خطبة الامام علي عليه السلام المتعلقة بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين |
1604
08:15 صباحاً
التاريخ: 8-5-2020
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2018
786
التاريخ: 29-3-2018
906
التاريخ: 2-07-2015
4434
التاريخ: 23-10-2014
2045
|
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون (1) الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، (2) الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، (3) فطر الخلايق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه، (4) أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال تصديقه توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، (5) لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، (6) ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده، ومن قال: " فيم؟ " فقد ضمنه، ومن قال: " على م؟ " فقد أخلي منه، (7) كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمزايلة فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من حلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده (8) أنشأ الخلق إنشاءا: وابتدأه ابتداءا بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولائم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها وأحنائها (9) وقال عليه السلام في خطبة أخرى: (10) أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه، جل أن تحله الصفات بشهادة العقول: إن كل من حلته الصفات فهو مصنوع وشهادة العقول: أنه جل جلاله صانع ليس بمصنوع، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفكر تثبت حجته، جعل الخلق دليلا عليه، فكشف به ربوبيته، هو الواحد الفرد في أزليته، لا شريك له في إلهيته، ولا ند له في ربوبيته، بمضادته بين الأشياء المتضادة علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور المقترنة علم أن لا قرين له.
_________________
(1) الحمد هو: الثناء على الجميل من نعمة وغيرها. والبلوغ هو الوصول أو المشارفة. والمدحة: فعلة من المدح وهي: " الهيئة " كالجلسة للجالس، والركبة للراكب والاحصاء: إنها العدد والإحاطة بالمعدود والمجتهد: من اجتهد في الأمر إذا بذل وسعه وطاقته في طلبه.
في الجملة الأولى إشارة: إلى العجز عن القيام بالثناء عليه سبحانه كما يستحقه وكما هو أهله، وهي في معنى قول النبي " ص ": " لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وفي الجملة الثانية: اعتراف بالقصور عن القدرة على حصر أنعم الله على تعددها وكثرتها بحيث لا يحيط بها حصر الإنسان، وهذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ".
وفي الثالثة: اعتراف بالعجز عن أداء شكر المنعم، وأداء حقه اللازم على العباد مهما بذلوا من جهد، فكل حركة وسكون يصدران من الإنسان مستندان إلى وجوده تعالى وهي نعمة منه تعالى على عباده ولذا جاء في الأثر: أن موسى " ع " سأل ربه قائلا: " يا رب كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكر إلا بنعمة ثانية من نعمك " فأوحى الله تعالى إليه: " إذا عرفت هذا فقد شكرتني".
(2) الهمم - جمع الهمة - وهي: العزم والجزم الثابت الذي لا يعتريه فتور.
والنيل: الإصابة. والفطن - جمع فطنة بالكسر - وهي: الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه.
بعد الهمم علوها وتعلقها بالأمور. العالية أي: إن الهمم وإن علت وبعدت لا يمكن أن تدركه مهما حلقت في سماء المدارك العالية، كما أن الفطن الغائصة في بحار الأفكار هي الأخرى لا تصل إلى كنه حقيقته.
(3) حد الشئ: منتهاه والنعت: الصفة والأجل: المدة المضروبة للشئ. أي ليس لصفاته الذاتية من القدرة: والاختيار، والعلم، والحياة، حد معين ينتهي إليه ويقف عنده كما هو الحال في الموجودات الممكنة فإنها جميعا لها حد تنقطع إليه وتقف عنده، كما أنها لا تنعت بنعوت موجودة أي: زائدة متغيرة، فعلمه مثلا لا ينعت: بالزيادة والنقصان - كما هو الحال بالنسبة لنا - وقدرته لا توصف بالقوة والضعف بل هو منزه عن كل هذه النعوت وصفاته عين ذاته، كما أنها أزلية فليس لها وقت معدود، وأبدية فليس لها أجل ممدود.
(4) فطر: خلق. والنشر: البسط. ووتد - بالتخفيف والتشديد - ثبت.
والميدان - بفتح الميم والياء - الحركة.
أي: سكن الأرض بعد اضطرابها وهي من قوله تعالى: " وجعلنا الجبال أوتادا " وقوله: " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ".
(5) أول الدين معرفته أي: إن معرفته سبحانه أساس الطاعة والعبادة، فما لم - يعرف لا يمكن أن يطاع، ولا تتم معرفته، ما لم يذعن العبد ويحكم: بوجوب وجوده ولا يذعن ويحكم بوجوب وجوده، ما لم يؤمن ويحكم له بالوحدانية، وأنه لا شريك له في ذاته، لأن الواجب لا يتعدد، ثم إن كمال هذا التوحيد يكون بالاخلاص له، وهو: إما جعله خاليا عن النقائص وسلب الجسمية والعرضية وأمثالها عنه، أو الإخلاص له بالعمل وكمال هذا الإخلاص هو: نفي الصفات الزائدة عنه تعالى فصفاته تعالى عين ذاته - علمه، وقدرته، وإرادته، وحياته، وسمعه، وبصره، كلها موجودة بوجود ذاته الأحدية، وذاته جامعة ومستوعبة لها وهي عينها، وليست هي على كثرتها وتعدد معانيها وتغاير مفهوماتها زائدة على الذات خارجة عنها.
(6) أي: من وصف الله سبحانه بصفة زائدة على ذاته خارجة عنها، " فقد قرنه " بغيره في الوجود ومن " قرنه " بغيره فقد صيره ثانيا لقد يمين يصدق عليهما:
" واجب الوجود " وحينئذ يكون قد " جزأه " لأن كل واحد من القديمين جزء لذلك الواجب، و " من جزأه " فقد " جهله " إذ جعله في عداد الممكنات، ولم يعرف الوجود الواجب فهو لا يتعدد ولا يتجزأ كما هو ثابت في علم الكلام.
(7) ضمنه: جعله محتويا عليه وأخلي منه: جعله خاليا منه.
" ومن أشار إليه " سواء بالإشارة العقلية كأن يجعل له حدا منطقيا مركبا من جنس وفصل، أو بالإشارة الحسية " فقد حده " وذلك أن كل مشار إليه لا بد أن يكون في جهة ما، وكل ما هو في جهة فلا بد من أطراف وأقطار هي حدوده وينتهي عندها و " من " فعل ذلك و " حده " " فقد عده " في عداد الممكنات. ومن قال " فيم " هو فقد جعله ضمن شئ ومن قال " على م " هو فقد جعله مستعل على شئ وغير مستعل على غير وحينئذ يكون قد " أخلي منه " ذلك الغير
(8) حدث الشئ: تجدد وجوده. والمزايلة: المفارقة. والسكن بفتحتين -: ما يسكن إليه من أهل ومال.
هذه الفقرات كل منها مركبة من قضيتين، إحداهما موجبة، والأخرى سالبة، والفرق بين الفقرتين الأوليتين " كائن لا عن حدث " و " موجود لا عن عدم " إذ يبدو أن معناهما واحد في نفيهما تجدد الوجود، هو: أن الفقرة الأولى تنفي تجدد الحدوث الزماني يعني أنه كائن منذ الأزل، والثانية تنفي التجدد الذاتي وتثبت وجوب وجوده " مع كل شئ لا بمقارنة " كما أنه " غير كل شئ " ولكن " لا بمزايلة " ومفارقة، فالمقارنة والمفارقة من الصفات الجسمانية وذاته المقدسة منزهة عن الجسمانيات فهو مع كل شئ بمعنى أنه عالم بكل شئ محيط به، شاهد عليه، غير غائب عنه، ولكن هذه المعية وتلك الغيرية ليست كما هي بالنسبة لنا من المقارنة والمفارقة التي هي من خصائص الجسمية ولوازمها، وذاته المجردة لا تشبه شيئا من ذوات الموجودات الممكنة فهو " فاعل " ولكن " لا بمعنى الحركات والآلة " ومن صيق الألفاظ نعبر عن صفاته القدسية بهذه الألفاظ المتعارفة بيننا، والتي نطلقها عليه كما نطلقها على سائر الممكنات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، " بصير " منذ الأزل (إذ لا منظور إليه من خلقه) (متوحد) في سلطانه وملكوته (إذ لا سكن يستأنس به) و (لا) أنيس (يستوحش لفقده) فالوحشة والأنس من لوازم الطبيعة الحيوانية، وهو منزه عنها.
(9) نشأ الشئ: حدث وتجدد. والابتداء: بمعنى الإنشاء والروية: الفكر والتدبر، وأجال به: إذا أداره والتجربة: الاختبار. والهمامة: التردد. وأحال الأشياء: صرفها وحولها ولائم: أصلح والغريزة: الطبيعة. والأشباح: الإشخاص والإحاطة: الاستدارة والشمول والأحناء - جمع الحنوة -: الجانب والناحية.
(أنشأ الخلق إنشاءا) من غير مادة (وابتدأهم ابتداءا) من دون مثال سبق (بلا روية أجالها) ولا فكر أداره (ولا تجربة استفادها) ولا خبرة اكتسبها من قبل (ولا أحدثها) كالحركة الحادثة لنا إذا أردنا فعل شئ ما (ولا همامة نفس اضطرب فيها) كما تتردد نفوسنا وتضطرب فكل هذه الأمور من لوازم الجسمية تقدست ذاته عنها (أحال الأشياء) ونقلها وصرفها حسب مقتضيات الحكمة والمصلحة (لأوقاتها) للقضاء والقدر وأصلح و (لائم بين) ما كان من عالم الغيب، كالأرواح المجردة، وما كان من عالم الشهود كالأجسام المركبة، وغير ذلك من (مختلفاتها) كتوفيقه بين سائر العناصر (وغرز) للأشياء (غرائزها) ثم خص كل جنس أو نوع بغرائزه الخاصة به (وألزمها أشباحها) وأشخاصها (عالما بها قبل ابتدائها) كما هو عالم بها بعد إيجادها من غير فرق بين الحالين (محيطا بحدودها وانتهائها) شاملا بقدرته وعلمه جميع أطرافها.
(10) إرشاد الشيخ المفيد " قده " أبو الحسن الهذلي عن الزهري وعيسى بن زيد عن صالح بن كيسان عن أمير المؤمنين " ع " قال - في الحث على معرفة الله -: أول عبادة الله معرفته.. الخ.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|