المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05



تفسير الأية (5-10) من سورة يونس  
  
4579   03:34 مساءً   التاريخ: 3-2-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

 

قال تعالى {هُوالَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (يونس 5-10)

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ثم زاد سبحانه في الاحتجاج للتوحيد فقال: { هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً } بالنهار { وَالْقَمَرَ نُورًا } بالليل والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور وفيه صفة زائدة على النور { وقدره منازل} أي: وقدر القمر منازل معلومة { لتعلموا} به وبمنازله { عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } وأول الشهر وآخره وانقضاء كل سنة وكميتها وجعل الشمس والقمر آيتين من آيات الله تعالى وفيهما أعظم الدلالات على وحدانيته تعالى من وجوه كثيرة منها خلقها وخلق الضياء والنور فيهما ودورانهما وقربهما وبعدهما ومشارقهما ومغاربهما وكسوفهما وفي بث الشمس الشعاع في العالم وتأثيرها في الحر والبرد وإخراج النبات وطبخ الثمار وفي تمام القمر وسط الشهر ونقصانه في الطرفين ليتميز أول الشهر وآخره من الوسط كل واحد من ذلك نعمة عظيمة من الله سبحانه على خلقه ولذلك قال { مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ } لأن في ذلك منافع للخلق في دينهم ودنياهم ودلائل على وحدانية الله وقدرته وكونه عالما لم يزل ولا يزال { يفصل الآيات } أي: يشرحها ويبينها آية آية { لقوم يعلمون } فيعطون كل آية حظها من التأمل والتدبر وقيل إن المعنى في قوله { وقدره منازل } التثنية أي: قدر الشمس والقمر منازل غير أنه وحده للإيجاز اكتفاء بالمعلوم كما مر ذكر أمثاله فيما تقدم وكما في قول الشاعر :

رماني بأمر كنت منه ووالدي                     بريئا ومن جول الطوي رماني(2)

  فإن الشمس تقطع المنازل في كل سنة والقمر يقطعها في كل شهر فإنما يتم الحساب وتعلم الشهور والسنون والشتاء والصيف بمقاديرهما ومجاريهما في تداويرهما { إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: فعله فيهما على ما يقتضيه الحكمة في السماوات من الأفلاك والكواكب السيارة وغير السيارة وفي الأرض من الحيوان والنبات والجماد وأنواع الأرزاق والنعم { لآيات } أي: حججا ودلالات على وحدانية الله { لقوم يتقون } معاصي الله ويخافون عقابه وخصهم بالذكر لاختصاصهم بالانتفاع بها .

ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال { إن الذين لا يرجون لقاءنا } أي لقاء جزائنا ومعناه لا يطمعون في ثوابنا وأضافه إلى نفسه تعظيما له ويحتمل أن يكون المعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها                    وخالفها في بيت نوب عواسل(3)

 جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتيانا له في قوله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} تفخيما للأمر { ورضوا بالحياة الدنيا } أي: متعوا بها واختاروها فلا يعملون إلا لها ولا يجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها ولا يرجون ما وراءها { واطمأنوا بها } أي: وسكنوا إلى الدنيا بأنفسهم وركنوا إليها بقلوبهم { والذين هم عن آياتنا غافلون } أي: ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها { أولئك مأواهم النار } أي: مستقرهم النار { بما كانوا يكسبون } من المعاصي ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال { إن الذين آمنوا } أي: صدقوا بالله ورسله { وعملوا الصالحات } أي: وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة { يهديهم ربهم بإيمانهم } إلى الجنة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } أي: تجري بين أيديهم الأنهار وهم يرونها من علوكما قال سبحانه قد جعل ربك تحتك سريا ومعلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها وهي قاعدة عليه وإنما أراد أنه جعله بين يديها وقيل معناه من تحت بساتينهم وأسرتهم وقصورهم عن الجبائي وقوله { بإيمانهم } يعني به جزاء على إيمانهم { دعواهم فيها } أي: دعاء المؤمنين في الجنة وذكرهم فيها أن يقولوا { سبحانك اللهم } يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح وقيل إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم وإذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين فيطير الطير حيا كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح ومختتم كلامهم التحميد فيكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريج { وتحيتهم فيها سلام } أي: تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام وقيل معناه تحية بعضهم لبعض فيها أوتحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون سلام عليك أي سلمتم من الآفات والمكاره التي ابتلي بها أهل النار وقد ذكرنا معنى قوله { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلموا بعده بشيء بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن والجبائي .

_________________

1- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ، ج5 ، ص157-160.

2- الشعر في جامع الشواهد وقد مر في ج1 : بمعناه أيضاً.

3- لم يرج أي : لم يخف ، ولم يبال . وخالفها أي : دخل عليها وأخذ عسلها . ويروي فحالفها بالمهلة . وهوبمعنى لزمها . والنوب : النحل وقد مر في ج 2 أيضاً.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ هُوالَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً } . قيل : ان الضياء والنور كلمتان مترادفتان تعبّر ان عن معنى واحد . وقيل : ان معنى كل يختلف عن معنى الأخرى ، فكلمة الضوء تدل على ما كان نوره ذاتيا ، وليس مستمدا من غيره كضوء الشمس ، وكلمة النور تدل على ما كان نوره مكتسبا من الغير كنور القمر ، فإنه مكتسب من الشمس . . ويلاحظ بأن الآية لم ترد لبيان شيء من ذلك ، وانما القصد التنبيه على وحدانية اللَّه وقدرته ، تماما كالآية التي بعدها بلا فاصل ، وان الحكمة من كوكب الشمس والقمر ما أشار إليه بقوله :

{ وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ } . الضمير في قدره يعود إلى القمر ، والمعنى ان اللَّه سبحانه جعل للقمر منازل ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، تماما كغيره من سنن الطبيعة ، والقصد من هذا الثبات هوضبط الأوقات الذي لا تتم الحياة الا به ، وتكلمنا عن ذلك عند تفسير الآية 36 من سورة التوبة والآية 96 من سورة الأنعام . { ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . لقد فصل سبحانه آيات الكون خلقا وإيجادا ، وشرحا وبيانا ليتدبرها كل من وهبه اللَّه الاستعداد للتأمل والتعقل الذي يؤدي إلى الايمان باللَّه وقدرته وحكمته . . وسبق أكثر من مرة انه جل وعز يسند إليه الظواهر الكونية ، والتغيرات الجارية على سننها الطبيعية ، يسندها إليه من باب اسناد الفعل إلى سببه الأول الكامن وراء الظواهر ، ليبقى الإنسان دائما على تذكّر من الخالق المتصرف في الكون .

{ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } . سبق نظيره مع التفسير في ج 1 ص 251 الآية 164 من سورة البقرة .

{ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها والَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ } هذه الآية تهديد ووعيد لمن لا يؤمن بالآخرة وحسابها ، ويقول :

من مات فات ، مندفعا مع أهوائه وشهواته ، غافلا عن الكون وما فيه من عبر وعظات ، وعن دعوة الأنبياء والمصلحين ، منصرفا عن كل شيء الا عن الدنيا وملذاتها { أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ } . هذا جزاء من كذب باليوم الآخر ، واتخذ إلهه هواه غير مكترث بحق ولا بعدل . . وتجدر الإشارة إلى أن هذا التهديد والوعيد لا يختص بمن كفر بلقاء اللَّه قولا وعملا ، فإنه يشمل أيضا من آمن به نظريا ، وجحده عمليا . . فالذين يصلَّون ويصومون ويؤمنون بالحساب والعقاب ، ثم لا يتورعون عن حرمات اللَّه فهم في نار جهنم مع من جحد وعاند جزاء بما كسبت يداه .

أين المتقون ؟

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } . المراد بالهداية هنا الثواب ، أي ان اللَّه يثيبهم بسبب إيمانهم . .

ذكر سبحانه في الآية السابقة الجاحدين وأوصافهم ومآلهم ، وذكر في هذه الآية المؤمنين وأوصافهم ومآلهم ، كعادته جل ثناؤه من المقابلة بين الأضداد وصفا ومآلا ، فالمؤمنون على عكس الجاحدين يرجون لقاء اللَّه ، ويتورعون عن محارمه عملا بمقتضى دينهم وإيمانهم ، واللَّه سبحانه يثيبهم بجنات تجري من تحتها الأنهار . .

وقد جاء في الحديث : ان اللَّه تبارك وتعالى يقول يوم القيامة : اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي . . أين المتقون ؟ . هذا هو نداء اللَّه يوم الحق والفصل : أين المتقون الصادقون في أقوالهم ، المخلصون في أعمالهم ، أما نداء الشيطان في هذه الدار ، دار الظلم والفساد فأين الطغاة المجرمون المتهتكون المفسدون ؟ .

وكل من أكرم مؤمنا تقيا لإيمانه وتقواه فقد نادى بنداء اللَّه : أين المتقون ؟ .

وكل من احترم طاغية لاجرامه فقد نادى بنداء الشيطان : أين المجرمون ؟ . قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : يكره القيام تعظيما إلا لرجل في الدين ، وقال : لا تقبل يد أحد إلا يد رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أومن أريد به رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) .

والحكم في تعظيم الرجال يختلف باختلاف الموارد ، فإن كان تشجيعا للإثم ومعصية اللَّه فهو حرام ، وان كان للتحابب والتآلف ، ودفع الضرر أوقضاء حاجة محتاج فهوحسن ، وإلا فمكروه ، أما تعظيم المجاهد لجهاده ، والمخلص لإخلاصه ، والمصلح لإصلاحه ، والعالم لعلمه وعمله به فهومن تعظيم شعائر اللَّه وحرماته الذي أشار إليه بقوله : { ومَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ - 32 الحج } . وقوله : { ومَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوخَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ - 30 الحج } .

{ دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ } . هذه الآية بجملتها إخبار بأن أهل الجنة في روح وريحان لا يشغلهم شيء مما كان يهمهم في الحياة الدنيا من جلب مصلحة أودفع مضرة . .

فلا يطالبون بإقامة العدل والسلام ، ولا بإقرار الأمن والنظام ، ولا بزيادة الأجور والمرتبات ، ولا بشيء على الإطلاق ، فكل شيء مما تشتهيه الأنفس ، وتلذه الأعين جاهز متوافر ، وما عليهم إذا أرادوا شيئا إلا أن يستحضروا صورته في أذهانهم ، ومن أجل هذا تفرغوا للتسبيح والتحميد ، والتحيات الزاكيات : { لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ولا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً - 26 الواقعة } . وقد سمعوا هذا السلام من اللَّه حين لقائه : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ - 44 الأحزاب } .

وسمعوه من الملائكة : { وقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها - أي الجنة - سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ - 73 الزمر } . وسمعه بعضهم من بعض . وتكلمنا عن تحية الإسلام عند تفسير الآية 54 من الأنعام .

___________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج4 ، ص135-137.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} إلى آخر الآية، الضياء - على ما قيل - مصدر ضاء يضوء ضوء وضياء كعاذ يعوذ عوذا وعواذا، وربما كان جمع ضوء كسياط جمع سوط، واللفظ - على ما قيل - على تقدير مضاف والأصل جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور.

وكذلك قوله: { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي وقدر القمر ذا منازل في مسيره ينزل كل ليلة منزلا من تلك المنازل غير ما نزله في الليلة السابقة فلا يزال يتباعد من الشمس حتى يوافيها من الجانب الآخر، وذلك في شهر قمري كامل فترتسم بذلك الشهور وترتسم بالشهور السنون، ولذلك قال: { لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.

والآية تنبىء عن حجة من الحجج الدالة على توحده تعالى في ربوبيته للناس وتنزهه عن الشركاء، والمعنى أنه هو الذي جعل الشمس ضياء تستفيدون منه في جميع شئون حياتكم كما يستفيد منه ما في عالمكم الأرضي من موجود مخلوق، وكذا جعل القمر نورا يستفاد منه، وقدره ذا منازل يؤدي اختلاف منازله إلى تكون الشهور والسنين فتستفيدون من ذلك في العلم بعدد السنين والحساب ولم يخلق ما خلق من ذلك بما يترتب عليه من الغايات والفوائد إلا بالحق فإنها غايات حقيقية منتظمة تترتب على خلقة ما خلق فليست بلغوباطل ولا صدفة اتفاقية.

فهو تعالى إنما خلق ذلك ورتبه على هذا الترتيب لتدبير شئون حياتكم وإصلاح أمور معاشكم ومعادكم فهوربكم الذي يملك أمركم ويدبر شأنكم لا رب سواه.

وقوله: { يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} من المحتمل أن يراد به التفصيل بحسب التكوين الخارجي أوبحسب البيان اللفظي، ولعل الأول أقرب إلى سياق الآية.

قوله تعالى: { إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} قال في المجمع، الاختلاف ذهاب كل واحد من الشيئين في جهة غير جهة الآخر فاختلاف الليل والنهار ذهاب أحدهما في جهة الضياء والآخر في جهة الظلام، انتهى.

والظاهر أنه مأخوذ من الخلف، والأصل في معناه أخذ أحد الشيئين الآخر في جهة خلفه ثم اتسع فاستعمل في كل تغاير كائن بين شيئين.

يقال اختلفه أي جعله خلفه، واختلف الناس في كذا ضد اتفقوا فيه، واختلف الناس إليه أي ترددوا بالدخول عليه والخروج من عنده فجعل بعضهم بعضا خلفه.

والمراد باختلاف الليل والنهار إما ورود كل منهما على الأرض خلف الآخر وهوتوالي الليل والنهار الراسم للأسابيع والشهور والسنين، وإما اختلاف كل من الليل والنهار في أغلب بقاع الأرض المسكونة فالليل والنهار يتساويان في الاعتدال الربيعي ثم يأخذ النهار في الزيادة في المناطق الشمالية فيزيد النهار كل يوم على النهار السابق عليه حتى يبلغ أول الصيف فيأخذ في النقيصة حتى يبلغ الاعتدال الخريفي وهوأول الخريف فيتساويان.

ثم يأخذ الليل في الزيادة على النهار إلى أول الشتاء وهومنتهى طول الليالي ثم يعود راجعا إلى التساوي حتى ينتهي إلى الاعتدال الربيعي وهوأول الربيع هذا في المناطق الشمالية والأمر في المناطق الجنوبية بالخلاف منه فكلما زاد النهار طولا في أحد الجانبين زاد الليل طولا في الجانب الآخر بنفس النسبة.

والاختلاف الأول بالليل والنهار هوالذي يدبر أمر أهل الأرض بتسليط حرارة الأشعة ثم بسط برد الظلمة ونشر الرياح وبعث الناس للحركة المعاشية ثم جمعهم للسكن والراحة، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11):} النبأ: 9- 11.

والاختلاف الثاني هوالذي يرسم الفصول الأربعة السنوية التي يدبر بها أمر الأقوات والأرزاق كما قال تعالى: { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ }: فصلت: - 10.

والنهار واليوم مترادفان إلا أن في النهار - على ما قيل - فائدة اتساع الضياء ولعله لذلك لا يستعمل النهار إلا بعناية مقابلته الليل بخلاف اليوم فإنه يستعمل فيما لا عناية فيه بذلك كما في مورد الإحصاء يقال: عشرة أيام وعشرين يوما وهكذا، ولا يقال: عشرة نهارات وعشرين نهارا وهكذا.

والآية تشتمل على حجة تامة على توحده تعالى في ربوبيته فإن اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض يحمل نظاما واحدا عاما متقنا يدبر به أمر الموجودات الأرضية والسماوية وخاصة العالم الإنساني تدبيرا واحدا يتصل بعض أجزائه ببعض على أحسن ما يتصور.

وهو يكشف عن ربوبية واحدة ترب كل شيء ومنه الإنسان فلا رب إلا الله سبحانه لا شريك له في ربوبيته.

ومن المحتمل أن يكون قوله: { إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} إلخ، في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: { يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} لمكان إن، والأنسب على هذا أن يكون المراد باختلاف الليل والنهار تواليهما على الأرض دون الاختلاف بالمعنى الآخر فإن هذا المعنى من الاختلاف هو الذي يسبق إلى الذهن من قوله في الآية السابقة: { جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} وهو ظاهر.

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} إلى آخر الآيتين.

شروع في بيان ما يتفرع على الدعوة السابقة المذكورة بقوله: { ذلكم الله ربكم فاعبدوه} من حيث عاقبة الأمر في استجابته ورده وطاعته ومعصيته.

فبدأ سبحانه بالكافرين بهذا الأمر فقال: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } فوصفهم أولا بعدم رجائهم لقاءه وهوالرجوع إلى الله بالبعث يوم القيامة وقد تقدم الكلام في وجه تسميته بلقاء الله في مواضع من هذا الكتاب ومنها ما في تفسير آية الرؤية من سورة الأعراف فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء وبإنكاره يسقط الحساب والجزاء فالوعد والوعيد والأمر والنهي، وبسقوطها يبطل الوحي والنبوة وما يتفرع عليه من الدين السماوي.

وبإنكار البعث والمعاد ينعطف هم الإنسان على الحياة الدنيا فإن الإنسان وكذا كل موجود ذي حياة له هم فطري ضروري في بقائه وطلب لسعادة تلك الحياة فإن كان مؤمنا بحياة دائمة تسع الحياة الدنيوية والأخروية معا فهو، وإن لم يذعن إلا بهذه الحياة المحدودة الدنيوية علقت همته الفطرية بها، ورضي بها وسكن بسببها عن طلب الآخرة، وهو المراد بقوله: { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها}.

ومن هنا يظهر أن الوصف الثاني أعني قوله: { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} من لوازم الوصف الأول أعني قوله: { لا يرجون لقاءنا} وهو بمنزلة المفسر بالنسبة إليه، وأن الباء في قوله:{ اطمأنوا بها} للسببية أي سكنوا بسببها عن طلب اللقاء وهو الآخرة.

وقوله: { والذين هم عن آياتنا غافلون} في محل التفسير لما تقدمه من الوصف لمكان ما بينهما من التلازم فإن نسيان الآخرة وذكر الدنيا لا ينفك عن الغفلة عن آيات الله.

والآية قريبة المضمون من قوله تعالى: { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هوأعلم بمن ضل عن سبيله }الآية: النجم - 30 حيث دل على أن الإعراض عن ذكر الله وهوالغفلة عن آياته يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا وشئونها فلا يريد إلا الحياة الدنيا وهوالضلال عن سبيل الله، وقد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله: { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب:} ص - 26. فقد تبين أن إنكار اللقاء ونسيان يوم الحساب يوجب رضى الإنسان بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها من الآخرة وقصر العلم عليه وانحصار الطلب فيه، وإذ كان المدار على حقيقة الذكر والطلب لم يكن فرق بين إنكاره والرضى بالحياة الدنيا قولا وفعلا أوفعلا مع القول الخالي به.

وتبين أيضا أن الاعتقاد بالمعاد أحد الأصول التي يتقوم بها الدين إذ بسقوطه يسقط الأمر والنهي والوعد والوعيد والنبوة والوحي وهوبطلان الدين الإلهي من رأس.

وقوله: { أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} بيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها.

قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} إلى آخر الآية، هذا بيان لعاقبة أمر المؤمنين وما يثيبهم الله على استجابتهم لدعوته وطاعتهم لأمره.

ذكر سبحانه أنه يهديهم بإيمانهم، وإنما يهديهم إلى ربهم لأن الكلام في عاقبة أمر من يرجولقاء الله، وقد قال تعالى: { وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ:} الرعد: - 27.

فإنما يهدي الإيمان بإذن الله إلى الله سبحانه وكلما اهتدى المؤمنون إلى الحق أوإلى الصراط المستقيم أوغير ذلك مما يشتمل عليه كلامه فإنما هي وسائل ومدارج تنتهي بالآخرة إليه تعالى قال تعالى: "وإن إلى ربك المنتهى:" النجم: - 42.

وقد وصف المؤمنين بالإيمان والأعمال الصالحة ثم نسب هدايتهم إليه إلى الإيمان وحده فإن الإيمان هوالذي يصعد بالعبد إلى مقام القرب، وليس للعمل الصالح إلا إعانة الإيمان وإسعاده في عمله كما قال تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات:} المجادلة: - 11 حيث ذكر للرفع الإيمان والعلم وسكت عن العمل الصالح، وأوضحه منه في الدلالة قوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه:} فاطر: - 10.

هذا في الهداية التي هي شأن الإيمان، وأما نعم الجنة فإن للعمل الصالح دخلا فيها كما أن للعمل الطالح دخلا في أنواع العذاب وقد ذكر تعالى في المؤمنين قوله: {تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} كما ذكر في الكافرين قوله: { أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.

وليتنبه الباحث المتدبر أنه تعالى ذكر لهؤلاء المهتدين بإيمانهم من مسكن القرب جنات النعيم، ومن نعيمها الأنهار التي تجري من تحتهم فيها، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ:} الحمد: - 7 وقوله: { فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }  الآية: النساء: - 69 أن النعيم بحقيقة معناه في القرآن الكريم هوالولاية الإلهية، وقد خص الله أولياءه المقربين بنوع من شراب الجنة اعتنى به في حقهم كما قال: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا:} الإنسان - 6، وقال أيضا { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - إلى أن قال - يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ - إلى أن قال - عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ:} المطففين: - 28، وعليك بالتدبر في الآيات وتطبيق بعضها على بعض حتى ينجلي لك بعض ما أودعه الله سبحانه في كلامه من الأسرار اللطيفة.

قوله تعالى: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أول ما يكرم به الله سبحانه أولياءه - وهم الذين ليس في قلوبهم إلا الله ولا مدبر لأمرهم غيره - أنه يطهر قلوبهم عن محبة غيره فلا يحبون إلا الله فلا يتعلقون بشيء إلا الله وفي الله سبحانه فهم ينزهونه عن كل شريك يجذب قلوبهم إلى نفسه عن ذكر الله سبحانه وعن أي شاغل يشغلهم عن ربهم.

وهذا تنزيه منهم لربهم عن كل ما لا يليق بساحة قدسه من شريك في الاسم أوفي المعنى أونقص أوعدم، وتسبيح منهم له لا في القول واللفظ فقط بل قولا وفعلا ولسانا وجنانا، وما دون ذلك فإن له شوبا من الشرك، وقد قال تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ:} يوسف - 106.

وهؤلاء الذين طهر الله قلوبهم عن قذارة حب غيره الشاغلة عن ذكره وملأها بحبه فلا يريدون إلا إياه وهوسبحانه الخير الذي لا شر معه قال: { والله خير} طه: - 73.

فلا يواجهون بقلوبهم التي هي ملأى بالخير والسلام أحدا إلا بخير وسلام اللهم إلا أن يكون الذي واجهوه بقلوبهم هوالذي يبدل الخير والسلام شرا وضرا كما أن القرآن شفاء لمن استشفى به لكنه لا يزيد الظالمين إلا خسارا.

ثم إن هذه القلوب الطاهرة لا تواجه شيئا من الأشياء إلا وهي تجده وتشاهده نعمة لله سبحانه حاكية لصفات جماله ومعاني كماله واصفة لعظمته وجلاله فكلما وصفوا شيئا من الأشياء وهم يرونه نعمة من نعم الله ويشاهدون فيه جماله تعالى في أسمائه وصفاته ولا يغفلون ولا يسهون عن ربهم في شيء كان وصفهم لذلك الشيء وصفا منهم لربهم بالجميل من أفعاله وصفاته فيكون ثناء منهم عليه وحمدا منهم له فليس الحمد إلا الثناء على الجميل من الفعل الاختياري.

فهذا شأن أوليائه تعالى وهم قاطنون في دار العمل يجتهدون في يومهم لغد فإذا لقوا ربهم فوفى لهم بوعده وأدخلهم في رحمته وأسكنهم دار كرامته أتم لهم نورهم الذي كان خصهم به في الدنيا كما قال تعالى: { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا:} التحريم - 8.

فسقاهم شرابا طهورا يطهر به سرائرهم من كل شرك جلي وخفي، وغشيهم بنور العلم واليقين، وأجرى من قلوبهم على ألسنتهم عيون التوحيد فنزهوا الله وسبحوه أولا وسلموا على رفقائهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ثم حمدوا الله سبحانه وأثنوا عليه بأبلغ الحمد وأحسن الثناء.

وهذا هو الذي يقبل الانطباق عليه - والله أعلم - قوله في الآيتين: { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} وفيه ذكر جنة الولاية وتطهير قلوبهم: { دعواهم فيها سبحانك اللهم} وفيه تنزيهه تعالى وتسبيحه عن كل نقص وحاجة وشريك تنزيها على وجه الحضور لأنهم غير محجوبين عن ربهم { وتحيتهم فيها سلام} وهو توسيم اللقاء بالأمن المطلق، ولا يوجد في غيرها من الأمن إلا اليسير النسبي { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} وفيه ذكر ثنائهم على الله بالجميل بعد تسبيحهم له وتنزيههم، وهذا آخر ما ينتهي إليه أهل الجنة في كمال العلم.

وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ:} الحمد: - 2 أن الحمد توصيف، ولا يسع وصفه تعالى لأحد من خلقه إلا للمخلصين من عباده الذين أخلصهم لنفسه وخصهم بكرامة من القرب لا واسطة فيها بينهم وبينه قال تعالى: { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ  إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ:} الصافات: - 160.

ولذلك لم يحك في كلامه حمده إلا عن آحاد من كرام أنبيائه كنوح وإبراهيم ومحمد وداود وسليمان (عليهما السلام) كقوله فيما أمر به نوحا: { فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين:} المؤمنون: - 28، وقوله حكاية عن إبراهيم: { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق:} إبراهيم - 39، وقوله فيما أمر به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة مواضع: { قل الحمد لله:} النمل - 93، وقوله حكاية عن داود وسليمان: { وقالا الحمد لله:} النمل: - 15.

وقد حكى سبحانه حمده عن أهل الجنة في عدة مواضع من كلامه كقوله: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا:} الأعراف - 43، وقوله أيضا: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ:} فاطر: - 34، وقوله أيضا: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ:} الزمر: - 74، وقوله في هذه الآية: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

والآية تدل على أن الله سبحانه يلحق أهل الجنة من المؤمنين بالآخرة بعباده المخلصين ففيها وعد جميل وبشارة عظيمة للمؤمنين.

______________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي ،ج10 ،ص10-16.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

جانب من آيات عظمة الله:

لقد مرّت في الآيات السابقة إِشارة عابر إِلى مسألة المبدأ والمعاد، إلاّ أن هذه الآيات وما بعدها تبحث بصورة مفصلة هذين الأصلين الأساسيين اللذين يمثلان أهم دعامة لدعوة الأنبياء، وبتعبير آخر فإِنّ الآيات اللاحقة بالنسبة للسابقة بمثابة التفصيل للإِجمال.

لقد أشارت الآية الأُولى التي نبحثها إِلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا }.

إِنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لاتعطي النور الحرارة للموجودات فحسب، بل هي العامل الأساس في نموالنباتات وتربية الحيوانات، وإِذا دقّقنا النظر رأينا أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية، حتى حركة الرياح وأمواج البحار وجريان الأنهار والشلالات، هي من بركات نور الشمس، وإِذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوماً فإِنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة.

والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة، ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلا وإِرشادهم إِلى مقاصدهم، بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض.

ثمّ أشارت الآية إِلى فائدة أُخرى لوجود القمر فقالت: { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } أي إِنّكم لونظرتم إِلى القمر، وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع، ثمّ يكبر حتى يكون بدراً في ليلة النصف من الشهر، وبعدها يبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أواليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق، ثمّ يظهر على شكل هلال من جديد ويدور إِلى تلك المنازل السابقة، لعلمتم أن هذا الإِختلاف ليس عبثاً ، بل إِنّه تقويم طبيعي دقيق جدّاً يستطيع الجاهل والعالم قراءته، ويقرأ فيه تاريخ أعماله وأُمور حياته(2).

ثمّ تضيف الآية: إِن هذا الخلق والدوران ليس عملا غير هادف، أوهومن باب اللعب، بل { مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ }.

وفي النهاية توكّد الآية: { يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } إلاّ أنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنهم يمرون كثيراً على هذه الآيات والدلائل، إلاّ أنّهم لا يدركون أدنى شيء منها.

وتتطرق الآية الثّانية إِلى قسم آخر من العلامات والدلائل السماوية والأرضية الدالّة على وجوده سبحانه، فتقول: { إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ } فليست السماء والأرض بذاتهما من آيات الله وحسب، بل إن كل واحدة من الموجودات التي توجد فيهما تعتبر آية بحد ذاتها، إلاّ أنّ الذين يدركون تلك الآيات هم الذين سمت أرواحهم وصفت نتيجة لتقواهم وبعدهم عن المعاصي، وهم الذين يقدرون على رؤية وجه الحقيقة وجمال المعشوق.

أهل الجنّة والنّار:

كما مرت الإِشارة، فإِنّ القرآن قد عرض في بداية هذه السورة بحثاً إِجمالياً عن موضوع المبدأ والمعاد، ثمّ بدأ بشرح هذه المسألة، ففي الآيات السابقة كان هناك شرح وبحث حول مسألة المعاد، ويلاحظ في هذه الآيات تفصيل حول المعاد ومصير الناس في العالم الآخر.

ففي البداية يقول: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا } فهم لايعتقدون بالمعاد وتجاهلوا الآيات البينات فلم يتدبروا فيها كيما تستيقظ قلوبهم ويتحرك فيهم روح الاحساس بالمسؤولية { وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } فكلا هاتين الطائفتين مصيرهم الى النّار: { أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.

إِنّ النتيجة الطبيعية والحتمية لعدم الإِيمان بالمعاد هي الإِرتباط بهذه الحياة المحدودة والعلائق المادية، والإِطمئنان بها والإِعتماد عليها، ونتيجة ذلك ـ أيضاً ـ هوتلوّث الاعمال وفساد السلوك في أنماط الحياة المختلفة، ولاتكون عاقبة ذلك إِلاّ النّار.

وكذلك فإِنّ الغفلة عن الآيات الإِلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه، والإِبتعاد عن الله هوالعلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية، وعاقبة ذلك لا تكون إلاّ النّار.

بناءً على هذا، فإِنّ كلا الفريقين أعلاه ـ أي الذين لا يؤمنون بالمبدأ، أولايؤمنون بالمعاد ـ سيكونان ملوّثين حتماً بالاعمال الذميمة، ومستقبل كلا الفريقين مظلم.

إِنّ هاتين الآيتين توكّدان مرّة أُخرى هذه الحقيقة، وهي أنّ إِصلاح مجتمع ما وإِنقاذه من نار الظلم والفساد، يتطلب تقوية رُكني الإِيمان بالله والمعاد اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان، فإنّ عدم الإِيمان بالله سبحانه سيقتلع الإِحساس بالمسؤولية من وجود الإِنسان، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب، وعلى هذا فإِنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإِصلاحات الإِجتماعية.

ثمّ يشير القرآن إِلى وضع فئة أُخرى في مقابل هذه الفئة، فيقول: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } فإِنّ نور الهداية الإِلهية الذي ينبعث  من نور إِيمانهم يضيء كل آفاق حياتهم، وقد اتّضحت لهم الحقائق باشراقات هذا النور بحيث لم تعد شراك المذاهب المادية وزبارجها، ولا الوساوس الشيطانية وبريق المطامع الدنيوية قادرة على التعتيم على افكارهم ودفعهم في طريق الإِنحراف عن الصواب والحق.

إِنّ وضع هؤلاء في الحياة الأُخرى أنّهم { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }.

إِنّ هؤلاء يرفلون في محيط مملوء بالصلح والصفاء وعشق الله وأنواع النعم، ففي كل وقت تنير وجودهم نفحة ورشحة من ذات الله وصفاته، فإِنّ { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } وكلما التقى بعضهم بالآخر فإِنّهم يتحدثون عن الصفاء والسلام { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } وأخيراً فإِنّهم كلّما إلتذوا بنعم الله المختلفة شكروا ذلك { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

_____________________

1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج5، ص430-437.

2- لقد بحثنا حول كون القمر تقويماً طبيعياً يمكن من خلال حالاته المختلفة تعيين أيّام الشهر بدقّة (راجع تفسير الآية 189 من سورة البقرة) .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .