أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015
4349
التاريخ: 24-03-2015
7939
التاريخ: 24-03-2015
1935
التاريخ: 24-03-2015
2933
|
وما لم يكن مما مضى ادع بعلةِ
زيادته والنقص فرقاً لذي النهى
أقول: مقتضى هذا الكلام أن تكون العلة عبارة عن التغيير الذي لا يكون في ثواني الأسباب، وعلى ذلك مشاه الشريف. فإن قلت لا نزاع في أن القصر من العلل، وهو حذف ساكن السبب قطعاً، فيلزم أن لا يكون علةً، وهو باطل، قلت: هو وإن كان فيه تغيير ثاني السبب بإسقاطه لكن ليس هذا تمام مسماه، وإنما مسماة تغيير ثاني السبب بحذفه، وتغيير أوله بإسكانه. والمراد بقولهم: الزحاف تغيير ثاني السبب أنه تغيير الثاني فقط، فزال الإشكال.
فإن قلت: من خاصة العلة لزومها حيث وقعت، وقد عد الناظم الخزم، بالزاي، من علل الزيادة فيلزم على هذا أن يكون لازماً وهو باطل، قلت: قد يتخلف اللزوم بعارضِ. وهذا كذلك، ضرورة أن هذه الزيادة خارجةٌ عن وزن البيت. وفي عبارة الناظم ما يقتضي عدم اللزوم، فإنه حكم على هذا النوع من العلل بالقبح، بل جعله أقبح ما يرى. ولا يتأتى القول بذلك مع لزومه. وقسم الناظم العلة إلى زيادةِ ونقصِ. وسيأتي تحقيق ذلك. وقوله (فرقاً) مفعولٌ لأجله، والعامل فيه (ادع) أي سم ما لم يمض من التغيرات علةً وما مضى منها زحفاً ليحصل الفرق بين اللقبين، فترتب على كل حكم مقتضاه. قال:
فزد سبباً خفا لترفيل كاملً
بغايته من بعد جزءِ له اهتدى
أقول: قد سبق أن العلة على قسمين: زيادة ونقص، فقدم الناظم أقسام النقص من حيث أن جميع حروف الجزء مع الزيادة باقيةٌ لم يذهب منها شيء ولا كذلك مع النقص. وللأول على الثاني مزية. إذ تقرر ذلك فمن أنواع الزيادة الترفيل، وهو زيادة سبب خفيف على آخر الضرب من مجزوء الكامل. والمراد بالغاية هو الضرب، وكلامه واضح. والترفيل في اللغة إطالة الذيل. يقال ذيل مرفل أي مطول، ومنه قولهم: فلان يرفل في ثوبه، للذي يجر ذيله زهواً. ولما كانت هذه الزيادة هي أكثر زيادة تقع في الآخر سمي ترفيلاً. قال:
ومجزوء هج ذيله بالسكن ثامنِ
وسبغ به المجزوء في رمل عرا
أقول: التذييل زيادة حرف ساكن على وتد مجموع في آخر الجزء، ويدخل في الضربين المجزوءين من بحرين هما الخامس، وهو بحر الكامل المشار إليه بالهاء من (الهجا)، والثالث وهو بحر البسيط المشار إليه بالجيم. والمراد بالسكن ذو السكن، وهو السكون، أي الحرف الساكن، (وثامناً) حال من المجرور فيصير (متفاعلن) في الكامل (متفاعلان) و (مستفعلن) في البسيط (مستفعلان) قال ابن بري: وإنما آثروا زيادة النون دون ما عداها من الحروف قياساً على زيادة التنوين في آخر الاسم لأنها نون في اللفظ، وتزاد في آخر الاسم بعد كماله، كما أن هذه زيدت في آخر الجزء بعد كماله، ولما كانت النون المزيدة ساكنةً، كانت النون الأصلية قبلها كذلك، والتقى ساكنان، ابدل من النون الأولى الأصلية ألفاً كما تبدل النون الخفيفة والتنوين ألفاً في الوقف، لأن الساكنين يجوز اجتماعهما إذا كان أحدهما حرف مد، لأن ما فيه من المد يقوم مقام الحركة. والتذيل، ويقال الإزالة أيضاً، مأخوذٌ من ذيل الثوب والفرس وغيره، شبه الحرف الزائد به. والتسبيغ زيادة حرفِ ساكن على سبب خفيف من آخر الجزء ولا يكون إلا في المجزوء من بحر الرمل، ويقال فيه أيضاً الإسباغ، لأنه مصدر أسبغه إذا أطاله. يقال ذيل سابغ أي طويل، فلما كان هذا الحرف يطيل الجزء سمي إلحاقه به إسباغاً وتسبيغاً على صبيغة بناء التكثير.
فإن قلت: ماذا أراد الناظم بقوله (عرا)؟ قلت: كأنه ينظر من طرفِ خفي إلى ما حكى عن الزجاج من أن هذا الضرب من الرمل قليلٌ جداً، وأنه موقوف على السماع، فكأنه يقول وسبغْ بالحرف الثامن الساكن المجزوء من الرمل حالةً كونه قد (عرا) أي نزل به من حيث سماعه من العرب، و إلا فحقه أن يزاد لأنه لم يكثر كثرةً يقاس عليها كما اتفق لغيره من ضروب الزيادة، فتأمله وحرره.
قال:
وإن زدت صدر الشطر مل دون خمسةِ
فذلك خزم وهو أقبح ما يرى
أقول: الخزم هو زيادة حرفِ إلى أربعة في أول البيت، وحرفِ أو حرفين في أول العجز. سميت هذه الزيادة خزما بالزاي تشبيهاً لها بخزم البعير، وهو أن تجعل في أنفه حزامةٌ، والعلاقة بينهما الزيادة الموصلة إلى المراد. وما أحسن قول السراج الوراق:
وقائلِ قال لي ومثلي
يرجع في مثل ذا لمثله
لم خزم الشعر قلت حتى
يقاد قسراً لغير أهله
وأكثر ما يجيء الخزم في أول البيت. ومجيئه في أول النصف الثاني قليل. ولم يجيء فيه بأزيد من حرفين. قال الصفاقسي: ووجه مجيئه فيه أن البيت قد يكون مصرعاً، فكأن أول نصفه الثاني أول البيت. قلت: وفيه نظر.
ووجهه بعضهم بأنه لما جاز في أول العجز الخرم، بالراء، وهو النقصان جاز فيه الخزم، بالزاي، ليكون الشطط له تارةً وعليه أخرى. واعترض بأن تعليل جواز الخزم بالحمل على جواز الخرم ليس أولى من العكس. ووجه أيضاً بشبهه أوائل الأبيات بقطع ألف الوصل فيه. واعترض بتوجه السؤال في ألف الوصل كما في الخزم.
إذا تقرر ذلك فكلام الناظم معترض من جهة أن قوله (صدر الشطر) أعم من أول النصف الأول وأول النصف الثاني ضرورة أن (صدر الشطر) صادقٌ على كل منهما. والخزم بما دون خمسة الذي هو صادق بأربعة أحرف إنما يكون في أول الشطر الأول ولا يكون في أول العجز إلا بحرف أو بحرفين خاصة، فمثال مجيئه في الأول بحرف واحد قوله:
وكأن أباناً في أفانين ودقه
كبير أناسِ في بجادِ مزملِ
خزم بحرف واحد، وهو الواو.
ومثاله بحرفين قوله:
بامطر بن ناجيةً بن سامة إنني
أجفى وتغلق دوني الأبواب
خزم بحرفين وهما الياء والألف.
ومثاله بثلاثة قوله:
لقد عجبت لقومِ أسلموا بعد عزهم
إمامهم للمنكرات وللغدر
خزم بثلاثة أحرف، وهي قوله: (لقد).
ومثاله بأربعة أحرف قوله:
اشدد حياز يمك للموت
فإن الموت لا قيكا
خزم بأربعة أحرف، وهي قوله (اشدد).
ومثاله أول العجز بحرف واحد قوله:
كلما رابك مني رائبٌ
ويعلم الجاهل مني ما علم
خزم بالواو من قوله (ويعلم).
ومثاله فيه بحرفين قول طرفة:
هل تذكرون إذ نقاتلكم
إذ لا يضر معدماً عدمه
خزم في الصدر بهل وفي العجز بإذ. يقال: (لا نسلم أن هذا البيت مخروم لا في الصدر ولا في العجز لجواز أن يكون من الكامل، وعروضه هذا وضربه كذلك، ودخل الجزء الذي هو أول الصدر الإضمار، وكذا أول العجز، ودخل جزئي الحشو من المصراعين الوقص، لأنا نقول يصد عن ذلك قوله في القصيدة التي منها هذا البيت:
للفتى عقلٌ يعيش به، حيث تهدى ساقه قدمه
وهذا من المديد قطعاً، فتعين أن يكون باقي القصيدة كذلك، وتعين أيضاً القول بالخزم في البيت المستشهد به كما ذكر.
فإن قلت: قد جاء الخزم بأكثر من أربعةِ أول البيت كقول الشاعر:
ولكنني علمت لما هجرت أني
أموت بالهجر عن قريب
فقوله (ولكنني) كله خزم، وهو ثمانية أحرف إن روى بنون الوقاية، وسبعةٌ إن روى بدونها، وعلى كل تقدير فيرد على الناظم، قلت: هو من الشذوذ بحيث لا يلتفت إليه ولا يعول عليه. وقوله (وهو أقبح ما يرى) قال الشريف: يريد أن الخزم قبيح جداً، ولذلك لا يجوز المولد استعماله. قلت: ظاهر قول ابن الحاجب (وخزمهم جائزٌ وهو زيادةُ حرف أولاً، وإلى أربعة قبلاً) أن الخزم جائز، وأنه مقبول عند الأئمة. فإذاً لا مانع للمولد من استعماله، وإن كان تركه أولى بكل حال.
قال الصفلقسي: وزعم بعض الناس أن الخزم ليس عيباً بخلاف الخرم وهو النقص، لخروج الزيادة عن البيت فلا يخل بالوزن. قال؛ وفيه نظر، فإن الخزم بالحرف الواحد، والوقوف عليه، والابتداء بما بعده، متعذرٌ لشدة طلبه له، وكذا إذا وقع حشواً. قال: والأولى ما قاله أبو الحكم: (إن الكلمة المخزوم بها إن أمكن الوقوف عليها ووقعت وسط البيت كانت عيباً لإخلالهما بالوزن، فإن وقعت أوله لم تكن عيباً لخروجها عن البيت بإمكان الوقوف عليها، وإن لم يمكن الوقوف عليها كان الخزم بها قبيحاً، إلا أنه في حشو البيت أقبح لارتباطه بما قبله. ثم هي إما منفصلةٌ، أو في حكم المنفصلة، وانفصالها، وانفصالها أكثر. وكيف ما كان فدخوله في جميع البحور جائز).
هذه عبارته، قلت: ولعدم اختصاص الخزم ببحر دون بحر كما ذكره أطلق الناظم حيث قال (صدر الشطر) فلم يقيده ببحر ففهم عدم الاختصاص.
ثم قال الصفاقسي: (ودليل قبول الخزم أنه زيادةٌ غير مخلة بوزن البيت ولا بمعناه، فيقبل قياساً على النثر في نحو قوله تعالى: (فيما رحمةِ من الله)، على أنا يقول: زيادتها أول البيت أولى لضيق الوزن عن الوفاء بالمعنى. لا يقال: لا نسلم عدم إخلالها إذ قد تكون شديدة الاتصال بالبيت على ما مر، لأنا نقول، مرادنا بعدم إخلالها أي في حال زيادتها بخروجها عن الوزن لا حالة حذفها. سلمناه، لكن مرادنا زيادتها في الحكم لا في المعنى، كحكمهم بزيادة (لا) في قولهم: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء، مع أن حذفهما مخل. لا يقال: يلزمكم عدم جواز الخزم بأكثر من حرفين أو ثلاثة، لأنه لم تقع الزيادة في النثر بأكثر منها، وهو أصلكم الذي قسم عليه، لأنا نقول، الجمع بينهما إنما وقع بمطلق الزيادة لا بزيادة حرف أو حرفين أو ثلاثة. سلمناه إلا أنه إذا جاز في النثر بحرفين أو ثلاثة جاز في النظم بأكثر لضيق الوزن عن الوفاء بالمعنى والله أعلم انتهى كلامه.
قال:
وحذفٌ وقطفٌ قصرٌ القطعُ حزه
وصلمٌ ووقفٌ كشفٌ الخرم ما انفرى
مواقُعها إعجازُ الأجزاء إن أتت
عروضاً وضرباً ما عدا الخرم فابتدا
أقول: لما أنهى الناظم الكلام على أنواع الزيادة أخذ في أنواع النقص إجمالاً ثم تفصيلاً، فعددها هنا أولاً، ثم فسرها، وذكر محال وقوعها على التعيين ثانياً، كما تراه بعد هذا، فقوله هنا ((ما انفرى)) مبتدأ مؤخر وخبره مقدم، وهو قوله ((حذف وقطف إلخ)) وثم حرف عطف محذوف، أي وقصرٌ والقطع وكشفٌ والخرم. ومعنى قوله ((انفرى)) انقطع، ولا شك أن في كل من هذه التغييرات حذفاً من اللفظ فهو اقتطاع لبعضه.
ثم أخبر أن مواقع هذه الألقاب أعجاز الأجزاء على شريطة أن تقع عروضاً وضرباً، وأن ذلك حكم ثابت لجميعها، إلا الخرم فإنه يقع ابتداء وهو أعم من ابتداء الصدر وابتداء العجز، وإن كان وقوعه في أول العجز قليلاً، وربما أباه بعضهم. وسيأتي الكلام عليه. فإن قلت: مما ذا استثنى الخرم؟ أمن الجملة الأولى، وهي الإسمية أم من الثانية وهي الفعلية؟ قلت: هو مستثنى من كلتا الجملتين، فإن الخرم لا يقع في عجز جزء ولا في عروض ولا في ضرب، ولعل في قوله ((فابتدا)) إشعاراً بذلك، أي إنما يكون الخرم ابتداء في كل وجه فهو في ابتداء الجزء الواقع في ابتداء البيت، ولا يجوز أن يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط لأن حكم الجملة الأولى يكون منسحباً عليه، وهو وقوعه في عجز الجزء وذلك باطل، وكذا لا يجوز أن يكون الاستثناء من الجملة الأولى فقط لأنه يلزم حينئذٍ وقوع الخرم في العروض أو الضرب وهو باطل أيضاً.
قال الشريف: وكلها يعني التغيرات اللاحقة للأجزاء تنقسم ثلاثة أقسام: قسم يلحق ثواني الأسباب ولا يكون إلا في حشو الأبيات، وهو الزحاف. وقسم يلحق الأوتاد خاصة وتنفرد به المبادئ وهو الخرم. وقسم يلحق الأوتاد والأسباب معاً تنفرد به أعاريض الأبيات وضروبها وهي العلل. قلت: وفي هذا تصريح بأن قبض عروض الطويل مثلاً علةٌ لا زحاف فتأمل.
قال:
ففي حاسبوك الحذف للخف واقطفن
به أثر سكنٍ بد والأثقل انتفى
أقول: اشتمل هذا البيت على تبيين المراد بالحذف والقطف وعلى تعيين الآخر التي يدخلانها. فالحذف عبارة عن لإسقاط السبب الخفيف من أخر الجزء، فيدل عليه قوله قبل ذلك ((مواقعها أعجاز الأجزاء))، ويدخل في ستة أبحر، وهي الثامن وهو بحر الرمل المرموز له بالحاء من قوله ((حاسبوك))، والأول وهو هو بحر الطويل المرموز له بالألف، والخامس عشر وهو بحر المتقارب المرموز له بالسين، والثاني هو بحر المديد المرموز له بالباء، والسادس هو بحر الهزج المرموز له بالواو، والحادي عشر وهو بحر الخفيف المرموز له بالكاف، ((والخف)) هو الخفيف. قال امرؤ القيس:
يزلّ الغلام الخفُ عن صهواته
كما زلّت الصفواء بالمتنزّل
وتسمية هذا التغيير بالحذف أمر ظاهر وكأنهم سموه باسم الأعم.
والقطف عبارة عن إسقاط السبب الخفيف وإسكان المتحرك قبله، ولا يكون إلا في بحر واحد وهو الوافر الذي هو رابع البحور المرموز له بالدال من قوله ((بد))، وقد علم أن ((مفاعلتن)) هو جزء الوافر، فإذا أردت قطفه حذفت السبب الخفيف من آخره وهو ((تن))، واسكنت المتحرك الذي قبله وهو اللام التي هي ثاني سبب ثقيل فيصير ((مفاعلْ)) بإسكان اللام فيعبر عنه بفعولن. والضمير من قوله ((به)) راجع إلى حذف الخفّ. والمراد بالسكن التسكين، فهو مصدر محذوف الزوائد.
والباء من قوله ((بد)) ظرفية بمعنى ((في)) لا حرف مرموز به للبحر الثاني وهو المديد، لأنه ليس لنا في المديد جزءٌ آخره سببٌ خفيف وقبله متحرك حتى يدخله القطف، فالإلباس مأمون.
فإن قلت: ماذا أراد الناظم بقوله ((والأثقل انتفى))؟ قلت: قال الشريف: يريد أن ((مفاعلتن)) في الوافر إذا دخله القطف فحذف السبب الخفيف وسكن اللام قبله بقي ((مفاعلْ)) وصار السبب الثقيل خفيفاً، فذلك الذي أراد الناظم. وبذلك يتبين أن القطف لا يكون إلا في الوافر.
قلت: أو يكون المراد بذلك الإشارة إلى نفي قول من زعم أن القطف عبارة عن حذف السبب الثقيل حرصاً على قلة التغيير ما أمكن، لأنه على هذا التقدير علةٌ واحدةٌ، وعلى الأول يكون مركباً من علة وزحاف، وهما الحذف والعصب، وقلة التغيير أولى.
قال بعضهم: ولا قائل به: وهو وهم فاحش، لأن مخترع هذا العلم وهو الخليل هو القائل في القطف بالمقالة الأولى أفتراه يقول إنه مسبوق بالإجماع مع أن معنى القطف لغة هو المناسب لما ذهب إليه الخليل، وذلك لأن الثمرة إذا قطفت تعلق بها شيء من الشجرة، وعلى التقدير الأول فالجزء كذلك، لأنه لما حذف منه السبب الخفيف علقت به حركة السبب الآخر، ولا كذلك على التقدير الثاني، وأيضاً فإنه يلزم على التقدير الثاني دخول العلة في حشو الجزء، ولا نظير له فتأمل.
قال: وحسبك فيها القصر حذفك ساكناً=وتسكين حرف قبله إذا حكى العصا أقول: يعني
أن القصر عبارة عن حذف ساكن وإسكان حرف قبله بشرط أن يكون من سبب خفيف. وهذا القيد مذكور في البيت الثاني. وأشار إلى وجه التسمية بقوله ((إذ حكى العصا)) يريد أن ما دخله القصر يسمى مقصوراً لأن الجزء قصر عن التمام، كما قصر الاسم المقصور كالعصا والرحى عن المد، أي حكى الأسماء المقصورة. هكذا قرره الشريف.
قلت: ويمكن أن يكون إشارة إلى القولين في تسمية المقصور بهذا الاسم، وذلك لأن منهم من قال: سمي بذلك لكونه قصر عن الحركة أي منع منها. وقيل: سمي بذلك لكونه منع عن المد، فكذا الجزء المقصور يحتمل أن يكون سمي بذلك لأنه لما حذف آخره وأسكن ما قبله منع من الحركة، أو لأن الجزء قصر عن التمام كما قصر الاسم المقصور عن المد، والله أعلم.
ويدخل القصر في أربعة أبحر رمز لها بقوله ((حسبك))، فالحاء رمز للبحر الثامن وهو الرمل. والسين رمز للبحر الخامس عشر وهو المتقارب. والباء رمز للبحر الثاني وهو المديد. والكاف رمز للبحر الحادي عشر وهو الخفيف. قال:
كذا القطع لكن ذاك في سبب جرى
وفي وتد هذا وجهز له حوى
أقول: يريد أن القطع مماثلٌ للقصر في أنه حذف ساكن وتسكين حرف قبله، لكن ذاك وهو القصر مخصوصٌ بالسبب الخفيف، فيكون عبارة عن حذف السبب الخفيف وإسكان الحرف الذي قبله. وهذا، وهو القطع، مخصوصٌ بالوتد المجموع فيكون عبارة عن حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان الحرف الذي قبله. وأنشد ابن الخطيب في الإحاطة لبعض الأندلسيين:
يا كاملاً شوقي إليه وافرٌ
وبسيط وجدي في هواه عزيز
عاملت أسبابي لديك بقطعها
والقطع في الأسباب ليس يجوز
فأحسن في التورية. وأشار الناظم بقوله ((جهز)) إلى الأبحر التي يدخلها القطع، فالجيم رمز للبحر الثالث وهو البسيط. والهاء رمز للبحر الخامس وهو الكامل، والزاي رمز للبحر السابع وهو الرجز، وسمي قطعاً لأنه يقطع الجزء عن تمامه. قال:
وحذفك مجموعاً دعوا حذّ كاملٍ
وإلا فصلمٌ والسريع به ارتدى
أقول: الحذذ بحاء مهملة فذالين معجمتين، إلا أن الناظم سكن العين المفتوحة على قبحه لأجل الضرورة، وهو حذف وتد مجموع من آخر الجزء، ولا يكون إلا في ((متفاعلن)) فإذاً لا يكون إلا في البحر الكامل كما صرح به الإخلاص الناظم. وقال ابن بري وتبعه الصفاقسي: ولا يكون إلا في ((مستفعلن)) المجموع الوتد و ((متفاعلن)). قلت: وهو غلط فإنه ليس لنا بحر فيه ((مستفعلن)) يدخل فيه الحذذ أصلاً، وإنما يدخل في الكامل والاستقراء يحققه. فإن قلت: سيأتي أن للكامل عروضاً حذاء لها ضرب أحذٌ مضمرٌ على زنة ((فعلن))، ولا شك أن ((متفاعلن)) يدخله الإضمار أولاً فينقل إلى ((مستفعلن))، ثم يحذف منه الوتد المجموع فيصير ((مستف)) فينقل إلى ((فعلن))، فلعلهما أرادا ذلك. قلت: هو بعيد جداً وظاهر عبارتهما يقتضي أن ((مستفعلن)) جزء أصلي، ويدخله الحذذ مع ذلك، كما أن ((متفاعلن)) كذلك فإن قلت: سيأتي أن بعض العروضيين حكى للبسيط المجزوء عروضاً حذاء مخبونة، وحكى أيضاً استعمال المشطور من الرجز أحذّ مسبّغاً، فهذان بحران وقع في كل منهما الحذذ في ((مستفلعن))، قلت: هذا من الشذوذ بحيث لا يلتفت ولا تبنى القواعد الكلية عليه.
قال ابن بري وكان حقه أن يدخل ((فاعلن)) إلا أنه لم يسمع فيه. قال الصفاقسي: وعلته عندي ما يؤدي إليه دخوله فيه من بقاء الجزء على سبب خفيف ولا نظير له. ولا يقال بل نظيره موجودٌ وهو عروض المتقارب المحذوفة، فإن القطع يجوز دخوله فيها فتبقى حينئذ على متحرك وساكن، لأنا نقول المتحرك والساكن فيها بقية وتدٍ وهو أقوى من السبب فافترقا. قلت: الوتد أقوى من السبب لزيادة حروفه عليه، فإذا خرج عن صورة الوتد وانتقل إلى هيئة السبب زال ما به الامتياز في القوة فلا نسلم أنه حينئذٍ أقوى. والحذذ لغةً الخفة، ومنه قولهم قطاةٌ حذّاء، ولما حذف الوتد من آخر الجزء خفّ فسمي أحذ، وهو في اللغة القصر، ومنه قولهم: حمارٌ
أحذ، وقول الفرزدق:
أوليتُ العراق ورافديه
فزاريّاً أحذ يد القميص
كنى بقصر كمه عن تشمير يده للسرقة. ويمكن أن يكون تسمية الجزء أحذ لهذا المعنى. وصاحب العقد وابن السيد يقولانه بالجيم ودالين مهملتين، وهو لغةً القطع. وقوله ((وإلا فصلم)) أي وإلا يكن الوتد المحذوف مجموعاً بل كان مفروقاً فهو الصلم، فالمنفي إنما هو الوصف لا الموصوف، ولا يدخل إلا في السريع، وهو مراده بقوله ((والسريع به ارتدى))، وفيه على رأي صاحب التلخيص استعارةٌ بالكناية واستعارة تخييلية، وذلك لأنه أضمر في نفسه تشبيه البحر الذي يدخله هذا النوع من التغيير برجل ظاهر النقص، ودل على هذا التشبيه المضمر في النفس بأن أثبت للمشبه أمراً مختصاً به وهو هنا الارتداء. فتشبيه البحر بالرجل الذي هذا شأنه استعارةٌ بالكناية، وإثبات الارتداء له استعارة تخييلية. والصّلم لغةً قطع الأذن. يقال: رجل أصلم، إذا كان مستأصل الأذنيين، وقد صلمت أذنه أصلمها صلماً، إذاً استأصلها، فسمي حذف الوتد المفروق من الجزء صلماً تشبيهاً بذلك.
قال: ووقفٌ وكشفٌ في المحرك سابعاً=فأسكن وأسقط بحر طيّ ول الهدى أقول: الوقف والكشف يشتركان في أنهما تغيير الحرف الأخير من ((مفعولات)) لكن الوقف تغييرٌ لهذا الآخر بإسكانه، والكشف تغييرٌ له بإسقاطه. ففي كلام الناظم لفٌ ونشرٌ مرتب، فالإسكان راجعٌ إلى الوقف والإسقاط راجع إلى الكشف. وتسمية الأول بالوقف واضحةٌ، وسمي الثاني كشفاً لأن أول الوتد المفروق لفظه لفظ السبب، غير أن وقوع التاء بعده يمنع أن يكون سبباً فإذا حذفت التاء انكشف وصار لفظه لفظ السبب. وهذان النوعان، هما الوقوف والكشف يدخلان في بحرين رمز لهما بالطاء والياء من قوله ((بحر طي))، فالطاء رمز للبحر التاسع وهو السريع، والياء رمز للبحر العاشر وهو المنسرح، وقوله ((ول الهدى))، الكلمة الأولى أمر من ((ولى)) أي كن والياً للهدى، غير أنه يكتب بالهاء وإن كان لا ينطق بها
وصلاً ضرورة أنه يوقف عليه بالهاء، والقاعدة في علم الخط أن تكتب الكلمة بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، ويستثنى من ذلك أشياء على ما عرف في محله.
قال: وقطعك للمحذوف بترٌ بسبسبٍ=وقيل المديد اختص باسميه في الدعا
أقول: قد علمت معنى القطع والحذف فيما سبق، فإذا اجتمعا سمي اجتماعهما بتراً. وفي عبارة الناظم مسامحة لأن مقتضاها أن القطع نفسه إذا دخل في الجزء المحذوف يسمى بتراً، وليس كذلك، بل الاسم إنما هو لهما مجتمعين، أو لاجتماعهما، ويدخلان بحرين رمز لهما بالسين والباء من ((بسبسب)). والباء الأولى ظرفية. والسين الثانية والباء الأخيرة لغو، ولا لبس يقع بإلغائهما لأنهما تكرير لما قبلهما. فالسين رمز للبحر الخامس عشر وهو المتقارب، والباء رمز للبحر الثاني وهو المديد، فإذا دخل البتر في ((فعولن)) بالمتقارب حذف سببه الخفيف وهو ((لن))، وحذفت الواو من ((فعو)) وسكنت عينه فيصير ((فع)) وإذا دخل البتر في ((فاعلاتن)) بالمديد حذف سببه الخفيف وهو ((تن))، وحذف ألف وتده وسكنت لامه فيصير فاعل. والبتر بفتح التاء وإسكانها بمعنى القطع أيضاً وهو أبلغ من الحذف، ومنه ذبل أبتر وقوله ((وقيل المديد اختص باسميه في الدعا)) هذا إشارة إلى مذهب الزجّاج، وذلك أنه ذهب إلى أن الجزء الذي دخله الحذف والقطع لا يسمى أبتر إلا في المتقارب وحده لأن ((فعولن)) فيه يصير إلى ((فع)) فيبقى منه أقله، وأما في المديد فيصير ((فاعلاتن)) إلى ((فاعل)) فيبقى منه أكثره، فلا ينبغي أن يسمى أبتر، بل يقال فيه ((محذوفٌ مقطوع)) وهذا هو مراد الناظم بقوله: ((وقيل المديد اختص باسميه في الدعا))، أي أنه يدعا في المديد وحده باسمي التغيير الذي اشتمل البتر على مسماه وهما الحذف والقطع.
قال الزجاج: وإنما يسمى بالأبتر في المتقارب، وغلط في ذلك قطرباً، ورد بإنكار وجه الخصوصية، وبتسمية الخليل له بذلك حيث قال: وما يسقط من ((فعولن)) حتى يصير ((فع)) ومن
((فاعلاتن)) حتى يصير ((فعلن)) فهو أبتر. قيل: وإنما وهم الزجاج أن الخليل كتب تحت هذا الضرب في هذا البحر: محذوفٌ وقطوع، وكتب في المتقارب أبتر، فلهذا توهم الاختصاص.
قال:
وسلْ ودا أخرمْ للضرورة صدرها
ووضع فعولن ثلمه ثرمه بدا
أقول: الخرم عند الخليل رحمه الله حذف أول الوتد المجموع في أول البيت. وبعضهم ينقل عنه أنه يجوزه في أول أنصف الثاني على قلة. وبعضهم ينقل فيه المنع عنه ويقول أن غيره هو الذي يجوز الخرم فيه. وبعضهم ينقل المنع في خرم أول العجز مطلقةً عن الخليل وغيره. وأجاز السهيلي خرم السبب الثقيل، وتابعه ابن واصل على ذلك زاعماً أنه التحقيق. واحتج السهيلي بما جاء عنهم من خرم ((متفاعلن)) في الكامل وأوله سبب ثقيل قال:
تناكلوا عن بطن مكة إنها
كانت قديماً لا يرام حريمها
فقوله ((تناكلوا)) وزنه ((مفاعلن))، وقد كان ((متفاعلن)) فحذف الحرف الأول منه. وربما جاء في المنسرح قال الشداخ:
قاتل القوم يا خزاع ولا
يدخلكم في قتالهم فشل
فقوله((قاتلل)) وزنه ((فاعلن))، وأصله ((مستفعلن)) فخبن وخرم. وربما جاء في منهوك الرجز من قول حارثة بن بدر:
كرنبو أو دولبو
أو حيث شئتم فاذهبوا
فقوله((كرنبو)) وزنه ((فاعلن))، وأصله أيضاً ((مستفعلن)) فخبن وخرم. قال السهيلي: وإذا كانوا يحذفون السبب الثقيل بجملته فحذف جزء منه أسهل. وأنشد شاهداً على ذلك قول الشاعر:
هامةٌ تدعو صدىً
بين المشقّر واليمامة
فوزن ((هامتن)) ((فاعلن))، وأصله ((متفاعلن)). قلت أما قوله ((تناكلوا)) فليس فيه أكثر من أن وزنه ((مفاعلن))، وقد كان أصله ((متفاعلن)) إذ البيت من بحر الكامل على ما ينطق به بعض أجزاءه، فيجوز أن يكون المحذوف منه هو الحرف الثاني من السبب الثقيل لا أوله. ومثله يسمى عندهم بالوقص، فلا يرد مثل هذا على الخليل. وأما بقية الأبيات فمن الشذوذ بحيث لا يلتفت مثل الإمام إليها ولا يبنى قاعدةً عليها. وأجاب الصفاقسي عن استناده إلى بيت الشداخ بأن ((مستفعلن)) لما خبن صار ((مفاعلن)) فجاء أوله على هيئة الوتد المجموع، ومن هذه الحيثية جاز الخرم فيه نظراً إلى ما آل إليه قلت: وهذا الجواب لا يرتضيه الخليل، فإن الخرم عنده هو حذف الحرف الأول من الوتد المجموع لا منه ومما هو على هيئته، وإنما قال بذلك بعض المتأخرين من العروضييون. قال الصفاقسي: وما استشهد به على حذف السبب الثقيل بجملته فيه نظرٌ لجواز أن يكون ذلك الجزء دخله الوقص فصار وزنه ((مفاعلن)) فدخله الخرم لصيرورته على هيئة الوتد المجموع لأن السبب حذف بجملته. قلت: هو مردود بما تقدم. ثم قال: سلمناه إلا أنا لا نسلم أنه يلزم من حذفه بجملته جواز الخرم فيه لأن لم نقل إن الخرم امتنع فيه لأجل كونه حذفاً، بل المانع منه ما يؤدي إليه من الابتداء بالساكن، لأن المتحرك الثاني منه في نية الساكن لجواز دخول الإضمار عليه. قلت: وهذا مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي فإنه استل في الإيضاح على أنهم لا يبتدئون بالساكن بكونهم لم يخرموا ((متفاعلن)) كما خرموا ((فعولن)) قال: لأن ((متفاعلن)) يسكن ثانيه، فلو خرم لأدى إلى الابتداء بالساكن. وأقول فيه نظر لأن الخرم بتقدير دخوله فيه إنما يدخله حال تكون الثاني متحركاً لفظاً، فالمحذور منتفِ بلا شك. فإن قلت: حكم الخليل وغيره من العروضيين بأن الخرم هو حذف الحرف الأول من الوتد المجموع، فهل ثمّ دليل على ذلك أو هو مجرد استصلاح يرجع إليه مع جواز أن يكون المحذوف هو الحرف الثاني؟ قلت: استل الصفاقسي للجماعة بوجهين أحدهما أن البيت الشعري مشبه بالبيت المسكون، والكسر في وتد البيت المسكون إنما يأتي على أوله، فكذلك ما هو مشبه به وثانيهما أن النقص ضد الزيادة، ولما كانت الزيادة المعبر عنها بالخزم تكون قبل أول حرفِ كان ضدها وهو النقص كذلك، لأنهم يحملون الشيء على الضد والنقيض كما يحملونه على النظير. لا يقال: لو صح هذا الدليل الثاني لكان الخرم جائزاً في الأوتاد وغيرها كما أن الخزم كذلك لأنا نقول لا نسلم لزوم ذلك لأن المانع في غير الأوتاد قائمٌ وهو ما يؤدي إليه من الابتداء بالساكن، ولهذا لم يكن في الوتد المفروق. انتهى كلامه.
وأقول: آثار الضعف باديةٌ على كلا الوجهين، فلا ينبغي الالتفات إليهما. أما أولاً فلا نسلم أن الكسر في وتد البيت المسكون إنما يأتي على أوله، ولو سُلم فلا ينتهض هذا الشبه إلى أن يقوم دليلاً على هذا الحكم، ولو سُلم فيلزم أن لا يحصل تغييرٌ لوتد إلا في أوله سواء وقع الوتد في صدر البيت أو غير الصدر، وهو باطل. وأما ثانياً فقوله إن الخزم زيادةٌ قبل الأول فيكون ضدها وهو النقص كذلك ليس بمستقيم، وذلك لأنه يلزم أن يكون النقص قبل الأول، ولا يتصور، فلم يبق إلا أن يجعل النقص واقعاً في الأول نفسه، أي يجعل الناقص هو عين الحرف الأول، وهذا ليس بطريق الحمل على الضد وهو الزيادة، لأن محلها ليس الأول نفسه، إنما هي قبل الأول لا فيه، فتأمل. وعلى الجملة فكل هذه أمور واهية لا يستند إليها ولا يعول في إقامة حكم عليها. ويكفي الرجوع إلى الاصطلاح ولا مشاح فيه. قال ابن بري: اختلفوا في مسوغ الخرم مع أنه يخرج به اشعر عن الوزن. قلت: لو خرج عن الوزن لم يكن شعراً. ثم قال: فذهب الأخفش ومن تابعه إلى أن ذلك من أجل أن بين كل بيتين سكتةِ، فكأن المحذوف يعادل السكتة. قال ابن بري: ولا خفاء بضعف هذا الوجه. قلت: كأنه يشير إلى اعتراض أبي الحكم عليه بأن عوض الحرف إنما يكون حرفاً أو ما ناب منابه، والسكتة ليست كذلك فلا نكون عوضاً. واعترضه أيضاً أبو الحكم بأن الخرم أكثر ما يقع أوائل القصائد حيث لا يتقبله يتوقف عليه ورده الصفاقسي بأن الأخفش لم يقيد السكتة في التقدم حتى يلزم ذلك، بل يقول: ما في آخر البيت من اسكتة عوضٌ مما حذف أوله. ثم قال الصفاقسي: نعم لقائلِ أن يقول عليه إنها علةٌ غير مطردة، إذ لا يسوغ إلا الخرم الواقع في أول البيت، أما الذي في المصراع الثاني فلا، لأن الكلمة قد تقع في نصف البيت فيكون بعضها تماماً نصف الثاني وبعضها أول الثاني، وليس ثمة سكتة، فلا يجوز الخرم حينئذ أول النصف الثاني، وهو باطل. وجوابه أن سكتة
آخر البيت عوضٌ عن كل خرم وقع فيه كان أول البيت أو أول المصراع. قلت: كأن وقوع الخرم أول النصف الثاني عنده محكومٌ بجوازه اتفاقاً حتى ينبني عليه مثل هذا، وقد علمت ما فيه من الاختلاف واضطراب النقل فيه عن الخليل فتذكره.
ثم قال ابن بري: وذهب غيره-يعني غير الأخفش-إلى أن الخرم إنما وقع في أول البيت ليقابل به الترنّم المزيد في آخر البيت. قال ابن بري: وهذا أيضاً ضعيف لأنا وجدناه حيث لا مدّ ولا ترنم في آخر البيت في نحو قوله:
أدّوْا ما استعاوه
كذاك العيش عاريةْ
قلت: هذا نص ابن بري كما تراه، أخذه الصفاقسي برمته ونسبه إلى نفسه فقال ((وعندي فيه نظر، لجواز في البيوت التي قوافيها مقيدة كقوله: أدوا ما استعاروه)) وأنشد البيت. ولا يقال لعله من توارد الخاطر لأنا نقول هو كثير المطالعة لكلام ابن بري والنقل منه في كتابه كما يعرفه الفطن الناظر في كلاميهما فلا ينهض هذا عذراً، والله أعلم.
ثم قال ابن بري: وذهب الزجّاج إلى أن مسوغ دخول الخرم في أول البيت هو أن أول البيت مفتتح الوزن فينطق به الشاعر كيف اتفق ولا يشعر بمراده من الوزن إلا بعد ذلك. وقال ابن رشيق: إنما جاز الخرم في أشعار العرب، لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر ثم يرى فيه رأياً فيصرفه الى الشعر في أي وجه شاء. قال: فمن هنا احتمل لهم وقبح على غيرهم، ألا ترى أن بعض كتّاب عبد الله ابن طاهر عاب ذلك على أبي تمام وهو أولى الناس بمذاهب العرب حيث قال: ((هنّ عوادي يوسفِ وصواحبه)) انتهى كلام ابن بري.
قال الصفاقسي: وكلا التعليلين، يعني تعليل الزجاج وتعليل ابن رشيق، يحتاج إلى زيادة، وهي أنه في أول بيت من القصيدة حمل عليه أوائل الأبيات والمصاريع بجامع الأولية ليجري الباب كله مجرىً واحداً. قلت: توهم أيضاً أن الخرم أول المصاريع الأواخر جائزٌ اتفاقا، أو عند الأكثرين، فاحتاج إلى هذه الزيادة، وفيه ما عرفته أولاً. ثم قال: وأسلم التعاليل فيه ما ذكرته من الحمل على الزيادة. قلت: قد علمت ضعفه وعرفت ما فيه من النظر. إذا تقرر ذلك فلنأخذ في شرح كلام الناظم، فنقول: فإذا تقرر ذلك فلنأخذ في شرح كلام الناظم، فنقول: قد سبق أن الخرم عبارة عن حذف الحرف الأول من الوتد عبارة عن حذف الحرف الأول من الوتد المجموع الواقع في أول البيت، فهذه أمور خمسة يحتاج إلى استخراجها من كلام الناظم. الأول كون الخرم حذف سيءِ في الجملة. وهذا يؤخذ من قوله فيما تقدم:
وحذفٌ وقطفٌ قصر القطع حذه
وصلمٌ ووقفٌ كشفٌ الخرم ما انفرى
أي ما انقطع. فأخبر أن هذه الألقاب كلها ألقاب نقص، ومن جملتها الخرم، فيكون مسماه نقص شيء من الجزء. الثاني كون المحذوف حرفاً واحداً. الثالث كونه أول حرف. الرابع كونه من وتد مجموع. الخامس كون الوتد المجموع واقعاً في أول البيت.. فأما كونه من وتد مجموع فيؤخذ من قوله هنا: ((وسلْ ودّاً آخرم للضرورة صدرها)) وذلك لأنه رمز بالسين للبحر الخامس عشر، وهو المتقارب، وباللام للبحر الثاني عشر وهو المضارع، وبالواو للبحر السادس وهو الهزج، وبالدال للبحر الرابع وهو الوافر، وبالألف للبحر الأول وهو الطويل، وكلّ واحد من هذه البحور الخمسة صدره وتد مجموع، فلزم أن يكون الخرم حذف شيء من الوتد المجموع. ويؤخذ من هنا أيضاً كونه في أول البيت ضرورة أن المراد بالصدر أول البيت. كما أن هذا القيد يؤخذ أيضاً من قوله ((فابتدا)) على ما ستراه. وأما بقية القيود فتؤخذ من قوله فيما سبق: ((ما عدا الخرم فابتدا)). وذلك أنا كنا أسلفنا أن الخرم يكون ابتداء بكل وجه فيكون ابتداء الجزء وابتداء البيت. فإن قلت: أما أخذ كونه ابتداء الجزء وكون ذلك الجزء ابتداء البيت فواضح. وأما اتخذ كونه حرفاً واحداً من ذلك فما وجهه؟ قلت: إذا تقرر أن كلامه يدل على أن الخرم محله الوتد المجموع المصدر به الجزء الواقع أول البيت لزم أن يكون المحذوف منه حرفاً واحداً، إذ لا جائزٌ أن يكون المحذوف هو الوتد بكماله، ولا بد أن يكون المحذوف حرفيه المتحركين جميعاً ولا حركة الحرف الأول منه لما يلزم عليه من الابتداء بالساكن، ولا الحرف الثاني وإلا لوقع الحذف غير ابتداء، والفرض أنه ابتداءٌ، قال الشريف: ((ولم ينص الناظم على تفسير الخرم، إلا ما أفاده قوله قبل ((الخرم ما انفرى)). وقد ذكرت قبل معنى الانفراء، وما أراد به هناك، لكن لمّا ذكره مع علل النقص علم أنه حذف. ومن قوله ((اخرم للضرورة صدرها)) علم أنه في أوائل الأبيات. ومن قوله قبل ((مواقعها أعجاز الأجزاء))
وقوله ((وما عدا الخرم فابتدا)) علم أنه في أول الجزء. ويعلم أنه حرفٌ واحد لأنه أقل ما يمكن حذفه، لأن الحركة وحدها لا تحذف أولاً لأن الحرف المتحمل لها يبقى ساكناً ولا يبتدأ بالساكن فيحمل على أنه حرف واحدٌ، إذ لو كان المحذوف للخرم أكثر من حرف واحد لنصّ عليه، مع أن حذف حرفين يتعذر لأن الخرم لا يكون إلا في الوتد المجموع وثالث الوتد ساكن فلو حذف منه حرفان لأدى إلى الابتداء بالساكن. وإنما يحتاج إلى ذكر هذا كله لما تقدم من أن الناظم يومي إلى الأشياء إيماء. انتهى كلامه. وأشار الناظم بقوله ((للضرورة)) إلى أن هذا النوع من التغييرات ليس من المستحسنات، وإنما يستعمل عندهم للضرورة، ولذلك كره بعضهم استعماله للمولدين، وحظره عليهم آخرون. قوله ((ووضع فعولن ثلمه ثرمه بدا)): اعلم أن الخليل رحمه الله وضع اسم الخرم على حذف أول حرف من أول جزء من البيت، أي جزء كان من أجزاء الخرم الثلاثة وهي فعولن ومفاعيلن ومفاعلتن، ثم لما كانت هذه الأجزاء الثلاثة تختلف بحسب ما يطرأ عليها من الزّحاف، وبحسب سلامتها من ذلك، وضع لكل صورة من ذلك اسماً يخصها. فالخرم اسم يعم جميع الصور. و ((فعولن)) له صورتان سلامةِ وصورة قبضِ، فله بحسب ذلك اسمان، فإن دخله الخرم وهو سالم سمي ذلك الخرم ثلماً، بإسكان اللام وبفتحها. وذلك بأن تحذف فاؤه فيبقى ((عولن)) فينقل إلى ((فعلن)). مأخوذ من ثلم الإناء والحوض وغيره. فشبه الجزء الذي سقط أوله بالإناء الذي تثلم طرفه. فإن دخله الخرم وهو مقبوض سمي ذلك ثرماً، وذلك بأن تحذف نونه بالقبض وفاؤه بالخرم فيبقى ((عول)) فينقل إلى ((فعل)) بإسكان العين. وهو مأخوذ من ثرم الإناء والسّنْ، وهو أكثر من الثلم، فلذلك سمي به الخرم مع القبض. إذا تقرر ذلك فالناظم رحمه الله لما ذكر أن فعولن يدخله الثلم والثرم بعد ذكره الأبحر التي يدخلها الخرم، ومنها ما هو مصدرٌ بفعولن وهو الطويل والمتقارب علم أن هذين اللقبين لفعولن ثابتان له في حالة الخرم، وقد علم أن الذي ينبغي تقديم ما فيه تغييرٌ واحد على ما فيه تغييران إيثارا للخفة بحسب الإمكان. فإذن فعولن يتصور فيه كما سلف نوعان من التغيير أحدهما بسيط، وهو حذف الفاء فقط، فينبغي أن يكون هذا مسمى اللقب الأول وهو الثلم، وثانيهما مركبٌ من حذف الفاء وحذف النون فينبغي أن يكون هذا مسمى اللقب وهو الثرم، فيجعل أول اللقبين لأول التغييرين وثانيهما لثاني التغييرين لمكان الترتيب الوضعي، وعلى ذلك فقس. فإن قلت: المضاف من قوله ((ووضع فعولن)) مبتدأ، وقوله ((ثلمه ثرمه بدا)) جملةٌ أو جملتان في محل رفع على أنها خبر هذا المبتدأ ولا رابط يعود على المبتدأ، ولا يصلح أن يكون الضمير المضاف إليه ((ثلم وثرم)) رابطاً لأنه عائد على فعولن لا على ((وضع))، قلت: يحتمل أن يكون المصدر من قوله ((ووضع فعولن)) أريد به اسم المفعول مثل ((الدرهم ضرب الأمير))، وإضافته إلى فعولن للبيان، مثل ((شجر أراكِ))، أي الموضوع الذي هو فعولن، فإذن يعود كل من الضميرين إليه فلا إشكال والله تعالى أعلم بالصواب. قال:
ووضع مفاعيلن لخرم وشتره
وللخرب واعرف بالمراتب ما خفا
أقول: قد سبق أن الأجزاء التي يدخلها الخرم ثلاثة، وهي فعولن ومفاعيلن ومفاعلتن، فتكلم الناظم عليها على الترتيب، فتكلم أولاً على فعولن لأنه خماسي وهو أخف من السباعي فقدمه، ثم تكلم على مفاعلين لأن كلا سببيه خفيفان فقدمه على مفاعلتن لأن سببيه ثقيل. والمصدر من قوله ((ووضع مفاعيلن)) يحتمل أن يبقى على المعنى المصدري، ويحتمل أن يؤول باسم المفعول كما قدمناه. وقد عرفت مما سبق أن مفاعيلن له ثلاث صور: صورة سلامة، وصورة قبض، وصورة كفًّ، فله بحسب ذلك ثلاثة أسماء، خصت صورة السلامة باسم الخرم. فعلى هذا الخرم يطلق بالعموم على حذف أول حرف من الجزء الذي يدخله هذا التغيير، أيّ جزء كان، وبالخصوص على حذف أول مفاعيلن حال سلامته من القبض والكف. قال ابن بري: وكان الأولى أن يوضع له اسم يخصه كما وضع لسائر صور الخرم، لكنه أطلق هنا اسم الجنس على النوع لصدقة عليه. وبعضهم يفتح الراء هنا فيسميه خرما فرقاً بينه وبين الاسم العام، ولا يعرف هذا عن الخليل. فإن دخل الخرم في مفاعيلن مع قبضه سمي ذلك شترا، وذلك بأن تحذف الياء بالقبض والميم بالخرم فيصير فاعلن. وهو مأخوذ من شتر العين وهو شقّ جفنها وانقلابه، يقال رجل أشتر بين الشتر، وهو من العيوب القبيحة، فكأن الجزء لما حذف أوله وخامسه واستقبح النطق به شبه بالجفن الأشتر. وإن دخله الخرم مع الكف سمي ذلك بأن تحذف النون بالكف والميم بالخرم فيبقى فاعيل فينقل إلى مفعول. أخذ من الخراب وهو الاختلال والفساد، لما لحق الجزء من ذلك بحذف أوله وآخره. وقوله ((اعرف بالمراتب ما خفا))، يشير بذلك إلى أن الناظر في كلامه ينبغي أن يعرف مراتب التغيير ويجعل الألقاب لها على حسب الترتيب، الأول فالأول، وذلك لأنك قد علمت أن مفاعيلن لا يدخله من التغييرات غير ثلاثة أشياء: الأول منها حذف أوله، فيجعل اللقب الأول وهو الخرم لهذا التغيير الأول إعطاء للمرتبة ما يقابلها. الثاني: حذف أوله مع حذف خامسه، فيجعل اللقب الثاني وهو الشتر لهذا التغيير الثاني لما مر. الثالث: حذف أوله مع حذف سابعه، فيجعل اللقب الثالث وهو الخرب لهذا التغيير الثالث عملاً بما اقتضاه الترتيب. فإن قلت: ومن أين لنا أن التغيير الثاني هو الخرم مع القبض، وهل لا عكس فيجعل الثالث هو الثاني؟ لأن القبض محله الخامس والكف محله السابع ولا يخفى سبق الخامس على السابع. قال الشريف: ويعلم أن حذف الياء لا يسمى شتراً وحذف النون لا يسمى خرباً إلا بقيد انضمام ذلك إلى حذف الميم بتغيير الاسم، لأن حذف الياء وحدها قد تقدم أنه يسمى قبضاً، وحذف النون وجدها قد تقدم أنه يسمى كفا، فلولا ما انضم إلى حذف كل واحدٍ منهما من الخرم لما تغير الاسم. ويعلم ذلك أيضاً من ذكره في فصل الخرم، لأن حذف ثواني الأسباب قد فرغ منه قبل هذا، فلولا انضمامه إلى الخرم لما ذكر في فصله. انتهى. فإن قلت: الوجه أن يقول الناظم ((خفي)) فما وجه فتح الفاء؟ قلت وجهه الشريف بأنه جرى على لغة طيءّ، وذلك أنهم يبدلون مثل هذه الكسرة فتحةً والياء ألفا. ويحتمل وجهاً غير هذا، وذلك أن ابن القطاع وغيره حكوا أنه يقال: خفيت الشيء بفتح الفاء، بمعنى كتمته، فيمكن أن يكون هذا منه، ويكون الفعل متعدياً، وضمير المفعول محذوفاً، والفاعل ضميراً مستكناً عائداً على النظم، أي اعرف بالمراتب ما خفاه النظم أي ستره وكتمه. ويحتمل أن يكون الفعل لازماً من قولهم: خفا البرق، إذا اعترض من جانب السحاب، فأشار بذلك إلى أن ما اشتمل عليه الكلام السابق من الإيماء الذي لا يلوح إلا كخطفة بارق على جهة التمثيل.
قال:
مفاعلتن للعضب والقصم والجمم
وخرمٌ ونقصٌ فيه عقصٌ وقد مضى
أقول: الكلام في هذا جار على النهج السابق، فمفاعلتن يدخله تغييرات أربعة: الأول منها بسيط، وهو خرمه بحذف الميم فيجعل اللقب الأول اسماً لهذا التغيير الأول، فيكون العضب بالضاد المعجمة عبارةً عن حذف الميم من مفاعلتن إذا وقع أول البيت. وهو لغةً ذهاب أحد قرني التيس، فسمي هذا التغيير بذلك تشبيهاً له بذهاب أحد القرنين. الثاني منها مركب من الخرم والعصب، بالصاد المهملة، وهو إسكان الخامس المتحرك، وإنما كان هذا ثانياً في رتبة الوضع لأن الإسكان مقدمٌ على حذف الحرف كما قدمناه، فيجعل ثاني الألقاب لثاني التغييرات، فيكون القصم عبارة عن اجتماع العضب والعصبْ عملاً بما سبق. سمي بذلك من قولهم: رجلٌ أقصم إذا ذهبت إحدى ثنيتيه أو رباعيتيه، فشبه الجزء المشتمل على ذلك بالذي انكسرت سنه. الثالث منها مركب من الخرم والعقل، وهو حذف الخامس المتحرك بأن تحذف ميمه ولامه فيجعل ثالث الألقاب اسماً لثالث التغييرات كما سلف. والجمم لغةً ذهاب كلا القرنين، فشبه الجزء لما ذهب أوله وخامسه بالذي ذهب قرناه. الرابع منها مركب من الخرم والنفص، وهو اجتماع الكف والعصب فتحذف الميم وتسكن اللام وتحذف النون، فيجعل اللقب الرابع اسماً لهذا التغيير الرابع الذي هو ميل أحد القرنين وانعطافه، فشبه الجزء بذلك لما ذهب أوله وآخره وحركة خامسه، وعلى الجملة فاعتبر ترتيب الذكر وترتيب الوضع وقابلْ بينهما يظهر لك المراد من كلام الناظم. وإسكانه لميم الجمم التي حقها أن تكون هنا متحركةً بالكسرة ضرورةٌ قبيحة. وقوله ((وقد مضى)) أي النقص، ففيه ضمير مستتر يعود على النقص المذكور في هذا البيت، يشير بذلك إلى تفسير النقص قد مضى عند ذكر الزحاف المزدوج، وأنه عبارة عن اجتماع الكف والعصب فلا حاجة إلى تفسيره ثانياً، والله أعلم.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|