أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-8-2020
5358
التاريخ: 16-8-2020
7139
التاريخ: 19-8-2020
5579
التاريخ: 17-8-2020
12283
|
قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَو مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء:58-60].
زاد سبحانه في الموعظة فقال: { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} معناه: وما من قرية إلا نحن مهلكوها بإماتة أهلها { أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} وهوعذاب الاستئصال فيكون هلاك الصالحين بالموت وهلاك الطالحين بالعذاب في الدنيا فإنه يفني الناس ويخرب البلاد قبل يوم القيامة ثم تقوم القيامة عن الجبائي ومقاتل وقيل: إن المراد بذلك قرى الكفر والضلال دون قرى الإيمان والمراد بالإهلاك التدمير عن أبي مسلم { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} أخبر أن ذلك كائن لا محالة ولا يكون خلافه ومعناه كان ذلك الحكم في الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته وهواللوح المحفوظ مكتوبا { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} ذكر فيه أقوال أحدها : أن التقدير ما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين ومعناه إنا لم نرسل الآيات التي اقترحتها قريش في قولهم حول لنا الصفا ذهبا وفجر لنا الأرض ينبوعا إلى غير ذلك لأنا لوأرسلناها لم يؤمنوا فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة كما أنا لما أجبنا الأولين من الأمم إلى آيات اقترحوها فكذبوا بها عذبناهم بعذاب الاستئصال لأن من حكم الآية المقترحة أنه إذا كذب بها وجب عذاب الاستئصال ومن حكمنا النافذ في هذه الآيات أن لا نعذبهم بعذاب الاستئصال لشرف محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولما يعلم في ذلك من المصلحة ولأن فيهم من يؤمن به وينصره ومن يولد له ولد مؤمن ولأن أمته باقية وشريعته مؤبدة إلى يوم القيامة فلذلك لم نجبهم إلى ذلك وأنزلنا من الآيات الواضحات والمعجزات البينات ما تقوم به الحجة وتنقطع به المعذرة.
والثاني :إن معناه إنا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنهم لا يؤمنون عندها فيكون إنزالنا إياها عبثا لا فائدة فيه كما أن من كان قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات ، والمعجزات ضربان:أحدهما: ما لا يصح معرفة النبوة إلا به وهذا الضرب لا بد من إظهاره سواء وقع منه الإيمان أو لم يقع والثاني: ما يكون لطفا في الإيمان فهذا أيضا يظهره الله سبحانه وما خرج عن هاتين الصفتين من المعجزات لا يفعله سبحانه والثالث: إن المعنى إنا لا نرسل الآيات لأن آباءكم وأسلافكم سألوا مثلها ولم يؤمنوا عندها وأنتم على آثار أسلافكم مقتدون فكما لم يؤمنوا هم لا تؤمنون أنتم عن أبي مسلم.
{ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} أي: بينة أراد آية مبصرة كما قال { وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} ومعناه: دلالة واضحة ظاهرة وقيل: ذات أبصار وقيل: تبصرهم وتبين لهم حتى يبصروا بها الهدى من الضلالة وهي ناقة صالح المخرجة من الصخرة على الصفة التي اقترحوها { فظلموا بها} أي: فكفروا بتلك الآية وجحدوا بأنها من عند الله وقيل ظلموا أنفسهم بسببها وبعقرها { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أي: لا نرسل الآيات التي نظهرها على الأنبياء إلا عظة للناس وزجرا أوتخويفا لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ} أي: واذكر الوقت الذي قلنا لك يا محمد { إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} أي: أحاط علما بأحوالهم وبما يفعلونه من طاعة أو معصية وما يستحقونه على ذلك من الثواب والعقاب وهو قادر على فعل ذلك بهم فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وهذا معنى قول ابن عباس وقيل: إن المراد به أنه عالم بجميع الأشياء فيعلم قصدهم إلى إيذائك إذا لم تأتهم ما اقترحوا منك من الآيات وهذا حث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) على التبليغ ووعد له بالعصمة من أذية قومه وهذا معنى قول الحسن وقيل: معناه أنه أحاط بأهل مكة فيستفتها لك عن مقاتل وقال الفراء: معناه أحاط أمره بالناس وقيل: معناه أنه قادر على ما سألوه من الآيات عالم بمصالحهم فلا يفعل إلا ما هو الصلاح فامض لما أمرت به من التبليغ فإن الله سبحانه إن أنزلها فلما يعلم في إنزالها من اللطف وإن لم ينزلها فلما يعلم من المصلحة عن الجبائي.
{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} فيه أقوال أحدها : إن المراد بالرؤيا رؤية العين وهي ما ذكره في أول السورة من إسراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من مكة إلى بيت المقدس وإلى السماوات في ليلة واحدة إلا أنه لما رأى ذلك ليلا وأخبر بها حين أصبح سماها رؤيا وسماها فتنة لأنه أراد بالفتنة الامتحان وشدة التكليف ليعرض المصدق بذلك لجزيل ثوابه والمكذب لأليم عقابه وهذا معنى قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد وثانيها : ما روي عن ابن عباس في رواية أخرى أنها رؤيا نوم رآها أنه سيدخل مكة وهوبالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية عن دخولها حتى شك قوم ودخلت عليهم الشبهة فقالوا يا رسول الله أ ليس قد أخبرتنا أنا ندخل المسجد الحرام آمنين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): أ وقلت لكم إنكم تدخلونها العام قالوا لا فقال لندخلها إن شاء الله ورجع ثم دخل مكة في العام القابل فنزل { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } وهو قول الجبائي وأبي مسلم وإنما كان فتنة وامتحانا وابتلاء لما ذكرناه وثالثها : إن ذلك رؤيا رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل فساءه ذلك واغتم به.
روى سهل بن سعيد عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رأى ذلك وقال له (صلى الله عليه وآله وسلّم): لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات وروى سعيد بن يسار أيضا وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أبي عبد الله (عليه السلام) وقالوا على هذا التأويل أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بنوأمية أخبره الله سبحانه بتغلبهم على منامه وقتلهم ذريته روي عن المنهال بن عمروقال دخلت على علي بن الحسين (عليهماالسلام) : فقلت له كيف أصبحت يا ابن رسول الله فقال: أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وأصبح خير البرية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يلعن على المنابر وأصبح من يحبنا منقوصا حقه بحبه إيانا وقيل للحسن يا أبا سعيد قتل الحسين بن علي (عليهماالسلام) فبكى حتى اختلج جنباه ثم قال وا ذلاه لأمة قتل ابن دعيها ابن بنت نبيها وقيل إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم عن ابن عباس والحسن وقيل: الشجرة الملعونة هي اليهود عن أبي مسلم وتقدير الآية وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس قالوا وإنما سمي شجرة الزقوم فتنة لأن المشركين قالوا إن النار تحرق الشجرة فكيف تنبت الشجرة في النار وصدق بها المؤمنون.
وروي أن أبا جهل قال: إن محمدا يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه تنبت فيها الشجرة وقوله { في القرآن } معناه: التي ذكرت في القرآن { ونخوفهم } أي: نرهبهم بما نقص عليهم من هلاك الأمم الماضية وقيل بما نرسل من الآيات { فَمَا يَزِيدُهُمْ} ذلك { إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} أي: عتوا في الكفر عظيما وتماديا في الغي كبيرا لأنهم لا يرجعون عنه .
_____________
1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج6،ص264-266.
المهدي المنتظر :
{ وإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَومُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً } . ظاهر الآية يدل على أن الناس كلهم يفنون قبل يوم القيامة ، بحيث يأتي ذلك اليوم ، ولا انسان على وجه الأرض إطلاقا . .
وان هذا أمر قد خط بالقلم في كتاب القضاء والقدر الذي لا مفر منه ولا محيص عنه ، ولكن بعض المجتمعات يفنيهم اللَّه بالموت الطبيعي ، وبعضهم بالعذاب الشديد ، ولم يبين سبحانه وصف هؤلاء ، ولا أولئك . . هذا هو ظاهر الآية ،ولكن المفسرين قالوا : ان المجتمع الصالح يفنى بالموت الطبيعي ، والفاسد بالعذاب ، وقولهم هذا لا يتفق مع قولهم في تفسير قوله تعالى في أول سورة الحج : « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى النَّاسَ سُكارى وما هُمْ بِسُكارى » .
والذي نراه أن المراد بالقرية في قوله تعالى : « وإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ » الخ . المراد خصوص القرية الظالم أهلها أي المجتمع الفاسد فقط ، وانه يهلك هذا المجتمع أويعذبه قبل ان تقوم الساعة ، اما المجتمع الصالح فيستمر في الوجود والبقاء إلى يوم القيامة حيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت . . . وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وبهذا يتحقق الجمع بين ما جاء في أول الحج ، وبين الآية التي نحن بصددها ، ويكون معناها ان اللَّه سيمحوالمفسدين والظالمين من وجه الأرض قبل القيامة ، ولا يبقى إلا الصالحون الطيبون ، يعيشون جميعا في طاعة اللَّه مؤمنين آمنين على أنفسهم وجميع أشيائهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة عن رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) .
منها ما جاء في سنن أبي داود السجستاني ، وهو أحد الصحاح الستة عند السنة ج 2 طبعة سنة 1952 ص 422 وما بعدها : « قال رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) :
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » . ومحل الشاهد يملأ الأرض قسطا وعدلا .
ومنها ما جاء في كتاب السنن لابن ماجة ، وهو أحد الصحاح الستة أيضا ج 2 طبعة 1953 الحديث رقم 4083 : « قال رسول اللَّه يكون في أمتي المهدي تنعم فيه أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط » .
والثورات والانتفاضات في كل مكان للتحرر من الظلم والفساد ، والجهل والفقر تدل بصراحة ووضوح على أن هذا كائن لا محالة في المستقبل القريب أوالبعيد .
{ وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها } . اقترح مشركو قريش على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يأتيهم بالخوارق التي يريدون ، وقالوا له فيما قالوا : فجر لنا من الأرض ينبوعا ، وائتنا باللَّه والملائكة ، وأنزل علينا من السماء كتابا نقرأه . . وأجابهم سبحانه في هذه الآية بأنه قد سبق في قضائه وقدره ان يستأصل بالعذاب كل قوم كذبوا بآية جاءت وفق ما طلبوا واقترحوا ، فلقد اقترحت ثمود من قبل على نبيها صالح ناقة خارقة ، ولما جاءتهم على الوصف الذي اقترحوه كفروا بها وعقروها ، فاخذتهم الرجفة وكانوا من الهالكين . وسبق التفصيل في سورة الأعراف الآية 73 و79 ج 3 ص 350 .
وقد سبق في قضاء اللَّه وقدره أن لا يستأصل قريشا التي اقترحت ما اقترحت على رسول اللَّه ، لأن رجالا منها سيتوبون ويؤمنون ، وآخرين يولد لهم من يجاهد في اللَّه حق جهاده ، وفوق هذا فان اللَّه سبحانه قضى وقدر أن تبقى أمة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وشريعته إلى يوم يبعثون ، ولهذا وغيره من الأسباب لم يستجب سبحانه إلى مقترحات قريش { وما نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً } . فما من آية ظهرت أوتظهر على يد نبي من الأنبياء إلا والغاية منها العظة والزجر والتخويف من عذاب ليس له دافع ولا رافع . . فما بالهم يقترحون الخوارق ويستعجلونها ، وهي نقمة عليهم وعذاب .
{ وإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ } . سبق أن المشركين اقترحوا الخوارق على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأن اللَّه أوحى إليه انه لواستجاب لهم وعصوا لهلكوا . . ولكن هذا الجواب لم يقنع المشركين ، وقالوا لرسول اللَّه لوكنت نبيا لجئتنا بما اقترحنا . . ولما بلغ الأمر بهم إلى هذا الحد خاطب سبحانه نبيه الكريم بقوله :
{ وإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ } أي امض في دعوتك ، ولا تكترث بمن يعاند ويكابر ، فنحن اعلم بالناس وما يقولون ويفعلون ، وهم جميعا في قبضتنا نصدهم عنك وعن إيذائك ، وفي هذا المعنى قوله تعالى : « واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .
{ وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } . ذكر سبحانه أنه قد أرى نبيه رؤيا في منامه ، وانها فتنة للناس ، ولكنه لم يبين ما هي هذه الرؤيا ، ولا المراد من الفتنة ، ومن هنا اختلف المفسرون في معناهما ، وذكر الرازي في تفسيره الكبير ، وأبوحيان الأندلسي في البحر المحيط ، ومحمد بن أحمد الكلبي في كتاب التسهيل ، ذكروا وغيرهم أيضا أقوالا في تفسير الرؤيا والفتنة ، منها أن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم } رأى أنه سيدخل مكة مع الصحابة ، ولكنه لما قصدها عام الحديبية صده المشركون ، فشك من شك من المسلمين في رؤيا النبي وقال له : ألم تخبر بأننا ندخل المسجد الحرام آمنين ؟ . قال : أجل ، ولكن هل قلت : ندخله هذا العام ؟ . قال :
لا . قال النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) : لندخله ان شاء اللَّه . فدخلوه في العام المقبل .
ومن الأقوال في تفسير الرؤيا كما جاء في التفاسير التي أشرنا إليها : ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) رأى بني أمية ينزون على منبره نزوالقرود ، فساءه ذلك ، واغتمّ به ، ولم ير ضاحكا . وذهب إلى هذا التفسير جماعة من الصحابة ، منهم سعيد ابن المسيب وابن عباس كما في تفسير الرازي ، وسهل بن سعد كما في تفسير البحر المحيط . وفي صحيح البخاري ج 9 كتاب الفتن - أن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) قال :
« هلاك أمتي على يدي أغلمة سفهاء من قريش . وهذه الرواية تدعم تفسير الرؤيا ببني أمية ، وعليه يكون المراد بقوله تعالى : { والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ } هم بنوأمية بالذات . وفي تفسير الرازي ان من المفسرين جماعة يقولون : « ان الشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود » . وقد أثبتت حوادث التاريخ قديما وحديثا أن اليهود مصدر الفتن وأصل الفساد .
{ ونُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ » - التخويف - « إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً } . أنذر اللَّه المشركين وخوفهم بشتى الأساليب . . . ولكن لا حياة لمن تنادي ، بل زادهم الانذار والتخويف تماديا في الغي والضلال ، لأنهم لا يتحركون إلا بوحي المصالح والمنافع ، أما الحجج الدامغة والأخلاق والقيم فكلام وأحلام .
______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 57-60.
قوله تعالى:{ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} ذكروا أن المراد بالعذاب الشديد عذاب الاستئصال فيبقى للإهلاك المقابل له الإماتة بحتف الأنف فالمعنى ما من قرية إلا نحن نميت أهلها قبل يوم القيامة أونعذبهم عذاب الاستئصال قبل يوم القيامة إذ لا قرية بعد طي بساط الدنيا بقيام الساعة وقد قال تعالى:{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا:} الكهف: 8 ولذا قال بعضهم: إن الإهلاك للقرى الصالحة والتعذيب للقرى الطالحة.
وقد ذكروا في وجه اتصال الآية أنها موعظة، وقال بعضهم: كأنه تعالى بعد ما ذكر من شأن البعث والتوحيد ما ذكر، ذكر بعض ما يكون قبل يوم البعث مما يدل على عظمته سبحانه وفيه تأييد لما ذكر قبله.
والظاهر أن في الآية عطفا على ما تقدم من قوله قبل آيات:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} فإن آيات السورة لا تزال ينعطف بعضها على بعض، والغرض العام بيان سنة الله تعالى الجارية بدعوتهم إلى الحق ثم إسعاد من سعد منهم بالسمع والطاعة وعقوبة من خالف منهم وطغى بالاستكبار.
وعلى هذا فالمراد بالإهلاك التدمير بعذاب الاستئصال كما نقل عن أبي مسلم المفسر والمراد بالعذاب الشديد ما دون ذلك من العذاب كقحط أو غلاء ينجر إلى جلاء أهلها وخراب عمارتها أوغير ذلك من البلايا والمحن.
فتكون في الآية إشارة إلى أن هذه القرى سيخرب كل منها بفساد أهلها وفسق مترفيها، وأن ذلك بقضاء من الله سبحانه كما يشير إليه ذيل الآية، وبذلك يتضح اتصال الآية التالية{وما منعنا} إلخ بهذه الآية فإن المعنى أنهم مستعدون للفساد مهيئون لتكذيب الآيات الإلهية وهي تتعقب بالهلاك والفناء على من يردها ويكذب بها وقد أرسلناها إلى الأولين فكذبوا بها واستؤصلوا فلو أنا أرسلنا إلى هؤلاء شيئا من جنس تلك الآيات المخوفة لحق بهم الإهلاك والتدمير وانطوى بساط الدنيا فأمهلناهم حتى حين وسيلحق بهم ولا يتخطاهم - كما أشير إليه في قوله:{ولكل أمة رسول} الآيات: يونس: 47 وذكر بعضهم: أن المراد بالقرى في الآية القرى الكافرة وأن تعميم القرى لا يساعد عليه السياق انتهى.
وهو دعوى لا دليل عليها.
وقوله:{ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} أي إهلاك القرى أوتعذيبها عذابا شديدا كان في الكتاب مسطورا وقضاء محتوما، وبذلك يظهر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ الذي يذكر القرآن أن الله كتب فيه كل شيء كقوله:{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ:} يس: 12، وقوله:{ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: يونس: 61.
ومن غريب الكلام ما ذكره بعضهم: وذكر غير واحد أنه ما من شيء إلا بين فيه أي في اللوح المحفوظ والكتاب المسطور بكيفياته وأسبابه الموجبة له ووقته المضروب له، واستشكل العموم بأنه يقتضي عدم تناهي الأبعاد، وقد قامت البراهين النقلية والعقلية على خلاف ذلك فلا بد أن يقال بالتخصيص بأن يحمل الشيء على ما يتعلق بهذه النشأة أونحوذلك.
وقال بعضهم: بالعموم إلا أنه التزم كون البيان على نحويجتمع مع التناهي فاللوح المحفوظ في بيانه جميع الأشياء الدنيوية والأخروية وما كان وما يكون نظير الجفر الجامع في بيانه لما يبينه. انتهى.
والكلام مبني على كونه لوحا جسمانيا موضوعا في بعض أقطار العالم مكتوبا فيه أسماء الأشياء وأوصافها وأحوالها وما يجري عليها في الأنظمة الخاصة بكل منها والنظام العام الجاري عليها من جميع الجهات، ولوكان كما يقولون لوحا ماديا جسمانيا لم يسع كتابة أسماء أجزائه التي تألف منها جسمه وتفصيل صفاتها وحالاتها فضلا عن غيره من الموجودات التي لا يحصيها ولا يحيط بتفاصيل صفاتها وأحوالها وما يحدث عليها والنسب التي بينها إلا الله سبحانه، وليس ينفع في ذلك التخصيص بما في هذه النشأة أوبما دون ذلك وهو ظاهر.
وما التزم به البعض أنه من قبيل انطواء غير المتناهي في المتناهي نظير اشتمال الحروف المقطعة جميع الكلام مع عدم تناهي التأليفات الكلامية التزام بوجود صور الحوادث فيه بالقوة والإمكان أوالإجمال وكلامه سبحانه فيما يصف فيه هذا اللوح كالصريح أو هو صريح في اشتماله على الأشياء والحوادث مما كان أو يكون أو هو كائن بالفعل وعلى نحو التفصيل وبسمة الوجوب الذي لا سبيل للتغير إليه، ولو كان كذلك لكفى فيه كتابة حروف التهجي في دائرة على لوح.
على أن الجمع بين جسمية اللوح وماديته التي من خاصتها قبول التغير وبين كونه محفوظا من أي تغير وتحول مفروض مما يحتاج إلى دليل أجلى من هذه التصويرات وفي الكلام مواقع أخرى للنظر.
فالحق أن الكتاب المبين هو متن (2) الأعيان بما فيه من الحوادث من جهة ضرورة ترتب المعلولات على عللها، وهو القضاء الذي لا يرد ولا يبدل لا من جهة إمكان المادة وقوتها، والتعبير عنه بالكتاب واللوح لتقريب الأفهام إلى حقيقة المعنى بالتمثيل، وسنستوفي الكلام في هذا البحث إن شاء الله في موضع يناسبه.
قوله تعالى:{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} إلى آخر الآية قد تقدم وجه اتصال الآية بما قبلها ومحصله أن الآية السابقة أفادت أن الناس - وآخروهم كأوليهم - مستحقون بما فيهم من غريزة الفساد والفسق لحلول الهلاك وسائر أنواع العذاب الشديد، وقد قضى الله على القرى أن تهلك أوتعذب عذابا شديدا وهذا هوالذي منعنا أن نرسل بالآيات التي يقترحونها فإن السابقين منهم اقترحوها فأرسلناها إليهم فكذبوا بها فأهلكناهم، وهؤلاء اللاحقون في خلق سابقيهم فلوأرسلنا بالآيات حسب اقتراحهم لكذبوا بها فحل الهلاك بهم لا محالة كما حل بسابقيهم، وما يريد الله سبحانه أن يعاجلهم بالعقوبة.
وبهذا يظهر أن للآيتين ارتباطا بما سيحكيه من اقتراحهم الآيات بقوله:{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}: الآية 90 من السورة إلى آخر الآيات، وظاهر آيات السورة أنها نزلت دفعة واحدة.
فقوله:{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ} المنع هو قسر الغير عما يريد أن يفعله وكفه عنه، والله سبحانه يحكم ولا معقب لحكمه وهو الغالب القاهر إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فكون تكذيب الأولين لآياته مانعا له من إرسال الآيات المقترحة بعد ذلك كون الفعل بالنظر إلى ما ارتكز فيهم من خلق التكذيب خاليا عن المصلحة بالنسبة إلى أمة أراد الله أن لا يعاجلهم بالعقوبة والهلاك أو خاليا عن المصلحة مطلقا للعلم بأن عامتهم لا يؤمنون بالآيات المقترحة.
وإن شئت فقل: إن المنافاة بين إرسال الآيات المقترحة مع تكذيب الأولين وكون الآخرين سالكين سبيلهم المستتبع للاستئصال وبين تعلق المشية بإمهال هذه الأمة عبر عنها في الآية بالمنع استعارة.
وكأنه للإشعار بذلك عبر عن إيتاء الآيات بالإرسال كأنها تتعاضد وتتداعى للنزول لكن التكذيب وتعرق الفساد في فطر الناس يمنع من ذلك.
وقوله:{ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} التعبير عن الأمم الهالكة بالأولين المضايف للآخرين فيه إيماء إلى أن هؤلاء آخر أولئك الأولين فهم في الحقيقة أمة واحدة لآخرها من الخلق والغريزة ما لأولها، لذيلها من الحكم ما لصدرها ولذلك كانوا يقولون:{ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}: المؤمنون: 24 ويكررون ذكر هذه الكلمة.
وكيف كان فمعنى الآية أنا لم نرسل الآيات التي يقترحونها والمقترحون هم قريش - لأنا لوأرسلناها لم يؤمنوا وكذبوا بها فيستحقوا عذاب الاستئصال كما أنا أرسلناها إلى الأولين بعد اقتراحهم إياها فكذبوا بها فأهلكناهم لكنا قضينا على هذه الأمة أن لا نعذبهم إلا بعد مهلة ونظرة كما يظهر من مواضع من كلامه تعالى.
وذكروا في معنى الآية الكريمة وجهين آخرين: أحدهما: أنا لا نرسل الآيات لعلمنا بأنهم لا يؤمنون عندها فيكون إنزالها عبثا لا فائدة فيه كما أن من قبلهم لم يؤمنوا عند إنزال الآيات وهذا إنما يتم في الآيات المقترحة وأما الآيات التي يتوقف عليها ثبوت النبوة فإن الله يؤتيها رسوله لا محالة، وكذا الآيات التي في نزولها لطف منه سبحانه فإن الله يظهرها أيضا لطفا منه، وأما غير هذين النوعين فلا فائدة في إنزالها.
وثانيهما: أن المعنى أنا لا نرسل الآيات لأن آباءكم وأسلافكم سألوا مثلها ولم يؤمنوا به عند ما نزل وأنتم على آثار أسلافكم مقتدون فكما لم يؤمنوا هم لا تؤمنون أنتم.
والمعنى الثاني منقول عن أبي مسلم وتمييزه من المعنيين السابقين من غير أن ينطبق على أحدهما لا يخلومن صعوبة.
وقوله:{ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} ثمود هم قوم صالح ولقد آتاهم الناقة آية، والمبصرة الظاهرة البينة على حد ما في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] ، وهي صفة الناقة أوصفة لمحذوف والتقدير آية مبصرة والمعنى وآتينا قوم ثمود الناقة حالكونها ظاهرة بينة أوحالكونها آية ظاهرة بينة فظلموا أنفسهم بسببها أوظلموا مكذبين بها.
وقوله:{ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أي إن الحكمة في الإرسال بالآيات التخويف والإنذار فإن كانت من الآيات التي تستتبع عذاب الاستئصال ففيها تخويف بالهلاك في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، وإن كانت من غيرها ففيها تخويف وإنذار بعقوبة العقبى.
وليس من البعيد أن يكون المراد بالتخويف إيجاد الخوف والوحشة بإرسال ما دون عذاب الاستئصال على حد ما في قوله تعالى:{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}: النحل، 47 فيرجع محصل معنى الآية إنا لا نرسل بالآيات المقترحة لأنا لا نريد أن نعذبهم بعذاب الاستئصال وإنما نرسل ما نرسل من الآيات تخويفا ليحذروا بمشاهدتها عما هو أشد منها وأفظع ونسب الوجه إلى بعضهم.
قوله تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} فقرأت الآية وهي أربع واضحة المعاني لكنها بحسب ما بينها من الاتصال وارتباط بعضها ببعض لا تخلو من إجمال والسبب الأصلي في ذلك إجمال الفقرتين الوسطيين الثانية والثالثة.
فلم يبين سبحانه ما هذه الرؤيا التي أراها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقع في سائر كلامه ما يصلح لأن يفسر به هذه الرؤيا، والذي ذكره من رؤياه في مثل قوله:{ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ}: الأنفال، 43 وقوله{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}: الفتح - 27 من الحوادث الواقعة بعد الهجرة وهذه الآية مكية نازلة قبل الهجرة.
ولا يدرى ما هذه الشجرة الملعونة في القرآن التي جعلها فتنة للناس، ولا توجد في القرآن شجرة يذكرها الله ثم يلعنها نعم ذكر سبحانه شجرة الزقوم ووصفها بأنها فتنة كما في قوله{ أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}: الصافات - 63 لكنه سبحانه لم يلعنها في شيء من المواضع التي ذكرها، ولوكان مجرد كونها شجرة تخرج في أصل الجحيم وسببا من أسباب عذاب الظالمين موجبا للعنها لكانت النار وكل ما أعد الله فيها للعذاب ملعونة ولكانت ملائكة العذاب وهم الذين قال تعالى فيهم:{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: المدثر: 31 ملعونين وقد أثنى الله عليهم ذاك الثناء البالغ في قوله:{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}: التحريم: 6 وقد عد سبحانه أيدي المؤمنين من أسباب عذاب الكفار إذ قال:{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}: التوبة: 14 وليست بملعونة.
وبهذا يتأيد أنه لم يكن المراد بالآية الكشف عن قناع الفقرتين وإيضاح قصة الرؤيا والشجرة الملعونة في القرآن المجعولتين فتنة للناس بل إنما أريدت الإشارة إلى إجمالهما والتذكير بما يقتضيانه بحكم السياق.
نعم ربما يلوح السياق إلى بعض شأن الأمرين: الرؤيا والشجرة الملعونة فإن الآيات السابقة كانت تصف الناس أن أخراهم كأولاهم وذيلهم كصدرهم في عدم الاعتناء بآيات الله سبحانه وتكذيبها، وأن المجتمعات الإنسانية ذائقون عذاب الله قرية بعد قرية وجيلا بعد جيل بإهلاك أوبعذاب مخوف دون ذلك، والآيات اللاحقة{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} إلخ المشتملة على قصة إبليس وعجيب تسلطه على إغواء بني آدم تجري على سياق الآيات السابقة.
وبذلك يظهر أن الرؤيا والشجرة المشار إليهما في الآية أمران سيظهران على الناس أوهما ظاهران يفتتن بهما الناس فيشيع بهما فيهم الفساد ويتعرق فيهم الطغيان والاستكبار وذيل الآية{ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا } يشير إلى ذلك ويؤيده بل وصدر الآية{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}.
أضف إلى ذلك أنه تعالى وصف هذه الشجرة التي ذكرها بأنها ملعونة في القرآن، وبذلك يظهر أن القرآن مشتمل على لعنها وأن لعنها بين اللعنات الموجودة في القرآن كما هو ظاهر قوله:{ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} وقد لعن في القرآن إبليس ولعن فيه اليهود ولعن فيه المشركون ولعن فيه المنافقون ولعن فيه أناس بعناوين أخر كالذين يموتون وهم كفار والذين يكتمون ما أنزل الله والذين يؤذون الله ورسوله إلى غير ذلك.
وقد جعل الموصوف بهذه اللعنة شجرة، والشجرة كما تطلق على ذي الساق من النبات كذلك تستعمل في الأصل الذي تطلع منه وتنشأ عليه فروع بالنسب أو بالإتباع على أصل اعتقادي، قال في لسان العرب،: ويقال: فلان من شجرة مباركة أي من أصل مبارك. انتهى.
وقد ورد ذلك في لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرا كقوله: أنا وعلي من شجرة واحدة، ومن هذا الباب قوله في حديث العباس: عم الرجل صنوأبيه.
1 وبالتأمل في ذلك يتضح للباحث المتدبر أن هذه الشجرة الملعونة قوم من هؤلاء الملعونين في كلامه لهم صفة الشجرة في النشوء والنمووتفرع الفروع على أصل له حظ من البقاء والإثمار وهم فتنة تفتتن بها هذه الأمة، وليس يصلح لهذه الصفة إلا طوائف ثلاث من المعدودين وهم أهل الكتاب والمشركون والمنافقون ولبثهم في الناس وبقاؤهم على الولاء إما بالتناسل والتوالد كأهل بيت من الطوائف المذكورة يعيشون بين الناس ويفسدون على الناس دينهم ودنياهم ويفتتن بهم الناس وإما بطلوع عقيدة فاسدة ثم اتباعها على الولاء من خلف بعد سلف.
ولم يظهر من المشركين وأهل الكتاب في زمن الرسول قبل الهجرة وبعدها قوم بهذا النعت، وقد آمن الله الناس من شرهم مستقلين بذلك بمثل قوله النازل في أواخر عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}: المائدة: 3 وقد استوفينا البحث عن معنى الآية فيما تقدم.
فالذي يهدي إليه الإمعان في البحث أن المراد بالشجرة الملعونة قوم من المنافقين المتظاهرين بالإسلام يتعرقون بين المسلمين إما بالنسل وإما بالعقيدة والمسلك هم فتنة للناس، ولا ينبغي أن يرتاب في أن في سياق الآية تلويحا بالارتباط بين الفقرتين أعني قوله:{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} وخاصة بعد الإمعان في تقدم قوله:{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} وتذييل الفقرات جميعا بقوله:{ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} فإن ارتباط الفقرات بعضها ببعض ظاهر في أن الآية بصدد الإشارة إلى أمر واحد هو سبحانه محيط به ولا ينفع فيه عظة وتخويف إلا زيادة في الطغيان.
ويستفاد من ذلك أن الشأن هو أن الله سبحانه أرى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرؤيا هذه الشجرة الملعونة وبعض أعمالهم في الإسلام ثم بين لرسوله أن ذلك فتنة.
فقوله:{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} مقتضى السياق أن المراد بالإحاطة الإحاطة العلمية، والظرف متعلق بمحذوف والتقدير واذكر إذ قلنا لك كذا وكذا والمعنى واذكر للتثبت فيما ذكرنا لك في هذه الآيات أن شيمة الناس الاستمرار في الفساد والفسوق واقتداء أخلافهم بأسلافهم في الإعراض عن ذكر الله وعدم الاعتناء بآيات الله، وقتا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس علما وعلم أن هذه السنة ستجري بينهم كما كانت تجري.
وقوله:{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} محصل معناه على ما تقدم أنه لم نجعل الشجرة الملعونة في القرآن التي تعرفها بتعريفنا، وما أريناك في المنام من أمرهم إلا فتنة للناس وامتحانا وبلاء نمتحنهم ونبلوهم به وقد أحطنا بهم.
وقوله:{ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} ضميرا الجمع للناس ظاهرا والمراد بالتخويف إما التخويف بالموعظة والبيان أوبالآيات المخوفة التي هي دون الآيات المهلكة المبيدة، والمعنى ونخوف الناس فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا ولا أي طغيان كان بل طغيانا كبيرا أي أنهم لا يخافون من تخويفنا حتى ينتهوا عما هم عليه بل يجيبوننا بالطغيان الكبير فهم يبالغون في طغيانهم ويفرطون في عنادهم مع الحق.
وسياق الآية سياق التسلية فالله سبحانه يعزي نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها بأن الذي أراه من الأمر، وعرفه من الفتن، وقد جرت سنته تعالى على امتحان عباده بالمحن والفتن، وقد اعترف بذلك غير واحد من المفسرين.
ويؤيد جميع ما تقدم ما ورد من طرق أهل السنة واتفقت عليه أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بالرؤيا في الآية هي رؤيا رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بني أمية والشجرة شجرتهم وسيوافيك الروايات في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى. وقد ذكر جمع من المفسرين استنادا إلى ما نقل عن ابن عباس أن المراد بالرؤيا التي أراها الله نبيه هو الإسراء، والمراد بالشجرة الملعونة في القرآن شجرة الزقوم، وذكروا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من الإسراء وأصبح أخبر المشركين بذلك فكذبوه واستهزءوا به، وكذلك لما سمع المشركون آيات ذكر الله فيها الزقوم كذبوه وسخروا منه فأنزل الله في هذه الآية أن الرؤيا التي أريناك وهي الإسراء وشجرة الزقوم ما جعلناهما إلا فتنة للناس.
ثم لما ورد عليهم أن الرؤيا على ما صرح به أهل اللغة هي ما يراه النائم في منامه والإسراء كان في اليقظة اعتذروا عنه تارة بأن الرؤيا كالرؤية مصدر رأى ولا اختصاص لها بالمنام، وتارة بأن الرؤيا ما يراه الإنسان بالليل سواء فيه النوم واليقظة، وتارة بأنها مشاكلة لتسمية المشركين له رؤيا، وتارة بأنه جار على زعمهم كما سموا أصنامهم آلهة فقد روي أن بعضهم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قص عليهم إسراءه لعله شيء رأيته في منامك فسماه الله رؤيا على زعمهم كما قال في الأصنام{آلهتهم}، وتارة بأنه سمي رؤيا تشبيها له بالمنام لما فيها من العجائب أو لوقوعه ليلا أو لسرعته.
وقد أجاب عن ذلك بعضهم أن الإسراء كان في المنام كما روي عن عائشة ومعاوية.
ولما ورد عليهم أيضا أن لا معنى لتسمية الزقوم شجرة ملعونة ولا ذنب للشجرة اعتذروا عنه تارة بأن المراد من لعنها لعن طاعميها على نحو المجاز في الإسناد للدلالة على المبالغة في لعنهم كما قيل وتارة بأن اللعنة بمعنى البعد وهي في أبعد مكان من الرحمة لكونها تنبت في أصل الجحيم، وتارة بأنها جعلت ملعونة لأن طلعها يشبه رءوس الشياطين والشياطين ملعونون، وتارة بأن العرب تسمي كل غذاء مكروه ضار ملعونا.
أما ما ذكروه في معنى الرؤيا فما قيل: إن الرؤيا مصدر مرادف للرؤية أوإنها بمعنى الرؤية ليلا يرده عدم الثبوت لغة ولم يستندوا في ذلك إلى شيء من كلامهم من نظم أونثر إلا إلى مجرد الدعوى.
وأما قولهم: إن ذلك مشاكلة لتسمية المشركين الإسراء رؤيا أوجرى على زعمهم أنه رؤيا فيجب تنزيه كلامه سبحانه من ذلك البتة فما هي القرينة الدالة على هذه العناية وأنه ليس فيه اعتراف بكونها رؤيا حقيقة؟ ولم يطلق تعالى على أصنامهم{آلهة} و{شركاء} وإنما أطلق{آلهتهم} و{شركائهم} فأضافها إليهم والإضافة نعمت القرينة على عدم التسليم، ونظير الكلام جار في اعتذارهم بأنه من تشبيه الإسراء بالرؤيا فالاستعارة كسائر المجازات لا تصح إلا مع قرينة، ولوكانت هناك قرينة لم يستدل كل من قال بكون الإسراء مناميا بوقوع لفظة الرؤيا في الآية بناء على كون الآية ناظرة إلى الإسراء.
وأما قول القائل: إن الإسراء كان في المنام فقد اتضح بطلانه في أول السورة في تفسير آية الإسراء.
وأما المعاذير التي ذكروها تفصيا عن جعل الشجرة ملعونة في القرآن فقولهم: إن حقيقة لعنها لعن طاعميها على طريق المجاز في الإسناد للمبالغة في لعنهم فهو وإن كان كثير النظير في محاورات العامة لكنه مما يجب أن ينزه عنه ساحة كلامه تعالى وإنما هومن دأب جهلة الناس وسفلتهم تراهم إذا أرادوا أن يسبوا أحدا لعنوه بلعن أبيه وأمه وعشيرته مبالغة في سبه، وإذا شتموا رجلا أساءوا ذكر زوجته وبنته وسبوا السماء التي تظله والأرض التي تقله والدار التي يسكنها والقوم الذين يعاشرهم وأدب القرآن يمنعه أن يبالغ في لعن أصحاب النار بلعن الشجرة التي يعذبهم الله بأكل ثمارها.
وقولهم: إن اللعن مطلق الإبعاد مما لم يثبت لغة والذي ذكروه ويشهد به ما ورد من استعماله في القرآن أن معناه الإبعاد من الرحمة والكرامة وما قيل: إنها كما قال الله{شجرة تخرج في أصل الجحيم} فهي في أبعد مكان من الرحمة إن أريدت بالرحمة الجنة فهو قول من غير دليل وإن أريدت به الرحمة المقابلة للعذاب كان لازمه كون الشجرة ملعونة بمعنى الإبعاد من الرحمة والكرامة ومقتضاه كون جهنم وما أعد الله فيها من العذاب وملائكة النار وخزنتها ملعونين مغضوبين مبعدين من الرحمة، وليس شيء منها ملعونا وإنما اللعن والغضب والبعد للمعذبين فيها من الإنس والجن.
وقولهم: إنها جعلت ملعونة لأن طلعها يشبه رءوس الشياطين والشياطين ملعونون فهومجاز في الإسناد بعيد من الفهم يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأول.
وقولهم: إن العرب تسمي كل غذاء مكروه ضار ملعونا فيه استعمال الشجرة وإرادة الثمرة مجازا ثم جعلها ملعونة لكونها مكروهة ضارة أونسبة اللعن وهووصف الثمرة إلى الشجرة مجازا وعلى أي حال كونها معنى من معاني اللعن غير ثابت بل الظاهر أنهم يصفونه باللعن بمعناه المعروف والعامة يلعنون كل ما لا يرتضونه من طعام وشراب وغيرهما.
وأما انتساب القول إلى ابن عباس فعلى تقدير ثبوته لا حجية فيه وخاصة مع معارضته لما في حديث عائشة الآتية وغيرها وهويتضمن تفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يعارضه قول غيره.
وقال في الكشاف، في قوله تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعني بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}{ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} وغير ذلك فجعله كأن قد كان ووجد فقال:{أحاط بالناس} على عادته في إخباره.
وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العريش مع أبي بكر كان يدعوويقول: اللهم إني أسألك عهدك ووعدك ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }.
ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر: والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومىء إلى الأرض ويقول: هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بما أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمر يوم بدر وما أرى في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء.
وحين سمعوا بقوله:{ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} جعلوها سخرية وقالوا: إن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول: ينبت فيها الشجر - إلى أن قال - والمعنى أن الآيات إنما يرسل بها تخويفا للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر. انتهى ثم ذكر تفسير الرؤيا في الآية بالإسراء ناسبا له إلى قيل.
وهو ظاهر في أنه لم يرتض تفسير الرؤيا في الآية بالإسراء وإن نسب إلى الرواية فعدل عنه إلى تفسيرها برؤيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقعة بدر قبل وقوعها وتسامع قريش بذلك واستهزاءهم به.
وهو وإن تقصى به عما يلزم تفسيرهم الرؤيا بالإسراء من المحذور لكنه وقع فيما ليس بأهون منه إن لم يكن أشد وهو تفسير الرؤيا بما رجى أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى في منامه وقعة بدر ومصارع القوم فيها قبل وقوعها ويسخر قريش منه فيجعل فتنة لهم فلا حجة له على ما فسر إلا قوله)ولعل الله أراه مصارعهم في منامه( وكيف يجترىء على تفسير كلامه تعالى بتوهم أمر لا مستند له ولا حجة عليه من أثر يعول عليه أودليل من خلال الآيات يرجع إليه.
وذكر بعضهم: أن المراد بالرؤيا رؤيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يدخل مكة والمسجد الحرام وهي التي ذكرها الله سبحانه بقوله:{لقد صدق الله رسوله الرؤيا} الآية.
وفيه أن هذه الرؤيا إنما رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة قبل صلح الحديبية والآية مكية وسنستوفي البحث عن هذه الرؤيا إن شاء الله تعالى.
وذكر بعضهم: أن المراد بالشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود ونسب إلى أبي مسلم المفسر.
______________
1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج13،ص106-116.
2- بما لها من الثبوت في مرتبة عللها لا في مرتبة أنفسها منه.
3- العنوان ،النخلتان تطلعان من عرق واحد.
بعد أنَّ تحدثت الآيات السابقة مَع المشركين في قضايا التوحيد والمعاد، تبدأ أوّل آية من هَذِهِ الآيات بكلام على شكل نصيحة لِتوعيتهم، حيثُ تُجسّم هَذِهِ الآية النهائية الفانية لِهَذِهِ الدنيا أمام عقولهم حتى يعرفوا أنَّ هَذِهِ الدنيا دار زوال وأنَّ البقاء الأبدي في مكان آخر، لذلك ما عليهم إِلاَّ تهيئة أنفسهم لمواجهة نتائج أعمالهم، حيثُ تقول الآية: { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا}.
فالطغاة والظالمون نبيدهم بواسطة العذاب، أمّا الآخرون فيهلكون بالموت أو الحوادث الطبيعية.
وأخيراً، فإنَّ هَذِهِ الدنيا زائلة والكل يسلك طريق الفناء { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}. والكتاب هُنا هو نفس اللوح المحفوظ وَهو العلم اللامتناهي للخالق جلا وَعلا، وَمجموعة القوانين الإِلهية التي لا يمكن التخلُّف عنها في عالم الوجود هذا.
وَنظراً لِهَذا القانون الحتمي الذي لا يمكن تغييره يجب على المشركين والظالمين والمنحرفين ـ من الآن ـ أن يحاسبوا أنفسهم لأنّهم حتى لو بقوا أحياءً حتى نهاية هَذِهِ الدنيا، فإنَّ عاقبتهم ستكون الفناء ثمّ الحساب والجزاء.
وَهُنا قد يقول المشركون: نحنُ لا مانع لدينا مِن الإِيمان وَلكن بشرط أن يقوم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بجميع المعجزات التي نقترحها عليه، أي أن يستسلم لحججنا. القرآن يجيب أمثال هؤلاء بقوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}.
الآية تشير إِلى أنَّ الله تبارك أرسل معجزات كثيرة وَكافية لدلالة على صدق الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا ما تقترحونه مِن معجزات فهي غيرمقبولة، لأنّكم بعد وقوعها وَمشاهدتها سوف لا تؤمنون، بدليل أنَّ الأمم السابقة والتي كانت أوضاعها وَحالاتها مماثلة لأوضاعكم وَحالاتكم، اقترحت نفس الإِقتراحات ثمّ لم تؤمن بعد ذلك.
تشير الآية بعد ذلك إِلى نموذج واضح لِهَذَه الحالة فتقول: { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} لقد طلبَ قوم صالح الناقة فاخرجها الله لهم مِن الجبل، وأجيبت بذلك المعجزة التي طلبوها، وَقد كانت معجزة واضحة وَموضِّحة!
وَلكن بالرغم مِن كل ذلك {فظلموا بها}.
وَعادة فإنَّه ليس مِن مُقتضيات البرنامج الإِلهي أن يستجيب لأي معجزة يقترحها إنسان، أو أن ينصاع إِلى تنفيذها الرّسول، وَلكن الهدف هو: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. إِنَّ أنبياء الله ليسوا أفراداً خارقي العادة حتى يجلسوا وَينفذوا أيَّ اقتراح يُقترح عليهم وإنّما مسؤوليتهم إبلاغ دعوة الله والتعليم والتربية وإقامة الحكومة العادلة، إِلاَّ أنّهم يظهرون المعجزات مِن أجل إثبات علاقتهم بالخالق جلاَّ وَعلا، وَبالقدر الذي يُناسب هَذا الإِثبات ليسَ أكثر.
ثمّ يواسي الله تبارك وَتعالى نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في مقابل عناد المشركين وإلحاحهم بالباطل، إذ يبيّن لهُ أن ليس هَذا بالشيء الجديد: { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}. ففي قبال دعوة الأنبياء(عليهم السلام) هناك دائماً مجموعة مؤمنة نظيفة القلب نقية السريرة، صافية الفطرة، في مقابل مجموعة أُخرى معاندة مُكابرة لجوجة تتحجج وَتجد لِنفسها المعاذير في معاداة الدعوات وإيذاء الأنبياء. وَهكذا يتشابه الحال بين الأمس واليوم.
ثمّ يضيف تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وامتحاناً لهم، وكذلك الشجرة الملعونة هي أيضاً امتحان وفتنة للناس: {والشجرة الملعونة في القرآن}.
فيما يخص المقصود مِن (الرؤيا) و (الشجرة الملعونة) فسنبحث ذلك في مجموعة الملاحظات التي ستأتي بعد قليل إن شاء الله.
وَفي الختام يأتي قوله تعالى: { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}. لماذا؟ لأنَّهُ ما دام قلب الإِنسان غير مستعد لقبول الحق والتسليم له، فإنَّ الكلام ليسَ لا يؤثر فيه وحسب، بل إنَّ لهُ آثاراً معكوسة، حيثُ يزيد في ضلال هؤلاء وَعِنادهم بسبب تعصبهم وَمقاومتهم السلبية وانغلاق نفوسهم عن الحق. (تأمَّل ذلك).
______________
1- تفسير الامثل، ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص327-329.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|