المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22
تأثير العوامل الجوية على زراعة الثوم
2024-11-22
Alternative models
2024-11-22



تفسير الآية (32-37) من سورة الزمر  
  
3593   06:54 صباحاً   التاريخ: 1-5-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الزاي / سورة الزمر /

قال تعالى : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر : 32 - 37]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

بين سبحانه حال الفريقين فقال {فمن أظلم ممن كذب على الله} بأن ادعى له ولدا وشريكا {وكذب بالصدق} بالتوحيد والقرآن {إذ جاءه} ثم هدد سبحانه من هذه صورته بأن قال {أ ليس في جهنم مثوى للكافرين} أي منزل ومقام للجاحدين وهذا استفهام يراد به التقرير ومعناه أنه لكذلك ويقال أثوى وثوى بمعنى قال :

طال الثواء على ربع بيمؤود *** أودي وكل جديد مرة مود (2) .

{والذي جاء بالصدق وصدق به} اختلف في المعنى به فقيل : الذي جاء بالصدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) جاء بالقرآن وصدق به المؤمنون فهو حجتهم في الدنيا والآخرة عن ابن زيد وقتادة ومقاتل واحتجوا بقوله {أولئك هم المتقون} وقيل الذي جاء بالصدق وهو القرآن جبرائيل (عليه السلام) وصدق به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلقاه بالقبول عن السدي وقيل الذي جاء بالصدق وهو قول لا إله إلا الله هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصدق به هو أيضا وبلغه إلى الخلق عن ابن عباس قال ولوكان المصدق به غيره لقال والذي صدق به وهذا أقوى الأقوال وقيل الذي جاء بالصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصدق به أبوبكر عن أبي العالية والكلبي وقيل الذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به أتباعهم عن عطاء والربيع وعلى هذا فيكون الذي للجنس كما في قول الشاعر :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أم خالد (4)

 أ لا ترى أنه عاد إليه ضمير الجمع وقيل الذي جاء بالصدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصدق به علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن مجاهد ورواه الضحاك عن ابن عباس والمروي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم من سبحانه بما أعد لهم من النعيم فقال {لهم ما يشاءون} من الثواب والنعيم في الجنة {عند ربهم} ينالون من جهته {ذلك جزاء المحسنين} على إحسانهم الذي فعلوه في الدنيا وأعمالهم الصالحة {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا} أي أسقط الله عنهم عقاب الشرك والمعاصي التي فعلوا قبل ذلك بإيمانهم وإحسانهم ورجوعهم إلى الله تعالى {ويجزيهم أجرهم} أي ثوابهم {بأحسن الذي كانوا يعملون} أي بالفرائض والنوافل فهي أحسن أعمالهم لأن المباح وإن كان حسنا فلا يستحق به ثواب ولا مدح .

ولما وعد الله سبحانه الصادق والمصدق عقبه بأنه يكفيهم وإن كانت الأعداء تقصدهم وتؤذيهم فقال {أ ليس الله بكاف عبده} استفهام يراد به التقرير يعني به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) يكفيه عداوة من يعاديه ويناوئه {ويخوفونك} يا محمد {بالذين من دونه} كانت الكفار تخوفه بالأوثان التي كانوا يعبدونها عن قتادة والسدي وابن زيد لأنهم قالوا له إنا نخاف أن تهلكك آلهتنا وقيل إنه لما قصد خالد لكسر العزى بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالوا إياك يا خالد فبأسها شديد فضرب خالد أنفها بالفأس وهشمها وقال كفرانك يا عزى لا سبحانك سبحان من أهانك إني رأيت الله قد أهانك {ومن يضلل الله فما له من هاد} أي من أضله الله عن طريق الجنة بكفره ومعاصيه فليس له هاد يهديه إليها وقيل معناه إن من وصفه بأنه ضال إذ ضل هوعن الحق فليس له من يسميه هاديا وقيل من يحرمه الله من زيادات الهدى فليس له زائد {ومن يهدي الله فما له من مضل} أي من يهده الله إلى طريق الجنة فلا أحد يضله عنها وقيل من يهده الله فاهتدى فلا يقدر أحد على صرفه عنه وقيل من بلغ استحقاق زيادات الهدى فقد ارتفع عن تأثير الوسواس {أ ليس الله بعزيز} أي قادر قاهر لا يقدر أحد على مغالبته {ذي انتقام} من أعدائه الجاحدين لنعمه .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص399-401 .

2- قائله شماخ . ويمؤود : اسم واد لغطفان . ومود : اسم فاعل من أودى أي : هلك .

3- مر البيت في هذا الجزء .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)

 

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} ؟ فجعل له شريكا أو ولدا . . وشر القول الكذب ، وأعظم الكذب شرا الكذب على اللَّه ورسوله {وكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ} من اللَّه على لسان رسله . . وهكذا أرباب المصالح والمنافع في كل مكان وزمان يكذّبون الصدق ويصدّقون الكذب لأن مصالحهم تقوم على الزور والباطل ، ومما قرأته في هذا الباب : ان من أعظم الكذب أن يقول الكاذب : اللَّه يعلم أني لصادق {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} بلى ، انها مثوى ومأوى لهم ولكل طاغ وباغ .

{والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) جاء بالصدق من عند اللَّه ، والمسلمون صدقوا ما جاء به ، وهم عند اللَّه من الأبرار إذا اتقوه في محارمه ، وإلا فإن التصديق بلا عمل لا يجديهم عند اللَّه نفعا {لَهُمْ ما يَشاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ} أي المتقين محارم اللَّه لأن الحديث عنهم ، ولم يحدد سبحانه في هذه الآية جزاءهم بشيء معين ، بل ترك الخيار لمشيئتهم .

{لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ويَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ} . ان اللَّه يغفر الذنوب جميعا كبيرها وصغيرها لمن تاب وآمن وعمل صالحا ، ويجزي سبحانه العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته بأحسن من طاعتهم وشكرهم {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} . المراد بعبده محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وهو سبحانه كافيه شر من يريد به الشر ، والمراد بالذين من دونه الأصنام لأن ضمير دون يعود إليه تعالى . وقال جماعة من المفسرين : ان رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) لما ذكر الأصنام بسوء قالت قريش : لئن لم ينته محمد عن ذكر آلهتنا لنسلطنها عليه ، فتصيبه بخبل أو تعتريه بسوء . . فأنزل اللَّه سبحانه هذه الآية . . وليس هذا ببعيد عن عقول أهل السفه والجهل . وليس من شك ان اللَّه كاف عبده ورسوله .

{ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ومَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} . قلنا عند تفسير الآية 23 من هذه السورة وغيرها من الآيات : ان اللَّه يضل من سلك مسلك الضلال بسوء اختياره ، ويهدي من اختار الهداية لنفسه وسلك بها سبيلها {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ} ممن كفر وظلم بمشيئته وبعد إلقاء الحجة عليه ؟

___________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص415-416 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

قوله تعالى : {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أ ليس في جهنم مثوى للكافرين} في الآية وما بعدها مبادرة إلى ذكر ما ينتهي إليه أمر اختصامهم يوم القيامة وتلويح إلى ما هو نتيجة القضاء بينهم كأنه قيل : ونتيجة ما يقضى به بينكم معلومة اليوم وأنه من هو الناجي منكم ، ومن هو الهالك؟ فإن القضاء يومئذ يدور مدار الظلم والإحسان ولا أظلم من الكافر والمؤمن متق محسن والظلم إلى النار والإحسان إلى الجنة .

هذا ما يعطيه السياق .

فقوله : {فمن أظلم ممن كذب على الله} أي افترى عليه بأن ادعى أن له شركاء والظلم يعظم بعظم من تعلق به وإذا كان هو الله سبحانه كان أعظم من كل ظلم ومرتكبه أظلم من كل ظالم .

وقوله : {وكذب بالصدق إذ جاءه} المراد بالصدق الصادق من النبإ وهو الدين الإلهي الذي جاء به الرسول بقرينة قوله : {إذ جاءه} .

وقوله : {أ ليس في جهنم مثوى للكافرين} المثوى اسم مكان بمعنى المنزل والمقام ، والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مقام هؤلاء الظالمين لتكبرهم على الحق الموجب لافترائهم على الله وتكذيبهم بصادق النبإ الذي جاء به الرسول .

والآية خاصة بمشركي عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بمشركي أمته بحسب السياق وعامة لكل من ابتدع بدعة وترك سنة من سنن الدين .

قوله تعالى : {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} المراد بالمجيء بالصدق الإتيان بالدين الحق والمراد بالتصديق به الإيمان به والذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وقوله : {أولئك هم المتقون} لعل الإشارة إلى الذي جاء به بصيغة الجمع لكونه جمعا بحسب المعنى وهو كل نبي جاء بالدين الحق وآمن بما جاء به بل وكل مؤمن آمن بالدين الحق ودعي إليه فإن الدعوة إلى الحق قولا وفعلا من شئون اتباع النبي ، قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف : 108] .

قوله تعالى : {لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين} هذا جزاؤهم عند ربهم وهو أن لهم ما تتعلق به مشيتهم فالمشية هناك هي السبب التام لحصول ما يشاؤه الإنسان أيا ما كان بخلاف ما عليه الأمر في الدنيا فإن حصول شيء من مقاصد الحياة فيها يتوقف - مضافا إلى المشية - على عوامل وأسباب كثيرة منها السعي والعمل المستمد من الاجتماع والتعاون .

فالآية تدل أولا على إقامتهم في دار القرب وجوار رب العالمين ، وثانيا أن لهم ما يشاءون فهذان جزاء المتقين وهم المحسنون فإحسانهم هو السبب في إيتائهم الأجر المذكور وهذه هي النكتة في إقامة الظاهر مقام الضمير في قوله : {ذلك جزاء المحسنين} وكان مقتضى الظاهر أن يقال : وذلك جزاؤهم .

وتوصيفهم بالإحسان وظاهره العمل الصالح أو الاعتقاد الحق والعمل الحسن جميعا يشهد أن المراد بالتصديق المذكور هو التصديق قولا وفعلا .

على أن القرآن لا يسمي تارك بعض ما أنزله الله من حكم مصدقا به .

قوله تعالى : {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا} إلى آخر الآية ومن المعلوم أنه إذا كفر أسوأ أعمالهم كفر ما دون ذلك ، والمراد بأسوأ الذي عملوا ما هو كالشرك والكبائر .

قال في المجمع البيان ، في الآية : أي أسقط الله عنهم عقاب الشرك والمعاصي التي فعلوها قبل ذلك بإيمانهم وإحسانهم ورجوعهم إلى الله تعالى انتهى وهو حسن من جهة تعميم الأعمال السيئة ، ومن جهة تقييد التكفير بكونه قبل ذلك بالإيمان والإحسان والتوبة فإن الآية تبين أثر تصديق الصدق الذي أتاهم وهو تكفير السيئات بالتصديق والجزاء الحسن في الآخرة .

وقوله : {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} .

قيل : المراد أنه ينظر إلى أعمالهم فيجازيهم في أحسنها جزاءه اللائق به وفي غير الأحسن يجازيهم جزاء الأحسن فالباء للمقابلة نحو بعت هذا بهذا .

ويمكن أن يقال : إن المراد أنه ينظر إلى أرفع أعمالهم درجة فيترفع درجتهم بحسبه فلا يضيع شيء مما هو آخر ما بلغه عملهم من الكمال لكن في جريان نظير الكلام في تكفير الأسوأ خفاء .

وقيل : صيغة التفضيل في الآية {أسوأ} و{أحسن} مستعملة في الزيادة المطلقة من غير نظر إلى مفضل عليه فإن معصية الله كلها أسوأ وطاعته كلها أحسن .

قوله تعالى : {أ ليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} المراد بالذين من دونه آلهتهم من دون الله على ما يستفاد من السياق ، والمراد بالعبد من مدحه الله تعالى في الآيات السابقة ويشمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شمولا أوليا .

والاستفهام للتقرير والمعنى هو يكفيهم ، وفيه تأمين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبال تخويفهم إياه بآلهتهم وكناية عن وعده بالكفاية كما صرح به في قوله : {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة : 137] .

قوله تعالى : {ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل} إلخ جملتان كالمتعاكستين مرسلتان إرسال الضوابط الكلية ولذا جيء فيهما باسم الجلالة وكان من قبيل وضع الظاهر موضع الضمير .

وفي تعقيب قوله : {أ ليس الله بكاف} إلخ بقوله : {ومن يضلل} إلخ إشارة إلى أن هؤلاء المخوفين لا يهتدون بالإيمان أبدا ولن ينجح مسعاهم وأنهم لن ينالوا بغيتهم ولا أمنيتهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الله لن يضله وقد هداه .

وقوله : {أ ليس الله بعزيز ذي انتقام} استفهام للتقرير أي هو كذلك ، وهو تعليل ظاهر لقوله : {ومن يضلل الله} إلخ فإن عزته وكونه ذا انتقام يقتضيان أن ينتقم ممن جحد الحق وأصر على كفره فيضله ولا هادي يهديه لأنه تعالى عزيز لا يغلبه فيما يريد غالب ، وكذا إذا هدى عبدا من عباده لتقواه وإحسانه لم يقدر على إضلاله مضل .

وفي التعليل دلالة على أن الإضلال المنسوب إلى الله تعالى هوما كان على نحو المجازاة والانتقام دون الضلال الابتدائي وقد مر مرارا .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص211-214 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

أولئك الذين يصدقون كلام الله :

هذه الآيات تواصل البحث الخاصّ بموقف الناس في ساحة المحشر ، وتخاصمهم في تلك المحكمة الكبرى ، وتقسم آيات بحثنا إلى مجموعتين هما (المكذبون) و(المصدقون) .

والقرآن الكريم يعطي صفتين لأصحاب المجموعة الأولى ، أي «المكذبين» ، قال تعالى : {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه} .

الكافرون والمشركون يكذبون كثيراً على الباريء عزّوجلّ ، فأحياناً يعتبرون الملائكة بنات الله ، وأحياناً يقولون : عيسى هو ابن الله ، وأحياناً اُخرى مانع من القول بأن العبارتين تنطبقان على مجموعة واحدة (كما يوضح ذلك ظاهر الآية ، لأنّ ضمير {والذي ذكر مرّة واحدة فقط} .

وبهذا الشكل فإنّ الآية تتحدّث عن أناس هم من حملة الرسالة ومن العاملين به ، وتتحدّث عن أولئك الذين ينشرون في العالم ما ينزل به الوحي من كلام الباريء عزّوجلّ وهم يؤمنون به ويعملون به ، وهكذا فإنّ الآية تضم الأنبياء والأئمّة المعصومين والدعاة لنهج الأنبياء .

والملفت للنظر أنّ الآية عن الوحي «بالصدق» وهو اشارة إلى أن الكلام الوحيد الذي لا يحتمل وجود الكذب والخطأ فيه هو كلام الله الذي نزل به الوحي ، فإن سار الإنسان في ظلّ تعليمات نهج الأنبياء وصدقها فإنّ التقوى سوف تتفتح في داخل روحه .

الآية التالية تبيّن أنّ هناك ثلاث مثوبات بانتظار أفراد هذه المجموعة ، أي المصدقين ، إذ تقول في البداية : {لهم ما يشاؤون عند ربّهم ذلك جزاء المحسنين} .

لهذه الآية مفهوم واسع بحيث يشمل كلّ النعم المادية والمعنوية التي يمكن تصورها والتي لا يمكن تصورها .

وعلى ضوء هذه الآية يطرح البعض السؤال التالي : إذا طلب أحدهم أن يكون مقامه أرفع من مقام الأنبياء والأولياء ، فهل يعطى ذلك؟

علينا أن لا نغفل عن كون أهل الجنّة يدركون عين الحقيقة ، ولهذا لا يفكر أحد منهم بأمر يخالف الحقّ والعدالة ، ولا يتناسب مع أساس توازن اللياقات والكفاءات .

بعبارة اُخرى : لا يمكن أن يحصل أشخاص لهم درجات مختلفة في الإيمان والعمل على نفس الجزاء ، فكيف يأمل أصحاب الجنّة في تحقيق أشياء مستحيلة ؟! وفي نفس الوقت فإنّهم يعيشون في حالة روحية خالية من الحسد والغيرة ، وهم راضون بما رزقوا به .

وكما هو معلوم فإنّ المكافاة الإلهية في الآخرة وحتى التفضيل الإلهي للبعض دون البعض الآخر إنّما يتمّ على أساس اللياقة التي حصل عليها الإنسان في هذه الدنيا ، فالذي يعرف أنّ إيمانه وعمله في هذه الدنيا لم يصل إلى درجة إيمان وعمل الأُخرين لا يأمل يوماً ما أن يكون بمرتبتهم ، لإنّ ذلك أمل ورجاء غير منطقي .

وعبارة : (عند ربّهم) تبيّن عدم انقطاع اللطف الإلهي عن أُولئك وكأنّهم ضيوف الله على الدوام ، وكلّ ما يطلبونه يوفر لهم .

وعبارة : (ذلك جزاء المحسنين) أقيم فيها الظاهر مقام ضمير الإشارة ، اشارة الى أن إحسانهم وعملهم الصالح كانا سبباً في حصولهم على الأجر المذكور .

أمّا المكافأتان الثانية والثّالثة اللتان يمنحهما الباريء عزّوجلّ للمصدقين ، فيقول القرآن المجيد بشأنهما : {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} (2) .

كم هي عبارة جميلة ولطيفة! فمن جانب يدعون الله سبحانه وتعالى ليكّفر عنهم أسوأ ما عملوا بظلّ لطفه ، ويطهرهم من تلك البقع السوداء بماء التوبة ، ومن جهة اُخرى يدعون الله ليجعل أفضل وأحسن أعمالهم معياراً للمكافأة ، وأن يجعل بقية أعمالهم ضمن ذلك العمل .

إنّ ما يتّضح من الآيات الكريمة هو أنّ الله استجاب لدعواهم ، عندما غفر لهم وعفا عن أسوأ أعمالهم ، وجعل أفضل الأعمال معياراً للمكافأة .

من البديهي ، عندما يشمل العفو الإلهي الزلاّت الكبيرة ، فإنّ الزلات الصغيرة أولى بالشمول ، لأنّ الزلات الكبيرة هي التي تقلق الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر ، ولهذا السبب فإنّ المؤمنين كثيراً ما يفكرون بها .

وثمة سؤال يطرح نفسه هنا : إذا كانت الآيات السابقة تخص الأنبياء والمؤمنين من أتباعهم ، فكيف اقترف هؤلاء تلك الزلات الكبيرة ؟

الجواب على هذا السؤال يتّضح من خلال الإنتباه إلى أنّه عندما ينسب عمل ما إلى مجموعة ، فهذا لا يعني أنّ الجميع قاموا بذلك العمل ، وإنّما يكفي أن تقوم به مجموعة صغيرة منهم ، فمثلا عندما نقول : إن بني العباس خلفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من دون أيّ حق ، فإنّ هذا لا يعني أنّ الكل اعتلوا كرسي الخلافة ، وإنّما مجموعة منهم .

الآية المذكورة أعلاه تبيّن أنّ مجموعة من حملة الرسالة وأتباع نهجهم كانوا قد ارتكبوا بعض الأخطاء والزلاّت ، وأنّ الباريء عزّوجلّ صفح عنهم وغفر لهم بسبب أعمالهم الصالحة والحسنة . على أيّة حال فإنّ ذكر الغفران والصفح قبل ذكر الثواب ، يعود إلى هذا السبب ، وهو أنّ عليهم في البداية أن يغتسلوا ويتطهروا ، ومن ثمّ الورود الى مقام القرب الالهي . يجب عليهم في البداية أن يريحوا أنفسهم من العذاب الإلهي كي يتلذذوا بنعم الجنّة .

 

وقوله تعالى : {أَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُظْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد (36) وَ مَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيز ذِي انْتِقَام} :

إن الله كاف !

تتمة لتهديدات الباريء عزّو جلّ التي وردت في الآيات السابقة للمشركين ، والوعد التي لأنبيائه ، تتطرق الآية الأولى في بحثنا لتهديد الكفّار (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) .

إن قدرة الباريء عزّوجلّ أقوى وأعظم من كلّ القدرات الأُخرى ، وهو الذي يعلم بكلّ احتياجات ومشكلات عباده ، والذي هو رحيم بهم غاية الرحمة واللطف ، كيف يترك عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث وعدوان بعض الأعداء؟

ومع أن سبب نزول هذه الآية ـ طبقاً لما جاء في الرّوايات التي ذكرناهاـ هو للرد على التخويف والتهديد بغضب الأصنام ، لكن معنى الآية أوسع ، ويتّسع لكلّ تهديد يهدد به الإنسان بما هو دون الله .

على أية حال ، فإنّ في هذه الآية بشرى لكلّ السائرين في طريق الحقّ والمؤمنين الحقيقيين ، خاصّة أُولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات ، والمحاطين بمختلف أشكال التهديد من كلّ جانب .

الآية تعطيهم الأمل والثبات ، وتملأ أرواحهم بالنشاط وتجعل خطواتهم ثابتة ، وتمحو الآثار النفسية لصدمات تهديدات الأعداء ، نعم فعندما يكون الله معنا فلا نخاف غيره ، وإن انفصلنا وابتعدنا عنه فسيكون كلّ شيء بالنسبة لنا رهيباً ومخيفاً .

وكتتمة للآية السابقة والآية التالية اشارة إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة) وتقسم الناس إلى قسمين : (ضالين) و (مهتدين) وكل هذا من الله سبحانه وتعالى ، كي تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته ، ومن دون إرادته لا يحدث شيء في هذا العالم ، قال تعالى : (ومن يظلل الله فما له من هاد) .

(ومن يهد الله فما له من مضل) .

ومن البديهي أنّ الضلالة لا تأتي من دون سبب ، وكذلك الهداية بل إن كلّ حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده ، فالذي يضع قدمه في طريق الضلال ، ويبذل أقصى جهوده من أجل إطفاء نور الحقّ ، ولا يترك أدنى فرصة تتاح له لخداع الآخرين وإضلالهم ، فمن البديهي أنّ الله سيضله ، ولا يكتفي بعدم توفيقه وحسب ، وإنّما يعطّل قوى الإدراك والتشخيص التي لديه عن العمل ، ويوصد قلبه الأقفال ويغطي عينيه بالحجب ، وهذه هي نتيجة الأعمال التي ارتكبها .

أمّا الذين يعزمون على السير إلى الله سبحانه وتعالى بنوايا خالصة ، ويخطون الخطوات الأولى في هذا المسير ، فإنّ نور الهداية الإلهية يشعّ لينير لهم الطريق ، وتهبّ ملائكة الرحمن لمساعدتهم ولتطهير قلوبهم من وساوس الشياطين ، فتكون إرادتهم قوية ، وخطواتهم ثابتة ، واللطف الإلهي ينقذهم من الزلاّت .

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن المجيد كشاهد على تلك القضايا ، وما أشدّ جهل الذين فصلوا بين مثل هذه الآيات وبقية آيات القرآن واعتبروها شاهداً على ما ورد في المذهب الجبري ، وكأنّهم لا يعلمون أن آيات القرآن تفسّر إحداها الأُخرى . بل إن القرآن الكريم بقول في نهاية هذه الآية : {أليس الله بعزيز ذي انتقام} وهو خير شاهد على هذا المعنى .

وكما هو معروف فإنّ الإنتقام الإلهي هو بمعنى الجزاء على الأعمال المنكرة التي اقترفها الإنسان(3) . ، وهذا يشير إلى أن إضلاله سبحانه وتعالى للإنسان هو بحدّ ذاته نوع من أنواع الجزاء وردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه ، وبالطبع فإن هدايته سبحانه وتعالى للإنسان هي بحد ذاتها نوع أنواع الثواب ، وهي ردّ فعل للأعمال الصالحة والخالصة التي يقوم بها الإنسان

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص508-515 .

2 ـ في عودة قوله تعالى : (ليكفر الله عنهم) ذكر المفسّرون آراء شتى بهذا الشأن ولكن التّفسير الذي يبدو أنسب هو أنّها تعود على الفعل (أحسنوا) ويفهم ذلك من كلمة المحسنين ، والتقدير (ذلك جزاء المحسنين أحسنوا ليكفر الله عنهم) نعم إنّهم عمدوا إلى عمل الإحسان كي يكفر الله عنهم سيئاتهم ويغفر زلاتهم ويعطيهم أفضل الثواب .

3 ـ يقول الراغب في مفرداته : كلمة (نقمة) تعني العقوبة و الجزاء .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .