المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



ابن طراوة  
  
3347   12:38 صباحاً   التاريخ: 29-03-2015
المؤلف : د. محمد المختار ولد أباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص232- 239
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة الاندلسية / أهم نحاة المدرسة الاندلسية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015 6384
التاريخ: 29-03-2015 8074
التاريخ: 4-03-2015 3610
التاريخ: 4-03-2015 1947

الأستاذ أبو الحسين، سليمان بن محمد المعروف بابن الطراوة من ألمع النحويين في عهده، و أكثرهم إثارة. لقد وقع الخلاف في أصله و نشأته و حتى في اسمه، يقول الجمهور إنه من مالقة، و يروي القفطي عن أبي القاسم النحوي المدعو بالعلم، أنه من سلا (1). و مرة يذكره باسم سليمان بن محمد بن عبد اللّه، و مرة بيحيى، و ترجم له القاضي عياض في الغنية بهذا الإسم قائلا: «إنه أحد أئمة الأدب، و شيوخ النحاة، القوام على كتاب سيبويه و غيره مع تفنن في علوم رياضية، و إنه كان شاعرا مجيدا» . و يقول: جالسته كثيرا، و حضرت مجالسه في الأدب و أخبرني بملح و قوائد، و مما انشدني لنفسه:

و قائلة أتصبو للغواني                        و قد أضحى بمفرقك النهار 
فقلت لها حضضت على التّصابي            (أحق الخيل بالركض المعار)(2)
و يذكر المؤرخون أنه توفي عام 528 ه‍، و قد قارب التسعين أو نيف عليها.

سمع ابن الطراوة على الأعلم كتاب سيبويه، و أخذ عن ابن السراج، و روى عن أبي الوليد الباجي. و جمع بين الأدب و الشعر و النحو، فاستحق مكانة الأستاذ في اصطلاح علماء الأندلس.

ص232

و كما اختلف الناس في اسمه و أصله، فإنه اختلفوا كذلك في تصويب آرائه.

فقد ارتضاه الإمام السهيلي، شيخا له، و أعطاه ما يستحق من تقدير و إكبار و لم يتابعه في كل أقواله. غير أن ابن الباذش(3) و ابن الضائع (4)، و ابن خروف (5) و ابن أبي الربيع، انتقدوه انتقادا عنيفا، و رموه بمخالفة إجماع النحاة في كثير من مواقفه. و سوف نقدم نماذج من هذا الانتقاد من خلال ما ذكره ابن أبي الربيع في كتاب البسيط على جمل الزجاجي.

و من أسباب هذه الحملة، أن ابن الطراوة كان حريصا على حرية رأيه، و على معقولية القواعد النحوية.

فقد كان قواما على كتاب سيبويه كما رأينا آنفا، و لكنه مع ذلك لا يدعى العصمة لإمام النحاة، و قال: إنه لا تثريب عليه فيما يلم به من الخلاف على سيبويه، رحمه اللّه، في اليسير من نظره و لا في شيء من نقله (6). و قال: إنه قد يصيبه من الوهم الذي لا انفكاك للإنسان منه، و لا محيد لأحد عنه، غير أن هذا ليس هو الباعث الحقيقي على معارضته من طرف المجموعة المذكورة.

ذلك أنه تجرأ على ركنين آخرين من أركان النحو، ألا و هما أبو علي الفارسي و ابن جني. في مصنفه الموسوم (بالإفصاح ببعض ما جاء من الخطإ في الإيضاح) .

عند ما أورد أبو الحسن علي بن إبراهيم التبريزي (7) كتب الفارسي و ابن جني إلى الأندلس حملها محمد بن هشام المصحفي، و أخذها عنه ابن الباذش و أقبل الناس عليها، لكن ابن الطراوة انتقدها نقدا شديدا، لأنها في نظره لا تعدو أن تكون أسماء خالية من المضمون و أن الأجدر صرف همم الناشئين إلى كتاب سيبويه، و جمل الزجاجي و الكافي لابن النحاس. و خص الإيضاح بالنقد، لما رأى من تهافت في تفضيله على غيره من المختصرات المروية، و تظاهر المصحفيين لتقديمه على التواليف المسندة؛ فسفه رأي من عدل عنها و عن القوانين المفيدة كالجمل و الكافي و كتاب سيبويه الشافي و فرغ للإيضاح و الشيرازيات

ص233

و الخصائص و الحلبيات، و هي عنده «ترجمة تروق لا جسم» فيها.

و هذا الموقف أثار حفيظة مجموعة من النحويين المتعصبين للفارسي و ابن جني.

زد على ذلك أن ابن الطراوة لم يتردد في مخالفة جمهور النحويين في جملة من الآراء منها أنه أنكر وجود ضمير الأمر و الشأن، و رفض أن تكون «حتى» بمعنى «إلى» في قولهم قام القوم حتى زيد، و قال إن الاسم الذي شغل فعله بضميره، ليس منصوبا بفعل محذوف. فلم يقبل تقدير: «ضربت زيدا ضربته» على وجه التوكيد، و أنكر كون «لكن» للاستدراك و قال: إنها ضد «لا» توجب للثاني ما نفي عن الأول. و قال: إن الجثث قد يخبر عنها بظروف الزمان بشرط الإفادة، و تابعه ابن مالك على ذلك، و له تخريجات أخرى انفرد بها سنستعرض بعضها، مع رد ابن أبي الربيع عليها و على أقواله المذكورة هنا.

و الذي نلاحظه في بسيط ابن أبي الربيع أنه لم يذكره إلا مخطئا له و رادّا عليه، بانفصالات أستاذه أبي علي الشلوبين.

و قد انتقد قوله بجواز رفع المفعول و نصب الفاعل إذا أمن اللبس حين قال ابن الطراوة: إذا فهم المعنى فارفع ما شئت و انصب ما شئت و إنما يحافظ على رفع الفاعل و نصب المفعول إذا احتمل كل واحد منهما أن يكون فاعلا نحو ضرب زيد عمرا.

و يقول ابن أبي الربيع و يلزم على قوله أنك إذا قلت ضربت زيدا هند فيجوز لك أن ترفع زيدا و تنصب هند لأن علامة التأنيث اللاحقة الفعل دالة على أن هند هي الفاعل فلا يحتاج إلى المحافظة على الإعراب على قوله: «و هذا الذي قاله ابن الطراوة ما علمت أحدا قاله قبله» . النحويون كلهم-من يعول عليه منهم، يقولون إن العرب تلتزم رفع الفاعل و نصب المفعول، فهم المعنى من غير الإعراب أم لم يفهم، إلا أن يضطر الشاعر فيعكس(8).

و ادعى ابن الطراوة أنك إذا قلت كان زيد قام، أن «كان» هنا ملغاة، و حمله على هذا أنه لم يفهم ضمير الأمر و الشأن، و سيأتي الكلام معه فيه (9). و ذلك أن ابن الطراوة قال: ضمير الأمر و الشأن لا منقول و لا معقول. و أما كونه غير معقول فلأمرين:

أحدهما: أنهم قالوا في قول العرب: هو زيد قائم، المعنى الخبر الواقع في الوجود: زيد قائم و بلا شك أن الواقع في الوجود ليس «زيد قائم» و إنما الواقع في الوجود قيام زيد، و قولك «زيد قائم» إخبار عنه.

ثانيهما: إن الجملة التي وقعت بعد الضمير هي مفسرة عندهم للضمير و خبر عنه و هذا متناقض، لأنها من حيث هي مفسرة فكأنك لم تأت إلا بواحد، ألا

ص234

ترى أنك إذا قلت نعم رجلا، فكأنك قلت نعم الرجل، و من شرط المبتدإ و الخبر أن يكونا شيئين أسند أحدهما إلى الآخر، يفيد الثاني من المعنى ما لم يفد الأول.

و أجاب ابن أبي الربيع قائلا:

أما قوله الخبر الواقع «قيام زيد فصحيح، إلا أن الخبر الذي أراده النحويون ليس هذا إنما مرادهم الخبر الذي ينبغي أن يعود عليه، و يتحدث به «زيد قائم» ، فأوقعه في هذا الإشكال أن الخبر يطلق بإطلاقين: أحدهما ما ذكره، و الثاني ما ذكرته و هو المتعارف في الصنعة» . و هو يعني أن ابن الطراوة التبس عليه خبر الدلالة اللغوية المعبر عن الواقع في الوجود، مع الخبر الاصطلاحي المكمل عند النحويين لفائدة الاسم المبتدإ به.

و يقول ابن أبي الربيع: و أما قوله «إن التفسير و الإخبار يتضادان فيظهر لي فيه انفصالان» . و ابن أبي الربيع يعبر بالانفصال عن عدم حجية الاعتراض:

و الانفصال الأول: عنده هو «أن الأصل: زيد قائم، لكنهم أرادوا تعظيم الخبر و تحقيقه فأخروه. أولا لأن الشيء إذا أرادوا تعظيمه أخروه، و تارة يبهمونه، و تارة يعرفونه، و الثلاثة ترجع إلى شيء واحد، فقالوا «هو» و «هو» إضمار للخبر الذي يعظمونه و يريدون الإعلام بتحقيقه، ثم فسروه فقالوا «زيد قائم» . فصار قولك «هو زيد قائم» بمنزلة قولك «زيد ضربته» لأن الأصل ضربت زيدا، و إنما قدمت زيدا و أخبرت الثاني به ظاهرا و مضمرا، و في ذلك من التأكيد ما ليس في قولك ضربت زيدا.

الانفصال الثاني: أن يقول إنك إذا قلت «هو زيد قائم» فهو ضمير صالح أن يكون ضمير مفرد، و صالح أن يكون ضمير الخبر. فإذا فسر ب‍ «زيد قائم» على أنه ضمير الخبر، فهو من هذه الجملة تفسير، و هو من جهة تعيين الخبر خبرا، فيكون تفسيرا من جهة و خبرا من جهة أخرى.

هذا كان جواب ابن أبي الربيع عن عدم معقولية ضمير الأمر و الشأن، ثم ذكر أنه منقول، في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (طه- الآية 74) و قال تعالى: (فَإِنَّهٰا لاٰ تَعْمَى اَلْأَبْصٰارُ) (الحج-الآية 46) فهذان ضميران لا يعودان على شيء متقدم و لا على ما دل عليه الكلام، و لا يصح أن يقال فيهما إلا أن الضمير من «إنه» ضمير الخبر، و الضمير من «فإنها» ضمير القصة.

ص235

و قد جعل ابن الطراوة الهاء من إنه و إنها كافّتين بمنزلة «ما» ، و يقول ابن أبي الربيع: «و هذا لا نظير له لأن العرب لا تجعل الأسماء كافة، و إنما استقر هذا للحروف نحو «إنما» و «إن» مع «ما» في قوله:

و ما إن طبنا جبن و لكن          منايانا و دولة آخرينا 
و ما ذكرته من أن الشيء إذا عظم أبهم و أضمر له نظائر، و كذلك الضمير يفسره ما بعده قد جاء له نظير نحو ربّه رجلا» فصح عندي أن «هو» من قوله سبحانه و (قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) (الإخلاص- الآية 1) . ضمير الخبر، و كذلك قوله تعالى: ( لٰكِنَّا هُوَ اَللّٰهُ رَبِّي ) (الكهف- الآية 38) .  و كل ما جاء من هذا النوع فيحمل على هذا، فقد صح ما ذكره النحويون (10).

و في معرض «لكن» يقول ابن أبي الربيع: لا أعلم بين النحويين خلافا في أن «لكن» للعطف، و أن معناها الاستدراك، ورد ابن الطراوة هذا القول و قال: إن (لكن) ليست للاستدراك و إنما هي ضد «لا» توجب للثاني ما نفي عن الأول.

فتقول ما قام زيد لكن عمرو فالمعنى أن عمرا هو الذي قام. و كان الأستاذ أبو علي ينفصل عن هذا و يقول: إن الكلام لا يقع إلا جوابا لمن قال «قام زيد» فتريد أن تثبت القيام و تنفيه عن زيد و توجبه لغيره، فإذا قلت: ما قام زيد فقد جئت بأحد مطلوبيك، و ينفي الآخر ما استدركته فقلت لكن عمرو فهذا معنى قولهم «لكن» للاستدراك بعد النفي.

و حول إلحاق تاء التأنيث بالفعل يقول صاحب البسيط: إعلم أن الفعل إذا أسند إلى المؤنث، فإن كان التأنيث غير حقيقي، فأنت في إلحاق التاء الفعل بالخيار، تقول طلع الشمس و طلعت الشمس قال تعالى:  (وَ جُمِعَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ) (القيامة- الآية 9) و ذهب ابن الطراوة أن هذا ليس من باب طلع الشمس لأن «جمع» تسند إلى اثنين، و هو هنا قد أسند إلى الشمس و القمر فغلب المذكر، و هو عنده بمنزلة: زيد و هند قاما» ، و يقول ابن الربيع هذا الذي ذهب إليه ابن الطراوة يدفعه السماع، قال تعالى: (هَلْ تَسْتَوِي اَلظُّلُمٰاتُ وَ اَلنُّورُ ) (الرعد-الآية 16) قرئ بالياء و بالتاء لأن تأنيث الظلمات غير حقيقي، و لو كان ما ذكره صحيحا لم يكن إلا بالياء خاصة، و ليس هذا مما يغلب فيه المذكر، و إنما ينظر هنا إلى المقدم و المؤخر، فتقول «اختصمت هند و زيد، و اختصم زيد و هند» و جعل ابن أبي الربيع من هذا القبيل (وَ أَخَذَ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا اَلصَّيْحَةُ ) (هود-الآية 67) و المعروف أن السهيلي يفسره بالفصل بين الفعل و الفاعل (11).

ص236

و نقرأ في البسيط ما يلي: «و من باب النصب بإسقاط الخافض قولهم:

استغفرت اللّه الذنب» ، و قد ورد قول الشاعر:

استغفر اللّه ذنبا لست محصيه                رب العباد إليه الوجه و العمل 
و قال سيبويه: إنما يتكلم بها بعضهم، و قال ابن الطراوة استغفرت اللّه الذنب بغير حرف جر، و إنما دخل حرف الجر بالتضمين لأن «استغفرت» بمعنى تبت، فكما يقال تبت إلى اللّه من الذنب، قيل استغفرت اللّه من الذنب» و جعله مثل «استسقيت زيدا الماء» . و يقول ابن أبي الربيع: «و هذا الذي ذكره يخيل و لا يثبت عن البصريين، لأن استفعل تكون على معان. فمن جملتها طلب الفعل، و من ذلك استفهمت عن المسألة، و بذلك انكسر الأصل الذي ادعى، و لو كان هذا مطردا لذكره النحويون، و جعلوه قانونا يعول عليه، و لم نر أحدا ذكره، فدل على أن الأمر الذي ذكره ليس بالملزم. فإذا ثبت ما ذكره النحويون و بطل ما ادعاه، ينبغي أن يدعى فيما كثر و فشا عند عامة العرب و فصحائها أنه الأصل، و ما كثر عند بعضهم لا يدعى أصلا و من ذلك أمرت زيدا بالخير، ثم أسند ما جمع بين الأصل و الفرع و هو قول الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به              فقد تركتك ذا مال و ذا نشب 
و عن الإخبار بظروف الزمان يقول ابن أبي الربيع: «ظروف الزمان لا تكون خيرا عن الجثث و لا أعلم في ذلك خلافا بين النحويين إلا ابن الطراوة، فإنه ادعى أن ظروف الزمان تكون أخبارا عن الجثث إذا أفادت ثم أتى على صحة قوله-في زعمه-بأربعة مواضيع:

أحدها: قول العرب الهلال الليلة.

الثاني: قولهم لمن سأل في أي شهر نحن؟ نحن في شهر صفر.

الثالث: ما أنشده سيبويه:

أكل عام نعم تحوونه                  يلقحه قوم و تنتجونه 
و قائلا إن «كل عام» ، ظرف و هو خبر عن نعم.

الرابع: قولهم زيد حين التحى، و غلام حين بقل وجهه و في الحماسة:

                        كغصن الأراك وجهه حين بقلا
و الجواب:

في قولهم الهلال الليلة فقد انفصل عنه أبو علي و قال إنه على حذف مضاف تقديره: حدوث الهلال الليلة، و هذا الذي ذهب إليه أبو علي صحيح.

2. و في قولهم نحن في شهر رمضان. يقول ابن أبي الربيع: «فأنت أعلم بالضرورة أن السائل لم يجهل وجودنا في هذا الشهر، و إنما المراد السؤال عن تعيين الشهر الذي نحن فيه، قياسه أن يقول أي شهر

ص237

 

شهرنا فتقول له أنت: شهرنا شهر رمضان، و عدلت عنه العرب على جهة الاتساع، و هكذا كان الأستاذ أبو علي ينفصل عن هذا و يقول هذا كلام مخرج عن حده فلا ينبغي أن يعترض به.

3. و أما البيت الذي أنشده سيبويه، فإنه جاز لمكان الصفة، و كذلك إذا قلت «كل يوم رجل مقتول» ، إنما المعنى كل يوم لك قتل رجل، و القصد الإخبار عن الحدث، و أخبر عن الحدث بالزمان، ثم عدل إلى هذا على جهة الاتساع.

4. و أما قول الشاعر:

كغصن الأراك وجهه حين و شما
فالكوفيون يذهبون إلى أن «حين» زائدة. و البصريون يذهبون إلى أن المعنى وجهه و شم، و لا بد لكل فعل من زمان، فأخبر عنه بالزمان المضاف إلى الحدث المقصود الإخبار به عنه. على جهة الاتساع.

و يزيد ابن أبي الربيع قائلا فإذا حققت هذه الأربعة المواضيع وجدتها إنما جاءت على جهة الاتساع (12).

قال ابن أبي الربيع «تقول قام القوم حتى زيد بالخفض بملاحظة وصول القيام إلى زيد و كذلك يشتمني حتى عمرو، بالخفض بملاحظة وصول الشتم إلى عمرو. و بهذا المعنى قال النحويون إن «حتى» هنا غاية و هي بمنزلة (إلى) .

و لم يفهم هذا ابن الطراوة فرد على النحويين في قولهم هذا فقال إنه محال لأنك إذا قلت «قام القوم حتى زيد» فزيد بلا شك قد دخل في القائمين، و إذا قلت «قام القوم غير زيد» فزيد لم يقم.

و يقول ابن أبي الربيع و الانفصال عن هذا بما ذكرته و هو أن الخفض إنما هو بملاحظة وصل القيام إلى زيد، أي قام الناس كلهم حتى هذا الضعيف الذي لا يستطيع القيام (13)،

و يقول ابن أبي الربيع إن الرزق تطلق عند العرب على المرزوق مثل قوله تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ( (الملك-الآية 15) و تطلق أيضا على الفعل: و عليه أخذ أبو علي قوله تعالى:  (مٰا لاٰ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ شَيْئاً( (النحل-الآية 73) و التقدير عنده أن يرزق من السموات و الأرض شيئا. و لا أعلم خلافا بين النحويين أن الرزق يطلق على هذين الوجهين إلا ابن الطراوة فإنه ذهب إلى أن الرزق بكسر الراء لا يطلق إلا على المرزوق، و المصدر بفتح الراء. و هذا الذي ذهب إليه لا أدري ما الذي حمله عليه (14).

و في الجمل يقول الزجاجي: (و إن اشتغل الفعل عنه بضميره تنصبه بفعل مضمر يدل عليه الظاهر، فتقول زيدا ضربته، و التقدير ضربت زيدا ضربته و لكنه فعل لا يظهر).

و يقول ابن أبي الربيع قال النحويون كلهم، و خطأهم ابن الطراوة، لأن كل محذوف يدعى فلابد فيه من ثلاثة شروط:

أحدها: أن يكون معنا ما يطلبه، و إن لم يكن معنا ما يطلبه من جهة اللفظ و لا من جهة المعنى فيكون قد تكلف الإضمار و ادّعي بغير دليل.

الثاني: أن يكون ما يفسره، فإن حذف الشيء و ليس له مفسر إخلال بالكلام.

الثالث: أن يكون إذا ظهر لم يخلّ بالمعنى، فإنه إذا أخل بالمعنى المقصود من الكلام كان تقديره فاسدا. و هذه الثلاثة لا يمكن لأحد أن ينكرها هنا و قد عدم منها أمران، أحدهما أن يكون معنا ما يفسره لأن المفسر من شرطه أن يكون قبل المحذوف. الثاني أنك إذا قلت زيدا ضربته «فضربته» هنا مفيدة. و إذا قلت ضربت زيدا ضربت «فضربته» هنا مؤكدة، فما قدّر أخل بهذا الظاهر فلا يصح تقديره.

و قد رد ابن أبي الربيع بأنه جاء على غير القياس مثل ربّه رجلا.

و الذي يتبين من هذا أن ابن أبي الربيع فرض على نفسه نقض جميع الآراء التي أوردها عن ابن الطراوة، مدعيا أنه خرق إجماع النحاة، و خالف أقيستهم، و أنه لم يفهم مواقع الاستعمال اللغوي، فأتى بحجج مخيلة و ليست ثابتة، لا تستند على سماع موثق أو قياس صحيح. و الملاحظ كذلك أن انتقاد ابن أبي الربيع كان في مجمله دفاعا عان منهج أستاذه أبي علي الشلوبين.

و بالرغم من فقدان آثار ابن الطراوة، فإن آراءه الواردة على لسان خصومه الذين جدوا في نقضها تنبئ بما لهذا العالم المتمكن من أصالة في التفكير، و جراءة في الحكم و قد أحسن الدكتور عياد بن عبد الثبيتي بتخصيص ابن الطراوة بدراسة علمية نأمل أن يتم نشرها تكملة لكتاب محمد إبراهيم البنا.

ص329

______________________

(1) إنباه الرواة، 4 / 114.

(2) الغنية، ص 279.

(3) علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي (440-528 ه‍) .

(4) له شرح على الكتاب و أصول ابن السراج و الإيضاح و الجمل و الكافي و المقتضب، ترجمته في القفطي إنباه الرواة ج 2 ص 227، و بغية الوعاة ج 1 ص 326. علي بن محمد الكتامي الإشبيلي (ت 680 ه‍) له شرح كتاب سيبويه جمع فيه بين شرحي السيرافي و ابن خروف ترجمته في بغية الوعاة ج 2 ص 204.

(5) علي بن محمد بن علي بن محمد أبو الحسن ابن خروف (ت 609 ه‍) أخذ عن ابن طاهر المعروف بالخدب في فاس و شرح الكتاب و الجمل، و له مناظرات مشهورة مع السهيلي أوردنا بعضها عند دراسة هذا النحوي.

(6) محمد ابراهيم النبا السهيلي و مذهبه النحوي ص 66 نقلا عن الإيضاح.

(7) محمد ابراهيم البنا أبو الحسين بن الطراوة ص 16 نقلا عن فهرست ابن خير.

(8) ابن أبي الربيع: البسيط، ص 262.

(9) البسيط، ص 740.

(10) البسيط، ص 755.

(11) البسيط، ص 352.

(12) البسيط، ص 601.

(13) البسيط، ص 901.

(14) البسيط، ص 992.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.