أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017
3561
التاريخ: 23-7-2016
3106
التاريخ: 22-3-2018
1322
التاريخ: 4-6-2017
18263
|
على أن المعاني الشعرية عند قدامة تدور حول موضوعين اثنين : الإنسان والطبيعة، فليست أغراض الشعر من مدح، وهجاء، ورثاء، ونسيب إلاّ حديثاً عن الإنسان، أمّا غرضا التشبيه والوصف فهما يتعلقان بالطبيعة. على أن قدامة قد ردّ أغراض الشعر السابقة إلى فني المدح والهجاء، ويبدو أن قدامة في حديثه هذا قد تأثر بكتاب [ فن الشعر ] لأرسطو، فإذا كان أرسطو قد تحدث عن فني التراجيديا والكوميديا، أو ما ترجمه أبو بشر متى بن يونس القنائي بالمدح والهجاء فإن قدامة قد فهم هذا من خلال ما أدته هذه الترجمة، يقول أبو بشر : [ فقد يجب أن يكون هؤلاء، إما أفاضل، وإما أراذل، وذلك أن عاداتهم، وأخلاقهم بأجمعهم إنما الخلاف بينهما بالرذيلة والفضيلة، وبهذا الفصل بعينه الخلاف الذي للمديح عن الهجاء ](1). ولقد سهل الفارابي هذا الفهم لقدامة بن جعفر، فقد رأى أن أشعار اليونان تنحو نحو الأهاجي، والمدائح، والمفاخرات، والألغاز، والمضحكات، والغزليات، والوصفيات ](2).
والفارق - عند قدامة - بين المدح والهجاء، أن الأول إضفاء للصفات الإيجابية على الممدوح، وأمّا الثاني فسلب لهذه الصفات عنه، وينبغي أن يرتكز المدح والهجاء، على الجانب الجوهري في الإنسان، ولا يتوقف عند الأمور العرضية؛ لأن الشاعر يبحث عن الخصائص الجوهرية في الإنسان التي تخلق منه الأنموذج لأبناء جنسه، ولهذا أعجب الخليفة عمر بن الخطاب بمدح زهير [ لأنه لم يكن يمدح الرجل إلاّ بما يكون الرجال ](3)، فزهير ركز على الصفات الجوهرية في الممدوح التي تجعل منه نموذجاً لأبناء جنسه، وبهذا حقق الإصابة في هذا المدح، والإصابة تعني إصابة الماهية عند قدامة، أو الفلاسفة، والماهية هي الجوهر الذي يبحث عنه الشاعر والفيلسوف، وهي ماهية لا تنفصل عن أمور العقل، والمألوف المعروف، فماهية الممدوح واحدة، وإصابتها أن تضفي عليها جوانب إيجابية معروفة عند الجميع [ فإن هذا القول إذا فهم، وعمل به، منفعة عامة، وهي العلم بأنه إذا كان الواجب أن لا يمدح الرجال إلا بما يكون لهم، وفيهم، فكذا يجب أن لا يمدح شيء عندهم إلا بما يكون لهم وفيهم]
(4)، ولكنْ ما الأمور الجوهرية التي يقوم عليها موضوعا المدح والهجاء؟، هنا يلجأ قدامة إلى ثقافته الفلسفية فقد جعل أفلاطون الفضائل الكبرى أربعاً؛ هي : العقل، والشجاعة، والعفة، والعدل، ولا يختلف هذا الفهم عمّا قاله أرسطو بأن الفضائل الأربع هي الحكمة والشجاعة والعفة والعدل(5)، فالحكمة - عند أرسطو - تناظر العقل عند أفلاطون، وهذه الفضائل تركز على الخير، والقيم الأخلاقية، متمثلة [ بالسلوك الفاضل ](6)، ويطالب قدامة الشاعر بأن يركز على هذه الفضائل في موضوعي المدح والهجاء [ فمن أتى في مدحه بهذه الأربع كان مصيباً، ومَنْ مدح بغيرها كان مخطئاً ](7)، وهذه الفضائل هي التي تميز الإنسان من سائر الحيوان [ فإنه لما كانت فضائل الناس من حيث هم ناس، لا من طريق ما هم مشتركون فيه مع سائر الحيوان على ما عليه أهل الألباب من الاتفاق في ذلك، إنما هي العقل والشجاعة والعدل والعفة، كان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع الخصال مصيباً، والمادح بغيرها مخطئاً، ثم قد يجوز مع ذلك أن يقصد الشاعر للمدح منها بالبعض، والإغراق فيه دون البعض، مثل أن يصف الشاعر إنساناً بالجود الذي هو أحد أقسام العدل وحده، فيغرق فيه، ويفتن في معانيه ](8)، فوجب أن يكون مدح الرجال بهذه لا بغيرها، والبالغ في التجويد إلى أقصى حدوده ](9).
ويكون قدامة - بهذا الفهم - قد تحدث عن النموذج في المدح والهجاء، وهو نموذج يركز على [ الصفات الجوهرية في الممدوح ](10) ماثلة في الفضائل الفلسفية والنفسية التي أشار إليها قدامة، ولا يعد الإغراق في وصف هذه الفضائل كذباً؛ لأن الشاعر يسعى إلى بلوغ الغاية في الوصف، وخلق النموذج في الممدوح.
وفي ضوء هذا الفهم تصبح هذه الصفات هي الفضائل الحقيقة التي ينبغي أن يمدح بها الشاعر الممدوح، أمّا الصفات الجسمانية فهي عرضية زائلة، ولهذا عاب عبد الملك بن مروان شعر ابن قيس الرقيات عندما مدحه بقوله :
يَأْتَلِقُ التاجُ فَوْقَ مَفْرَقِهِ ... على جبينٍ كَأنّهُ الذَّهَبُ
ولكنه أثنى على شعره الذي قاله في مدح مصعب بن الزبير :
إنما مُصْعَبٌ شِهابٌ من اللهِ ... تَجَلَّتْ عن وَجْهِهِ الظَلْمَاءُ(11)
لأنه في البيت الأول مدحه بالجاه، والسلطان، والعظمة، وهي صفات عرضية زائلة، ولكنه في البيت الثاني مدح ابن الزبير بالتقوى، وهي فضيلة إسلامية جوهرية، وليست عرضية.
وليس من شك في أن الفضائل عند قدامة والفلاسفة الذين تأثر بهم تسعى إلى خلق الإنسان الكامل، مثلما تسعى إلى تحقيق السعادة، على أن الفضائل عند أرسطو وسط بين طرفين، يقول [ وأول ما ينبغي أن ينظر فيه أن الشيء الواحد بعينه من شأنه أن يصير إلى الزيادة والنقصان... فإن الرياضة المفرطة، والناقصة مفسدة القوة، وكذلك الأطعمة، والأشربة إذا كانت زائدة على ما ينبغي ](12) فالسخاء - مثلاً - يحدث بتوسط في حفظ المال، وإنفاقه(13)، والعفة تحدث بتوسط في مباشرة التماس اللذة التي هي عن طعم، ونكاح، والزيادة في هذه اللذة تكسب الشره وهو مذموم(14)، ولكنْ كيف نفسر شعراً وصف قوماً بالإفراط في هذه الفضائل؟، وجواب قدامة عن ذلك أنه يجوز للشاعر أن يبالغ في وصف هذه الفضائل في الممدوح؛ لأن ذلك من باب الغلو في الشعر، فلا يراد منه حقيقة الشيء، بلْ المبالغة والتمثيل له، يقول قدامة [ والغلو أجود المذهبين وهو ما ذهب إليه أهل الفهم بالشعر
والشعراء ](15)، ولذلك فإن في قول أبي نواس :
وَأَخْفتَ أَهْلَ الشَّرْكِ حتى إنَّهُ ... لَتخافُكَ النُّطَفُ التي لَمْ تُخْلَقِ
دليلاً على عموم المهابة، ورسوخها في قلب الشاهد والغائب ](16)، وليس هذا كذباً عند قدامة، فهو ليس نقضاً للحقيقة، ولكنه ضرب من المبالغة في تأديتها. مثل هذا التصور للفضائل من شأنه أن يخلط بين المواد الأولية التي يقوم عليها الشعر وطرق صياغتها، لتصبح تلك الفضائل الصورة العارية في الشعر، وهي صورة تلتزم الموروث الفلسفي، أو الديني، فهذه الفضائل متعارف عليها دينياً وفلسفياً، والشاعر ليس خالقا لها، بل ينبغي عليه أن يلتزم هذا الإجماع ليخلق النموذج في الممدوح. وينحصر دور الشاعر - في ظلها - في تحسين تلك الصورة الموروثة، وتصبح وسائل الصياغة الشعرية مجرد زينة لتلك الفضائل، وتبقى المعاني ثابتة في حدود هذه الفضائل، لها كيانها الاجتماعي الموروث، بشقيه الفلسفي، والديني، ولا ينبغي للشاعر أن يتجاوز هذا الموروث، فما يقوله الشاعر حاشية على هذه المعاني ولا يخفى أن هذا التصور يلتقي مع ما قاله الجاحظ : " فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير "(17).
وإذا كان الشعر يعتمد على أساس أخلاقي كهذا الذي وصفه قدامة، فهل يجوز للشاعر أن يستخدم الرفث، والضعة في شعره ؟، ورأي قدامة أن المعاني الشعرية معروضة للشاعر، فهي مادة أولية، فليست القيمة فيها ذاتها، ولكن في صياغتها صياغة مؤثرة تسعى إلى غاية الجودة، فليستْ مادة الخشب لدى النجار ذات أهمية، ولكن الأهمية الكبرى لما يحدث فيها من صناعة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أرسطو طاليس : فن الشعر : 88.
2- المصدر نفسه : 152.
3- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 65.
4- المصدر نفسه : 65.
5- محمد علي أبو الريان : تاريخ الفكر الفلسفي : 265.
6- المصدر نفسه : 265.
7- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 67.
8- المصدر نفسه : 66.
9- المصدر نفسه : 67.
10- جابر عصفور ( 1978 ) : مفهوم الشعر، دار الثقافة، القاهرة : 90.
11- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 189.
12- الفارابي ( 1926 ) : رسائل الفارابي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن، الهند، طبعة أولى : 64.
13- المصدر نفسه : 65.
14- المصدر نفسه : 65.
15- قدامة بن جعفر : نقد الشعر : 62.
16- المصدر نفسه : 60.
17- الجاحظ ( 1945 ) : الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، ج3 : 131 - 132.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|