاسلامية في انحاء الجزيرة، ولما رأت العرب هذا الموقف الحازم من قريش ازاء الدين الجديد تريثت في الدخول والانضمام تحت لواءه لحين ظهور الحقيقة ..

ولكن لما تحقق وعد اللّه بانتصار المسلمين على قريش ودخولهم المسجد الحرام فاتحين دخلت القبائل العربية تترى في الدين الجديد، حتى لم يبقى أحد- في عهد عمر بن الخطاب- من لا يعتنق هذا الدين في طول الجزيرة العربية وعرضها ..

ومن المغيبات أيضا قوله تعالى على لسان كفار قريش في يوم بدر {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ  (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر : 44 ، 45] .

وكان هذا عند ما تقدم قائد قوات جيش الكفر في بدر  (ابو جهل) نحو الصفوف الأولى من جيشه مناديا أو صارخا بكل غرور وعلى مسمع من الرسول  (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) واصحابه مناديا : بأنه سينتصر اليوم حتما على محمد وأصحابه، فانزل اللّه سبحانه الآيات المذكورة ليطمئن قلوب المسلمين والتي اوشكت بعضها ان تضطرب وتهلع عند سماع تهديدات أبي جهل المتقدمة ووعيده بتزاحم عدد جيشه وكثرته ..

فلم تمضي على هذه التهديدات إلا ساعات معدودة واذا بتلك الجموع الهائلة المحتشدة لقتال المسلمين تنكص على اعقابها وتتراكض مسرعة إلى الخلف لا تلوي على شي‏ء طلبا للنجاة والسلامة تاركة على ارض المعركة عددا كبيرا من القتلى والجرحى منهم بعض قادتها وزهرات شبابها وعلى رأسهم صاحبه الوعد والوعيد «أبو جهل» نفسه الذي قتل في المعركة وذهبت روحه مشيعة بالذلة والهوان إلى السعير وبئس المصير ..

هذا اضافة إلى آيات غيبية كثيرة كرؤيا الرسول أو الشجرة الملعونة أو ارسال الرسول بالهدى لا ظهاره على الدين كله، أو الأذى الذي سيلاقيه الرسول .... الخ حيث تحقق كل ذلك جملة وتفصيلا ..

___________________________

(1) يقال أن الاصمعي سمع فتاة تقول قولا بليغا فتعجّب من حسن حديثها وعذوبة منطقها وقوة فصاحتها فقال لها : قاتلك اللّه ما أفصحك ...؟ فأجابته ما أفصحني، أين فصاحتي من فصاحة القرآن الكريم حين يقول في سورة القصص الآية { وأَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} ..

فقد جمع اللّه تعالى في هذه الآية بين أمرين ونهيين وبشارتين وخبرين ..

(2) نشير إلى أن قادة قريش حينما كانوا يتفقون على أن لا يسمعوا كلام اللّه في مكة فإنهم كانوا لا يستطيعون صبرا على ذلك، فإذا أصبح الليل تخفى كل واحد منهم وسار خلف جدران البيوت وجلس في الظلام ليسمع آيات اللّه يرتلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس في داره ..

(3) المعجزة الخالدة- السيد هبة الدين الشهرستاني.

(4) القرآن والعلم الحديث- عبد الرزاق نوفل.

(5) الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمه أم فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وهو سادس الأئمة عند الإمامية.

ولد بالمدينة عام 83 هجرية، وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد حتى قال فيه الإمام مالك :« ما رأيت عينيّ أفضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وورعا»، كما وقال الإمام أبو حنيفة فيه :« ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد».

وكان الإمام كالبحر من أي النواحي أتيته، وكانت أيامه في نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، حيث أتيحت له في هذه الفترة ما لم يتهيأ لإمام قبله أو بعده لتبليغ رسالته العلمية والأخلاقية للناس حتى بات هناك (4) آلاف راوية يقول كل واحد منهم « حدثني جعفر بن محمد» لذا نسب المذهب إليه .. توفي بالمدينة عام 148 هـ ودفن في البقيع مع أبيه وجده- عليهم السلام ..

(6) إعجاز القرآن- أبو بكر الباقلاني.

(7) الإتقان في علوم القرآن- جلال الدين السيوطي.

(8) في الإيمان والإسلام- أحمد حسين.

(9) في الإيمان والإسلام- أحمد حسين.

(10) البيان في تفسير القرآن- السيد أبو القاسم الخوئي.

(11) الإسلام روح المدنية- مصطفى الغلاييني.

(12) القرآن- محاولة لفهم عصري- مصطفى محمود.

(13) الإسلام روح المدنية- مصطفى الغلاييني.

(14) القرآن- محاولة لفهم عصري- مصطفى محمود.

(15 ) الإسلام روح المدنية- مصطفى الغلاييني.

(16) يروى هنا أن الخليفة أبا بكر الصديق كان قد راهن مشركي مكة على تحقق هذا التنبؤ فكسب الرهان بطبيعة الحال وأنفقه كله في الصدقة ..

(17) كسرى برويز هو نفسه الذي أرسل إليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا يطلب فيه إشهار إسلامه ولكنه عرض أن يلبي نداء الإسلام مزّق الكتاب وطلب من عامله على اليمن إيفاد من يجلب الرسول إليه، وحين علم النبي (ص) بذلك قال : مزّق اللّه ملكه. فكان كما قال النبي ..

وبرويز هذا هو حفيد كسرى أنو شروان العادل والذي ولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عهده وقد طالما ردد الرسول أنه ولد في عهد كسرى العادل ..

(18) في الإيمان والإسلام- أحمد حسين ..

(19) في الإيمان والإسلام- أحمد حسين .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .