أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016
4987
التاريخ: 30-8-2016
13513
التاريخ: 29-8-2016
1918
التاريخ: 16-10-2016
7813
|
لا شكّ في كون ألفاظ العبادات كالصلاة والصيام والزكاة ونحوها حقيقة في زماننا في معانيها الشرعيّة، إنّما الشكّ فيها في زمان الشارع، ففيها ثلاثة احتمالات:
الأوّل: أن يضعها الشارع بإزاء هذه المعاني بالوضع التعييني.
الثاني: أن يكون قد استعملها فيها مجازا ثمّ صارت بكثرة الاستعمال حقيقة بالوضع التعيّنى، وعلى هذا فمبدأ حصول الوضع ليس بمعلوم.
الثالث:- وهو المنقول عن الباقلاني- أن يكون قد استعملها في معانيها اللغويّة كالصلاة في الدعاء، والقيود الزائدة قيود للمطلوب، ولها دوالّ أخر لا بمسمّى اللفظ، وحصول الوضع التعييني التصريحي أعني: ما كان بلفظ وضعت ونحوه من الشارع بالنسبة إلى هذه الألفاظ ممّا ينبغي أن يعلم بعدمه، لا أقلّ من كونه مستعبدا أو كون مدّعي القطع به مكابرا.
نعم قد يحصل الوضع التعييني بالاستعمال كما قد يتّفق في وضع الأعلام الشخصيّة كقول الوالد: جئني بحسن مشيرا إلى المولود مريدا تسميته بهذا الإسم بهذا الاستعمال، ويحتاج هذا الاستعمال إلى القرينة لكن لا كقرينة المجاز، بل لإفهام أنّ المتكلّم واضع للفظ بإزاء المعنى كالإشارة إلى المولود في المثال، فهذا القسم من التعييني وإن كان لا يمكن إدّعاء الجزم بصدوره من الشارع في هذه الألفاظ لكنّه غير مستبعد.
ثمّ إنّ في الكفاية تصريحا بأنّ هذا الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز، أمّا عدم المجازيّة فلأنّه ربّما لا يكون للفظ معنى حقيقي، وعلى فرضه فالعلاقة بينه وبين المستعمل فيه غير ملحوظة، وأمّا عدم كونه حقيقة فلأنّ المتكلّم قاصد إحداث الوضع بهذا الاستعمال، فلا وجود للوضع حين الاستعمال حتّى يكون في الموضوع له ولا ضير في التزام ذلك؛ إذا لمناط في صحّة الاستعمال هو قبول الطبع وهو موجود في المقام.
لكن يمكن أن يقال بأنّ الوضع الذي هو أمر نفسي قد حصل في نفس المتكلّم قبل الاستعمال، غاية الأمر أنّه أظهره بالاستعمال، فهذا الاستعمال كاشف عن كون المعنى موضوعا له للفظ بحسب الجعل القلبي، واستعمال في الموضوع له معا نظير قول ذي الخيار: بعت قبل قوله: فسخت؛ فإنّه كاشف عن أمرين طوليين: انتقال المال من المشتري الأوّل إلى البائع، وانتقاله من البائع إلى المشتري الثاني، فيكون البيع واقعا في ملك نفسه، بل المقام أولى بالجواز؛ لأنّ الفسخ القلبي بمجرّده لا يكفي في التمليك، بل للكاشف موضوعيّة ومدخليّة في التأثير بخلاف الوضع؛ فإنّه يتحقّق بمجرّد الجعل القلبي من دون توقّف على الكاشف.
هذا على المختار من كون الألفاظ الإنشائيّة كاشفة عن معانيها، وأمّا على القول بكونها مولّدة لها فالاستعمال المذكور مولّد للوضع فلا تحقّق للوضع حينه، فيتمّ ما ذكره قدّس سرّه.
ثمّ إنّ في الكفاية أيضا ما معناه أنّه على تقدير عدم كون هذه المعاني مستحدثة في شرعنا وثبوتها في الشرائع السابقة كما هو قضيّة قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [البقرة: 183]
وقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } [الحج: 27] فالفاظها حقايق لغوية لا شرعيّة ولا يضرّ اختلافها في الكيفيّات بحسب الشرائع؛ لكونه اختلافا في المصاديق لا في الماهيّات، نظير اختلاف الصلاة بحسب الحالات في شرعنا.
وأنت خبير بأنّ الآيات وإن كانت تدلّ على ثبوت هذه الحقائق في الشرائع السابقة، لكنّها لا تدلّ على كون هذه الألفاظ الخاصّة أسماء لها في تلك الأزمنة بلسان العرب؛ فإنّها حكاية معان بألفاظ دالّة على تلك المعاني في عرف المخاطب بهذا الكلام، فلا تدلّ على كونها دالّة على تلك المعاني في العرف السابق وهذا واضح، نعم الثابت على هذا أنّه كانت لهذه الحقائق في تلك الأزمنة ألفاظ يعبّرون بها عنها، وأمّا أنّها كانت مجازات أو حقائق، وأنّها كانت هذه الألفاظ الخاصة أو غيرها فليس بمعلوم.
فمن الممكن أن كان لها ألفاظ آخر ثمّ صارت في زمان الجاهليّة مهجورة فيه، فهذا لا ينفع في نفي الحقيقة الشرعيّة وإثبات الحقيقة اللغويّة، وإنّما ينفع في ردّ من جزم بثبوت الحقيقة الشرعيّة.
ثمّ لا يخفى أنّه لا يمكن الجزم بثبوت الحقيقة الشرعيّة ولا بعدمه، بل يحتمل أن يكون هذه الألفاظ حقائق لغوية أو شرعيّة إمّا بالوضع الاستعمالي أو التعييني أو مجازات شرعيّة وحقائق متشرّعة.
وتظهر ثمرة الثبوت وعدمه فيما إذ اوردت هذه الألفاظ في كلام الشارع مجرّدة عن القرينة، فعلى الثاني يحمل على حقائقها اللغويّة، وعلى الأوّل يحمل على معانيها الشرعيّة فيما إذا علم تأخّر الاستعمال من النقل، وعلى معانيها اللغويّة في صورة العكس، ولا كلام في ذلك.
إنّما الكلام في صورة الجهل بتاريخ النقل والاستعمال أو تاريخ أحدهما، وينبغي التكلّم أوّلا في حكم مطلق الحادثين المجهول تاريخ كليهما أو تاريخ أحدهما.
ومجمل الكلام فيه أنّه لو لم يكن لوجود أحد الحادثين قبل الآخر أو بعده أثر شرعي فلا مجرى للأصل في أحدهما، ولو كان في البين أثر شرعي وكان موضوعه الوجود الخاص أعني وجود أحدهما المقيّد بكونه قبل وجود الآخر أو بعده فحينئذ وإن كان استصحاب عدم كلّ واحد وجرّه إلى زمان حدوث الآخر يثبت قبليّة وجود الآخر، لكنّه بالنسبة إلى الأثر الشرعي المترتّب على وجود الآخر أصل مثبت لا نقول باعتباره.
سلّمنا، لكنّه معارض بأصالة عدم هذا الوجود الخاص، فصور الجهل بالتاريخ في هذا الفرض أعني فرض كون الموضوع هو الوجود الخاص على وجه التقييد لا أصل فيها جاريا بلا معارض.
فنفرض الكلام فيما إذا كان الموضوع هو الوجود والعدم على وجه التركيب كما إذا قال المولى: إذا لاقى الماء في حال عدم الكرّية نجسا صار نجسا، فجعل موضوع النجاسة وجود الملاقاة في ظرف عدم الكرّية، وحينئذ فإن جهل تاريخ أحدهما وعلم تاريخ الآخر فيجرّ استصحاب عدم المجهول التاريخ إلى زمان حدوث المعلوم التاريخ، كما لو علم بحدوث ملاقاة الماء للنجاسة في أوّل طلوع الشمس، وشكّ في أوّل زمان حدوث كرّيته، بل هو قبل ذلك حتّى يكون طاهرا، أو بعده حتى يكون نجسا، فيجرّ استصحاب عدم كريّته إلى أوّل طلوع الشمس فيصير أحد جزئي الموضوع متحقّقا بالوجدان وهو وجود الملاقاة والآخر بالأصل وهو عدم الكرّية، فهذا الأصل صحيح لأنّ له أثرا شرعيّا وهو النجاسة، إذ المفروض أنّها مترتّبة على عدم الكرّية ووجود الملاقاة معا، فيكون أصلا موضوعيّا يحرز به موضوع الحكم وليس له معارض؛ إذ لا أصل في طرف الملاقاة حتّى يعارضه؛ لأنّ عدم الملاقاة إلى ما قبل الطلوع متيقّن كحدوثه من حينه، فليس فيه شكّ حتّى يجرى فيه الاستصحاب.
وإن جهل تاريخ كليهما فذهب شيخنا العلّامة قدس سرّه في رسائله إلى أنّ أصلي عدم كلّ واحد إلى زمان حدوث الآخر يتعارضان فيتساقطان، كما لو وجد عذرة في الماء وكان كرّا في زمان الوجدان بعد ما لم يكن، فشكّ في تقدّم كلّ واحد من حدوثي الملاقاة والكرّية على الآخر، فاصالة عدم الكرّية إلى زمان حدوث الملاقاة يقتضي النجاسة، وأصالة عدم الملاقاة إلى زمان حدوث الكرّية يقتضي الطهارة فيتساقطان.
لكن يمكن أن يقال بأنّ الاستصحاب لا مورد له في هذه الصورة ولو مع قطع النظر عن وجود المعارض؛ لأنّه لو فرض أنّ أوّل زمان القطع بمطلق وجود الملاقاة والكرّية هو أوّل طلوع الشمس بحيث احتمل أن يكون وجود الملاقاة فيه حدوثا ووجود الكرّية بقاء، وأن يكون العكس، وأن يكون وجود كليهما فيه على وجه الحدوث، فحينئذ فإن كان زمان حدوث الملاقاة الذي يجرّ إليه استصحاب عدم الكرّية أوّل الطلوع، فاستصحاب عدم الكريّة غير داخل في قوله: «لا تنقض الخ»؛ لأنّ نقض يقين عدم الكريّة بوجودها بالنسبة إلى هذا الزمان نقض اليقين باليقين لا بالشكّ؛ إذ المفروض تيقّن وجود الكرّية في أوّل الطلوع.
نعم إن كان زمان حدوث الملاقاة ما قبل الطلوع فاستصحاب عدم الكرّية المجرور إليه يشمله «لا تنقض»؛ لأنّ وجود الكرّية بالنسبة إلى ما قبل الطلوع مشكوك، فنقض عدمه المتيقّن بوجوده المشكوك فيما قبل الطلوع نقض اليقين بالشك.
والحاصل أنّ نقض عدم الكرّية بوجودها إلى زمان الحدوث الواقعي للملاقاة المحتمل كونه أوّل الطلوع المتيقّن فيه وجود الكرّية من الشبهات المصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ، فلا يمكن التّمسك على حرمته ووجوب الاستصحاب بالنهي عن نقض اليقين بالشكّ.
نعم استصحاب عدم الكرّية إلى الزمان المتّصل بأوّل الطلوع يكون من أفراد عدم نقض اليقين بالشكّ لكن لا أثر له؛ لأنّ موضوع النجاسة ليس عدم الكرّية السابق على وجود الملاقاة متّصلا به، بل عدم الكرّية ووجود الملاقاة الذين يجمعهما زمان واحد، وهذا منتف في المقام؛ فإنّ عدم الكرّية وإن احرز بالأصل إلى ما قبل الطلوع لكن وجود الملاقاة مقارنا له في واحد من أزمنة ما قبل الطلوع غير محرز، فعلم أنّ الأصل في مجهولى التاريخ غير جار، إمّا لكونه من الشبهة المصداقيّة وإمّا لكونه بلا أثر.
فنقول: إنّ الحادثين في المقام وهما النقل والاستعمال لا مجرى فيهما للأصل الشرعي الذي هو مفاد «لا تنقض» حتّى في صورة الجهل بتاريخ أحدهما؛ فإنّه لا مدخليّة للاستعمال في موضوع الحكم الشرعي وإنّما هو لمجرّد الكشف والحكاية، وما هو موضوع للآثار هو نفس المعاني سواء استعمل اللفظ فيها أم لا، ومفاد «لا تنقض» لا يشمل أزيد من نفس الأحكام وموضوعاتها، وفي المقام لو كان تاريخ الاستعمال معلوما وجهل تاريخ النقل فاستصحاب عدم النقل إلى زمان الاستعمال يثبت قبليّة الاستعمال، وهي تفيد كون الاستعمال في المعنى اللغوي، فينتهي بواسطتين إلى نفس المعنى الذي هو موضوع الأثر الشرعي، وكذا النقل أيضا ليس موضوعا لأثر شرعي.
نعم الأصل العقلائي حيث إنّ مثبته حجّة يمكن التمسّك به في المقام بناء على أنّ خصوص أصالة عدم النقل من الاصول العقلائيّة، ووجه حجيّة الأصل المثبت العقلائي أنّ الاصول العقلائيّة إنّما هي حجّة من باب الطريقيّة والكاشفيّة النوعيّة وإفادة الظنّ النوعي، ففي موارد احتمال وجود القرينة على المعنى المجازي مثلا لا يعتنى نوع العقلاء بهذا الاحتمال لضعفه وقوّة احتمال عدم القرينة لكثرة عدمها وندرة وجودها، فحجيّة أصالة عدم القرينة من باب الظهور النوعي للفظ في المعنى الحقيقى، فإذا وجد هذا المقدار من الكشف وهذه المرتبة من الظن في موارد هذه الاصول في الملزوم يوجد هذا الظن والكشف بعينه في جميع لوازمه حتّى ما كان منها بوسائط كثيرة، فلا بدّ أن يعامل معه معاملة العلم في اللازم كما عومل ذلك معه في الملزوم بلا فرق.
ويجري هذا الكلام فيما اعتبره الشارع أيضا من باب الطريقية كالبيّنة، فكما يثبت بها المخبر به فكذا جميع لوازمه.
فأصالة عدم النقل في ما إذا جهل تاريخه سواء علم بتاريخ الاستعمال أم لا على هذا يفيد ظهور اللفظ في المعنى اللغوي ولا معارض لها، أمّا في صورة العلم بتاريخ الاستعمال فواضح؛ إذ لا أصل في طرفه مع العلم، وأمّا في صورة الجهل به فلعدم الأصل الثابت الحجيّة في طرفه لا شرعيّا ولا عقليّا كما مرّ.
وبناء العقلاء على العمل بهذا الأصل في الجملة مسلّم، ولكن لو شكّ في أنّ بنائهم مختصّ بصورة الشكّ في أصل النقل أو يعمّ صورة الشكّ في تأخّره مع العلم بأصله فلا ينفع هذا الأصل أيضا في المقام، لكن احتمال الاختصاص بعيد؛ لظهور أنّ بنائهم على عدم النقل من جهة أنّ الوضع السابق عندهم حجّة فلا يرفعون اليد عنها إلّا بعد العلم بالوضع الثاني.
هذا كلّه في طرف النقل، وأمّا الاستعمال فليس فيه أصل عقلائي أصلا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|