أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2020
3116
التاريخ: 29-8-2020
3353
التاريخ: 29-8-2020
4837
التاريخ: 31-8-2020
6548
|
قال تعالى : {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ } [الصافات : 149 - 160] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
عاد الكلام إلى الرد على مشركي العرب فقال سبحانه {فاستفتهم} أي سلهم واطلب الحكم منهم في هذه القصة {أ لربك البنات ولهم البنون} أي كيف أضفتم البنات إلى الله تعالى واخترتم لأنفسكم البنين وكانوا يقولون إن الملائكة بنات الله على وجه الاصطفاء لا على وجه الولادة {أم خلقنا الملائكة إناثا} معناه بل خلقنا الملائكة إناثا {وهم شاهدون} أي حاضرون خلقنا إياهم أي كيف جعلوهم إناثا ولم يشهدوا خلقهم .
ثم أخبر عن كذبهم فقال {ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله} حين زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى {وإنهم لكاذبون} في قولهم {أصطفى البنات على البنين} دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل ومثله قول ذي الرمة :
استحدث الركب من أشياعهم خبرا *** أم راجع القلب من أطرابه طرب
والمعنى : كيف يختار الله سبحانه الأدون على الأعلى مع كونه مالكا حكيما ثم وبخهم فقال {ما لكم كيف تحكمون} لله بالبنات ولأنفسكم بالبنين {أ فلا تذكرون} أي أ فلا تتعظون فتنتهون عن مثل هذا القول {أم لكم سلطان مبين} أي حجة بينة على ما تقولون وتدعون وهذا كله إنكار في صورة الاستفهام {فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين} المعنى فأتوا بكتابكم الذي لكم فيه الحجة {إن كنتم صادقين} في قولكم والمراد أنه دليل لكم على ما تقولونه من جهة العقل لا من جهة السمع .
{وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المراد به قول الزنادقة إن الله وإبليس إخوان وأن الله تعالى خلق النور والخير والحيوان النافع وإبليس خلق الظلمة والشر والحيوان الضار عن الكلبي وعطية ( وثانيها ) أنه قول المشركين إن الملائكة بنات الله وسمي الملائكة جنة لاستتارهم عن العيون عن مجاهد وقتادة والجبائي ( وثالثها ) أنهم قالوا صاهر الله الجن فحدثت الملائكة تعالى الله عن قولهم ( ورابعها ) أنهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى فذلك هو النسب الذي جعلوه بينه وبين الجنة عن الحسن .
{ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} أي علمت الملائكة أن هؤلاء الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب يوم القيامة عن السدي وقيل معناه قد علمت الجنة وهم الجن الذين دعوهم أنهم محضرون العذاب بدعائهم إلى هذا القول {سبحان الله عما يصفون} نزه سبحانه نفسه عما وصفوه به وأضافوه إليه {إلا عباد الله المخلصين} استثنى عباده المخلصين من جملة الكفار القائلين ما لا يليق به .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص334-336 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ ولَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وهُمْ شاهِدُونَ} .
الخطاب في استفتهم لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وضمير الغائب لمشركي العرب . . والقرآن حجة تاريخية عليهم لا تقبل الشك والجدل ، وقد سجل على بعض القبائل منهم انهم كانوا يقولون : اتخذ اللَّه من الملائكة إناثا له ، ثم رد سبحانه قولهم بأنه رجم بالغيب وعمى عن الحق لأنهم لا يعرفون عن الملائكة شيئا . وفي معنى ذلك الآية 19 من سورة الزخرف : {وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} والآية 40 من سورة الإسراء ج 5 ص 46 .
{أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} . يأتي الإفك بمعنى الصرف ، ومنه الآية 22 من سورة الأحقاف : {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا} أي لتصرفنا عنها ، وهذا المعنى هو المراد من الإفك هنا أي انهم من أجل انصرافهم عن التوحيد إلى الشرك قالوا : ان للَّه ولدا . . وليس من شك انهم كاذبون في هذا القول {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} أيختار سبحانه الأدنى ، ويخصكم بالأعلى - كما تزعمون – {ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ وإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُو كَظِيمٌ} [النحل - 57] ج 4 ص 523 .
{ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} على ما غاب عن عيونكم وعقولكم ؟ {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وترتدعون عن الشرك وقول الزور ، وقد ذكركم اللَّه وحذركم بلسان نبيه وأمين وحيه {أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} . أروني حجة من عقل أو نقل ان اللَّه اتخذ من الملائكة إناثا .
{وجَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} . اختلف المفسرون في معنى هذه الآية ، والذي نفهمه من ظاهرها ان المشركين نسبوا للَّه تعالى نسلا من الجن كما نسبوا إليه ذلك من الملائكة . وفي بعض التفاسير نقلا عن مجاهد ومقاتل : ان كنانة وخزاعة قالوا : خطب اللَّه إلى سادات الجن ، فزوجوه من سراة بناتهم ، وان الملائكة بناته من الجنيات .
{ولَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} كيف يكون نسب بينه وبين الجن ، وهم يعلمون ان اللَّه خلقهم وانه يبعثهم ويسألهم عما كانوا يعملون {سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} وتعالى عما يقول المشبهون والجاحدون علوا كبيرا {إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} فإنهم ينزهونه عن الشريك والولد ، ويخلصون له في الأقوال والأفعال وهو سبحانه يثيبهم على ايمانهم وإخلاصهم بأحسن ما كانوا يعملون .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص357-358 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قدم سبحانه ما بين به أنه رب معبود ، عبده عباد مخلصون كالأنبياء المكرمين وكفر به آخرون فنجى عباده وأخذ الكافرين بأليم العذاب .
ثم تعرض في هذه الآيات لما يعتقدونه في آلهتهم وهم الملائكة والجن وأن الملائكة بنات الله وبينه وبين الجنة نسبا .
والوثنية البرهمية والبوذية والصابئة ما كانوا يقولون بأنوثة جميع الملائكة وإن قالوا بها في بعضهم لكن المنقول عن بعض قبائل العرب الوثنيين كجهينة وسليم وخزاعة وبني مليح القول بأنوثة الملائكة جميعا ، وأما الجن فالقول بانتهاء نسبهم إليه في الجملة منقول عن الجميع .
وبالجملة يشير تعالى في الآيات إلى فساد قولهم ثم يبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنصر ويهددهم بالعذاب ، ويختم السورة بتنزيهه تعالى والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
قوله تعالى : {فاستفتهم أ لربك البنات ولهم البنون} حلل سبحانه قولهم : إن الملائكة بنات الله إلى ما يستلزمه من اللوازم وهي أن الملائكة أولاده ، وأنهم بنات ، وأنه تعالى خص نفسه بالبنات وهم مخصوصون بالبنين ثم رد هذه اللوازم واحدا بعد واحد فرد قولهم : إن له البنات ولهم البنين بقوله : {فاستفتهم أ لربك البنات ولهم البنون} وهو استفهام إنكاري لقولهم بما يلزمه من تفضيلهم على الله لما أنهم يفضلون البنين على البنات ويتنزهون منهن ويئدونهن .
قوله تعالى : {أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون} أم منقطعة أي بل أ خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون يشهدون خلقهم ولم يكونوا شاهدين خلقهم ولا لهم أن يدعوا ذلك ، والذكورة والأنوثة مما لا يثبت إلا بنوع من الحس ، وهذا رد لقولهم بأنوثة الملائكة .
قوله تعالى : {ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون} رد لقولهم بالولادة بأنه من الإفك أي صرف القول عن وجهه إلى غير وجهه أي من الحق إلى الباطل فيوجهون خلقهم بما يعدونه ولادة ويعبرون عنه بها فهم آفكون كاذبون .
قوله تعالى : {اصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أ فلا تذكرون} كرر الإنكار على اصطفاء البنات من بين لوازم قولهم لشدة شناعته .
ثم وبخهم بقوله : {ما لكم كيف تحكمون} لكون قولهم حكما من غير دليل ثم عقبه بقوله : {أ فلا تذكرون} توبيخا وإشارة إلى أن قولهم ذلك - فضلا عن كونه مما لا دليل عليه - الدليل على خلافه ولو تذكروا لانكشف لهم فقد تنزهت ساحته تعالى عن أن يتجزأ فيلد أو يحتاج فيتخذ ولدا ، وقد احتج عليهم بذلك في مواضع من كلامه .
والالتفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على اشتداد السخط الموجب لتوبيخهم شفاها .
قوله تعالى : {أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين} أم منقطعة والمراد بالسلطان وهو البرهان كتاب نازل من عند الله سبحانه يخبر فيه أن الملائكة بناته على ما يعطيه السياق إذ لما لم يثبت بعقل أو حس بقي أن يثبت بكتاب من عند الله نازل بالوحي فلو كانت دعواهم حقة وهم صادقون فيها كان لهم أن يأتوا بالكتاب .
وإضافة الكتاب إليهم بعناية فرضه دالا على دعواهم .
قوله تعالى : {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} جعل النسب بينه وبين الجنة قولهم : إن الجنة أولاده وقد تقدم تفصيل قولهم في تفسير سورة هود في الكلام على عبادة الأصنام .
وقوله : {ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} أي للحساب أو للنار على ما يفيده إطلاق {لمحضرون} وكيف كان فهم يعلمون أنهم مربوبون لله سيحاسبهم ويجازيهم بما عملوا فبينهم وبين الله سبحانه نسبة الربوبية والعبودية لا نسب الولادة ومن كان كذلك لا يستحق العبادة .
ومن الغريب قول بعضهم : إن المراد بالجنة طائفة من الملائكة يسمون بها ولازمه إرجاع ضمير {إنهم} إلى الكفار دون الجنة .
وهو مما لا شاهد له من كلامه تعالى مضافا إلى بعده من السياق .
قوله تعالى : {سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين} ضمير {يصفون} - نظرا إلى اتصال الآية بما قبلها - راجع إلى الكفار المذكورين قبل ، والاستثناء منه منقطع والمعنى هو منزه عن وصفهم – أو عما يصفه الكفار به من الأوصاف كالولادة والنسب والشركة ونحوها - لكن عباد الله المخلصين يصفونه تعالى وصفا يليق به – أو بما يليق به من الأوصاف - .
وقيل : إنه استثناء منقطع من ضمير {لمحضرون} ، وقيل : من فاعل {جعلوا} وما بينهما من الجمل المتخللة اعتراض ، وهما وجهان بعيدان .
وللآيتين باستقلالهما معنى أوسع من ذلك وأدق وهو رجوع ضمير {يصفون} إلى الناس ، والوصف مطلق يشمل كل ما يصفه به واصف ، والاستثناء متصل والمعنى هو منزه عن كل ما يصفه الواصفون إلا عباد الله المخلصين .
وذلك أنهم إنما يصفونه بمفاهيم محدودة عندهم وهو سبحانه غير محدود لا يحيط به حد ولا يدركه نعت فكل ما وصف به فهو أجل منه وكل ما توهم أنه هو فهو غيره لكن له سبحانه عباد أخلصهم لنفسه وخصهم بنفسه لا يشاركه فيهم أحد غيره فعرفهم نفسه وأنساهم غيره يعرفونه ويعرفون غيره به فإذا وصفوه في نفوسهم وصفوه بما يليق بساحة كبريائه وإذا وصفوه بألسنتهم - والألفاظ قاصرة والمعاني محدودة - اعترفوا بقصور البيان وأقروا بكلال اللسان كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سيد المخلصين : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (2) فافهم ذلك .
_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص143-145 .
2- فقد أثنى على الله وتمم نقصه بأنه يريده الله من الثناء على نفسه .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
التهم القبيحة :
بعد إستعراض ستّ قصص من قصص الأنبياء السابقين ، وإستخلاص الدروس التربوية منها ، يغيّر القرآن موضوع الحديث ، ويتناول موضوعاً آخر يرتبط بمشركي مكّة آنذاك ، ويستعرض لنا أنماطاً مختلفة من شركهم ويحاكمهم بشدّة ، ثمّ يدحض بالأدلّة القاطعة أفكارهم الخرافية .
والقضيّة هي أنّ مجموعة من المشركين العرب وبسبب جهلهم وسطحيّة تفكيرهم كانوا يقيسون الله عزّوجلّ بأنفسهم ، ويقولون : إنّ لله عزّوجلّ أولاداً ، وأحياناً يقولون : إنّ له زوجة .
قبائل (جهينة) و(سليم) و(خزاعة) و(بني مليح) كانوا يعتقدون أنّ الملائكة هي بنات الله عزّوجلّ ، ومجموعة اُخرى من المشركين كانت تعتقد أنّ (الجنّ) هم أولاد الله عزّوجلّ ، فيما قال البعض الآخر : إنّ (الجنّ) هم زوجات الله عزّوجلّ .
الأوهام الخرافية هذه ، كانت السبب الرئيسي لإنحرافهم عن طريق الحقّ بصورة زالت معها كلّ آثار التوحيد والإعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالى من قلوبهم .
وقد ورد في أحد الأحاديث أنّ النمل يتصوّر أنّ لخالقه قرنين إثنين مثلما هي تمتلك .
نعم ، العقل الناقص للإنسان يدفعه إلى المقارنة ، المقارنة بين الخالق والمخلوق ، وهذه المقارنة من أسوأ الأسباب التي تؤدّي بالإنسان إلى الضلال عن معرفة الله .
على أيّة حال ، فالقرآن الكريم يردّ على الذين يتصوّرون أنّ الملائكة هي بنات الله بثلاث طرق ، أحدها تجريبي ، والآخر عقلي ، والثالث نقلي ، وفي البداية يقول ، اسألهم هل أنّ الله تعالى خصّ نفسه بالبنات ، وخصّهم بالبنين ، {فاستفتهم ألربّك البنات ولهم البنون} .
وكيف تنسبون ما لا تقبلون به لأنفسكم إلى الله ، حيث أنّهم طبق عقائدهم الباطلة كانوا يكرهون البنات بشدّة ويحبّون الأولاد كثيراً ، فالأولاد كان لهم دوراً مؤثّراً خلال الحرب والإغارة على بقيّة القبائل ، في حين أنّ البنات عاجزات عن تقديم مثل هذه المساعدة .
ومن دون أي شكّ فإنّ الولد والبنت من حيث وجهة النظر الإنسانية ، ومن حيث التقييم عند الله سبحانه وتعالى متساوون ، وميزان شخصيتهم هو التقوى والطهارة ، وإستدلال القرآن هنا إنّما يأتي من باب (ذكر مسلّمات الخصم) ومن ثمّ ردّها عليه . وشبيه هذا المعنى ورد في سور اُخرى من سور القرآن ، ومنها ما جاء في الآية (21 و22) من سورة النجم { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم : 21 ، 22] ! .
ثمّ ينتقل الحديث إلى عرض دليل حسّي على المسألة هذه ، وبشكل إستفهام إستنكاري ، قال تعالى : {أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون} .
ومن دون أي شكّ فإنّ جوابهم في هذا المجال سلبي ، إذ لم يستطع أحداً منهم الإدّعاء بأنّه كان موجوداً أثناء خلق الملائكة .
مرّة اُخرى يطرح القرآن الدليل العقلي المقتبس من مسلّماتهم الذهنية ويقول : {ألا إنّهم من إفكهم ليقولون . ولد الله وإنّهم لكاذبون . إصطفى البنات على البنين} .
هل تدركون ما تقولون وكيف تحكمون : {ما لكم كيف تحكمون} ؟
ألم يحن الوقت الذي تتركون فيه هذه الخرافات والأوهام القبيحة والتافهة ؟ {أفلا تذكرون} ؟
إذن أنّ هذا الكلام باطل من الأساس بحيث لو أنّ أي إنسان له ذرّة من عقل ودراية ، ويتفكّر في الأمر جيّداً ، لأدرك بطلان هذه المزاعم .
بعد إثبات بطلان إدّعاءاتهم الخرافية بدليل تجريبي وآخر عقلي ، ننتقل إلى الدليل الثالث وهو الدليل النقلي ، حيث يقول القرآن الكريم مخاطباً إيّاهم : لوكان ما تزعمونه صحيحاً لذكرته الكتب السابقة ، فهل يوجد لديكم دليل واضح عليه ، {أم لكم سلطان مبين} .
وإذا كنتم صادقين في قولكم فأتوا بذلك الكتاب {فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين} .
هذا الإدّعاء في أي كتاب موجود؟ وفي أي وحي مذكور؟ وعلى أي رسول نزل ؟
هذا القول يشبه بقيّة الأقوال التي يخاطب بها القرآن عبدة الأصنام {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } [الزخرف : 19 - 21] .
كلاّ ، إنّها لم ترد في الكتب السماوية ، بل انّها خرافات إنتقلت من جيل إلى جيل ومن جهلة إلى آخرين ، وإنّها دعاوي مرفوضة ولا أساس لها ، كما اُشير إليها في نهاية الآيات المذكورة أعلاه (أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون) .
الآية اللاحقة تطرّقت إلى خرافة اُخرى من خرافات مشركي العرب ، والتي تزعم بوجود نسبة بين الله عزّوجلّ والجنّ ، فالآية هنا لا تخاطبهم بصورة مباشرة وإنّما تخاطبهم بضمير الغائب ، لأنّهم اُناس تافهون ، ولا تتوفّر فيهم الكفاءة واللياقة للردّ على زعمهم {وجعلوا بينه وبين الجنّة نسباً} .
فما هي النسبة الموجودة بين الله والجن ؟
وردت عدّة تفاسير مختلفة لهذا السؤال ، منها :
قال البعض : إنّهم كانوا ثنويين ، ويعتقدون (نعوذ بالله) أنّ الله والشيطان إخوة ، الله خالق المحبّة ، والشيطان خالق الشرور .
وهذا التّفسير مستبعد ، لأنّ المذهب الثنوي لم يكن معروفاً عند العرب ، بل كان منتشراً في إيران خلال عهد الساسانيين .
واعتبر البعض الآخر الجنّ هم نفس الملائكة ، لأنّ الجنّ موجودات لا تدركها الأبصار ، والملائكة كذلك ، ولذلك أطلقوا كلمة «الجنّ» عليها . إذاً ، فالمراد من النسبة هي النسبة التي كان يدّعيها عرب الجاهلية من أنّ الملائكة بنات الله .
ويرد على هذا التّفسير أنّ ظاهر آيات بحثنا انّها تبحث في موضوعين ، إضافةً إلى أنّ إطلاق كلمة (الجنّ) على الملائكة غير وارد وخاصّة في القرآن الكريم .
وهناك تفسير ثالث يقول : إنّهم كانوا يعتبرون (الجنّ) زوجات الله ، فيما يعتبرون الملائكة بناته .
وهذا التّفسير مستبعد أيضاً ، لأنّ إطلاق كلمة «نسب» على الزوجة غير وارد .
والتّفسير الذي يعدّ أنسب من الجميع ، هو أنّ المراد من كلمة (نسب) كلّ أشكال الرابطة والعلاقة ، حتّى ولولم يكن هناك أي صلة للقرابة فيها ، وكما نعلم فإنّ مجموعة من المشركين العرب كانوا يعبدون الجنّ ويزعمون أنّها شركاء لله ، ولهذا كانوا يقولون بوجود علاقة بينها وبين الله .
على أيّة حال ، فالقرآن المجيد ينفي هذه المعتقدات الخرافية بشدّة ، ويقول : إنّ الجنّ الذين كان المشركون يعبدونها ويقولون بوجود نسبة بينها وبين الله ، يعلمون جيّداً أنّ المشركين سيحضرون في محكمة العدل الإلهي وسيحاسبون ويجزون {ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون} .
والبعض الآخر احتمل أن يكون تفسير الآية بالشكل التالي : إنّ الجنّ الذين يغوون الناس يعلمون أنّهم يوم القيامة سيحضرون في محكمة العدل الإلهي ليحاسبوا وينالوا جزاءهم .
ولكن التّفسير الأوّل يعدّ أنسب (2) .
ونزّه الله تعالى نفسه عمّا قاله اُولئك الضالّون في صفاته تعالى ، قائلا : (سبحان الله عمّا يصفون) . وإستثنى وصف عباده المخلصين (الذين وصفوه عن علم ومعرفة ودراية) حيث وصفوه بما يليق بذاته المقدّسة ، قال تعالى : {إلاّ عباد الله المخلصين} .
وبهذا الشكل فإنّ من النادر أن نسمع اُناساً عاديين يصفون الله سبحانه وتعالى وصفاً لائقاً ، كما يصفه عباده المخلصون ، العباد الخالصون من كلّ أشكال الشرك وهوى النفس والجهل والضلال ، والذين لا يصفون الباري عزّوجلّ إلاّ بما سمح لهم به (3) .
وحول عبارة (عباد الله المخلصين) فقد كان لنا بحث في نهاية الآية (128) من هذه السورة .
نعم ، فلمعرفة الله لا ينبغي اتّباع الخرافات الواردة عن أقوام الجاهلية التي يخجل الإنسان من ذكرها ، بل يجب اتّباع العباد المخلصين الذين يتحدّثون بأحاديث تجعل روح الإنسان محلّقة في عنان السماء ، وتذيبها في أنوار الوحدانية ، وتطهّر القلب من كلّ شائبة شرك ، وتمحو كلّ تجسيم وتشبيه لله من ذهن الإنسان .
ينبغي لنا مراجعة كلمات الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) في صحيفته ، كي نستنير بضياء وصفهم له جلّ وعلا .
فأمير المؤمنين (عليه السلام) ، يقول في إحدى كلماته : «لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود ، على إقرار قلب ذي الجحود ، تعالى الله عمّا يقوله المشبهون والجاحدون له علوّاً كبيراً» (4) .
وفي مكان آخر يصف الله عزّوجلّ بالقول : «لا تناله الأوهام فتقدّره ، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره ، ولا تدركه الحواس فتحسّه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسّه ، ولا يتغيّر بحال ، ولا يتبدّل في الأحوال ، ولا تبليه الليالي والأيّام ، ولا يغيّره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الأجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والأبعاض ، ولا يقال له حدّ ولا نهاية ، ولا إنقطاع ولا غاية» (5) .
وفي مكان ثالث يقول : «ومن قال فيم؟ فقد ضمنه ، ومن قال علام؟ فقد أخلى منه ، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة» (6) .
أمّا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) ، فقد قال في صحيفته السجّادية : «الحمد لله الأوّل بلا أوّل كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين» (7) .
نعم ، فلمعرفة الله جيّداً علينا مراجعة نهج هؤلاء (عباد الله المخلصين) ودراسة علوم معرفة الله في مدارسهم .
____________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص328-332 .
2 ـ الضمير (هم) يعود في الحالة الاُولى على المشركين ، وفي الحالة الثانية على (الجنّ) .
3 ـ وفقاً لهذا التّفسير ، فإنّ عبارة (إلاّ عباد الله) إستثناء منقطع من ضمير (يصفون) ، والبعض قال : إنّه إستثناء منقطع من ضمير (محضرون) كما ذكروا آراء مختلفة اُخرى ، ولكن الرأي الأوّل أنسب . وعلى كلّ حال فهو إستثناء منقطع .
4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 49 .
5 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 186 .
6 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 1 .
7 ـ الدعاء الأوّل في الصحيفة السجّادية .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|