المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية الماشية في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
2024-11-06
تقييم الموارد المائية في الوطن العربي
2024-11-06
تقسيم الامطار في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في الهند
2024-11-06
النضج السياسي في الوطن العربي
2024-11-06
تربية الماشية في روسيا الفيدرالية
2024-11-06

Atomic Theory through the Nineteenth Century
28-12-2019
التواتر عند محدّثي السنّة.
2023-08-20
المرأة حرة؛ تلك مسؤولة
25-7-2022
Mary Ann Elizabeth Stephansen
19-4-2017
نبذة تاريخية عن مندل
18-10-2015
Jacob T Schwartz
18-3-2018


ما يلزم القوافي من الحركات  
  
2675   05:56 مساءاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : الأخفش الأوسط
الكتاب أو المصدر : القوافي
الجزء والصفحة : ص5-12
القسم : الأدب الــعربــي / العروض /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015 1893
التاريخ: 24-03-2015 1470
التاريخ: 24-03-2015 7620
التاريخ: 24-03-2015 1632

..وفي القوافي مما يلزم من الحركات الرَّسّ. وهي فتحة الحرف الذي قبل حرف التأسيس. نحو قول امرئ القيس:

دعْ عنكَ نهباً صيحَ في حجراتِهِ ... ولكن حديثاً ما حديثُ الرواحلِ

فتحةُ الواو هي رسٌ. ولا يكونُ الرّسّ إلا فتحة، وهي لازمةٌ.

ومنها الحذو. وهو حركة الحرف الذي قبل الردّف. وتجوز ضمّته مع كسرته، ولا تجوز مع غيره، نحو ضمة قول مع كسرة قيل، وفتحة قول مع فتحة قيل ولا يجوز بيع مع بيع.

ومنها التّوجيه. وهي حركة الحرف الذي يلي جنب الرّويّ المقيد. ولا يجوز مع الفتح غيره، نحو قوله:

قد جبر الدّين الإله فجبر

التزم الفتح فيها كلّها. ويجوز الكسر مع الضمّ في قصيدة واحدة. قال الشاعر:

مضبورةٍ قرواءَ هرْ جابِ فنقْ

ثم قال: ألّفَ شتَّى، ليس بالراعي الحمقْ وقد أجازوا الفتح مع هذا. قال:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترَقْ

وليس هذا كالألف والياء والواو في الرّدفِ. لأن تلك حروفٌ، فقبحَ جمعها في قصيدة واحدة. وهذه حركات، فكانت أقلَّ من الحروف وأضعفَ. ومن لم يجعل المفتوح مع المكسور والمضموم شبّهه بترك الألف مع الياء والواو في الرّدفِ. وقد جعلت الشعراءُ المفتوح مع المكسور والمضمومِ فأكثرت من ذلك. قال طرفه:

نزعُ الجاهلَ في مجلسِنا ... فترى المجلس فينا الحرمْ

ثم قال:

فهي تنضو قبل الداعي إذا ... جعل الداعي يخلُّ ويعمُ

ومنها المجرى وهي حركة حرف الرّويّ، فتحته وضمّتُه وكسرتُه. وليس في الرّويّ المقيّد مجرىً. والمقيدُ على ضربين مقيدٌ تمَّ به وزنه، نحو:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ

فإن زدت فيه حركة كانت فضلاً على البيت ومفيَّد مدَّ عمّا هو أقصر منه، نحو فعول في ثاني المتقارب، مدَّ عن فعل عوضاً له من الوصل.

ومنها النفاذ. وهو حركة هاء الوصل التي تكون للإضمار. ولم يتحركْ من حروف الوصل غيرها، نحو فتحة ها أجمالها وكسرة هاء:

تجرّدَ المجنونِ عن كسائهِ

وضمَّةِ هاء:

وبلدٍ عاميةٍ أعماؤهُ

فهذا جميع ما ذكره الخليلُ من اللّوازم في القوافي من الحروف والحركات.

وفيها غير هذا لم يذكره. وهو أنَّ العربَ إذا أنشدت الشعر الذي في آخره الهاء الساكنة التي للمضمر المذكَّرِ، والبيت لا يحتاجُ إلى حركتها، حرّكوها بالضمّ، وزادوا بعدها واواً، نحو قوله:

أخطلَ، والدّهرُ كثيرٌ خطلهُوُ

ونحو:

ولمَّا رأيتُ الدَّهرَ جماً خبلهُو

كلُّهم يحرِّك الهاء، ويزيد الواو ويكسرها، ويزيد ياء، إذا كانت في موضع تكون في كلامهم مكسورة.

وكثيرٌ من العرب يحرّك الرّويّ المقيّدَ ويزيد عليه نوناً في الوصل. سمعت ذلك ممّنَ لا أحصيه من العرب في نحو:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقنْ

ونحو:

ومنهلٍ وردتُه طامِ خالنْ

وزعم يونس أنه سمع ذلك من رؤبةَ.

وممّا لم يذكر الخليلُ التَّعدِّي والمتعدِّي، والغلوَّ والغالي أمّا التعدي فحركة الهاء التي للمضمر المذكر الساكنة في الشعر، نحو: خبلُهْ.

فالهاء متحركة إذا وصلت كلامك. والمتعدّي الواو التي تلحقها من بعدها، نحو:

تنفرُ منه الخيلُ ما لم نعزلُهُ

وكذلك الياء. فحركة الهاء التّعدّي، والياء المتعدّي. والغلوّ حركة قاف: وقاتم الأعماقِ خاوي المخترقنْ والنون هي الغالي.

وهذه الحركة والنونٌ والواو والياء لا يحتسب بهنَّ في البيت، إنّما هنَّ زوائد كزوائد الواو وسائر حروف العطف في أوّل البيت، وفي أوّل النصف الثاني، ثم لا يحتسب بهنَّ، وإنّما زادوهن كما يزيدون ما ولا في الكلام، وكما يزيدون الميم في ابن، فيقولون ابنم. الميم زائدة منونة.

وإنّما دعاهم إلى حركة الهاء وإدخال الواو أنّ ذلك كان حالها في كلامهم، فاستنكروا إسكانها، لأنّها لم تكن تجري هكذا على ألسنتهم، فأجروها على كلامهم. وجعلوا ما زادوا فيها زيادة في الشعر، إذ كان الشعر يحتمل الزيادة، ولا يكون ذلك كسراً له.

وأمّا حركة حروف الرّويّ المقيّد فإن أكثر الشعر مطلق. ومن لغة هؤلاء أن يزيدوا في المطلق النون في الوصل وكثر ذلك على ألسنتهم، واعتادوه فيما يحتاجون إليه. فجروا على ذلك فيما لا يحتاجون إليه، كما قال كثيرٌ من العرب: هذا الرّام، وهذا القاض، في الوقف. فحذفوا الياء، لعلمهم أن سيدخل عليه في الوصل حذف الياء للتنوين لئلا يجتمع ساكنان. ويقولون: هذا القاض، فيحذفون الياء، وليس بعدها ساكن، ولا يتخوّفونه، لأنّ هذا في أكثر كلامهم، تحذف منه الياء للتنوين إذا طرحت الألف واللام، وطرحت منه الياء. فلما كثر حذفها فيما يحتاجون إليه حذفوها فيما لا يحتاجون إليه.

ومنها الإشباع. وهو حركة الحرف الذي بين التأسيس والرّويّ المطلق. محو قوله:

يزيدُ يغضُّ الطرفَ دوني كأنَّما ... زوَى بينَ عينيهِ عليَّ المحاجمُ

كسرة هذه الجيم هي الإشباع، قد لزمتها العرب في كثير من أشعارها. ولا يحسن أن يجتمع فتح مع كسرٍ، ولا مع كسر ضمٌّ، لأنَّ ذلك لم يقل إلاَّ قليلاً.

وقد كان الخليل يجيز هذا، ولا يجيز التّوجيه إذا اختلف الفتح أو الكسر أو الضمّ. والتوجيه قد جمعته العرب وأكثرت من جمعه. وهذا لم يقل إلاَّ شاذاً. وهذا أجدر أن لا يجاز.

وقد لزم الأعشى الكسر في هذه القصيدة كلّها، وفي كلِّ شيءٍ. ولزمه امرؤ القيس. وجميع ما سمعنا من الشعر على هذا، إلاَّ الشيء القليلَ يشذّ. قال:

وخرجتِ مائلةَ التَّحاسرِ

في قوله:

قومْي علوْا قدماً بمجدِ فاخرِ ... لمعَ القطا تأتي لخمسٍ باكرِ

والمفتوح أقلُّ: يا نخلَ، ذاتَ السّدرِ والجداولِ

تطاوَلي ما شئتِ أنْ تطاوَلي

إنَّا سنرميكِ بكلِّ بازلِ

وكلُّ هذه الحروف والحركات قد تجتمع في قافية، إلاَّ التأسيسَ والرّدف، فإنّهما لا يجتمعان في قافية، ولا الرسُّ والحذو، ولا التعدِّي والمتعدِّي والغلوُّ والغالي. ويكون التعدي والمتعدي معها كلّها. وقد يكون الغلوُّ والغالي معها كلِّها، إلاَّ الخروجَ والنَّفاذَ. وقد ذكروا أنَّ لبيداً قال في قوله:

كبيشةُ حلَّتْ بعدَ أهلكَ عاقلا

ثم قال فيها: قاتلاً، ففتح. ولم نسمعه ولا شيئاً من نحوه إلا شاذاً وزعموا أنَّ هذه الأبياتَ من قولِ العرب:

يا نخلَ، ذاتَ السّدرِ والجداولِ

تطاوَلي ما شئتِ أن تطاولِي

إنَّا سنرميكِ بكلِّ بازلِ

رحبِ الفروجِ ليِّنِ المفاصلِ

نخلة: اسم موضع، فرخّمَ. قال أبو عثمان: سمعت أفصحَ الناس ينشدُ هذه الأبيات. وقال صخر الغي:

لو أنَّ أصحابي بنو معاويهْ

أهلُ جنوبِ نخلةَ الشّآميهْ

لم يسلموني للذئابِ العاويهْ

وفي القوافي الإقواءُ والإكفاءُ والسّنادُ والإيطاء.

أمّا الإقواءُ فمعيبٌ. وقد تكلمت به العرب كثيراً. وهو رفع بيتٍ، وجرُّ آخر، نحو قول الشاعر:

لا بأس بالقيوم من طولٍ ومن عظمِ ... جسمُ البغالِ، وأحلامُ العصافيرِ

ثم قال:

كأنَّهم قصبٌ جوفٌ أسافلُهُ ... مثقَّبٌ نفختْ فيه الأعاصيرِّ

جرّ قافية، ورفع أخرى. وقال النابغة:

سقطَ النّصيفُ، ولم تردْ إسقاطهُ، ... فتناولتْهُ واتّقتنا باليدِ

بمخضَّبٍ رخصٍ كأنَّ بنانَه ... عنمٌ يكادُ من اللطافةِ يعقدُ

وقد سمعتُ مثلَ هذا من العربِ كثيراً ما لا يحصى. قلَّ قصيدةٌ ينشدونها إلاَّ وفيها الإقواءُ، ثم لا يستنكرونه، وذلك لأنه لا يكسر الشعر. وكل بيتٍ منها شعرٌ على حياله.

وزعم الخليلُ أن الإكفاءَ هو الإقواءُ. وقد سمعته من غيره من أهل العلم. وسألت العربَ الفصحاءَ عن الإكفاء، فإذا هم يجعلونه الفسادَ في آخر الشعر، والاختلافَ، من غير أن يحدّوا في ذلك شيئاً. إلاّ أنني رأيت بعضهم يجعله اختلاف الحروف وأنشدته:

كأنَّ فا قارورة لم تعفصِ

منها حجاجا مقلةٍ لم تلخصِ

كأنِّ صيرانَ المهَا المنقِّزِ

فقال: هذا إكفاءٌ. وأنشده آخرُ قوافي على رحوف مختلفةٍ، فعابه، ولا أعلمه إلاّ قال: قد أكفأت. إلاّ أنني رأيتهم إذا قربت مخارج الحروف، أو كانت من مخرجِ واحد، ثم اشتدّ تشابهها، لم يفطن لها عامّتهم. والمكفأ في كلامهم هو المقلوب. وإلى هذا يذهبونَ. قال الشاعر، وسمعته من العرب:

ولما أصابتني من الدهرِ نبوةٌ ... شغلتُ، وألهى الناسَ عني شؤونُها

إذا الفارغَ المكفيَّ منهم دعوتُه ... أبرَّ، وكانت دعوةً يستديمُها

فجعل الميم مع النون لشبهها بها، لأنهما يخرجان من الخياشم، وأخبرني من أثق به من أهل العلم أنَّ بنتَ أبي مسافعٍ، امرأةً من العرب، قالت ترثي أباها، وقتل وهو يحمي جيفةَ أبي جهل:

وما ليثُ غريفٍ ذو ... أظافير وإقدامْ

كحبيِّ إذْ تلاقوا، و ... وجوهُ القومِ أقرانْ

وأنتَ الطاعنُ النَّجلا ... ء، منها مزبدٌ آنّ

وفي الكفِّ حسامٌ صا ... رمٌ أبيضُ خذّامُ

وقد ترحلُ بالرَّكبِ ... وما تخننِي بصحبانْ

جمعت بين النوم والميم لقربهما، وهو فيهما كثيرٌ. وقد سمعتُ من العرب مثل هذا مالا أحصي.

وسمعت الباءَ مع اللامِ، والميم مع الراء، كلّ هذا في قصيدة.

قال الشاعر:

ألا قد أرى لم تكن أمُّ مالكٍ ... بملكُ يدي أنَّ البقاءَ قليلُ

وقال فيها:

رأى من رفيقيهِ جفاءَ، وبيعُهُ ... إذا قامَ يبتاعُ القلاصَ ذميمُ

خليليَّ حلاَّ واتركا الرَّحلَ إنَّني ... بمهلكةِ، والعاقباتُ تدورُ

فليناهُ يشري رحله قالَ قائلٌ: ... لمنّ جملٌ رخوُ الملاطِ نجيبُ؟

وهذه القصيدة كلّها على اللامِ. والذي أنشدَها عربيّ فصيحٌ لا يحتشمُ من إنشاده كذا. ونهيناه غير مرة. فلم يستنكر ما يجيء به. ولا أرى قولَ الشاعر:

قد وعدتني أمُّ عمروٍ أن تا

تمسحَ رأسي، وتفلِّيني وا

وتمسحَ القنفاءَ حتَّى تنتَا

إلاَّ على هذا، لأنَّ قوله أن تا أخذ التاءَ من تمسحُ، وكانت مفتوحةَ فزادَ معها الألفَ، ثم أعادها حين قال تمسحُ. وكذلك الذي في وتفلّيني، إنما هي الواو التي في وتمسحُ القنفاءَ جعلَ ما قبل الألف حرف الرّويّ، وخالف بين الحروف، لأنَّ التاء قريبةُ المخرجِ من الواو، وليست بأبعد من الواو من الراء، واللام من الباء في قوله قليلُ وتدور ونجيبُ. وهذا من أقبحِ ما جاءَ، لبعدِ مخارجها.

فأما الميم والنونُ واللام فكثيرٌ. وعلى ذلك قول أبي جهل:

ما تنقمُ الحربُ العوانُ منِّي

بازلُ عامينِ حديثٌ سنِّي

لمثلِ هذا ولدَتني أمِّي

فما قبل الياء هو حرف الرّويّ. ولا يجوز أن يكون الياءُ روياً، وإن كان في الشعر مقيدُ، لأنَّ العرب لا تقيِّدُ شيئاً من الشعرِ تصلُ إلى إطلاقه في اللفظ إلاَّ وهو بين ضربِ أقصرَ منه، وضربٍ أطولَ منه، نحو فعول في المتقارب بين فعلون وبين فعلْ. فلا تكونُ لذلك الياء حرف الرّويّ لوصولهم إلى إطلاقها بأن تقول: منِّيا، وسنِّيا، وأمِّيا.

وأخبرني من أثقُ به عن ابن العجاج أنّه قال:

قبَّحتِ من سالفةٍ ومن صدغْ

كأنّها كشيةُ ضبٍّ في صقُعْ

جعل إحداهما عيناً، والأخرى غيناً. وأمَّا يونس فروى عن أبي عمرو أنَّه جعلهما غينين، وقال: لولا ذلك لو أروهما وروى عن العرب:

فليت سِماكياً يحارُ ربابُهُ ... يقادُ إلى أهلِ الغضَا بزمامِ

فيشربَ منه جحوشٌ، ويشيمهُ ... بعيني قطامِي أغرَّ يمانِ

فجاءَ بالميم والنونِ. وسمعت منه:

أأنْ ردَّ أجمالٌ، وفارقَ جيرةُ، ... وصاحَ غرابُ البينِ، أنت حزينُ

تنادوا بأعلى سحرةٍ، وتجاوبَتْ ... هوادرُ في ساحاتِهم وصهيلُ

فرددنا عليه هذا غير مرَّةِ، والبيتين الأوّلين على نفر من أصحابه ممّن ليس بدونه، كلّهم لا يستنكر هذا. والقصيدة الأولى على الميم، في يمان شآم، قافيتُها مكان يمان شآم. والثانية على النون، مكان صهيلُ حنينُ. وكثيرٌ منهم يسمّي هذا الإكفاء كما ذكرت لك. وإنّما الإكفاء المخالفةُ. قال الشاعر:

ودويَّة قفر ترى وجهَ ركبْها ... إذا ما علوْها مكفأ غيرَ ساجعِ

المكفأ ههنا: الذي ليس بموافق. وليس قولهم في قول الشاعر:

بالخير خيراتٍ وإنْ شرّاً فا

ولا أريدُ الشرَّ إلاَّ أنْ تا

إنه أراد الفاء والتاء بشيء. ألا ترى أنكَ لو قلتَ: رأيت فا عمراً، ورأيت زيداً تا عمراً، لم يستدلَّ به أنك تريد عمراً. وكيف يريدون هذا وهم لا يعرفون الحروف.

ولا يجوز أن تجعل ألف المدّ رويّاً، نحو الرّجلا. لو جاز هذا لجازت الياء والواو الزائدتان أن تكونا روياً، نحو الرّجلو والرّجلي. وهذا لا يقوله أحدٌ من العرب، ولم يجئ في شيء من الشعر ولكن ما قبل الألف هو حرفُ الرّويّ وخالف ما بين الحروف، كما قال الشاعر:

إذا نزلتُ فاجعلاني وسطا

إنِّيَ شيخٌ لا أطيقُ العنَّدا

وهذا كثيرٌ. وقد ذكرنا قبل هذا أبياتاً كثيرة في هذا الباب سمعناها من العرب. والعنَّدُ: جمع ناقة عنود، وهي الصعبةُ التي تذهبُ عن الطريق. والعنَّدُ: جمع عاندٍ، والمعنى واحد.

ومن قال: إنه أرادَ بقوله: وتلِّيني وا الواو لكنَّه رخم قيل له: وكيف يرخّم اسمٌ على ثلاثة أحرف؟ لم يجئ هذا في شيء، ولم يقله أحدٌ في قياس إذا كان الثاني ساكناً أو متحركاً. والبغداديون يرخّمون عمر.

وجميع ما ذكرنا من هذا المختلف الرّويّ إنما هو غلطٌ. وهو يشبه من الكلام: هذا جحر ضبّ خربِ.

وأمّا السّناد فهو كلُّ فساد قبلَ حرف الرّويّ مما هو في القافية: سمعت ذلك من غير واحد من أهل العلم. نحو قول الشاعر:

ألم ترَ أنَّ تغلبَ أهلُ عزٍّ ... جبالُ معاقلِ ما يرتقينْا

ثم قال:

شربنا من دماء بني عقيلِ ... بأطرافِ القنا حتى روينا

وقد زعموا أنّ هذا البيت ليس من هذه القصيدة. كسر ما قبل الياء من روينا، وفتح ما قبلها من يرتقينا. فصارت قينا مع وينا.

ومن السّناد قول رؤبة في قول الخليل:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ

ألّفَ شتَّى، ليس بالراعي الحمقْ

فجاء بالكسر مع الفتح. وهذا عندنا جائز لكثرةِ ما جاء منه. وقال العجّاجُ:

يا دارَ سلمَى، يا اسلمَى ثم اسلمَي

ثم قال:

فخندف هامةُ هذا العالمِ

فجاء بألف التأسيس. ولم يجئ بها في شيء من البيوت غير هذا، وبيت آخر:

مباركِ، للأنبياء خاتمِ

وأمّا ما سمعت من العرب في السّناد فإنهم يجعلونه كلّ فساد في آخر الشعر، ولا يحدّون في ذلك شيئاً. وهو عيبٌ عندهم. ولا أعلم إلا أنني قد سمعت بعضهم يجعل الإقواء سناداً. وقال الشاعر:

فيها سنادٌ وإقواءٌ وتحريدُ

فجعل السّناد غير الإقواء، وجعله عيباً. ومن السناد أيضاً قوله:

تعرفُ في قعدتِهِ وحبوَتهْ

أنَّ الغداءَ إن دَنا من حاجتِهْ

وامتدَّ عرشا عنقهِ للقمَتهْ

وأمّا الإيطاءُ فردّ كلمة قد قفي بها مرة، نحو قافية على رحل، وأخرى على رحل، في قصيدة. فهذا عيبٌ عند العرب، لا يختلفون فيه. وقد يقولونه. قال النابغة:

أو أضعُ البيتَ في خرساءَ مظلمةٍ ... تقيّدُ العيرَ، لا يسري بها السَّاري

وقال فيها:

لا يخفضُ الرّزَّ عن أرضٍ ألمَّ بها ... ولا يضلُّ على مصباحِهِ السَّاري

وأما قوله:

يا ربِّ، سلِّمْ سد وهنَّ الليَّلهْ

وليلةً أخرى، وكلَّ ليلهْ

فليس بإبطاء، لأنَّ إحداهما بالألف واللام، والأخرى بغير ألفٍ ولام. فهذا جائزٌ. وإذا كثر الإيطاء كان أعيبَ عندهم. وإن طالت القصيدة، وتباعد ما بين الإيطاءين كان أحسن. وإن كان أحدها في صفة، والأخرى في صفة أخرى كان أحسنَ، لأنّ أخذه في صفة أخرى مشبّه بابتداء قصيدة أخرى. لا يكاد يأخذُ في صفة أخرى إلاَّ يصرّع في أوّل القصيدة. ويقول: لا بل قل في كذا وكذا، ودع كذا وكذا، أو عدّ عنه. فكأنه قد قطع.

وما لا يكاد يوجد في الشعر البيتان الموطآن ليس بينهما بيت أو بيتان غير موطأين في القصيدة، وثلاثة أبيات. فهذا لا يكاد يوجد، لأنَّ العيب لا يحتمل أن يكون أكثر من غير العيب. وقد قال ابن مقبل:

أو كاهتزازِ ردينْي تداولُهُ ... أيدي التِّجارِ فزادوا لِينا

نازعتُ ألبابَها لُبِّي بمقتصدٍ ... من الحديثِ حتى زدننَي لِينا

ليس بينهما شيءٌ، وهو شاذ. وقد جاءت أبياتٌ أخر من الرجز كلُّ بيت منها قافيته الله الله.

فإذا قفيتَ بلفظ في بيتين معناهما مختلفٌ، نحو ذهب تريد به الفعل، وذهب تريد به الاسم، لم يكن ذلك إيطاء. وكذلك رجل ورجل إذا كان أحدهما علماً كزيد، لأنَّ العلم ليس لغيره من الأسماء. والخليل يراه إيطاء إذا اتفّق اللفظ، واختلف المعنى.

وأمّا لرجل وبرجل وأشباه ذلك ممّا تدخل عليه العوامل ممّا ليس بمبنى معه، فإن اجتمع ذلك فهو إيطاء. وليس هذا كالرجل ورجل، لأنَّ الألف واللام لازمتان للاسم، قد صيّرتاه معرفة. وليس لزومهما فيه كلزوم حرف الجرِّ. ألا ترى أنك تدخل عليه ما يعمل فيه، وتصرفه وفيه الألف واللام.

وأمّا لم تضربي، وأنت تعني المرأةَ، فيجوز مع لم تضرب، وأنت تعني الرجل، لأنّ اللفظ مختلفٌ. وليست الياء في تضربي كاللام في رجل، لأنَّ الياءَ قد ثبتت مع الفعل، ودخلت فيه لمعنى.

وأمّا هي تضرب، وأنت تضرب، فلفظهما واحدٌ، ومعناهما واحدٌ، لأنَّك تعني الفعل فيهما جميعاً. وليس الفعل بصاحب الفعل. وجميع هذا إيطاءٌ. وكذا الزَّوج إذا عتيتَ المرأة، وزوج إذا عنيت الرجل. فالزوج أوّل، كان هو الرجل بعينه، وهو المرأة بعينها. والفعل غير صاحب الفعل. فإنّك حين قلت تفعل للمرأة، وتفعل للرجل، قد ذكرت شيئاً هو لشيئين. وحين قلت زوجٌ للرجل، وزوجٌ للمرأة، قد جئتَ بشيئين لأنثى وذكر. وإنّما معنى الزوج أنّه مع آخر. فمعناه في الرجل والمرأة واحد. فلم يدلّ على تذكير ولا تأنيث.

وأمّا جللٌ للصغير والكبير فلا يكون إيطاء.

وسمعت من العرب من يجعل الرجل عرساً. فإذا جعلت قافية عرساً تريد به الرجل، وقافية عرسا تريد به المرأة، لم يكن إلاّ إيطاء، لأنّه كأنه شيء واحد ... فقال جليل، ثم قال جليل، فهو للرجل والمرأة سواءٌ. لأنَّ هذا بمنزلة شيء واحد، لأنَّ شيئاً هو لكلِّ شيء، وهو غير ما هو سواه.

فإن قال قائلٌ: كيف لا تجيز شيء مع شيء إذا كنت تعني بأحدهما غير ما تعني بالآخر؟ قلت: لأنّ شيئاً إنما هو لكلّ شيء. ولست تستفيد إذا ذكر شيئاً دون شيء، كما لا تستفيد في زوج دون زوج أكثر من الرجل. والغلام داخل في هذا. لأنّ الغلام قد يكون صغيراً وكبيراً، وكذلك الرجل، وجميع الأشياء كلّها على هذا.

وأمّا فخذ وفخذ وعنقٌ وعنقٌ، وأشباه هذا ممّا يسكنُ وسطه، فإذا كان في قافية يجوز فيها الإسكان والتحريك لم يجز الجمع بين المسكن والمحرّك، فيقول في قافية عنق وفي أخرى عنق، لأنَّ الذي يسكن يريد به لفظ متحرك، ولكنه يستثقله، ويلفظه كذا. وذلك سواء.

وكذلك الجهد والجهد، والضعف والضّعف، جمعهما إبطاء، لأنّ الذي يقول الجهد يريد الجهد.

وقال بعضهم: الجهد والجهد ليس بإيطاء، ولكنها لغةٌ ألا ترى أنّه لو جعلَ في قافية يحب، وفي أخرى يحب، وفي قافية منتن، وفي أخرى منتن، لكانَ إيطاء. ومن زعم أنَّ ذا ليس بإيطاء دخل عليه أن يزعم أن رمى ورمى، وعالم وعالم، إذا جمع بينهما، وأحدهما ممالٌ، غير إيطاء. وهذا لا يقوله أحدٌ.

ولو جمعت بين بدا بذا وما لذا، فجعلت الذال روياً أو الألف كان ذلك إيطاء. فإن قلت: كرّرت حرف الرّويّ، فقد يدخل عليك أن تفعل هذا بجميع المنفصل الذي ليس بمضمرٍ. وهذا لا يكون، إنما يكون هذا في الاسم المضمر، نحو بدا بك ورمى بك.

وأمّا كتابهم مع ثيابهم فليس بإيطاء، لأنَّ هم اسم مضمر لازم لما قبله حتى كأنّه بعضه. وكذلك دعاهم مع رماهم. وكذلك كلّ موضع يكون المضمر فيه لازماً للأول. وإنما يعرف لزومه للأول في الواحد، ألا ترى أنّ دعاه ورماه لا تستطيع أن تفصل منه المضمر. ولو جاء كما هي مع ألا هي، أو كما هما مع ألا هما، كان إيطاء لأن هذا منفصل من الأول، وهو مبتدأ، تقول: ألا هو وألا هي.

وأمّا أتى به ورمى به، وأتى بهما مع رمى بهما، فقد أكثرت من جمعه الشعراء. وكذلك جميع حروف الجر ممّا ليس باسم، إذا ألزقوها بحروف الإضمار. وذلك أنَّ مجراها في كلامهم كمجرى ما ليس فيه حرفٌ. وإذا لم يكن فيه حرف جر فهو متصل بالأوّل. وإجراؤهم إيّاه مجراه أنّهم يقولون: أزيداً مررت له، فيجرونه مجرى أزيداً ضربته. ويقولون: أزيداً كنت له، يجرونه مجرى أزيداً كنته. ومع هذا أن حرف الجر، الذي هو حرف واحد، غير منفصل مما بعده إذا كان مضمراً، حتى قد يضمر معه الساكن، فنقول: لي وبي، فقد صار معه الساكن. فتقول: لي وبي، فقد صار هو المضمر بمنزلة شيء واحد. والمضمر غير منفصل ممّا قبله، فصار هو والمضمر كشيء واحد متصل بما عمل فيه.

وأمّا تضرب وتضرب فليس بمنزلة لرجل وكرجل، لأنَّ دخول التاء على ضرب قد غيّره إلى بناء آخر يدخله الإعراب. وكذلك لم تضربي لأن الياء من البناء، ولو جعلت هذا للرجل لم تكن الياء فيه. ألا ترى أنك تدخل عليهما العامل كما تدخله على ما فيه الألف واللام. وهي أقوى من الألف واللام، لأنك قد تلقي الألف واللام، ولا تغير البناء، وتثبت الإعراب على حاله.

وأمّا غلامي إذا أردت به الإضافة مع غلام في غير الإضافة فليس بإبطاء، لأنَّ هذه الياء قد ألزمت الميم الكسرة، وصيّرته إلى أن بني عليها. وقولك: لرجل، ليس هذا الكسر الذي فيه ببناء.

وزعموا أن الخليل كان يجعل ما كان لفظه واحداً، واختلف معناه إيطاء. وهذا ينكر، وقد قال هو بخلافه، لأنَّه قد جوز ذهب إذا أريد به الفعل مع ذهب إذا عني به الاسم، وهو الذّهب، والرجل مع الرجل إذا كنت تعني بأحدهما الرجولة، والآخر العلم. ولو كان هذا إيطاء لكان قول الشاعر:

هذا جنايَ وخيارهُ فيهِ

إذْ كلُّ جانٍ يدُه إلى فيهِ

إيطاءً، لأنَّ لفظهما واحدٌ. وأنشدني هذين البيتين يونس، وسمعهما من العرب. فإن قال: فإنّ لفظ هذين قد يختلف في بعض المواضع، قلت: فإنَّ رجلاً إذا كان علماً لم يخالف لفظ رجلاً إذا لم يكن علماً.

قال أبو الحسن: وفي القوافي النّصب والبأو. وذلك كل قافية سليمة من السّناد، تامّة البناء. فإذا جاء ذلك في الشعر المجزوء لم يسمّوه نصباً ولا بأوا، وإن كانت قافيته قد تمت، نحو قوله:

قد جبرَ الدّين الإلهُ فجبر

سمعنا ذلك من العرب.

وليس ذا ممّا سمّى الخليل، وإنما تؤخذ الأسماء عن العرب. وقد يجوز وضع الاسم ليفصل به الشيء من غيره. وليس هذا كالأسماء التي هي أعيانٌ، لأنّ هذه الأسماء عامّة. كلُّ ما كان في مثل البسيط فهو بسيطٌ. وليس كل من كان في حال زيد اسمه زيد.

وفي الشعر التضمين، وليس بعيب، وإن كان غيره أحسن منه. ولو كان كلُّ ما وجد ما هو أحسن منه قبيحاً كان قول الشاعر:

ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيكَ بالأخبارِ منْ لم تزوّدِ

رديئاً، إذا وجد ما هو أشعر منه. فليس التضمين بعيب كل أنّ هذا ليس برديء. والتضمين نحو قول حاتم:

أماويَّ، إنْ يصبحْ صدايَ بقفزةٍ ... من الأرضِ، لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ

تريْ أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضرَّني ... وأنَّ يدي ممّا بخلتُ به صفرُ

وقول النابغة:

وهمْ وردوا الجفارَ على تميمٍ ... وهمْ أصحاب يومِ عكاظَ، إنيِّ

شهدتُ لهم مواطنَ صالحاتٍ ... أتينَهُمُ بودِّ الصدرِ مِني

وفي الشعر الرّمل، وهو عند العرب عيبٌ. وهو ممّا تسمّي العرب. وهو كلّ شعر مهزول، ليس بمؤلّف البناء. ولا يحدّون في ذلك شيئاً. وهو نحو قول عبيد:

أقفرَ من أهلهِ ملحوبُ ... فالقطّبيّاتُ فالذَّنوبَ

ونحو قول ابن الزِّبعري:

ألا لله قومٌ و ... لدتْ أختُ بني سهمِ

هشامٌ وأبو عبد ... منافٍ مدرهُ الخضمِ

وعامة المجزوء يجعلونه رملاً.

وفيه التّحريد. ولا يحدّون فيه شيئاً، إلاَّ أنهم يريدون به غير المستقيم، مثل الحرد في الرجلين.

سمعت كثيراً من العرب يقول: جميع الشعر قصيد ورمل ورجزٌ. أما القصيد فالطويل، والبسيط التام، والكامل التام، والمديد التامّ، والوافر التامّ، والرجز التامّ. وهو ما تغنّى به الركبان، ولم نسمعهم يتغنّون إلا بهذه الأبنية. وقد زعم بعضهم أنّهم يتغنّون بالخفيف. والرّمل كلّ ما كان غير هذا من الشعر وغيره الرجز، فهو رملٌ. والرّجز عند العرب كلّ ما كان على ثلاثة أجزاء، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم، ويحدون به. وقد روى بعض من أثق به نحو هذا البيت عن الخليل: هذا من باب ما يكون رويا من الياس والواو والألف اعلم أن الياء والواو والألف إذا كنّ من الأصل، وكانت الياءُ والواو ساكنتين أو متحركتين، جعلنَ روياً. وكذلك الزوائد إذا بنين مع الكلمة. أمّا اللواتي من الأصل فياء يرمي ويقضي، وواو يغزو ويدعو. وألف قضى ورمى. والزوائد اللاتي بنين مع الكلمة نحو ألف بشرى ومعزى، وواو قمحدو وقلنسو إذا أردت قمحدوة وقلنسوة، وياء رباعي وقراسيّ. فكلّ هؤلاء يجعلن حروفاً للرويّ.

وإن شئت لم يجعلن روياً، وشبّهتهنّ بالياء والواو والألف اللاتي هنَّ مدّاتٌ. قال الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري ثم قال:

السّترُ دونَ الفاحشاتٍ وما ... يلقاكَ دونَ الخيرِ من ستر

فجعل الراء روياً، والياء، وهي من الأصل، وصلاً وقال:

فهنّ يعكفن به إذا حجا

عكف النبيطِ يلعبون الفنزَجا

فجعل ألفَ حجا، وهي من الأصل، وصلاً، وجعل الجيم روياً. وكذلك واو يغزو لو جاءت في قافية جعلتها وصلاً. وما جاء من الألفات، اللاتي هنّ من الأصل، روياً أكثر من الواو والياء. قال الشاعر:

ذكرتُ والأهواءُ تدعو للهوَى

والعيسُ بالرّكبِ يجاذبنَ البرَى

فجعل الألف روياً. وهذا كثير.

والممال من ذلك وغير الممال سواءٌ. لو قال قفا مع حبلى، أو قفا مع فتى، كان ذلك جائزاً، لأنه وإن أمالها فهي الألف ألا ترى أنَّ عالم يجوز مع قادم، وليس أحدٌ يميل قادماً. فلو كان إذا أمال صارت ياء لصارت ألف عالم ياء، ولم تكن تأسيساً. ولكنّ الإمالة كهمز بعض العرب ألفات الوقف اللاتي يكنّ في موضع التنوين. وذلك أن بعض العرب يقول في الوقف: رأيت رجلا. كأنه يهمز الألف. فإذا وصل أذهبها. فلو كان إذا أمال لم يجزها مع غير الممال للزمه إذا قال: رأيت عمرأ، فهمز، أن يجعله في الشعر المقيّد، ويجعل الهمزة روياً لأنّها، ليست تلك الألف التي هي بدل من التنوين. وأحسنه أن لا يميل، فيقول: رأيت حبلى مع قفا. ولو شاء أمال حبلى مع قفا، فإنّ ذلك كثير مّما تقوله العرب.

قال الشاعر فيما جعل من الزائد، الذي يبنى مع الكلمة روياً:

ألم تكنَ حلفتَ بالله العلِي

أنَّ مطاياكَ لمنْ خيرِ المطِي

فجعل الياء رويا، وهي الياء التي في موضع ياء فعيل، وألقى المتحركة لمّا احتاجَ إلى إلقائها. وقد قال قومٌ: إنه ألقَى الزائدة. وليس ذلك بحسنٍ، لأنَّه مستخفٌّ للأوّلِ، فإنّما يرتدغ عند الثاني. فلما جاء لفظٌ لا يكونُ مع الأولِ تركته كما تقف على الثقيل بالخفّة لذلك.

وإنما طرحَ الزوائد في التصغير وأشباهه لأنّه يريد بناء غير البناء الذي هو فيه. فإن أراده في ذا قال مغزو وعدو، إذا أراد البناء لأنّه إذا خفّف الأولى صارت الآخرة ياء. تقول إذا خفّفت: مغزو، كما خفّفت العلي، بقيت واواً خفيفة وقبلها حركةٌ، فتقلبها ياءً كما فعلت في أدل ونحوه.

ومما لا يكون إلا روياً الياء والواو اللتان للإضمار، إذا انفتح ما قبلهما، نحو أو واستحيوا ورموا، وياء يخشى ويسعى. وإنما منعهنَّ أنْ يكنَّ وصلاً أنهن لسن على ا قبلهن، فلم يشبهنَ المدّات.

فأمّا الياء التي قبلها كسرةٌ، والواو التي قبلها ضمّةُ، نحو ياء اضربي واذهبي، وواو اذهبوا واخرجوا، فيكونان وصلاً لأنهما على ما قبلهما، فأشبهتا حروف المدّ اللاتي يلحقن بالقوافي، وليس لهنَّ أصولٌ في الكلام. وقد تجعل ياء اضربي، وواو اضربوا روياً، لأنّهما بنيتا مع الكلمة، وجاءتا لمعنى فأشبهتا الواوَ والياء اللتين من الأصل، وأن لم يكونا في قوّتهما.

وأمّا ألف اذهبا واضربا فلا تكون روياً، لأنَّ الألف قريبة الشبه من الهاء، تبين بها الحركة من أنا إذا وقفت، كما تبين بالهاء في عليّه وأشباه ذلك. فضعفت الألف، ولم نجدها في شيء من الشعر روياً. وليست مثل ألف بشرى، لأنَّ هذه الألف دخلت على ضرب بعدما بنى للواحد، وثبت في الكلام. فأشبهت ألف رأيت زيداً. فأما بشرى فلم يثبت منها في الكلام بشر، ثم ألحقت الألف. فألفها قد بنيت معها، وجاءت لمعنى، لأنّها قد بنيت.

وفرق بين الألف في اضربا، والياء في اضربي، والواو في اضربوا، لأنَّ الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما لم يكونا إلا روياً لم يختلفْ في ذلك. وليست هكذا حال الألف.

وقد جعلها قومٌ روياً، وقالوا: لأنّها بنيت مع الكلمة، والهاء لا تبنى مع الكلمة. وهذا قوّى أنَّ اضربا بناءٌ على حياله، ولم تلحق الألفُ اضرب، كما تلحق الهاء.

وأمّا ياء الإضافة، نحو كتابي ومالي وأشباه ذلك، إذا كانت الياء ساكنةً فقد يجوز أن تكون روياً، وهو قليلٌ. شبهّوها بياء الأصل وياء اضربي إذا لزمت ما قبلها حتى لا يقدر على فصلها منه. قال الشاعر:

إني امرؤ أحمي ذمارَ اخوتِي

إذا رأوا كريهةً يرمونَ بي

رميكَ بالدَّلوينِ في قعرِ الرَّكي

جعل الياء روياً، وهذا قليلٌ. وأن لا يكون روياً أحسنُ. وكذلك قاله الشعراء. لأنّها أضعف من ياء أضربي، لأنَّها تحذف في النداء والندبة، فيقولون: يا غلام اضرب، ويا غلاماه. وأخبرني من أثق به أنّ ناساً من أهل الحجاز يقولون: هذا غلام، في الوصل وفي الوقف. وأخبرني من سمع من العرب: هذا غلام قد جاءني، في الوصل. فهذه الياء ضعيفة، ليست لها قوة ياء اضربي. ولو لم يكن فيه إلاَّ أنَّ العرب قد قالته كان ذلك كافياً.

وأما ياء النّسبة فإذا خفّفتْ في الشعرِ وأسكنتْ فإنَّ أكثرهم يجعلها روياً، لأنَّها خفّفت من متحرك لا يكون إلا روياً. وهي مع هذا لم يدخلها حذفٌ كما دخل يا غلامي. فهي أقوى. قال الشاعر فجعلها روياً:

إنَّ عدياً كتبت إلى عدي

وجعلتْ أموالَها في الحطَمي

إرهنْ بنيكَ عندهمْ أرهنْ بَنِي

وهذا جاهليٌ. وقال آخر:

إنِّي لمنْ ينكرني ابن اليثرِبي

قتلتُ علباءَ وهندَ الجملِي

وابناً لصوحانَ على دين علي

وقد يجوز أن تجعلها روياً، وتشبّهها بالياء التي دخلت للمدّة، وهي زائدةٌ لم تبن مع الكلمة، كما شبهت ما هو من الأصل بها.

وكلُّ هذه الهاءات والواوات التي ذكرت في هذه الأبواب إذا تحرّكن لم يكن إلاَّ روياً، ولم يجز أن يكون وصلاً، نحو لن يقضيه، ولن يرميه. والفرق بين ياء غلامي وقفاي وياء النّسبة إذا أسكنت أنّهم إنما أسكنوها اضطراراً، وياء غلامي فيها لغتان الإسكان والتحريك.

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.