المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



تفسير الاية (66-69) من سورة الأسراء  
  
3216   06:33 مساءً   التاريخ: 22-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَويُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } [الإسراء: 66-69]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم ذكر الشيطان وذكر المشركين وعبدة الأوثان احتج عليهم سبحانه بدلائل التوحيد والإيمان فقال: { ربكم } أي: خالقكم ومدبركم { الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} أي: يجري لكم السفن { في البحر } بما خلق من الرياح وبأن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه { لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أي: لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة أو صلاح دينكم من الغرق {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} حيث أنعم عليكم بهذه النعم .

{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} أي: الشدة { في البحر } بسكون الرياح واحتباس السفن أوباضطراب الأمواج وغير ذلك من أهوال البحر { ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} أي: ذهب عنكم ذكر كل معبود إلا الله فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده فتدعونه ولا تدعون غيره { فلما نجاكم } من البحر { إلى البر } وأمنتم الغرق { أعرضتم } عن الإيمان به وعن طاعته كفرانا للنعمة { وكان الإنسان كفورا } أي: كثير الكفران.

{ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} معناه: إن فعلكم هذا فعل من يتوهم إنه إذا صار إلى البر أمن المكاره حتى أعرضتم عن شكر الله وطاعته فهل أمنتم أن يخسف بكم أي يغيبكم ويذهبكم في جانب البر وهو الأرض يقال خسف الله به الأرض أي: غاب به فيها وأراد به بعض البر وهو موضع حلولهم فيه فسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا وقيل: إنهم كانوا على ساحل البحر وساحله جانب البر وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي: أو هل أمنتم أن يرسل عليكم حجارة تحصبون بها أي: ترمون بها والمعنى أنه سبحانه قادر على إهلاككم في البر كما أنه قادر على إغراقكم في البحر.

 { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} أي: حافظا يحفظكم عن عذاب الله ودافعا يدفعه عنكم { أم أمنتم } أي: أم هل أمنتم { أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} أي: في البحر مرة أخرى بأن يجعل لكم حاجة أويحدث لكم رغبة أو رهبة فترجعون إلى البحر مرة أخرى { فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} أي: فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا شديدة كاسرة للسفينة وقيل الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف المهلكة في البحر { فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ} من نعم الله { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} أي: تابعا يتبع إهلاككم للمطالبة بدمائكم ويقول لم فعلت هذا بهم وهذا في معنى قول المفسرين يعني ثائرا ولا ناصرا .

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص271-272.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً } . السفينة تجري على وجه البحر بالأسباب الطبيعية ، ما في ذلك ريب ، ولكن هذه الأسباب تنتهي إليه تعالى لأنه خالق الكون بما فيه ، ومن هنا صح أن يسند جريان السفينة إليه تعالى ، والحكمة في ذلك أن يكون الإنسان دائما على ذكر بأن اللَّه هو الفاعل المتصرف في الكون ، وليس الطبيعة . أما الغرض من الفلك فهو تسهيل المواصلات { وإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ » - أي ذهب - « مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وكانَ الإِنْسانُ كَفُوراً } . تقدم نظيره مع التفسير في سورة يونس ، الآية 22 وما بعدها ج 4 ص 147 .

{ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَويُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً }. الناس كلهم في قبضته تعالى أينما كانوا ، حتى ولو تحصنوا في بروج مشيدة ، فان كانوا في البحر أهلكهم بالغرق ان شاء ، أوفي البر خسف بهم الأرض أوأمطر عليهم حجارة من السماء ، وان كانوا في قلعة محصنة هدمها على رؤوسهم . . ولا يأمن العواقب إلا جهول .

{ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً }. ضمير فيه يعود إلى البحر ، والقاصف من الريح هو الهواء الذي يكسر السفينة ويحطمها ، والمراد بالتبيع المطالب بالدم ونحوه ، والمعنى لنفترض انه لا وسيلة للهلاك إلا البحر ، فان اللَّه سبحانه قادر على أن يعيدكم إليه ، ويغرقكم فيه بريح عاصفة قاصفة ، ولا أحد يتبعه ويطالبه بما يفعل بكم .

ويتلخص معنى الآيات أن الجاهل ان خاف دعا اللَّه مضطرا ، وان أمن أعرض عنه مغترا ، مع أن اللَّه سبحانه قادر على نفعه وضره في شتى أحواله ، أما المؤمن العاقل فيتعظ بالضراء والسراء معا : يخافه في هذه ، ويرجوعونه في تلك .

___________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 65.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات كالمكملة للآيات السابقة تثبت لله سبحانه من استجابة الدعوة وكشف الضر ما نفاه القبيل السابق عن أصنامهم وأوثانهم فإن الآيات السابقة تبتدأ بقوله تعالى:{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} وهذه الآيات تفتتح بقوله:{ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ} إلخ.

وإنما قلنا: هي كالمكملة لبيان الآيات السابقة مع أن ما تحتويه كل من القبلين حجة تامة في مدلولها تبطل إحداهما ألوهية آلهتهم وتثبت الأخرى ألوهية الله سبحانه لافتتاح القبيل الأول بقوله:{قل} دون الثاني وظاهره كون مجموع القبيلين واحدا من الاحتجاج أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإلقائه إلى المشركين لإلزامهم بالتوحيد.

ويؤيده السياق السابق المبدوبقوله:{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} وقد لحقه قوله ثانيا:{وقالوا أإذا كنا عظاما - إلى أن قال - قل كونوا حجارة أو حديدا}.

وقد ختم الآيات بقوله:{يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} إلخ فأشار به إلى أن هذا الذي يذكر من الهدى والضلالة في الدنيا يلازم الإنسان في الآخرة فالنشأة الأخرى على طبق النشأة الأولى فمن أبصر في الدنيا أبصر في الآخرة، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.

قوله تعالى:{ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الإزجاء على ما في مجمع البيان، سوق الشيء حالا بعد حال فالمراد به إجراء السفن في البحر بإرسال الرياح ونحوه وجعل الماء رطبا مائعا يقبل الجري والخرق، والفلك جمع الفلكة وهي السفينة.

وابتغاء الفضل طلب الرزق فإن الجواد إنما يجود غالبا بما زاد على مقدار حاجة نفسه وفضل الشيء ما زاد وبقي منه ومن ابتدائية، وربما قيل: إنها للتبعيض، وذيل الآية تعليل للحكم بالرحمة، والمعنى ظاهر. والآية تمهيد لتاليها.

قوله تعالى:{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} إلى آخر الآية الضر الشدة، ومس الضر في البحر هو خوف الغرق بالإشراف عليه بعصف الرياح وتقاذف الأمواج ونحو ذلك.

وقوله:{ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} المراد بالضلال - على ما ذكروا - الذهاب عن الخواطر دون الخروج عن الطريق وقيل: هو بمعنى الضياع من قولهم: ضل عن فلان كذا أي ضاع عنه ويعود على أي حال إلى معنى النسيان.

والمراد بالدعاء دعاء المسألة دون دعاء العبادة فيعم قوله:{من تدعون} الإله الحق والآلهة الباطلة التي يدعوها المشركون، والاستثناء متصل، والمعنى وإذا اشتد عليكم الأمر في البحر بالإشراف على الغرق نسيتم كل إله تدعونه وتسألونه حوائجكم إلا الله.

وقيل: المراد دعاء العبادة دون المسألة فيختص بمن يعبدونه من دون الله والاستثناء منقطع، والمعنى إذا مسكم الضر في البحر ذهب عن خواطركم الآلهة الذين تعبدونهم لكن الله سبحانه لا يغيب عنكم ولا ينسى.

والظاهر أن المراد بالضلال معناه المعروف وهو خلاف الهدى والكلام مبني على تمثيل لطيف كأن الإنسان إذا مسه الضر في البحر ووقع في قلبه أن يدعولكشف ضره قصده آلهته الذين كان يدعوهم ويستمر في دعائهم قبل ذلك وأخذوا يسعون نحوه ويتسابقون في قطع الطريق إلى ذكره ليذكرهم ويدعوهم ويستغيث بهم لكنهم جميعا يضلون الطريق ولا ينتهون إلى ذكره فينساهم والله سبحانه مشهود لقلبه حاضر في ذكره يذكره الإنسان عند ذلك فيدعوه وقد كان معرضا عنه فيجيبه وينجيه إلى البر.

وبذلك يظهر أن المراد بالضلال معناه المعروف، وبمن تدعون آلهتهم من دون الله فحسب وأن الاستثناء منقطع والوجه في جعل الاستثناء منقطعا أن الذي يبتني عليه الكلام من معنى التشبيه لا يناسب ساحة قدسه تعالى لتنزهه من السعي والوقوع في الطريق وقطعه ونحو ذلك.

مضافا إلى أن قوله:{ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} ظاهر في أن المراد بالدعوة دعاء المسألة وأنهم في البر أي في حالهم العادي غير حال الضر معرضون عنه تعالى لا يدعونه فقوله:{من تدعون} الظاهر في استمرار الدعوة المراد به آلهتهم الذين كانوا يدعونهم فاستثناؤه تعالى استثناء منقطع.

وقوله:{ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} أي فلما نجاكم من الغرق وكشف عنكم الضر رادا لكم إلى البر أعرضتم عنه أوعن دعائه وفيه دلالة على أنه تعالى غير مغفول عنه للإنسان في حال وأن فطرته تهديه إلى دعائه في الضراء والسراء والشدة والرخاء جميعا فإن الإعراض إنما يتحقق عن أمر ثابت موجود فقوله: إن الإنسان يدعوه في الضر ويعرض عنه بعد كشفه في معنى أنه مهدي إليه بالفطرة دائما.

وقوله:{ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} أي إن الكفران من دأب الإنسان من حيث إن له الطبيعة الإنسانية فإنه يتعلق بالأسباب الظاهرية فينسى مسبب الأسباب فلا يشكره تعالى وهو يتقلب في نعمة الظاهرة والباطنة.

وفي تذييل الكلام بهذه الجملة تنبيه على أن إعراض الإنسان عن ربه في غير حال الضر ليس بحال غريزي فطري له حتى يستدل بنسيانه ربه على نفي الربوبية بل هو دأب سيء من الإنسان يوقعه فيه كفران النعمة.

وفي الآية حجة على توحده تعالى في ربوبيته، ومحصله أن الإنسان إذا انقطع عن جميع الأسباب الظاهرية وأيس منها لم ينقطع عن التعلق بالسبب من أصله ولم يبطل منه رجاء النجاة من رأس بل رجى النجاة وتعلق قلبه بسبب ما يقدر على ما لا يقدر عليه سائر الأسباب، ولا معنى لهذا التعلق الفطري لولا أن هناك سببا فوق الأسباب إليه يرجع الأمر كله، وهو الله سبحانه، وليس يصرف الإنسان عنه إلا الاشتغال بزخارف الحياة الدنيا والتعلق بالأسباب الظاهرية والغفلة عما وراءها.

قوله تعالى:{ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} خسوف القمر استتار قرصه بالظلمة والظل وخسف الله به الأرض أي ستره فيها، والحاصب - كما في المجمع، - الريح التي ترمي بالحصباء والحصى الصغار وقيل: الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف الريح المهلكة في البحر.

والاستفهام للتوبيخ يوبخهم الله تعالى على إعراضهم عن دعائه في البر فإنهم لا مؤمن لهم من مهلكات الحوادث في البر كما لا مؤمن لهم حال مس الضر في البحر إذ لا علم لهم بما سيحدث لهم وعليهم فمن الجائز أن يخسف الله بهم جانب البر أويرسل عليهم ريحا حاصبا فيهلكهم بذلك ثم لا يجدوا لأنفسهم وكيلا يدفع عنهم الشدة والبلاء ويعيد إليهم الأمن والسلام.

قوله تعالى:{ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} إلى آخر الآية القصف الكسر بشدة وقاصف الريح هي التي تكسر السفن والأبنية، وقيل: القاصف الريح المهلكة في البحر والتبيع هو التابع يتبع الشيء، وضمير{فيه} للبحر وضمير{به} للغرق أوللإرسال أولهما معا باعتبار ما وقع ولكل قائل، والآية من تمام التوبيخ.

والمعنى أم هل أمنتم بنجاتكم إلى البر أن يعيدكم الله في البحر تارة أخرى فيرسل عليكم ريحا كاسرة للسفن أومهلكة فيغرقكم بسبب كفركم ثم لا تجدوا بسبب الإغراق أحدا يتبع الله لكم عليه فيسأله لم فعل هذا بكم؟ ويؤاخذه على ما فعل.

وفي قوله:{ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} التفات من الغيبة إلى التكلم بالغير وكان النكتة فيه الظهور على الخصم بالعظمة والكبرياء.

وهو المناسب في المقام، وليكون مع ذلك توطئة لما في الآيات التالية من سياق التكلم بالغير.

_________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص122-125.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لماذا الكفران مَع كلِّ هَذِهِ النعم؟

هَذِهِ الآيات تابعت البحوث السابقة في مجال التوحيد ومحاربة الشرك، وَدخلت في البحث مِن خلال طريقين مُختلفين، هما: طريق الإِستدلال والبرهان، وَطريق الوجدان وَمخاطبة الإِنسان مِن الداخل.

ففي البداية تشير الآية إِلى التوحيد الإِستدلالي فتقول: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ}.

طبعاً هُناك أنظمة لأجل حركة الفلك في البحار، فمن جانب ينبغي وجود الماء بشكل يصلح لمسير السفن، ومن جانب آخر لابدّ من توفر بعض الأشياء التي تكون أخف مِن الماء كي يمكن لها أن تطفو على سطحه، وإذا كانت أثقل فيمكن صناعتها بشكل بحيث تكون أخف مِن الماء وَتستطيع أن تتحمَّل وزن الأحمال الثقيلة والأعداد الكثيرة مِن البشر. ومِن جانب ثالث يلزم وجود القوّة المحرَّكة والَّتي كانَ الهواء يُمثلها في السابق، حيث كان البحّارة يستفيدون مِن حركة التيارات الهوائية فوق المحيطات والبحار لتحديد أوقات وَسرعة واتجاه السفن، واليوم يستفاد مِن طاقة البخار وأشكال الطاقة الأُخرى في حركة السفن.

مِن جانب آخر ينبغي وجود أُسلوب لتحديد الطرق، وَهَذا الأُسلوب كانَ سابقاً يعتمد على الشمس والنجوم في السماء، أمّا اليوم فإنَّ السفن تستفيد مِن البوصلات والخرائط والإحداثيات الدقيقة. على أي حال، إِذا لم تتوافر هَذهِ الشروط الأربعة ولم يكن ثمّة تنسيق بينها فإنَّ حركة السفن تصبح أمراً مستحيلا، ولا يكون الإِنسان قادراً على الإِستفادة مِن هَذِهِ الوسيلة المهمّة.

تعلمون ـ طبعاً ـ بأَنَّ السفن تعتبر أضخم وسيلة لحمل الإِنسان، واليوم فإِنَّ هُناك مِن السفن العملاقة ما يكون بعضها بمساحة مدينة صغيرة.

ثمّ يضيف تعالى: {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. حتى تساعدكم في أسفاركم وَنقل أموالكم وَتجارتكم وتعينكم في كل ما يخص أُمور دنياكم ودينكم. أمّا لماذا؟ فلأَنَّ الله تبارك وَتعالى {إِنَّه كان بكم رَحيماً}.

مِن هَذا التوحيد الإِستدلالي والذي يعكس جانباً صغيراً مِن نظام الخلق، وَعلم وَقدرة وَحكمة الخالق جلَّ وَعلا، تنتقل الآية إِلى أُسلوب الإِستدلال الفطري فتقول: لا تنسوا {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}.

أن يضل أي شيء مِن دون الله، لأنَّ ضرر البحر إِذا وقع، كالطوفان وَغيره يذهب بكل الجواجز وأستار التقليد والتعصَّب اللاصقة على صفاء الفطرة الإِنسانية، لينكشف نور الفطرة الذي هو نور التوحيد والإِيمان والعبودية لله دون غيره.

نعم في هَذِهِ اللحظات، في لحظات الضرّ ينقطع الإِنسان عن جميع المعبودات التصورية والوهمية والخيالية التي سبق وأن أعطاها قوّة بسبب أوهامه، وَتمحى مِن ذهنه فاعليتها ووجودها وتتلاشى وتذوب تماماً كما يذوب الجليد في شمس الصيف ولا يبقى حين ذاك سوى نور الأنوار... نور الله جلَّ جلاله.

إِنَّ الآية تعبِّر عن قانون عام، عرفهُ كلّ مَن جرَّب ذلك، حيثُ تؤدي المشاكل والصعوبات الحادة التي يمرّ بها الإِنسان ـ ويصل السكين العظم ـ إِلى الغاء كل الأسباب الظاهرية التي كان يتعلق بها الإِنسان، وتَنعدم فاعلية العلل المادية التي كان يتشبث بها، وتنقطع كل الأسباب، إِلاّ السبب الذي يصل الإِنسان بمصدر العلم والقدرة المطلقتين، والذي هو ـ لوحده سبحانه وتعالى ـ قادر على حال أعقد المشكلات ... لَيسَ مهمّاً هُنا ما الذي نسمّي فيه هَذهِ الحالة، وإنّما المهم أنّ نعلم أن قلب الإِنسان فِي هَذِهِ الحالة ينفتح على الامل بالخلاص، وتغمر القلب بنور خاص لطيف. وَهِذِهِ المنعطفات هي واحدة مِن أقرب الطرق إِلى الله، إِنّها طريق ينبع مِن داخل الروح وَمِن سويداء القلب.(2)

ثمّ تضيف الآية: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}.

مرّةً أُخرى تُغطي حجب الغرور والغفلة والتعصب هَذا النور الإِلهي، وَيغطي غبار العصيان والذنوب وَملاهي الحياة المادية فطرة الإِنسان ووجدانه.

ولكن هل تظنون أنَّ الله لا يستطيع أن ينزل بكم عقابه الشديد وأنتم على اليابسة وفي قلب الحصاري والبراري؟

لذلك تقول الآية {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} ثمّ أضافت: {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا}، حيث تغشيكم عاصفة محمّلة بالحصي والحجارة و تدفنكم تحتها ولا تجدون من ينقذكم منها (وفي ذلك من العذاب ما هو أشدّ من الغرق في البحر).

إِنَّ المتجولين في الصحاري وأهل البوادي يدركون أكثر مِن غيرهم رهبة هَذا التهديد الرّباني والوعيد القرآني، إِذ يعرفون كيف تؤدي ثورة الكثبان الرملية في الصحراء إِلى دَفع الرمال والأحجار إِلى غير مواقعها لِتشكِّل تلالا تدفن في ثناياها وبطونها قوافل الجمال وَمَن عليها.

بعد ذلك تضيف الآية مذكِّرة أمثال هؤلاء بأنّكم هل تظنون أنّ هذه هي المرّة الأخيرة التي تحتاجون فيها إِلى السفر في البحر: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا}، أي لا أحد حينئذ يطالب بدمكم و يثأر لكم منّا.

______________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص342-344.

2 ـ طالع الشّرح الكامل للتوحيد الفطري في كتاب (خالق العالم)، ولا حظهُ أيضاً في نهاية الآية (14) مِن سورة النحل حيث أشرنا إِلى هَذِهِ المسألة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .