أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
955
التاريخ: 5-9-2016
825
التاريخ: 10-8-2016
1929
التاريخ: 4-9-2016
1013
|
والوجه أن يقال بتقييد الإطلاق المذكور بواسطة الأدلّة الدالّة على وجوب التفقّه في الدين والتعلّم للعلوم الحقّة، فنحكم بمقتضى هذه الأدلّة في الشبهات الحكميّة بوجوب التعلّم والفحص، ويقيّد إطلاق أدلّة الرخصة في الشكوك بما بعد الفحص.
لا يقال: إنّ مثل آية النفر الدالّة على وجوب التفقّه في الدين شامل للاصول والفروع، فإنّ الدين ليس إلّا عبارة عن العقائد والعمليّات، فتكون النسبة بين هذا وبين إطلاق أدلّة الرخصة عموما من وجه، لشمول الثانى للموضوعات بخلاف الأوّل، وشمول الأوّل للعقائد بخلاف الثاني، ويكون مورد الاجتماع هو الأحكام الفرعيّة التي هي محلّ الكلام.
لأنّا نقول: وإن كان الحال في بعض من تلك الأدلّة كما ذكرت، إلّا أنّ بعضا آخر منها يخصّ بالأحكام الفرعيّة وهو كاف في المطلوب، وذلك مثل ما ورد في تفسير قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149] من أنّه يقال للعبد يوم القيامة: هل علمت؟
فإن قال: نعم، قيل: فهلّا عملت؟ وإن قال: لا، قيل له: هلّا تعلّمت حتّى تعمل؟.
ومثل قوله عليه السلام في من غسل مجدورا أصابته جنابة فكزّ فمات: قتلوه قتلهم اللّه ألّا سألوا؟ ألّا يمّموه.
ثمّ إنّ سنخ الحكم في هذه الأخبار بعد تقييد الإطلاق المذكور يكون كسنخ حكم العقل لولا هذا الإطلاق، فكما كان حكم العقل لو لا هذا الإطلاق وجوب الفحص لا لنفسه، بحيث يعاقب على تركه من حيث هو، بل هو لأجل حفظ الواقع بحيث يعاقب على تركه من حيث إفضائه إلى ترك الواقع، كذلك يكون حكم الشرع في تلك الأخبار بوجوب التعلّم أيضا لأجل حفظ الواقع لا لمطلوبيّة في نفسه، فيكون مضمونها إرشادا إلى عين ما استقلّ به العقل لو لا وجود الإطلاق، والحاصل أنّ وجوب التعلّم في هذا المقام يكون مثل وجوب الاحتياط الذي حكم به الشرع في بعض المقامات في كونه وجوبا طريقيّا يكون الغرض منه حفظ الواقع.
إلّا أنّ بعضهم التجأ إلى جعل هذا الوجوب نفسيّا، حيث أشكل عليهم الأمر في الواجبات المشروطة بالوقت الخاص التي يلزم من ترك تعلّم المسائل قبل وقتها فوتها في الوقت، فإنّه لو قيل حينئذ بوجوب التعلّم قبل الوقت مقدّمة، يرد عليه أنّه كيف يعقل وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها، فلو كان وجوب التعلّم مقدّميّا يلزم أن لا يكون العبد عاصيا بترك هذه الواجبات إذا كان مستندا إلى ترك التعلّم، فالتزموا تخلّصا عن هذا الإشكال بأنّ التعلّم واجب نفسي وأنّ العبد عاص في الفرض المذكور بتركه ومعاقب عليه، لا على ترك الواجب المشروط.
وحيث أشكل عليهم حينئذ بأنّ الوجوب النفسي لتحصيل العلم في الفرعيّات أيضا مقطوع العدم، لوضوح أنّ العلم فيها إنّما يكون مطلوبا لأجل العمل لا لموضوعيّة في ذاته، كما هو الحال في العقائد، مثل العلم بوحدة الباري عزّ اسمه، أجابوا عن ذلك بأنّ الشيء قد يصير واجبا لنفسه وتكون الحكمة في ايجابه لنفسه ملاحظة واجب آخر، وهذا نظير ما ذكرناه في مبحث مقدّمة الواجب من تثليث أقسام الواجب وهي: المقدّمي، والنفسي للنفس، والنفسي للغير.
ولا يخفى أنّ مبنى الإشكال الأوّل هو مسلميّة عدم تحقّق الوجوب في الواجبات المشروطة قبل حصول الشرط، وقد حقّقنا بطلان ذلك في بحث مقدّمة الواجب وأنّه لا فرق أصلا بين الواجبات المطلقة وبين الواجبات المشروطة التي يعلم بحصول شرطها في ما بعد، فكما أنّ الوجوب المطلق يقتضي إيجاد المقدّمات في محلّها، كذلك الوجوب المشروط الذي يعلم بحصول شرطه في المستقبل أيضا يقتضي من المكلف إيجاد المقدمات في محلّها.
وعلى هذا فنحن سالمون عن دغدغة الإشكال، فإنّ الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت مثلا هو بعينه يدلّ على وجوب تعلّم أحكامها قبل الوقت، وكما يحصل مخالفة هذا الأمر بترك الصلاة في الوقت مع التعلّم قبله، كذلك يحصل بترك التعلّم قبل الوقت.
ولكن يشكل الحال على مبنانا في الصبيّ الذى يعلم بحدوث البلوغ بعد ساعتين وكان أوّل بلوغه مصادفا لوقت الواجب المشروط وكان ترك التعلّم فيها تين الساعتين مؤدّيا إلى ترك هذا الواجب في اول بلوغه، فإنّ إيجاب التعلّم هنا مستلزم للإيجاب على الصبي وقد رفع عنه القلم، فهل يقال حينئذ بارتفاع هذا التكليف المشروط في أوّل البلوغ عنه بسبب وقوع مقدّمته في زمان عدم البلوغ؟
أو يقال بأنّ الصبي وإن كان غير مكلّف شرعا، ولكنّه عاقل ذو تميز ويعلم بأنّ الصلاة مثلا تصير واجبة عليه بعد ساعتين، وأنّ ترك الواجب مفض إلى العقاب وأنّ ترك التعلّم مفض إلى ترك الصلاة، فيستقلّ العقل بإيجاب التعلّم عليه، ومع ذلك فلو تركه فصارت الصلاة منتركة لأجله يصدق أنّ انتراك الصلاة مستند إلى اختياره.
ويمكن أن يتمسّك لارتفاع التكليف المذكور في أوّل البلوغ بحديث رفع القلم عن الصبي، فإنّه كما يدلّ على ارتفاع التكليف الفائت في حال الصباوة، يدلّ على ارتفاع التكليف الفائت في حال الكبارة، مستندا إلى الاختيار في حال الصباوة، فهو نظير دليل ارتفاع وجوب قضاء الصلاة عن الحائض، فإنّه يدلّ على ارتفاع قضاء الصلاة الفائتة في حال الطهر إذا كان فوتها مستندا إلى الحيض، كما إذا كان وقت الطهر ضيّقا عن الصلاة ومقدّماتها، لاستيعاب الحيض سائر الوقت.
فتحقّق من جميع ما ذكرنا أنّ المرجع في تقييد الإطلاقات في الشبهات الحكميّة هو الأخبار الخاصّة الدالّة على وجوب تحصيل العلم، وحينئذ فلا بأس في التكلّم في أنّ وجوب تحصيل العلم يكون من أيّ قسم من أقسام الوجوب وإن لم أر من تعرّض له.
فنقول: من جملة أقسام الوجوب، الوجوب المقدّمي، وهو على ضربين؛ لأنّ المقدّمة إمّا مقدّمة وجود، وإمّا مقدّمة علم، ولا إشكال في أنّ تحصيل العلم لحكم العمل من الوجوب والحرمة والإباحة لا يتوقّف عليه وجود العمل فعلا كان أم تركا، فترك شرب التتن مثلا وفعله يحصلان من المكلّف من غير توقّف على علمه بحكمها، وهو واضح.
نعم إذا كان للعمل صورة وكيفية خاصّة، فالعلم بالصورة والكيفيّة ممّا يتوقّف عليه وجود العمل عادة، فالصلاة المشتملة على الأركان المخصوصة بالهيئة الخاصّة وإن كان صدورها عن الفاعل اتفاقا مع جهله بهيئتها ممكنا عقلا، ولكنّه ممتنع عادة، فيتوقّف إيجاد الصلاة عادة على تعلّم كيفيّتها، ولكن في هذه الصورة أيضا لا يتوقف وجود العمل على العلم بأصل حكمه من الوجوب والحرمة والإباحة، ولا إشكال في أنّ تحصيل العلم بحكم العمل لا يتوقّف عليه العلم بوجود العمل، فترك شرب التتن وفعله كما لا يتوقّف نفسهما على العلم بحكمهما، كذلك لا يتوقّف العلم بتحقّقهما أيضا على العلم بحكمهما.
نعم مع بقاء العلم الإجمالي الكبير للمكلّف واختلاط الواجبات بالمحرّمات عنده كان علمه بصدور الواجبات وانتراك المحرّمات موقوفا على علمه بالواجبات والمحرّمات وتمييزه بينهما، ولكن لا يتمشّى ذلك مع انحلال العلم في الشبهات البدويّة في التكليف، فإذا كان شرب التتن مردّدا بين الحرمة والإباحة يحصل العلم بعدم مخالفة المولى بالاحتياط، ولا يتوقّف على العلم بحكم شرب التتن واقعا من الحرمة والإباحة.
فتحصّل أنّ تحصيل العلم مقدّمة وجوديّة للعمل في بعض المقامات، وعلميّة في بعض آخر، ولا يكون شيئا منهما في ثالث، فلا يمكن الالتزام بالوجوب المقدّمي لتحصيل العلم في الفرعيّات على سبيل الكليّة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|