أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
2217
التاريخ: 12-08-2015
3783
التاريخ: 12-08-2015
826
التاريخ: 29-03-2015
3378
|
و لقد بين الدكتور محمد علي النجار في مقدمة تحقيق هذا الكتاب نماذج من البحوث التي اقتبسها منه ابن سيده في محكمه دون أن يعزوها إليه، مثل ما قد يفعل ابن الأثير في كتاب المثل السائر بينما يأخذ ابن سنان الخفاجي صاحب «سر الفصاحة» من علم ابن جني (1).
و يعتبر أبو الفتح بن جني بعد الخليل بن أحمد، ثاني عبقري نظر إلى اللغة العربي نظرة شاملة، ليستخلص من أساليبها المختلفة قواعد أصولية لضبط سماعها، و استنباط عللها، و وضع مقاييسها و بيان سماتها المميزة. و لقد استنار أبو الفتح في هذا العمل بالثروة اللغوية و النحوية التي كانت بين يديه، من ثمرات مباحث سابقيه من علماء اللغة و النحو، و لا سيما شيخه الموسوعي أبي علي الفارسي، كما أفاد كذلك من المنحى المنطقي الذي سلكه ابن السراج في أصوله، بيد أن ابن جني امتاز بشيئين: أولهما، تطبيق فكر أصول الفقه في مباحثه النحوية، ثانيا، شمول بحوثه اللغوية التي استطاع من خلالها إبراز «خصائص» اللغة و أصولها و فتح صفحة جديدة في تاريخ النحو العربي ذلك أن الدراسات التي سبقته اقتصرت على استنباط القواعد و بيان شروط القياس عليها، و استخراج عللها، أما هو فقد تناول بصورة أشمل، و بنظر أعمق ظواهر اللغة و النحو في عملية متكاملة، ترمي إلى تفسير الظواهر اللغوية من حيث الصلة بين الألفاظ و التراكيب و الدلالات،
ص194
و يتمثل هذا العمل في العرض الفريد الذي قدمه في كتاب الخصائص الذي ألغى الحواجز التي أقيمت بين النحاة و اللغويين.
و القيام بهذا النوع من العمل يحتاج إلى من له معرفة راسخة في اللغة و النحو. و لعل كونه من غير أصل عربي جعله أكثر تأهيلا للتفكير فيها بموضوعية، ذلك أن العربي يعيش لغته دون تفكير، فهي جزء من كيانه لا يمكن أن ينفصل عنها، أو يتجرد عنها أو تصبر مشكلا ماثلا أمامه لأنها سر من حياته الطبيعية، فهو يشعر بها و يستعملها سليقة و ليست خرجة عنه، فهو يفكر بها و لا يحتاج أن يفكر فيها مثل ما يقال إن العين لا تبصر نفسها.
و من هنا نفهم أن أكثر الذين برعوا في تقنين قواعد اللغة و البيان كانوا من غير أصل عربي، أمثال سيبويه، و أبي علي الفارسي، و ابن جني، و الزمخشري و الجزولي.
فكل هؤلاء تصوروا اللغة العربية علما مستقلا، تتطلب دراسته معرفة أسس القواعد و أبنيته، و ضوابط مدلولاته العامة، ليتجاوزوا تقنين الاستعمالات الفردية التي لا تخضع للمنطق الخارجي.
و هكذا حوّل سيبويه تأملات الخليل العلمية، إلى قوانين ثابتة، و وضع ابن جني نظريات النحاة في شكل نظام لغوي عام يتجاوز حقل اللغة نفسها بصفتها ألفاظا و معاني ليتناول أسس آليات التفكير و التعبير، انطلاقا من الصوتيات إلى الأشكال البنيوية.
كل هذا واضح في كتبه التي تربو على الستين، و التي أصدق ما يقال عنها وصفه هو لها إذ يقول أبيات شعر:
جاءت به عنس من الشام تلق
و اللوق ما خدم باليد و حرك و في الحديث «لا آكل من الطعام إلا ما لوق لي» و منه اللوقة للزبدة لخفتها و حركتها، و اللقو، اشتق منه اللقوة و هي العقاب لخفتها و سرعة طيرانها (4).
و يقول: و بعد فقد ترى ما قدمنا في هذا أنفا (5)، أي لم يسبق إليه، و أما (كلم) فالمستعمل من أصولها الستة خمسة، و إذا ما قلبت فمعناها الدلالة على القوة و الشدة. فالكلم الجرح، و استدل بقول امرئ القيس:
ص196
ثم عرّف النحو بأنه: (انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب و غيره كالتثنية، و الجمع، و التحقير، و التكسير، و الإضافة، و النسب و التركيب و غير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة بأهلها في الفصاحة، فينطق بها و إن لم يكن منهم و إن شذّ بعضهم عنها رد به إليها. و هو في الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوا كقولك قصدت قصدا ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم) (7).
و تطرق لإعراب و البناء فقال: الإعراب الإبانة عن المعاني بالألفاظ. ألا ترى أنك إذا سمعت: أكرم سعيد أباه، و شكر سعيدا أبوه، علمت برفع أحدهما و نصب الآخر الفاعل من المفعول؟ و لو كان الكلام شرجا واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه(8).
و البناء لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السكون أو الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل، سمي بذلك من حيث كان البناء ملازما موضعه (9).
ثم تناول في هذا الكتاب الفريد من نوعه، مجموعة من أهم القضايا التي تبحث فيما يعرف اليوم باللسانيات، و نستعرض بعضها في الحديث عن مذهبه النحوي.
ص197
_______________________
(1) الخصائص (المقدمة) :1 /29-32.
(2) معجم الأدباء:1593.
(3) الخصائص (باختصار)1/ 1-2.
(4) المصدر نفسه:1 /5-11.
(5) المصدر نفسه:1 /12.
(6) المصدر نفسه:1 / 13 -17.
(7) الخصائص:1 /34.
(8) المصدر نفسه:1 /35.
(9) المصدر نفسه:1 /37.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|