المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



النظرية عند قدامة  
  
5420   04:56 مساءاً   التاريخ: 1-04-2015
المؤلف : عايش الحسن
الكتاب أو المصدر : نظرية المعنى عند قدامة بن جعفر
الجزء والصفحة : ص3-7
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

ليس من شك في أن الثقافة اليونانية قد تركت تأثيرها في قدامة بن جعفر؛ إذ وصفه صاحب الفهرست بأنه أحد الفلاسفة الفضلاء، وقد فسر بعضاً من المقالة الأولى من السماع الطبيعي [ سمع الكيان ] لأرسطو، وله كتاب في صناعة الجدل(1). وبحكم هذه الثقافة الفلسفية انحاز إلى المعنى، ولهذا ألف كتابه [ الرّد على ابن المعتز فيما عاب به أبا تمام ]، وهكذا، فإن نظرية المعنى - عنده - قد تكاملت عدتها وأسبابها، واقترنتْ النظرية به اقترانها

بـ [ وليم راي ] في النقد الأوروبي الحديث.(2)

كان قدامة يحس أن ثمة معضلة نقدية في زمنه، إذ خلتْ الساحة النقدية من الناقد الحق الذي يميز جيد الشعر من رديئه، وانصرف هم النقاد إلى أمور شكلية لا علاقة لها بجوهر النقد، فاستقصى بعضهم أمر العروض والوزن، وتولى بعضهم الآخر أمر الغريب والنحو، مثلما انعطف بقيتهم على المعاني التي يدلُّ عليها الشعر، وهذه الجوانب - في تصور قدامة - لا تشكل جوهر الشعر، لأن غريب اللغة، والنحو، وأغراض المعاني، مشتركة بين الشعر والنثر، أما علم العروض والقوافي وإن [ خصا الشعر وحده. فليست الضرورة داعية إليهما لسهولة وجودهما في طباع أكثر الناس من غير تعلم ](3)، وبهذه المحاولة كان قدامة يسعى إلى وضع علم يميز جيد الشعر من رديئة، وبذلك كان يسعى إلى تحقيق ما بحث عنه الجاحظ بقوله [ طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يعرف إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فألفيته لا يتقن إلاّ إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فرأيته لا ينقد إلا ما اتصل بالأخبار، وتعلق بالأيام، والإنسان ](4).

وكلمة علم عند قدامة تشير إلى أن الشعر يتميز بخصوصية ذاتية من غيره من الصناعات والمهن، وينبغي أن ينظر إلى الشعر من هذه الزاوية، مثلما يجب أن نتجاوز الانطباعات الذاتية المتسرعة عن الشعر ليكون ثمة تصور متكامل، ومتجانس لفهم الشعر، ولما كان العلم هو [ حصول صورة الشيء في العقل، أو إدراك الشيء على ما هو به، أو الصفات الراسخة في الشيء التي تدرك بها النفس الكليات أو الجزيئات الخاصة بالشيء فنصل إلى معناه، أو ندرك خصائصه الفارقة ](5) فإن الشعر يتكون - بدوره من كليات ثابتة، وراسخة، وجزيئات متصلة بها، تقوم على أسس، وعلاقات ثابتة، تكون ما يمكن أن نسميه ( بعلم الشعر )، وأول خطوة لتحقيق هذا الفهم الذي قدمه قدامة هي أن يقدم حداً أو تعريفاً للشعر، وهو حدّ ينبغي أن يحصر من خلاله الصفات الثابتة والراسخة التي بها يكون الشعر، ولهذا حد قدامة الشعر بأنه، [ قول، موزون، مقفى، يدل على معنى ](6)، وهذا التعريف - على المستوى المنطقي الذي فكر فيه قدامة - جامع، مانع، للمادة الشعرية. فهو يقوم على أربعة أركان، ولكنها لا تملك في ذاتها خاصية الجودة أو الرداءة، بل تتحقق جودتها أو رداءتها من خلال علاقات مع بعضها البعض، فاللفظ يأتلف مع المعنى، مثلما يأتلف مع الوزن، والمعنى يأتلف مع الوزن، مثلما يأتلف مع القافية، وتصبح عناصر الشعر البسيطة والمركبة ثمانية، وهذه العناصر، بسيطة، كانت، أو مركبة، قد تكون جيدة، أو رديئة، ولهذا كانت هذه الوحدات في حالتي الإيجاب والسلب ست عشرة.

ولا يخفى أن قدامة قد أشار إلى أهمية القافية حين حدّ الشعر، ولكنه جعل القافية عامة لا خاصة بالشعر العربي، وهو أمر مخالف لما ذهب إليه الفارابي معاصره؛ حينما جعل القافية - في الأغلب الأعم - خاصة بالشعر العربي، إذ يقول [ إن للعرب من العناية بنهايات الأبيات التي في الشعر أكثر بكثير مما لدى الأمم التي عرفنا أشعارهم ](7) ولا يحتاط الفارابي - شأن ابن سينا بعده - حين قال [ الشعر هو كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة متساوية، وعند العرب مقفاه ](8)، على أن مسألة القافية عند قدامة كانت محيرة له، فهي ركن اللفظ، أو جزء من القول، ولا يمكن إفرادها، ولكنه - على سبيل التسامح - وجد أنها تأتلف مع المعنى.

ولا يخفى أن هذا الفهم المنطقي للشعر عند قدامة مباين لما ذهب إليه أرسطو، فالشعر - عنده - نشاط تخيلي، يختلف عن سائر الأنشطة، والفنون في الحياة، وأن المحاكاة أو التقليد هو الأساس في كل فن(9)، وإذا كانت المحاكاة عند أرسطو أمراً مشتركاً بين الفنون، فإن اللذة التي تحدثها المحاكاة الشعرية تمنح سروراً يتناسب مع نوعيته الخاصة(10)، ويعني هذا الفهم أن الشعر له خصوصية نوعية تميزه من غيره من الفنون.

ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحدّ الذي قدمه قدامة للشعر لا يميز الشعر الجيد من الشعر الرديء، ولكن الذي يميز ذلك، هو إتقان الصناعة الشعرية، فإذا كانت كل صناعة تسعى إلى غاية الجودة، أو قد تنتهي إلى الرداءة، فإن الصناعة الشعرية شأنها شأن الصناعات الأخرى، قد تصل إلى غاية الجودة، أو تنزل إلى غاية الرداءة، فجميع ما يؤلف ويصنع، ويعمل، على سبيل الصناعات والمهن [ فله طرفان : أحدهما غاية الجودة والآخر غاية الرداءة، وحدود بينهما تسمى وسائط، وكان كل قاصد لشيء من ذلك، فإنما يقصد الطرف الأجود، فإن كان معه من القوة في الصناعة ما يبلغه إياه سمي حاذقاً تام الحذق، وإن قصر عن ذلك نُزَّل له اسم بحسب الموضع الذي يبلغه في القرب من تلك الغاية والبعد عنها ](11)، ولا تختلف كثيراً كلمة صناعة عن المعنى الذي تؤديه كلمة العلم، فإذا كان العلم يتناول الجانب النظري للشيء، فإن الصناعة تقف عند الجانب العملي له، فالصناعة،

هي [ العلم المتعلق بكيفية العمل ](12).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- أنظر: ابن النديم ( 1964 ) : الفهرست، بيروت : 130 وقارن ياقوت الحموي : معجم الأدباء، طبعة دار المأمون بمصر، ج17 : 13.

2- راجع مستويات المعنى عند وليم راي في كتابه: المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية، ترجمة يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون، طبعة أولى، 1987: 2.

3- قدامة بن جعفر : نقد الشعر، تحقيق كمال مصطفى، مكتبة الخانجي مصر، طبعة ثالثة: 1.

4- الجاحظ (1961) : البيان والتبين، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، ج2 : 24.

5- الجرجاني ( 1321 هـ ) : التعريفات، المطبعة الحميدية المصرية : 135.

6- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 17.

7- الفارابي (1968) : إحصاء العلوم، تحقيق عثمان، أمين، مكتبة الأنجلو القاهرة:91.

8- أرسطو طاليس: فن الشعر، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة بيروت: 161.

9- د. أ. سكوت جيمس : صناعة الأدب، ترجمة هاشم هنداوي، وزارة الثقافة : 50.

10- المرجع نفسه : 51.

11- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 18.

12- الجرجاني : التعريفات : 15.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.