المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



تفسير الآية (21-25) من سورة ص  
  
11916   08:56 صباحاً   التاريخ: 21-4-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة ص /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2020 7133
التاريخ: 21-4-2020 11917
التاريخ: 21-4-2020 4946
التاريخ: 21-4-2020 3910

قال تعالى : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } [ص : 21 - 25]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

لما ذكر سبحانه أنه آتى داود الحكمة وفصل الخطاب عقبه بذكر من تخاصم إليه فقال {وهل أتاك} يا محمد {نبأ الخصم} أي هل بلغك خبرهم والمراد بالاستفهام هنا الترغيب في الاستماع والتنبيه على موضع إخلاله ببعض ما كان ينبغي أن يفعله {إذ تسوروا المحراب} أي حين صعدوا إليه المحراب وأتوه من أعلى سورة وهو مصلاه وإنما جمعهم لأنه أراد المدعي والمدعى عليه ومن معهما وقد تعلق به من قال إن أقل الجمع اثنان وأجيب عن ذلك بأنه أراد الفريقين .

{إذ دخلوا على داود ففزع منهم} لدخولهم عليه في غير الوقت الذي يحضر فيه الخصوم من غير الباب الذي كان يدخل الخصوم منه ولأنهم دخلوا عليه بغير إذنه {قالوا لا تخف خصمان} أي فقالوا لداود نحن خصمان {بغى بعضنا على بعض} فجئناك لتقضي بيننا وذلك قوله {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} أي ولا تجر علينا في حكمك ولا تجاوز الحق فيه بالميل لأحدنا على صاحبه .

{واهدنا إلى سواء الصراط} أي دلنا وأرشدنا إلى وسط الطريق الذي هو طريق الحق ثم حكى سبحانه ما قاله أحد الخصمين لصاحبه بقوله {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} قال الخليل النعجة هي الأنثى من الضأن والبقر الوحشية والشاة الجبلية والعرب تكني عن النساء بالنعاج والظباء والشاة قال الأعشى :

 

فرميت غفلة عينه عن شاته *** فأصبت حبة قلبها وطحالها (2)

قال عنترة :

يا شاة ما قنص لمن حلت له *** حرمت علي وليتها لم تحرم (3)

 

{فقال أكفلنيها} أي ضمها إلي واجعلني كافلها الذي يلزم نفسه القيام بها وحياطتها والمعنى أعطنيها وقيل معناه انزل لي عنها حتى تصير في نصيبي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد {وعزني في الخطاب} أي غلبني في مخاطبة الكلام وقيل معناه إنه إذا تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني وإن دعا كان أكثر مني (4) ، عن الضحاك {قال} داود {لقد ظلمك بسؤال نعجتك} معناه إن كان الأمر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤاله إياك بضم نعجتك {إلى نعاجه} فأضاف المصدر إلى المفعول به {وإن كثيرا من الخلطاء} أي الشركاء المخالطين جمع الخليط {ليبغي بعضهم على بعض} .

ثم استثنى من جملة الخلطاء الذين يبغي بعضهم على بعض الذين آمنوا فقال {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي فإنهم لا يظلم بعضهم بعضا {وقليل ما هم} أي وقليل هم وما مزيدة {وظن داود أنما فتناه} أي وعلم داود أنا اختبرناه وابتليناه وقيل إنا شددنا عليه في التعبد عن علي بن عيسى وقيل أراد الظن المعروف الذي هو خلاف اليقين {فاستغفر ربه} أي سأل الله سبحانه المغفرة والستر عليه {وخر راكعا} أي صلى الله تعالى {وأناب} إليه وقيل سقط ساجدا لله تعالى ورجع إليه وقد يعبر عن السجود بالركوع قال الشاعر :

فخر على وجهه راكعا *** وتاب إلى الله من كل ذنب

 قال الحسن : إنما قال وخر راكعا لأنه لا يصير ساجدا حتى يركع وقال مجاهد مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة يقيمها أو لحاجة لا بد منها {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى} أي قربى وكرامة {وحسن م آب} في الجنة واختلف في استغفار داود (عليه السلام) من أي شيء كان فقيل أنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع له والتذلل بالعبادة والسجود كما حكى سبحانه عن إبراهيم (عليه السلام) بقوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين وأما قوله {فغفرنا له ذلك} فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله يخادعون الله وهو خادعهم وقوله الله يستهزئ بهم فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل في جوابه غفرنا وهذا قول من ينزه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم ومن جوز على الأنبياء الصغائر قال إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه .

ثم أنهم اختلفوا في ذلك على وجوه (أحدها) أن أوريا بن حيان خطب امرأة وكان أهلها أرادوا أن يزوجوها منه فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه فقدموه على أوريا فعوتب داود على الحرص على الدنيا عن الجبائي (وثانيها) أنه أخرج أوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته فعوتب على ذلك بنزول الملكين (وثالثها) أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها فلما قتل أوريا خطب داود (عليه السلام) امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك (ورابعها) أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح فمالت نفسه إليها ميل الطباع ففصل بينهما وعاد إلى عبادة ربه فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب .

 (وخامسها) أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ولا يحكم عليه قبل ذلك وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعة من دخولهما عليه في غير وقت العادة وأما ما ذكر في القصة أن داود كان كثير الصلاة فقال يا رب فضلت علي إبراهيم فاتخذته خليلا وفضلت علي موسى فكلمته تكليما فقال يا داود أنا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتك فقال نعم يا رب فابتلني فبينا هو في محرابه ذات يوم إذ وقعت حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة المحراب فذهب ليأخذها فاطلع من الكوة فإذا امرأة أوريا بن حيان تغتسل فهويها وهم بتزويجها فبعث بأوريا إلى بعض سراياه وأمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة ففعل ذلك وقتل فلما انقضت عدتها تزوجها وبنى بها فولد له منها سليمان فبينا هو ذات يوم في محرابه يقرأ إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما فقالا {لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} إلى قوله {وقليل ما هم} فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثم ضحك فتنبه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته فتاب وبكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه .

فمما لا شبهة (5) في فساده فإن ذلك مما يقدح في العدالة فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه وسفراؤه بينه وبين خلقه بصفة من لا تقبل شهادته وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه جل أنبياء الله عن ذلك .

وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لا أوتى برجل يزعم أن داود تزوج امرأة أوريا إلا جلدته حدين حدا للنبوة وحدا للإسلام وقال أبو مسلم لا يمتنع أن يكون الداخلان على داود كانا خصمين من البشر وأن يكون ذكر النعاج محمولا على الحقيقة دون الكناية وإنما خاف منهما لدخولهما من غير إذن وعلى غير مجرى العادة وإنما عوتب على أنه حكم بالظلم على المدعى عليه قبل أن يسأله .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص351-354 .

2- يصف معاشقته بامرأة ذات بعل ، وصابته منها بعد انتهاز فرصة ومراقبة طويلة ، لغفلة بعلها . والضمير في (عينه) و (شاته) يرجع الى زوج تلك المرأة .

3- هذا ايضا من معلقته المشهورة . والقنص : الصيد . ويقول : يا هؤلاء اشهدوا شاة قنص لمن حلت له فتعجبوا من حسنها وجمالها ، لكنها حرمت علي . وذكر الزوزني في الحرمة المذكورة في البيت وجهان ، فراجع ان شئت .

4- وفي مخطوطتين هكذا : ((وان دعا كان اكثر مني ، وان بطش . .)) .

5- جواب ((اما)) في قوله ((واما ما ذكر في القصة ان داود . . .)) .

 

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ وهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ} ؟

يقص سبحانه على نبيه الكريم حادثة وقعت لداود ، وهي انه كان في ذات يوم منقطعا إلى ربه في مصلاه فإذا باثنين (2) أمامه وجها لوجه ، فراعته هذه المفاجأة في غير أوانها . . وفوق ذلك دخولهما من أعلى الحائط ، لا من المدخل المعتاد .

وتجدر الإشارة إلى أن دخولهما كذلك على داود لا دلالة فيه من قريب أو بعيد على أنهما من الملائكة كما استنتج بعض المفسرين . . فإن الإنسان قد يدخل البيوت من غير أبوابها لسبب من الأسباب ، وليس في الآيات أي ذكر للملائكة ، والمفهوم من كلمة الخصمين اثنان من الناس ، فتأويلهما بملكين لا مبرر له .

{قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ} . حين رأيا ما حل به من الخوف أسرعا إلى طمأنته وقالا : جئنا للتقاضي عندك ، فاحكم بالعدل وأرشدنا إلى الحق ولا تنحرف عنه ، ثم قال أحدهما : {إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} أكفلنيها أعطنيها ، وعزّني في الخطاب غلبني في القول ، والنعجة أنثى الضأن ، ولا داعي للتأويل ، فظاهر الآية ان حادثة من هذا النوع وقعت في عهد داود ، ولها أمثال في كل زمان ومكان بخاصة في زماننا ، فيجب الأخذ بالظاهر والعمل به .

{قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ} . قال هذا داود قبل أن يطلب من المدعي البينة ، ويستوجب المدعى عليه {وإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} . قال المفسرون : المراد بالخلطاء الشركاء ، ولكن لا شراكة بين المتخاصمين ، والسياق يومئ إلى أن المراد بهم الأقوياء ولومن باب المجاز {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هُمْ} . القوة للحق إذا كانت في يد الأخيار أما إذا ملكها الأشرار فهي على الحق من غير شك ، وأهل الخير قلة في عددهم ، ولكنهم أقوياء في أخلاقهم وصفاتهم .

{وظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعاً وأَنابَ} . بعد ان حكم داود لأحد الخصمين تنبه إلى أنه حكم له قبل أن يدلي الخصم الآخر بحجته ، فندم وطلب من اللَّه العفو والمغفرة {فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ} . غفر اللَّه لداود لأنه من السابقين الأولين إلى طاعة اللَّه ومرضاته .

وفي كتاب (عيون الأخبار) للشيخ الصدوق : ان سائلا سأل الإمام الرضا (عليه السلام) عن قصة داود مع أوريا وزوجته ؟ فنفى الإمام ما ينسبه الناس إلى داود . فقال السائل : ما كانت خطيئته يا ابن رسول اللَّه ؟ فأجاب بجواب طويل جاء فيه :

عجّل داود على المدعى عليه ، فقال : {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ} ولم يسأل المدعي البينة ، ولم يقبل على المدعى عليه ، فيقول له : ما تقول ، فكان هذا خطيئة رسم الحكم ، لا ما ذهب إليه الناس ، ألا تسمع اللَّه عز وجل يقول : {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى} .

وتسأل : كيف حكم داود للمدعي من غير بينة مع أن الأنبياء معصومون عن الخطأ والخطيئة ؟ .

الجواب : ليس معنى العصمة ان للمعصوم طبيعة غير طبيعة الناس بخصائصها وغرائزها . . كلا ، ان هو إلا بشر ، وانما معنى العصمة ان اللَّه سبحانه يلطف بالمعصوم ، ولا يتخلى عنه إطلاقا ، فإذا حاول - مثلا - أن يخدعه إنسان بحسن مظهره أرشده اللَّه إلى حقيقته قبل أن يقع في الشباك ، وهذا ما حدث بالفعل لداود . .

خدعه صاحب النعجة الواحدة بأسلوبه الذي يثير الإشفاق والرحمة فحكم له ، ولكن اللَّه ألهمه الحقيقة قبل تنفيذ الحكم فاستدرك وأناب .

وقريب من هذا ما حدث لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) مع سارق ادعى براءته ، وكاد الرسول الأعظم ينخدع لولا أن ثبته اللَّه بقوله : {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ولا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً} - أي لا تخاصم عن الخائنين – {واسْتَغْفِرِ اللَّهً إِنَّ اللَّهً كانَ غَفُوراً رَحِيماً . ولا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء - 106] ج 2 ص 429 . وقال تعالى مخاطبا نبيه الكريم محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) : {ولَولا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} [الإسراء - 74] . وفي الحديث الشريف : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ، وأنتم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له شيئا من حق أخيه فإنما أقضي له قطعة من نار . وهذا الحديث لا ينطبق تماما على ما نحن فيه ، ولكن يمكن الاستئناس به . أما توبة الأنبياء واستغفارهم من الذنوب فهي ضرب من العبادة والتواضع للَّه سبحانه . وقد أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة .

_______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص372-374 .

2- ذهب البعض إلى أن أقل الجمع اثنان مستدلا بقوله تعالى : {تَسَوَّرُوا} . و{دَخَلُوا} . وقالوا .

ومنهم مع أنهما اثنان بدليل {قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ} .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب} الخصم مصدر كالخصومة أريد به القوم الذي استقر فيهم الخصومة ، والتسور الارتقاء إلى أعلى السور وهو الحائط الرفيع كالتسنم بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير والتذري بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبل ، وقد فسر المحراب بالغرفة والعلية ، والاستفهام للتعجيب والتشويق إلى استماع الخبر .

والمعنى هل أتاك يا محمد خبر القوم المتخاصمين إذ علوا سور المحراب محراب داود (عليه السلام) .

قوله تعالى : {إذ دخلوا على داود ففزع منهم} إلى آخر الآية لفظة {إذ} هذه ظرف لقوله : {تسوروا} كما أن {إذ} الأولى ظرف لقوله : {نبؤا الخصم} ومحصل المعنى أنهم دخلوا على داود وهو في محرابه لا من الطريق العادي بل بتسوره بالارتقاء إلى سوره والورود عليه منه ولذا فزع منهم لما رآهم دخلوا عليه من غير الطريق العادي وبغير إذن .

وقوله : {ففزع منهم} قال الراغب : الفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهومن جنس الجزع ولا يقال : فزعت من الله كما يقال : خفت منه . انتهى .

وقد تقدم أن الخشية تأثير القلب بحيث يستتبع الاضطراب والقلق وهي رذيلة مذمومة إلا الخشية من الله سبحانه ولذا كان الأنبياء (عليهم السلام) لا يخشون غيره قال تعالى : {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب : 39] .

وأن الخوف هو التأثير عن المكروه في مقام العمل بتهيئة ما يتحرز به من الشر ويدفع به المكروه لا في مقام الإدراك فليس برذيلة مذمومة لذاته بل هو حسن فيما يحسن الاتقاء قال تعالى خطابا لرسوله : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } [الأنفال : 58] .

وإذا كان الفزع هو الانقباض والنفار الحاصل من الشيء المخوف كان أمرا راجعا إلى مقام العمل دون الإدراك فلم يكن رذيلة بذاته بل كان فضيلة عند تحقق مكروه ينبغي التحرز منه فلا ضير في نسبته إلى داود (عليه السلام) في قوله : {ففزع منهم} وهومن الأنبياء الذين لا يخشون إلا الله .

وقوله : {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} لما رأوا ما عليه داود (عليه السلام) من الفزع أرادوا تطييب نفسه وإسكان روعه فقالوا : {لا تخف} وهو نهي عن الفزع بالنهي عن سببه الذي هو الخوف {خصمان بغى} إلخ أي نحن خصمان أي فريقان متخاصمان تجاوز بعضنا ظلما على بعض .

وقوله : {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} إلخ الشطط الجور أي فاحكم بيننا حكما مصاحبا للحق ولا تجر في حكمك ودلنا على وسط العدل من الطريق .

قوله تعالى : {إن هذا أخي} إلى آخر الآية بيان لخصومتهم وقوله : {إن هذا أخي} كلام لواحد من أحد الفريقين يشير إلى آخر من الفريق الآخر بأن هذا أخ له} إلخ .

وبهذا يظهر فساد ما استدل بعضهم بالآية على أن أقل الجمع اثنان لظهور قوله : {إذ تسوروا} {إذ دخلوا} في كونهم جمعا ودلالة قوله : {خصمان} {هذا أخي} على الاثنينية .

وذلك لجواز أن يكون في كل واحد من جانبي التثنية أكثر من فرد واحد قال تعالى : {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا } [الحج : 19] وجواز أن يكون أصل الخصومة بين فردين ثم يلحق بكل منهما غيره لإعانته في دعواه .

وقوله : {له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب} النعجة الأنثى من الضأن ، و{أكفلنيها} أي اجعلها في كفالتي وتحت سلطتي و{عزني في الخطاب} أي غلبني فيه والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وقليل ما هم} جواب داود (عليه السلام) ، ولعله قضاء تقديري قبل استماع كلام المتخاصم الآخر فإن من الجائز أن يكون عنده من القول ما يكشف عن كونه محقا فيما يطلبه ويقترحه على صاحبه لكن صاحب النعجة الواحدة ألقى كلامه بوجه هيج الرحمة والعطوفة منه (عليه السلام) فبادر إلى هذا التصديق التقديري فقال : {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} .

فاللام للقسم ، والسؤال - على ما قيل - مضمن معنى الإضافة ولذا عدي إلى المفعول الثاني بإلى ، والمعنى أقسم لقد ظلمك بسؤال إضافة نعجتك إلى نعاجه .

وقوله : {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} من تمام كلام داود (عليه السلام) يقرر به كلامه الأول والخلطاء الشركاء المخالطون .

قوله تعالى : {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} أي علم داود أنما فتناه بهذه الواقعة أي أنها إنما كانت فتنة فتناه بها والفتنة الامتحان ، وقيل : ظن بمعناه المعروف الذي هو خلاف اليقين وذكر استغفاره وتوبته مطلقين يؤيد ما قدمناه ولوكان الظن بمعناه المعروف كان الاستغفار والتوبة على تقدير كونها فتنة واقعا وإطلاق اللفظة يدفعه ، والخر على ما ذكره الراغب سقوط يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ، والركوع - على ما ذكره - مطلق الانحناء .

والإنابة إلى الله - على ما ذكره الراغب - الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل وهي من النوب بمعنى رجوع الشيء مرة بعد أخرى .

والمعنى : وعلم داود أن هذه الواقعة إنما كانت امتحانا امتحناه وأنه أخطأ فاستغفر ربه - مما وقع منه - وخر منحنيا وتاب إليه .

وأكثر المفسرين تبعا للروايات على أن هؤلاء الخصم الداخلين على داود (عليه السلام) كانوا ملائكة أرسلهم الله سبحانه إليه ليمتحنه وستعرف حال الروايات .

لكن خصوصيات القصة كتسورهم المحراب ودخولهم عليه دخولا غير عادي بحيث أفزعوه ، وكذا تنبهه بأنه إنما كان فتنة من الله له لا واقعة عادية ، وقوله تعالى بعد : {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى} الظاهر في أن الله ابتلاه بما ابتلى لينبهه ويسدده في خلافته وحكمه بين الناس ، كل ذلك يؤيد كونهم من الملائكة وقد تمثلوا له في صورة رجال من الإنس .

وعلى هذا فالواقعة تمثل تمثل فيه الملائكة في صورة متخاصمين لأحدهما نعجة واحدة يسألها آخر له تسع وتسعون نعجة وسألوه القضاء فقال لصاحب النعجة الواحدة : {لقد ظلمك} إلخ وكان قوله (عليه السلام) - لوكان قضاء منجزا - حكما منه في ظرف التمثل كما لوكان رآهم فيما يرى النائم فقال لهم ما قال وحكم فيهم بما حكم ومن المعلوم أن لا تكليف في ظرف التمثل كما لا تكليف في عالم الرؤيا وإنما التكليف في عالمنا المشهود وهو عالم المادة ولم تقع الواقعة فيه ولا كان هناك متخاصمان ولا نعجة ولا نعاج إلا في ظرف التمثل فكانت خطيئة داود (عليه السلام) في هذا الظرف من التمثل ولا تكليف هناك كخطيئة آدم (عليه السلام) في الجنة من أكل الشجرة قبل الهبوط إلى الأرض وتشريع الشرائع وجعل التكاليف ، واستغفاره وتوبته مما صدر منه كاستغفار آدم وتوبته مما صدر منه وقد صرح الله بخلافته في كلامه كما صرح بخلافة آدم (عليه السلام) في كلامه وقد مر توضيح ذلك في قصة آدم (عليه السلام) من سورة البقرة في الجزء الأول من الكتاب .

وأما على قول بعض المفسرين من أن المتخاصمين الداخلين عليه كانوا بشرا والقصة على ظاهرها فينبغي أن يؤخذ قوله : {لقد ظلمك} إلخ قضاء تقديريا أي إنك مظلوم لولم يأت خصيمك بحجة بينة ، وإنما ذلك لحفظ على ما قامت عليه الحجة من طريقي العقل والنقل أن الأنبياء معصومون بعصمة من الله لا يجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة .

على أن الله سبحانه صرح قبلا بأنه آتاه الحكمة وفصل الخطاب ولا يلائم ذلك خطأه في القضاء .

قوله تعالى : {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} الزلفة والزلفى المنزلة والحظوة ، والمآب المرجع ، وتنكير {زلفى} و{مآب} للتفخيم ، والباقي ظاهر .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص158-161 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

داود والامتحان الكبير :

طرحت هذه الآيات بحث بسيط وواضح عن قضاء داود ، ونتيجة لتحريف وسوء تعبير بعض الجهلة فقد اُثيرت ضجّة عظيمة في أوساط المفسّرين ، وكانت أمواج هذه الضجّة من القوّة بحيث جرفت معها بعض المفسّرين ، وجعلتهم يحكمون بشيء غير مقبول ، ويقولون ما لا يليق بهذا النّبي الكبير .

وفي هذا المجال نحاول بيان مفهوم الآيات دون شرح وتفصيل كي يفهم القارئ الكريم مفهوم الآيات بذهنية صافية ، وبعد الإنتهاء من تفسيرها بإختصار نتطرّق إلى الآراء المختلفة التي قيلت بشأنها . وتتمّة للآيات السابقة التي استعرضت الصفات الخاصّة بداود والنعم الإلهيّة التي أنزلها الباري عزّ وجلّ عليه ، يبيّن القرآن المجيد أحداث قضيّة عرضت على داود .

ففي البداية يخاطب القرآن المجيد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} .

(الخصم) جاءت هنا كمصدر ، وأكثر الأحيان تطلق على الطرفين المتنازعين ، وتستعمل هذه الكلمة للمفرد والجمع ، وأحياناً تجمع على (خصوم) .

(تسوّروا) مشتقّة من (سور) وهو الحائط العالي الذي يبنى حول البيت أو المدينة ، وتعني هذه الكلمة في الأصل القفز أو الصعود إلى الأعلى .

«محراب» تعني صدر المجلس أو الغرف العليا ، ولأنّها أصبحت محلا للعبادة أخذ تدريجيّاً يطلق عليها اسم المعبد . وتصطلح اليوم على المكان الذي يقف فيه إمام الجماعة لأداء مراسم صلاة الجماعة ، وفي المفردات ، نقل عن البعض أنّ سبب إطلاق كلمة «المحراب» على محراب المسجد ، هو لكونه مكاناً للحرب ضدّ الشيطان وهوى النفس .

على أيّة حال ، فرغم أنّ داود (عليه السلام) كان محاطاً بأعداد كبيرة من الجند والحرس ، إلاّ أنّ طرفي النزاع تمكّنا ـ من طريق غير مألوف ـ تسوّر جدران المحراب ، والظهور أمام داود (عليه السلام) فجأةً ، ففزع عند رؤيتهما ، إذ دخلا عليه بدون إستئذان ومن دون إعلام مسبق ، وظنّ داود (عليه السلام) أنّهم يكنّون له السوء ، {إذ دخلوا على داود ففزع منهم} .

إلاّ أنّهما عمدا بسرعة إلى تطييب نفسه وإسكان روعه ، وقالا له : لا تخف نحن متخاصمان تجاوز أحدنا على الآخر {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} .

فاحكم الآن بيننا ولا تتحيّز في حكمك وأرشدنا إلى الطريق الصحيح {فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط} .

«تشطط» مشتقّة من (شطط) على وزن (فقط) ، وتعني البعيد جدّاً ، ولكون الظلم والطغيان يبعدان الإنسان كثيراً عن الحقّ ، فكلمة (شطط) تعني الإبتعاد عن الحقّ ، كما تطلق على الكلام البعيد عن الحقيقة .

من المسلّم به أنّ قلق وروع «داود» قلّ بعض الشيء عندما وضّح الأخوان هدف مجيئهما إليه ، ولكن بقي هناك سؤال واحد في ذهنه هو ، إذا كنتما لا تكنّان السوء ، فما هو الهدف من ميجئكما إليّ عن طريق غير مألوف؟

ولذلك تقدّم أحدهما وطرح المشكلة على داود ، وقال : هذا أخي ، يمتلك (99) نعجة ، وأنا لا أمتلك إلاّ نعجة واحدة ، وإنّه يصرّ عليّ أن أعطيه نعجتي ليضمّها إلى بقيّة نعاجه ، وقد شدّد عليّ في القول وأغلظ {إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزّني في الخطاب} .

«النعجة» هي الاُنثى من الضأن . وقد تطلق على اُنثى البقر الوحشي والخراف الجبلية .

«اكفلنيها» مشتقّة من الكفالة ، وهي هنا كناية عن التخلّي (ومعنى الجملة إجعلها لي وفي ملكيتي وكفالتي ، أي إمنحني إيّاها) .

«عزّني» مشتقّة من (العزّة) وتعني التغلّب ، وبذا يكون معنى الجملة إنّه تغلّب عليّ .

وهنا التفت داود (عليه السلام) إلى المدّعي قبل أن يستمع كلام الآخر (كما يوضّحه ظاهر الآية) وقال : من البديهي أنّه ظلمك بطلبه ضمّ نعجتك إلى نعاجه {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} .

وهذا الأمر ليس بجديد ، إذ أنّ الكثير من الأصدقاء والمخالطين بعضهم لبعض يبغي على صاحبه ، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم قلّة : {وإنّ كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} (2) (3) .

نعم فالأشخاص الذين يراعون بصورة كاملة في معاشرتهم وصداقتهم الطرف المقابل ، ولا يعتدون عليه أدنى إعتداء ويؤدّون حقوق أصدقائهم ومعارفهم بصورة كاملة قليلون جدّاً ، وهم المتزودّون بالإيمان والعمل الصالح .

على أيّة حال ، فالظاهر أنّ طرفي الخصام إقتنعا بكلام داود (عليه السلام) وغادرا المكان .

ولكن داود غرق في التفكير بعد مغادرتهما ، رغم أنّه كان يعتقد أنّه قضى بالعدل بين المتخاصمين ، فلوكان الطرف الثاني مخالفاً لإدّعاءات الطرف الأوّل ـ أي المدّعي ـ لكان قد اعترض عليه ، إذن فسكوته هو خير دليل على أنّ القضيّة هي كما طرحها المدّعي .

ولكن آداب مجلس القضاء تفرض على داود أن يتريّث في إصدار الأحكام ولا يتعجّل في إصدارها ، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضاً ثمّ يحكم بينهما ، فلذا ندم كثيراً على عمله هذا ، وظنّ أنّما فتنه الباري عزّ وجلّ بهذه الحادثة {وظنّ داود أنّما فتنّاه} .

وهنا أدركته طبيعته ، وهي أنّه أوّاب ، إذ طلب العفو والمغفرة من ربّه وخرّ راكعاً تائباً إلى الله العزيز الحكيم {فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب} .

«خرّ» مشتقّة من (خرير) وتعني سقوط شيء من علو ويسمع منه الصوت مثل صوت الشلالات ، كما أنّها كناية عن السجود ، حيث أنّ الأفراد الساجدين يهوون من حالة الوقوف إلى السجود ويقترن ذلك بالتسبيح .

كلمة (راكعاً) التي وردت في هذه الآية ، إمّا أنّها تعني السجود كما جاءت في اللغة ، أو لكون الركوع مقدّمة للسجود .

على أيّة حال ، فالله سبحانه وتعالى شمل عبده داود بلطفه وعفا عن زلّته من حيث ترك العمل بالأولى ، كما توضّحه الآية التالية (فغفرنا له ذلك) . وإنّ له منزلة رفيعة عند الله {وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب} .

«زلفى» تعني المنزلة (والقرب عند الله) و(حسن مآب) إشارة إلى الجنّة ونعم الآخرة .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص376-379 .

2 ـ «خلطاء» جمع (خليط) وتعني الأشخاص أو الأشياء المخلوطة بعضها مع بعض ، كما تطلق على الصديق والشريك والجار ، ورغم أنّ الظلم والإعتداء لم يختّص بالخلطاء ، إلاّ أنّ ذكر هذه المجموعة بسبب وجود الإتّصالات المتكرّرة فيما بينهم ، وإحتمال حدوث سوء تفاهم فيما بينهم ، أو بسبب عدم توقّع حدوث أي ظلم وطغيان من قبل اُولئك .

3 ـ تركيب الجملة هكذا (هم) مبتدأ و(قليل) خبر إنّ و(ما) زائدة وردت هنا للمبالغة في القليل .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .