أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-8-2020
12296
التاريخ: 22-8-2020
8273
التاريخ: 23-8-2020
3325
التاريخ: 23-8-2020
4467
|
قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء: 78 - 81]
أمر سبحانه بعد إقامة البينات وذكر الوعد والوعيد ، بإقامة الصلاة فقال مخاطبا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد هو وغيره { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} اختلف المفسرون في الدلوك فقال قوم: دلوك الشمس زوالها وهو قول ابن عباس بخلاف وابن عمر وجابر وأبي العالية والحسن والشعبي وعطا ومجاهد وقتادة والصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) ومعنى قوله { لدلوك الشمس } أي: عند دلوكها وقال قوم: دلوكها غروبها وهو قول النخعي والضحاك والسدي والصلاة المأمور بها على هذا هي المغرب وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس والقول الأول هو الأوجه لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس فصلاتا دلوك الشمس: الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل: هما المغرب والعشاء الآخرة والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر فهذه خمس صلوات وهذا معنى قول الحسن واختاره الواحدي وغسق الليل هو أول بدء الليل عن ابن عباس وقتادة وقيل: هو غروب الشمس عن مجاهد وقيل: هو سواد الليل وظلمته عن الجبائي وقيل: هو انتصاف الليل عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام).
واستدل قوم من أصحابنا بالآية على أن وقت صلاة الظهر موسع إلى آخر النهار لأنه سبحانه أوجب إقامة الصلاة من وقت دلوكها إلى غسق الليل وذلك يقتضي أن ما بينهما وقت ولم يرتضه الشيخ أبوجعفر قدس الله روحه قال لأن من قال إن الدلوك هو الغروب فلا دلالة فيه عنده بل يقول أوجب سبحانه إقامة المغرب من عند الغروب إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق ومن قال الدلوك هو الزوال أمكنه أن يقول إن المراد بالآية بيان وجوب الصلوات الخمس على ما ذكره الحسن لا بيان وقت صلاة واحدة.
وأقول: إنه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك بأن يقال إن الله سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هوالزوال إلى غسق الليل وقتا للصلوات الأربع إلا أن الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق وأفرد صلاة الفجر بالذكر في قوله { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس وبيان أوقاتها ويؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي هذه الآية قال إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.
وإلى هذا ذهب المرتضى علم الهدى قدس الله روحه في أوقات الصلوات وقال الزجاج: إن في قوله { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة لأن قوله { أقم الصلاة } وأقم قرآن الفجر قد أمر فيه أن يقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا فلا يكون صلاة إلا بقراءة { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} كلهم قالوا معناه إن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر أورده البخاري في الصحيح.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي: فصل بالقرآن عن ابن عباس ولا يكون التهجد إلا بعد النوم عن مجاهد والأسود وعلقمة وأكثر المفسرين وقال بعضهم ما تنفلت به في كل الليل يسمى تهجدا والمتهجد الذي يلقي الهجود عن نفسه كما يقال المتحرج والمتأثم { نافلة لك} أي: زيادة لك على الفرائض وذلك أن صلاة الليل كانت فريضة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكتوبة عليه ولم تكتب على غيره وكانت فضيلة لغيره عن ابن عباس وقيل كانت واجبة عليه فنسخ وجوبها بهذه الآية وقيل: إن معناه فضيلة لك وكفارة لغيرك فإن كل إنسان يخاف أن لا يقبل فرضه فيكون نفله كفارة والنبي لا يحتاج إلى كفارة عن مجاهد وقيل: معناه نافلة لك ولغيرك وإنما اختصه بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير إلى الاقتداء به والحث على الاستنان بسنته { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} عسى من الله واجبة والمقام بمعنى البعث فهو مصدر من غير جنسه أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة كما يقال بعثت بعيري أي أثرته وأقمته فيكون معناه يقيمك ربك مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة تشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطي وتشفع فتشفع.
وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس وهو المقام الذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفه ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة فيكون (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول شافع وأول مشفع { وقل } يا محمد { رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} المدخل والمخرج هنا مصدر الإدخال والإخراج فالتقدير أدخلني إدخال صدق وأخرجني إخراج صدق وفي معناه أقوال ( أحدها ) أن المعنى أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق وأخرجني منه سالما إخراج صدق أي: أعني على الوحي والرسالة عن مجاهد ( وثانيها ) أن معناه أدخلني المدينة وأخرجني منها إلى مكة للفتح عن ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير ( وثالثها ) أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر أوخرج من أمر والمراد أدخلني كل أمر مدخل صدق عن أبي مسلم ( ورابعها ) أن المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق عن عطية عن ابن عباس ومدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا والدين وإنما أضاف الإدخال والإخراج إليه سبحانه وإن كانا من فعل العبد لأنه سأله اللطف المقرب إلى خير الدين والدنيا.
{ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} أي: اجعل لي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك وقيل اجعل لي ملكا عزيز أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدوعلى مسيرة شهر وقيل: حجة بينة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة عن مجاهد قال وسماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين { وقل } يا محمد { جاء الحق } أي: ظهر الحق وهو الإسلام والدين { وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} أي: وبطل الباطل وهو الشرك عن السدي وقيل: الحق التوحيد وعبادة الله والباطل عبادة الأصنام عن مقاتل وقيل: الحق القرآن والباطل الشيطان وزهق بطل واضمحل عن قتادة وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها ويقول { جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ} أورده البخاري في الصحيح قال الكلبي فجعل الصنم ينكب لوجهه إذ قال ذلك وأهل مكة يقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد { إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} أي: مضمحلا ذاهبا هالكا لا ثبات له .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص282-285.
الآية الأولى والثانية هما من آيات الأحكام ، حيث نزلتا لبيان أوقات الصلاة ، وللفقهاء في ذلك أقوال نشير إلى مجملها فيما يلي :
1 - { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ } . اللام للتعليل أي بسبب دلوك الشمس ، أو بمعنى عند ، مثل كتبته لخمس خلون من شهر كذا .
واختلفوا في المراد من الدلوك ، قيل : هو غروب الشمس ، وقيل : بل زوالها عن كبد السماء ، وهو قول الأكثر ، أما غسق الليل فهو سواده وظلمته ، وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) انه انتصاف الليل ، وفي تفاسير السنة والشيعة ان هذه الآية تشمل الصلوات الخمس : الظهر والعصر ، ويدخلان في دلوك الشمس ، والمغرب والعشاء ، ويدخلان في غسق الليل ، اما صلاة الصبح فهي قرآن الفجر كما يأتي . قال الطبرسي - من الشيعة - في مجمع البيان : « هذه الآية جامعة للصلوات الخمس فصلاتا دلوك الشمس هما الظهر والعصر ، وصلاتا غسق الليل هما المغرب والعشاء الآخرة ، والمراد بقرآن الفجر ، صلاة الفجر فهذه خمس صلوات » . وقال الرازي - من السنة - « أَقِمِ الصَّلاةَ » أي أدمها من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل ، فتدخل الظهر والعصر والمغرب والعشاء - ثم قال - اجمعوا على أن المراد من قرآن الفجر صلاة الصبح » .
وتجدر الإشارة إلى أن الفقهاء يبدؤن في كتبهم بالكلام عن صلاة الظهر تبعا لقوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } حيث بدأ سبحانه بوقتها . . بالإضافة إلى ما جاء في الروايات من أن الظهر أول ما فرض من الصلاة في الإسلام ثم غيرها على الترتيب ، وكان ذلك بمكة ليلة الاسراء قبل الهجرة بسنة .
واتفقت المذاهب الاسلامية على أن الصلاة لا تجوز قبل دخول وقتها ، وعلى ان الشمس إذا زالت دخل وقت الظهر ، ولكن أصحاب المذاهب اختلفوا في مقدار هذا الوقت ، والى متى يمتد ؟ .
قال الإمامية : تختص صلاة الظهر من عقب الزوال بمقدار أدائها ، وتختص صلاة العصر من آخر النهار بمقدار أدائها ، وما بين الأول والأخير مشترك بين الصلاتين . وظاهر الآية معهم لأن اللَّه قال : { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ } ولم يفصّل كما في المذاهب الأخرى .
وقال غيرهم : يبتدئ وقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، فإذا زاد عن ذلك ذهب وقت الظهر ، ودخل وقت العصر . . والتفصيل في كتابنا : الفقه على المذاهب الخمسة .
2 - { وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً } . اتفقوا على أن المراد بقرآن الفجر ما يقرأ في صلاة الفجر أي الصبح ، وأيضا اتفقوا على أن وقتها يبتدئ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس إلا المالكية فإنهم قالوا :
للصبح وقتان : اختياري ، وهو من طلوع الفجر إلى تعارف الوجوه ، واضطراري ، وهو من تعارف الوجوه إلى طلوع الشمس . . ومن الطريف قول بعض الصوفية : ان المراد بالفجر انفجار القلب .
واجمع المفسرون بشهادة الطبرسي والرازي على أن المراد بقوله تعالى :
{ مشهودا } ان ملائكة الليل والنهار يجتمعون ليشهدوا صلاة الصبح استنادا إلى رواية رواها البخاري عن أبي هريرة في ج 6 ، فصل سورة بني إسرائيل . .
ونحن في شك من هذه الرواية ، ونفسر { مشهودا } بحضور الحواس لأن الإنسان عند الصباح يكون حاضر الحواس بعد أن أخذت قسطا من الراحة بالنوم ، وبقيت أمدا بلا عمل ، ولذا قيل : ما انقض النوم لعزائم اليوم .
3 - { ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ } . تهجد اسهر ، والخطاب خاص بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم ) وحده ، وضمير به للقرآن ، والنافلة الزيادة ، ولك اللام للاختصاص ، والمعنى أن اللَّه قد فرض عليك يا محمد صلاة أخرى تصليها في الليل زيادة على الصلوات الخمس المفروضة عليك وعلى غيرك . قال تعالى : { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً - أول المزمل . وقال : { ومِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } - 26 الدهر . . وتسمى هذه الصلاة صلاة الليل ، ووقتها من نصف الليل إلى الفجر ، وهي واجبة على النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) كما قلنا ، ومستحبة لغيره .
{ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً } . عسى تدل على الرجاء في كلام المخلوق ، وعلى الوجوب والحتم في كلام الخالق ، والخطاب في يبعثك لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) . . ولا شيء فوق محمد ، ومقام محمد ، وآل محمد إلا الذي ليس كمثله شيء ، وفي بعض الأحاديث ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) فسر المقام المحمود في هذه الآية بالمقام الذي يشفع فيه غدا لأمته .
{ وقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }. أمر اللَّه نبيه الكريم أن يدعو بهذا الدعاء . . وصدق المدخل والمخرج كناية عن الحق والإخلاص في العقيدة والقصد والأفعال وجميع الحركات والسكنات ، وما من شك أن من تسلح بالحق ، وأخلص للَّه وحده ثبته اللَّه بالقول الثابت ، وأمده بالحجة الدامغة ، ومكن له في القلوب البريئة الطاهرة {واجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} وأي نصر وسلطان أعظم من ذكر النبي العظيم مقرونا باسم اللَّه خمس مرات في الأذان وفي كل صلاة واجبة ومستحبة ؟ . وآية قوة وقداسة أعظم من هذه القوة والقداسة التي منحها اللَّه لكلام محمد ، حيث قال عز من قائل : وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » - 7 الحشر » .
{ وقُلْ جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً }. الحق هو رسالة محمد عقيدة وشريعة ، وكل ما عداها باطل وهباء في الواقع وعند اللَّه ، حتى ولو آمن به أهل الأرض جميعا . وقال المفسرون : المراد بالحق هنا الإسلام ، وبالباطل الشرك ، وان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) لما فتح مكة دخل الكعبة ، وكان فيها 360 صنما ، فجعل يطعنها ويقول : جاء الحق ، وزهق الباطل ، ان الباطل كان زهوقا .
قوة الحق وقوة الباطل
وتسأل : ان ما نراه ونشاهده في أحيان كثيرة أن أهل الباطل هم الغالبون ، وأهل الحق مغلوبون ، ويتنافى هذا مع ظاهر قوله تعالى : « إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً » ؟ .
الجواب : ان للحق قوة ذاتية لا تنفك عنه بحال ، وهي تفعل فعلها ، وتؤثر أثرها في القلوب النقية الزاكية . . وكثيرا ما يبلغ هذا الأثر من النفوس الطيبة حدا لا تقوى على مقاومته سيوف الجلادين ، ومشانق الطغاة الجائرين . . وقد حدثنا التاريخ عن شهداء العقيدة : كيف أقدموا على الاستشهاد بوجوه باسمة ، ونفوس راضية ، بل حصل ذلك في عصرنا بفيتنام وكوريا وفلسطين وغيرها ، اجل ان هؤلاء قليلون شأن كل كريم وثمين ، ولو كانوا الأكثر عددا أو كثيرين - نسبيا - لامتلأت الأرض قسطا وعدلا ، وما كان للظلم والجور فيها عين ولا اثر ، ولسنا نشك ان الانسانية تسير في هذا الطريق وان طال ، ما دام الصراع قائما بين المحقين والمعتدين .
أما الباطل فلا حول له ولا طول ، وانما يستمد قوته وبقاءه من الرشاوات وشراء الذمم ، ومن الظلم والطغيان بالتقتيل والتشريد ، ومن المؤامرات والدسائس ، وهذه تزول مع الأيام ، وتتبدل مع الظروف ، أما قوة الحق فهي هي في شتى الأحوال لأنها تستمد من ذات الحق ، من طبيعته وهويته . . ومن أجل هذا نقول مرة ثانية : انّا نؤمن ايمانا لا يشوبه ريب بأن العقبى والكلمة العليا للحق وحده .
__________________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 73-77.
قوله تعالى:{ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قال في مجمع البيان،: الدلوك الزوال، وقال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها، وقيل: هو الغروب وأصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها، وسمي الغروب دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليثبتها. انتهى.
وقال فيه: غسق الليل ظهور ظلامه يقال: غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها.
انتهى، وفي المفردات،: غسق الليل شدة ظلمته. انتهى.
وقد اختلف المفسرون في تفسير صدر الآية والمروي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من طرق الشيعة تفسير دلوك الشمس بزوالها وغسق الليل بمنتصفه، وسيجيء الإشارة إلى الروايات في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
وعليه فالآية تشمل من الوقت ما بين زوال الشمس ومنتصف الليل، والواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليومية أربع صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة.
وبانضمام صلاة الصبح المدلول عليها بقوله:{وقرآن الفجر} إلخ إليها تتم الصلوات الخمس اليومية.
وقوله:{وقرآن الفجر} معطوف على الصلاة أي وأقم قرآن الفجر والمراد به صلاة الصبح لما تشتمل عليه من القرائة وقد اتفقت الروايات على أن صلاة الصبح هي المراد بقرآن الفجر.
وكذا اتفقت الروايات من طرق الفريقين على تفسير قوله ذيلا:{إن قرآن الفجر كان مشهودا} بأنه يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وسنشير إلى بعض هذه الروايات عن قريب إن شاء الله.
قوله تعالى:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} التهجد من الهجود وهو النوم في الأصل ومعنى التهجد التيقظ والسهر بعد النوم على ما ذكره غير واحد منهم، والضمير في{به} للقرآن أوللبعض المفهوم من قوله:{ومن الليل} والنافلة من النفل وهو الزيادة، وربما قيل: إن قوله:{ومن الليل} من قبيل الإغراء نظير قولنا: عليك بالليل، والفاء في قوله:{فتهجد به} نظير قوله:{فإياي فارهبون}: النحل: 51.
والمعنى: وأسهر بعض الليل بعد نومتك بالقرآن – وهو الصلاة - حال كونها صلاة زائدة لك على الفريضة.
وقوله:{ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} من الممكن أن يكون المقام مصدرا ميميا وهو البعث فيكون مفعولا مطلقا ليبعثك من غير لفظه، والمعنى عسى أن يبعثك ربك بعثا محمودا، ومن الممكن أن يكون اسم مكان والبعث بمعنى الإقامة أومضمنا معنى الإعطاء ونحوه، والمعنى عسى أن يقيمك ربك في مقام محمود أويبعثك معطيا لك مقاما محمودا أويعطيك باعثا مقاما محمودا.
وقد وصف سبحانه مقامه بأنه محمود وأطلق القول من غير تقييد وهو يفيد أنه مقام يحمده الكل ولا يثني عليه الكل إلا إذا استحسنه الكل وانتفع به الجميع ولذا فسروا المقام المحمود بأنه المقام الذي يحمده عليه جميع الخلائق وهو مقام الشفاعة الكبرى له (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة وقد اتفقت على هذا التفسير الروايات من طرق الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قوله تعالى:{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} المدخل بضم الميم وفتح الخاء مصدر ميمي بمعنى الإدخال ونظيره المخرج بمعنى الإخراج، والعناية في إضافة الإدخال والإخراج إلى الصدق أن يكون الدخول والخروج في كل أمر منعوتا بالصدق جاريا على الحقيقة من غير أن يخالف ظاهره باطنه أويضاد بعض أجزائه بعضا كأن يدعو الإنسان بلسانه إلى الله وهو يريد بقلبه أن يسود الناس أويخلص في بعض دعوته لله ويشرك في بعضها غيره.
وبالجملة هو أن يرى الصدق في كل مدخل منه ومخرج ويستوعب وجوده فيقول ما يفعل ويفعل ما يقول ولا يقول ولا يفعل إلا ما يراه ويعتقد به، وهذا مقام الصديقين.
ويرجع المعنى إلى نحوقولنا: اللهم تول أمري كما تتولى أمر الصديقين.
وقوله:{ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} أي سلطنة بنصرتي على ما أهم به من الأمور وأشتغل به من الأعمال فلا أغلب في دعوتي بحجة باطلة، ولا أفتتن بفتنة أومكر يمكرني به أعداؤك ولا أضل بنزغ شيطان ووسوسته.
والآية - كما ترى - مطلقة تأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل ربه أن يتولى أمره في كل مدخل ومخرج بالصدق ويجعل له سلطانا من عنده ينصره فلا يزيغ في حق ولا يظهر بباطل فلا وجه لما ذكره بعض المفسرين أن المراد بالدخول والخروج دخول المدينة بالهجرة والخروج منها إلى مكة للفتح أوأن المراد بهما دخول القبر بالموت والخروج منه بالبعث.
نعم لما كانت الآية بعد قوله:{وإن كادوا ليفتنونك}{وإن كادوا ليستفزونك} وفي سياقهما، لوحت إلى أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلتجىء إلى ربه في كل أمر يهم به أويشتغل به من أمور الدعوة، وفي الدخول والخروج في كل مكان يسكنه أويدخله أويخرج منه وهو ظاهر.
قوله تعالى:{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } قال في المجمع،: الزهوق هو الهلاك والبطلان يقال: زهقت نفسه إذا خرجت فكأنها قد خرجت إلى الهلاك. انتهى والمعنى ظاهر.
وفي الآية أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعلام ظهور الحق وهو لوقوع الآية في سياق ما مر من قوله:{وإن كادوا ليفتنونك} إلى آخر الآيات أمر بإياس المشركين من نفسه وتنبيههم أن يوقنوا أن لا مطمع لهم فيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الآية دلالة على أن الباطل لا دوام له كما قال تعالى في موضع آخر:{ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}: إبراهيم: 26.
_______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص141-143.
الفناء نهاية الباطل:
بعد سلسلة الآيات التي تحدثت عن التوحيد والشرك وعن مكائد المشركين ومؤامراتهم، تبحث هذه الآيات عن الصلاة والدعاء والإِرتباط بالله والتي تعتبر عوامل مؤثِّرة في مجاهدة الشرك، ووسيلة لطرد إِغواءات الشيطان مِن قلب وروح الإِنسان، إِذ تقول الآيات في البداية { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.
«دلوك الشمس» يعني زوال الشمس مِن دائرة نصف النهار والتي يتحدَّد معها وقت الظهر. وفي الأصل فإِنَّ (دلوك) مأخوذة مِن (دَلكَ) حيثُ أنَّ الإِنسان يقوم بِدَلك عينيه في ذلك الوقت لشدّة ضوء لشمس. أو أنَّ كلمة (دلك) تعني (المَيْل) حيثُ أنَّ الشمس تميل مِن دائرة نصف النهار مِن طرف المغرب. أو أنّها تعني أنَّ الإنسان يضع يده في قبال الشمس حيث يقال بأنَّ الشخص يمنع النور عن عينيه ويميله عنه.
على أي حال، في الرّواية التي وصلتنا عن أهلِ البيت(عليهم السلام) توضح لنا أنّ معنى (دلوك) هُوَ زوال الشمس. فقد روى العاملي في (وسائل الشيعة) أنَّ عُبيد بن زُرارة سَأل الإِمام الصادق(عليه السلام) عن تفسير الآية فقال(عليه السلام): «إِنَّ الله افترض أربع صلوات أوَّل وقتها زوال الشمس إِلى انتصاف الليل، مِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن عند زوال الشمس إِلى غروب الشمس، إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه، ومِنها صلاتان أوّل وقتهما مِن غروب الشمس إِلى انتصاف الليل إِلاَّ أنَّ هذه قبل هذه»(2).
وفي رواية أُخرى رواها المحدّث الكبير (زرارة بن أعين) عن الإِمام الباقر(عليه السلام)، في تفسير الآية قال(عليه السلام): «دلوكها زوالها، وغسق الليل إِلى نصف الليل، ذلك أربع صلوات وَضعهنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وَوَقَتَهُنَّ للناس، وقرآن الفجر صلاة الغداة»(3).
لكن وضع بعض المفسّرين احتمالات أُخرى لمعنى (دلوك) إِلاَّ أنّا آثرنا تركها لأنّها لا تستحق الذكر.
وأمّا (غسق الليل) فإِنّها تعني مُنتصف الليل، حيثُ أنَّ (غسق) تعني الظلمة الشديدة، وأكثر ما يكون الليل ظلمةً في مُنتصفه.
أمّا (قرآن) فهي تعني كلاماً يُقرأ. و{قرآن الفجر} هُنا تعني صلاة الفجر.
وبهذا الدليل تعتبر هذه الآية مِن الآيات التي تُشير بشكل إِجمالي إِلى أوقات الصلوات الخمس. ومع أخذ الآيات القرآنية الأُخرى بنظر الإِعتبار في مجال وقت الصلوات والرّوايات الكثيرة الواردة في هذا الشأن، يُمكن تحديد أوقات الصلوات الخمس بشكل دقيق.
ويجب الإنتباه هُنا إِلى أنَّ بعض الآيات تشير إِلى صلاة واحدة فقط، كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}(البقرة،238). حيثُ (الصلاة الوسطى) وفقاً لأصح التفاسير هي صلاة الظهر.
وفي بعض الأحيان تشير الآية إِلى ثلاث صلوات من الصلوات الخمس كما في الآية (114) مِن سورة هود، في قوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}. حيث يشير تعبير {طرفي النهار} إِلى صلاتي الصبح والمغرب، وأمّا {زُلفاً الليل} فهي إِشارة إِلى صلاة العشاء.
وفي بعض الأحيان تشير الآية إِلى الصلوات الخمس بشكل إِجمالي، كما في الآية التي نبحثها (راجع للمزيد من التوضيح نهاية تفسير الآية (114) مِن سورة هود).
على أي حال، لا يوجد ثمّة شك في أنَّ هذه الآيات لم توّضح جزئيات أوقات الصلاة، بل تشير إِلى الكليات والخطوط العامّة، مثلها مثل الكثير مِن الأحكام الإِسلامية الأُخرى، أمّا التفاصيل فإِنّها وردت في سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمّة الصادقين مِن أهل بيته(عليهم السلام).
الآية بعد ذلك تقول: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} وهُنا يطرح سؤال حول هوية الذي يقوم بالمشاهدة، مَن هو يا ترى؟ الرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية تقول إِنَّ ملائكة الليل والنهار هي التي تُشاهد، لأنَّهُ في بداية الصباح تأتي ملائكة النهار لتحل محل ملائكة الليل التي كانت تُراقب العباد، وحيثُ أنَّ صلاة الصبح هي في أوّل وقت الطلوع، لذلك فإِنَّ المجموعتين من الملائكة تشاهدها وتشهد عليها.
والرّوايات في هذه المجال نقلها علماء الشيعة والسنّة.
فمثلا ينقل أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفقاً لما نقله عنهم صاحب تفسير (روح المعاني) أثناء تفسير الآية قولهم عَنهُ(صلى الله عليه وآله وسلم): «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار»(4).
أمّا البخاري ومسلم فقد نقلا نفس هذا المعنى في صحيحيهما وفقاً لما نقلهُ عنهم صاحب تفسير (روح المعاني) في المجلد الخامس عشر، صفحة (126) مِن تفسيره.
ولمزيد الإِطلاع على الأحاديث المروية عن أهل البيت(عليهم السلام) في هذا المورد يمكن مُراجعة المجلد الثّالث مِن تفسير (نور الثقلين) في نهاية حديثه عن الآية الكريمة.
ومن هُنا يتّضح أنَّ أفضل وقت لأداء صلاة الصبح هي اللحظات الأُولى لطلوع الفجر.
وبعد أن تذكر الآية أوقات الصلوات الخمس تنتقل الآية التي بعدها إِلى قوله تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ}(5) المفسّرون الإِسلاميون المعروفون يعتبرون هذا التعبير إِشارة إِلى نافلة الليل التي وردت روايات عديدة في فضيلتها، وبالرغم مِن أنَّ الآية لا تصرّح بهذا الأمر، إِلاّ أن هُناك قرائن مُختلفة ترجح هذا التّفسير.
ثمّ تقول الآية (نافلة لك) أي برنامج إِضافي علاوة على الفرائض اليومية.
وهذا التعبير اعتبرهُ الكثير بأنَّهُ دليل على وجوب صلاة الليل على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث أنَّ هذه (النافلة) والتي هي بمعنى (زيادة في الفريضة) تخصك أنت دون غيرك يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
أمّا البعض الآخر فيعتقد بأنَّ صلاة الليل كانت بالأصل واجبة على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بقرينة آيات سورة المزمِّل، إِلاَّ أنَّ هذه الآية نسخت الوجوب وأبدلته بالإِستحباب.
ولكن هذا التّفسير ضعيف، لأنَّ النافلة لم تكن تعني (الصلاة المستحبّة) كما نُسميها اليوم، بل تعني الزيادة والإِضافة، ونعلم أنَّ صلاة الليل كانت واجبة على الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، لذلك فهي إِضافية على الفرائض اليومية.
على أيةِ حال في ختام الآية تتوضح نتيجة هذا البرنامج الإِلهي الروحاني الرفيع حيث تقول: { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }.
ولا ريب فإِنَّ المقام المحمود هو مقام مرتفع جدّاً يستثير الحمد، حيث أن (محمود) مأخوذة مِن (الحمد). وبما أنَّ هذه الكلمة وردت بشكل مطلق، لذا فقد تكون إِشارة إِلى أنَّ حمد الأوّلين والآخرين يشملك.
الرّوايات الإِسلامية الواردة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) أو عن طريق أهل السنة، تشير إِلى أنَّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة الكبرى. فالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أكبر الشفعاء في ذلك العالم، وشفاعته تشمل الذين يستحقونها.
أمّا الآية التي بعدها فإِنّها تُشير إِلى أحد التعاليم الإِسلامية الأساسية والذي ينبع مِن روح التوحيد والإِيمان: { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}(6). فأي عمل فردي أو اجتماعي لا أبدؤهُ إِلاَّ بالصدق ولا أُنهيه إِلاَّ بالصدق، فالصدق والإِخلاص والأمانة هي الخط الأساس لبداية ونهاية مسيرتي.
بعض المفسّرين أراد تحديد المعنى الواسع لهذه الآية في مصداق أو مصاديق معنية، فمثلا قال بعضهم: إِنَّ الآية تعني الدخول إِلى المدينة والخروج مِنها إِلى مكّة المكرَّمة، أو الدخول إِلى القبر والخروج مِنهُ يوم البعث، وأمثال هذه الأُمور، ولكن مِن الواضح جداً أنَّ التعبير القرآني الجامع في الآية الكريمة لا يمكن تحديده، فهو طلب في الدخول والخروج الصادق مِن جميع الأُمور وفي كل الأعمال والمواقف والبرامج.
وفي الحقيقة فإِنَّ سر الإِنتصار يكمن هُنا، وهذا هو طريق الأنبياء والأولياء الرّبانيين حيث كانوا يتجنّبون كل غش وخداع وحيلة في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم وكل ما يتعارض معَ الصدق.
وعادة فإِنَّ المصائب التي نشاهدها اليوم والتي تصيب الأفراد والمجتمعات والأقوام والشعوب، إِنّما هي بسبب الإِنحرافات عن هذا الأساس، ففي بعض الأحيان يكون أساس علمهم قائماً على الكذب والغش والحيلة، وفي بعض الأحيان يدخلون إِلى عمل معين بصدق ولكنهم لا يستمرون على صدقهم حتى النهاية. وهذا هو سبب الفشل والهزيمة.
أمّا الأصل الثّاني الذي يعتبر مِن ناحية ثمرة لشجرة التوحيد، وَمِن ناحية أُخرى نتيجة للدخول والخروج الصادق في الأعمال، فهو ما ذكرتهُ الآية في نهايتها: { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} لماذا؟ لأنّني وحيد، والإِنسان الوحيد لا يستطيع أن يُنجز عملا، ولا يستطيع أن ينتصر في مقابل جميع هذه المشاكل فيما إِذا اعتمد على قوته وحدها، لذلك فسؤاله مِن الله تبارك وتعالى، هو انصرني واجعل لي نصيراً.
أعطني يا إِلهي، لساناً ناطقاً، وأدلة قوية في مقابل الأعداء، وأتباعاً يضحّون بأنفسهم، وإِرادة قوية، وفكراً وَضّاءاً، وعقلا واسعاً بحيث تقوم كل هذه الأُمور بنصرتي، فغيرك لا يستطيع إِعطائي هذه الأشياء كلها.
وبعد أن ذكرت الآيات (الصدق) و (التوكل) جاءَ بعدها الأمل بالنصر النهائى، والذي يعتبر بحدِّ ذاته عاملا للتوفيق في الأعمال، إِذ خاطبت الآية الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بوعد الله تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}(7)، لأنَّ طبيعة الباطل الفناء والدمار: { إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. فللباطل جولة، إِلاَّ أنَّهُ لا يدوم والعاقبة تكون لإِنتصار الحق وأصاحبه وأنصاره.
______________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص364-368.
2 ـ وسائل الشيعة، ج 3، ص 115.
3- تفسير نور الثقلين ،ج3،ص202.
4 ـ روح المعاني، ج 15، ص 126.
5ـ «تهجَّد» مأخوذة مِن (هجود) وهي تعني في الأصل: النوم، حسبما يقول الراغب في المفردات. ولكن عندما تكون على وزن (تفعل» فإِنّها تعني إِزالة النوم والإِنتقال إِلى حالة اليقظة. أمّا الضمير في كلمة «تهجَّد به» فإِنَّهُ يدل على القرآن. ولكن هذه الكلمة استخدمت عند أهل الشرع بمعنى صلاة الليل. ويقال للذي يُصلّي الليل (المتهجِّد).
6 ـ (مدخل) و (مخرج) هي تعني الإِدخال والإِخراج، تؤدي هنا المعنى المصدري.
7-(زهق) مِن مادة «زهوق» بمعنى الإِضمحلال والهلاك والإِبادة، و(زهوق) على وزن «قبول» صيغة مُبالغة وهي تعني الشيء الذي تمت إِبادتهُ بالكامل.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|