علم التاريخ :

استعمل العرب في صدر الإسلام لمعنى التاريخ كلمة خبر. ففيها معنى الربط والتقييد وفيها معنى البحث والفحص ومعنى الأخبار أيضا.

أ – معنى التاريخ وتعريفه:

تعريف التاريخ لغة: -

التاريخ في اللغة؛ الإعلام بالوقت، ويقال أرخت الكتاب وورخته، أي بينت وقت كتابته؛ وقال الجوهري: التاريخ تعريف الوقت، والتوريخ مثله؛ وقيل: اشتقاق أرخت وورخت من الأرخ وهو شيء حدث.

وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال: " بنو تميم يقولون ورخت الكتاب وهو لفظ لم يستخدمه كاتب قط، وقيس تقول: أرخته تاريخا " فلفظ أرخ هو الشائع عند العرب، وهذا يؤيد كونه عربيا ؛ وهو الأرجح لأن جذر ( ورخ ) جذر سامي مأخوذ من لغة اليمن الجنوبية . وقيل أنه ليس عربيا محضا ، بل هو معرب مأخوذ من ( ماه روز بالفارسية ، ماه القمر وروز اليوم ، وكان الليل والنهار طرفه ) . مما يعني حساب الشهور والأيام أو التوقيت حسب القمر؛ وتوحي لفظة ماه روز الفارسية بأن المراد منها تعيين بدء الشهر القمري ، ويعللون ذلك برواية جاء فيها أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي لله عنه لما كثرت لديه الأموال وأختلط عليه وقت توزيعها ، جمع وجوه الصحابة رضوان لله عليهم أجمعين وسألهم عن كيفية التوصل إلى ذلك فقال له الهرمزان ملك الأهواز : وكان قد أسر زمن فتح فارس ، وحمل إلى عمر بن الخطاب فأسلم : فقال له " إن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ويسندونه إلى من غلب من الأكاسرة ، فعربوا لفظة ماه روز بمؤرخ وجعلوا مصدره ( التاريخ ) واستعملوه في وجوه الصرف ، ثم شرح لهم الهرمزان كيفية استعمال ذلك.

وقال أبو منصور الجواليقي: " يقال أن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإنما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب. وتاريخ المسلمين أرُخ من سنة الهجرة كتب في خلافة عمر ابن الخطاب فصار تاريخا إلى اليوم ".

قال أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه (الخراج) " تاريخ كل شيء آخره، فيؤرخون بالوقت الذي فيه حوادث مشهورة " ونحوه قول الصولي " تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه، ومنه قيل لفلان تاريخ قومه، إما لكون إليه المنتهى في شرف قومه ؛ كما قاله المطرزي وذلك بالنظر لإضافة الأمور الجليلة من كرم أو فخر أو نحوهما إليه . وإما لكونه ذاكرا للأخبار وما شاكلها. قيل أن معناه التأخير، وقيل أيضا معناه إثبات الشيء .

تعريف التاريخ اصطلاحا: -

وفي الاصطلاح: التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وتوثيق وتجريح وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم واستقبالهم ويلتحق به ما يتفق من الحادث والوقائع الجليلة من ظهور ملمة، وتجديد فرض، وخليفة، ووزير، وغزوة، وملحمة، وحرب ، وفتح بلد ، وانتزاعه من متغلب عليه ، وانتقال دولة ، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء ، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية ، وأحوال القيامة ومقدماتها ؛ أو دونها كبناء جامع ، أو مدرسة ، أو قنطرة ، أو رصيف ، أو نحوها ، مما يعم الانتفاع به مما هو شائع مشاهد ، أو خفي سماوي ، كجراد وكسوف وخسوف وخوف ، أو أرضي كزلزلة وحريق وسيل وطوفان وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام .

وكلمة التأريخ من حيث الاصطلاح أيضا تعني الزمن والحقبة، ولم يظهر هذا الاصطلاح بالمعنى هذا لا في الأدب الجاهلي ولا في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية الشريفة، ولم يستخدم لأول مرة ألا منذ أن أدخل عمر بن الخطاب التقويم الهجري. فقد ورد هذ ا الاصطلاح في بردي ة يرجع تاريخها إلى سنة ۲۲ هـ. مما يدل على أن الكلمة كانت معروفة في ذلك الحين. وكان المسلمون قبل ذلك يستعملون لمعنى التاريخ كلمة ( العد ) فقد روى البخاري قول سهل بن سعد الصحابي في ظهور التقويم ولا من وفاته . ما عدوا إلا من مقدمه المدينة . وعليه نجد أن ρ الهجري " ... ما عدوا من بعث النبي (صلى الله عليه وآله) كلمة تاريخ تحمل في العربية منذ زمن بعيد ستة من المعاني وهي : -

1- سير الزمن والأحداث أي التطور التاريخي .

۲- تاريخ الرجال . أي التراجم .

۳- عملية التدوين التاريخي أو التأريخ ووصف التطور وتحليله .

٤- علم التاريخ والمعرفة به .

٥- تحديد زمن الواقعة أو الحادثة باليوم والشهر والسنة .

٦- تراث القوم تمثيل الشمائل الأساسية فيهم مثل قولهم : فلان تاريخ قومه .

والحاصل : - أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم .

ب – موضوعات علم التاريخ : -

أما موضوعاته فالإنسان والزمان ، ومسائله أحواله المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان .