المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الامطار في الوطن العربي
2024-11-05
ماشية اللحم في استراليا
2024-11-05
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05



كتابة الشعر الجاهلي  
  
10689   03:31 مساءاً   التاريخ: 23-03-2015
المؤلف : ناصر الدين الأسد
الكتاب أو المصدر : مصادر الشعر الجاهلي
الجزء والصفحة : ص 107-133
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2019 21406
التاريخ: 22-03-2015 3809
التاريخ: 23-03-2015 5817
التاريخ: 22-03-2015 2277

من خلال بحثنا في موضوع كتابة الشعر الجاهلي وتدوينه فإننا نستنبط النتائج الثلاث الآتية:

الأول: قدم الكتابة في بلاد العرب، فقد استبان لنا بالدليل المادي الملموس، المتمثل في النقوش الحجرية المكتشفة، أن عرب الجاهلية قد عرفوا الكتابة بالحروف العربية منذ مطلع القرن الرابع الميلادي. وكتبوا بهذا الخط العربي ثلاثة قرون قبل الإسلام على أقل تقدير.

والثانية: معرفة عرب الجاهلية بالكتابة معرفة فيها شيء من الانتشار يبعد عنها ما وصموا به من الجهل بها، وقد دللنا على ذلك بوفرة من النصوص والروايات تنبئ عن النشاط التعليمي في الجاهلية بالكتابة معرفة فيها شيء من الانتشار يبعد عنها ما وصموا به من الجهل بها، وقد دللنا على ذلك بوفرة من النصوص والروايات تنبئ عن النشاط التعليمي في الجاهلية، وقيام "الكتاب" أو "المكتب" آنذاك، وتوافر عدد المعلمين الذين كانوا يعلمون الكتابة، وذلك كله في البيئات المتحضرة مثل: مكة والمدينة والطائف والحيرة والأنبار.

والثالثة: اتساع ميدان الكتابة وتشعب موضوعاتها، فذكرنا ضروبًا عدة من الموضوعات التي كانوا يقيدونها بالكتابة، وأثبتنا وصفًا لأدوات الكتابة وآلاتها وأوصاف الخط الجاهلي. وكان عمادنا في كل ما ذكرنا: النقوش الحجرية، والشعر الجاهلي، والروايات والنصوص الجاهلية. وبعض الروايات والنصوص الإسلامية التي تنسحب في دلالاتها وإشاراتها على العصر الجاهلي.

وقد انتهى بنا بحثنا المتقدم إلى أن عرب الجاهلية قد عرفوا من الكتابة صورتها الساذجة اليسيرة حين كتبوا رسائلهم، وصكوك حسابهم وعهودهم ومواثيقهم، ونقشوا خواتمهم وشواهد قبورهم. وهذه كلها لا تتجاوز في حجمها صحيفة واحدة قد تنقص قليلًا أو تزيد قليلًا. وقد عرفوا أيضًا من الكتابة صورة أرقى من هذه الصورة الساذجة، وأكبر حجمًا، وأشد تعقيدًا، وهي التدوين. والفرق بين الصورتين -لغة واصطلاحًا-واضح؛ إذ أن الأولى لا تعني أكثر من مجرد التقييد العابر لما يعرض من شئون الحياة، ولكن التدوين إنما يعني جمع الصحف وضم بعضها إلى بعض حتى يكون لنا منها ديوان، وهو مجتمع الصحف. ولا بد للتدوين من أن يكون عملًا مقصودًا متعمدًا يرمي إلى هذه الغاية، لا عملًا عابرًا عارضًا. ولم نذكر في الفصل السابق من أمثلة هذا التدوين إلا مثلًا واحدًا هو الكتب الدينية.

وهدفنا في هذا الفصل تخصيص الحديث بكتابة الشعر الجاهلي منذ أول عهدها الذي استطعنا أن نكشف عنه، ثم نمضي بها حتى نصلها بتدوين هذا الشعر الجاهلي الذي وصل إلينا في هذا العصر والذي جمعه الرواة العلماء في أواخر القرن الثاني للهجرة.

وموضوع كتابة الشعر الجاهلي -كموضوع الكتابة عامة- ذو شقين، الأول: الكتابة الضيقة التي لا تعدو مجرد التقييد، والثاني: الكتابة الواسعة التي تتجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة التدوين. وقد رأينا أن نبدأ بالحديث عن تقييد الشعر الجاهلي، ونؤخر الحديث عن تدوينه إلى أن نضعه في مكانه المناسب له من حديثنا عن أوائل التدوين وتأليف الكتب في الجاهلية وصدر الإسلام.

ويبدو لنا أن الأدلة على تقييد الشعر في الجاهلية يصح أن تقسم ضربين، الضرب الأول: أدلة عقلية استنباطية؛ والثاني: أدلة صريحة مباشرة.

أما الأدلة العقلية الاستنباطية فجماعها في أربعة أمور:

الأول: هو هذا الذي قدمناه في الفصل السابق، وتجشمنا مشقة الخوض فيه وبيانه والكشف عن أجزائه وتفاصيله. ولم نكن لنركب هذا المركب لمثل هذا البحث لو لم نرم إلى أن نتخذ منه متكأ نعتمد عليه في بحث كتابة الشعر الجاهلي بخاصة. وذلك أن عرب الجاهلية هؤلاء الذين كانوا يقيدون بالكتابة دينهم ورسائلهم وعهودهم وصكوك حسابهم وسائر ما قدمناه في بحثنا عن موضوعات كتابتهم لا يصح في الفهم أن يقيدوا كل ذلك من أمورهم: دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، حقيرها وعظيمها ثم يهملوا تقييد شعرهم. والشعر عندهم كما هو معروف متداول، في الذروة العليا من القيمة والخطر؛ إذ هو ديوان أمجادهم وأحسابهم، وسجل مفاخرهم ومآثرهم، قال الجاحظ(1): "... فكل أمة تعتمد في استبقاء مآثرها، وتحصين مناقبها، على ضرب من الضروب وشكل من الأشكال. وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفى، وكان ذلك هو ديوانها".

وقال ابن قتيبة(2) عن الشعر إن الله جعله لعلوم العرب مستودعًا، ولآدابها حافظًا، ولأنسابها مقيدًا، ولأخبارها ديوانًا لا يرث على الدهر ولا يبيد على مر الزمان.

فإذا كانت القبائل تقيد عهودها ومواثيقها -كما مر بنا-أفليس من الطبيعي إذن أن تقيد شعر شعرائها الذين يدافعون به عن حياضها، ويذودون به عن أمجادها، ويسجلون به وقائعها وأيامها، ويعددون فيه انتصاراتها ومآثرها؟

ونحن نعلم أن القبيلة كانت إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس(3).

وقد قال الأعشى يخاطب قومه ويبين لهم فضله عليهم(4):

وأدفع عن أعراضكم وأعيركم لسانًا كمقراض الخفاجي ملحبا

وبلغ من عناية القبائل بالشعر أن بني تغلب كانوا يعظمون قصيدة عمرو بن كلثوم المعلقة، وكان يرويها صغارهم وكبارهم حتى هجوا بذلك، فقال بعض شعراء بكر بن وائل(5):

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يروونها أبدًا مذ كان أولهم يا للرجال لشعر غير مسئوم

ومن أبين ما يدل على خطر الشعر عند القوم آنذاك ما ذكره أبو عبيدة قال(6): كان الرجل من أنف الناقة إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قريع. فما هو إلا أن قال الحطيئة:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟

فصار الرجل منهم إذا قيل له: ممن أنت؟ قال: من بني أنف الناقة.

وكما كانت القبائل حريصة على تسجيل مفاخرها في شعر شعرائها كانت كذلك حريصة على أن تتجنب ذم شعراء القبائل الأخرى وهجاءهم. وهل أبلغ في الدلالة على خشيتهم الهجاء وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب ويسب به الأحياء والأموات من أنهم كانوا إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق وربما شدوا لسانه بنسعة كيلا يهجوهم، كما صنعت بنو تيم بعبد يغوث بن وقاص الحارثي حين أسر يوم الكلاب، فقال في ذلك عبد يغوث(7):

أقول، وقد شدوا لساني بنسعة أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا

ذلك هو شأن القبائل. أما الأفراد فلا يقلون في هذا عن قبائلهم. فإن هذا الملك أو السيد أو الشريف أو الثري الذي كان يقيد صك حسابه، ويقيد قطوط جوائزه وعطاياه، ويكتب الرسائل في شتى شئونه أيعقل أنه كان يغفل عن أن يولي الشعر الذي يمدح به مثل هذه العناية؟ وقد كانت عناية الممدوح بمدح الشاعر تتمثل في هذه الهبات السخية من الإبل والملابس والحلي والقيان التي كان يهبها الممدوح للشاعر، لأنه بمدحه يذيع اسمه في العرب، ويعلي من قدره بينهم، ويخلد ذكره على مر السنين. فكان الممدوح حريصًا على أشد الحرص على مدح الشاعر، يجهد في إرضائه بما يقدمه إليه من عطايا، ويتكلف لذلك فوق ما في وسعه، حتى إذا أعيته الحيلة ولم يجد وسيلة إلى إرضاء الشاعر بات كثيبًا يخشى مغبة الهجاء؛ وهذا مخارق بن شهاب سيد بني مازن، أتاه محرز بن المكعبر العنبري الشاعر فقال: إن بني يربوع قد أغاروا على إبلي فاسع لي فيها. فقال مخارق: وكيف وأنت جار وردان بن مخرمة؟ فلما ولي عنه محرز محزونًا بكى مخارق حتى بل لحيته، فقالت له ابنته: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي، واستغاثني شاعر من شعراء العرب ولم أغثه؟ والله لئن هجاني ليفضحني قوله، ولئن كف عني ليقتلني شكره! ثم نهض فصاح في بني مازن فردت عليه إبله(8).

ولقي الزبرقان بن بدر الحطيئة فطمع في أن يصفيه مدائحه فسيره إلى زوجته، أو أمه، وكتب إليها أن تكرمه وتحسن إليه. ولكن بغيض بن عامر -وكان ينازع الزبرقان الشرف-ما زال يسعى حتى استمال إليه الحطيئة، فارتحل إليه، فضرب له بغيض وأخواته قبة، وربطوا بكل طنب من أطنابها حلة هجرته، وأراحوا عليه إبلهم، وأكثروا عليه التمر واللبن. فلما قدم الزبرقان ولم يجده وعلم بقصته، نادى في قومه، وركب فرسه وأخذ رمحه، وسار حتى وقف على بغيض وقومه، وطلب منهم رد الشاعر، وكاد أن يقع بين الحيين حرب. كل ذلك إكرامًا للشاعر وطمعًا في مدحه وخوفًا من هجائه(9).

فإذا كان أمر الشعر بهذا الخطر للممدوحين، فهل كان ملوك الحيرة، وملوك غسان، وأشراف المدينة والطائف وساداتها وأثرياؤها، وسادات نجران واليمن، هل كان كل أولئك لا يقيدون ما يمدحون به من الشعر مع أنهم كانوا يقيدون سائر أمورهم؟

ورب معترض يقول: فما بال الشعر القديم في جاهلية الأمم الأخرى لم يكن مكتوبًا -فيما يقال-ثم نفرض أن العرب في جاهليتهم قد كتبوه؟ وما أيسر الإجابة عن هذا الاعتراض! فنحن إنما قدمنا ما قدمنا في الفصل الأول من هذا البحث لندل على أن جاهلية العرب تختلف اختلافًا واسعًا عن جاهلية الأمم الأخرى. فجاهلية تلك الأمم إنما هي الطور البدائي الساذج من حياتهم قبل أن ينتقلوا إلى طور حضاراتهم. ففي ذلك الطور البدائي كان من الطبيعي ألا يكتبوا شعرهم؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون من صور الكتابة ما يعينهم على تقييد أمورهم؛ وأما جاهلية العرب فيغنينا عن إعادة القول فيها ما قدمناه من تبيان معرفتها بالكتابة معرفة قديمة العهد، فيها شيء من الانتشار وتعدد الموضوعات والأدوات. ولذلك نعجب لقوم تكون معرفتهم بالكتابة هذه المعرفة التي بسطنا فيها القول ثم لا يقيدون شعرهم. ونحن إنما نتحدث عن تقييد بعض الشعر لا كله، حتى يستقيم لنا الاستنتاج والاستنباط ونقصد بالتقييد -كما قدمنا-مجرد الإثبات بالكتابة لأبيات أو قصائد متفرقة من الشعر، ولا نعرض الآن لذكر التدوين الشامل المقصود، فلذلك مجاله بعد صفحات من هذا الباب.

الثاني: أما الدليل الثاني من هذه الأدلة العقلية الاستنباطية فمتصل أوثق الاتصال بالدليل الأول. فإذا كان الشعر المسجل لمفاخر القبائل ومحامد الأفراد له خطره وقيمته عند القبائل والأفراد الممدوحين، فقد كان له من الخطر والقيمة عند الشعراء المادحين أنفسهم ما يضارع ما كان له عند الممدوحين أو يزيد.

فقد كان هذا الشعر عند غير المتكسبين بالمدح واجبًا قوميًا تفرضه على الشاعر طبيعة ارتباطه بقبيلته، أو واجبًا أخلاقيًّا تمليه عليه مآثر سلفت من صاحبها لقبيلة الشاعر أو للشاعر نفسه. وأما المتكسبون بالشعر فقد كان هذا الشعر موردًا من موارد ارتزاقهم، أو لعله هو المورد الوحيد لرزقهم. فكان الشاعر منهم يكثر التجوال والتطواف، ويقطع على ظهر ناقته الآماد الواسعة يستسهل طيَّ المفاوز، ويستعذب تحمل المشاق والأهوال في سبيل وصوله إلى ممدوحه الذي سيجزيه عما تجشم وتكلف، ويقضي حاجته، ويكفيه رزقه. أليس عجيبًا بعد ذلك ألا يُعنَى الشاعر، وهذه قيمة الشعر عنده، بأن تحفظ الكتابة شعره أو بعضه؟ وسيشتد العجب إذا علمنا أن بعض الشعراء لم يكونوا في حاجة إلى أن يتلمسوا الوسائل البعيدة لكتابة شعرهم ويتطلبوا من يكتبه لهم؛ لأنهم كانوا هم أنفسهم يحسنون الكتابة ويتقنونها. على أنه كانت ثمة دواع تضطر حتى من لا يعرف الكتابة من الشعراء، إلى أن يستكتب من يعرفها؛ ومن أنصع الإشارات إلى ذلك ما ذكره ابن الأعرابي قال(10): بلغ عمرو بن كلثوم أن النعمان بن المنذر يتوعده، فدعا كاتبًا من العرب، فكتب إليه:

ألا أبلغ النعمان عني رسالة فمدحك حولي وذمك قارح

متى تلقني في تغلب ابنة وائل وأشياعها ترقى إليك المسالح

فإذا كان هذا شأن من لا يعرف الكتابة من الشعراء، فما ظنك بمن كان هو نفسه كاتبًا؟

وحسبنا أن نعرض أسماء من عثرنا عليهم من شعراء الجاهلية ممن كانوا يكتبون، على أن نشير إلى أن إغفال النص على معرفة غيرهم بالكتابة لا يعني أن هؤلاء الذين لم ينص على علمهم بالكتابة كانوا جميعًا يجهلونها.

فمنهم عدي بن زيد العبادي: الذي طرحه أبوه -حين أيفع-في الكُتَّاب، حتى إذا حذق الخط العربي أرسله إلى كتاب الفارسية، فصار أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية، ثم انتقل إلى بلاط فارس فأصبح كاتبًا بالعربية ومترجمًا في ديوان كسرى(11).

ومن الشعراء الذين كانوا كتابًا بالعربية ومترجمين في بلاط فارس: لقيط بن يعمر الإيادي(12). وهو الذي أرسل إلى قومه ينذرهم بعزم كسرى على قتالهم، وصحيفته في ذلك مشهورة ابتدأها بقوله:

سلام في الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من إياد

وختمها بقوله:

هذا كتابي إليكم والنذير لكم لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

وهي قصيدة طويلة تزيد على الخمسين بيتًا.

ومن الشعراء الذين تعلموا الخط والكتابة في مدارس الحيرة: المرقش وأخوه حرملة، وكان أبوهما سعد بن مالك وضع مرقشًا وأخاه -وهما أحب بنيه إليه- عند رجل من أهل الحيرة، فعلمهما الخط والكتابة(13).

ومن شعراء المدينة الذين كانوا يكتبون: سويد بن صامت الأوسي(14)، وعبد الله بن رواحة(15)، وكعب بن مالك الأنصاري وقد كتب شعرًا في يوم أحد ذكر فيه أسماء النقباء وأرسله إلى أبي سفيان بن حرب وأبي بن خلف الجمحي يرد عليهما(16).

ومن الشعراء الكتاب كذلك: الربيع بن زياد العبسي، وكان هو وإخوته من الكملة، وقد مر بنا أن من صفات الكامل في الجاهلية أن يحسن الكتابة، وقد كتب الربيع بن زياد إلى النعمان بأبيات يعتذر إليه فيها(17).

ومن هؤلاء الشعراء الكتاب: الزبرقان بن بدر(18)، والنابغة الذبياني، وقد كتب قصائد أرسلها إلى النعمان يعتذر إليه بها ويحلف له: أنه ما فرط منه ذنب(19).

ومنهم كعب بن زهير بن أبي سلمى وأخوه بجير بن زهير، وقد كتب إلى بجير شعرًا يلومه فيه على إسلامه(20)، فكتب إليه بجير ينذره ويعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل بالمدينة كعب بن الأشرف(21).

ومن هؤلاء الشعراء الكتاب: لبيد بن ربيعة العامري، وقد كان عمر بن الخطاب أرسل إليه يطلب منه أن يكتب له ما قاله في الإسلام من الشعر، فانطلق لبيد إلى بيته فكتب سورة البقرة في صحيفة، ثم أتى بها فقال: أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر(22). وقد كان من الناس من يكتب إلى لبيد أيضًا شعرًا، وذلك أن الوليد بن عقبة خطب الناس بالكوفة في يوم صبا، وقال: إن أخاكم لبيدًا آلى ألا تهب له الصبا إلا أطعم الناس حتى تسكن، وهذا اليوم من أيامه، فأعينوه، وأنا أول من أعانه. ونزل، فبعث إليه بمائة بكرة، وكتب إليه أبياتًا من الشعر.. فلما أتاه الشعر قال لابنته: أجيبيه(23).

ومما يؤيد معرفة لبيد بالكتابة في الجاهلية أن في شعره الجاهلي كثيرًا من الإشارات والمعاني الدينية التي تدل على أنه كان في الجاهلية يؤمن بالبعث. وقد كان أكثر هؤلاء الذين كانوا على دين في الجاهلية يحسنون الكتابة(24).

ومن هؤلاء الشعراء الذين كانوا يؤمنون بالبعث في الجاهلية ويقرؤون الكتب الدينية: أمية بن أبي الصلت(25).

ومن هؤلاء الشعراء المخضرمين الذين ولدوا في الجاهلية وعمروا في الإسلام إلى زمن عبد الملك بن مروان واشتهروا بالعلم والفقه: مسروق بن عبد الرحمن(26)، وشريح بن الحارث الكندي(27).

ولا بد من الإشارة إلى أن النص على معرفة الشعراء بالكتابة لم يكن في الكتب العربية نصًّا صريحًا مقصودًا لذاته، وإنما أكثر ما يكون استطردًا عابرًا لتوضيح سياق قصة تتصل بالشاعر، أو بقومه، أو بحادثة بعينها. ويبدو لنا أن الذين خلَّفوا لنا هذه الكتب -وهم الذين سجلوا تاريخنا الأدبي-كانوا يتوهمون أن معرفة الشاعر بالكتابة عيب ينتقص من شاعريته، وذلك لأنهم كانوا يظنون أن معرفة الكتابة أمر حادث طارئ على العرب، وهو من أمور المدنية التي كانت تفسد الأعراب وسليقتهم اللغوية الفطرية، فكانوا يشكون في كل أعرابي يتصل بالمدينة ويكتسب من مظاهر حضارتها. قال الجاحظ(28):

"سمعت ابن بشير، وقال له أبو الفضل العنبري -يبدو أنه أحد الأعراب-: إني عثرت البارحة بكتاب، وقد التقطته، وهو عندي، وقد ذكروا أن فيه شعرًا، فإن أردته وهبته لك. قال ابن بشير: أريده إن كان مقيدًا. قال: والله ما أدري أمقيد هو أم مغلول. ولو عرف التقييد لم يلتفت إلى روايته.

وهذا الحكم الذي فرضوه على الأعراب سحبوه أيضًا على الشعراء أنفسهم، حتى الشعراء الإسلاميين الذين كانوا معروفين باتصالهم الوثيق بالبادية، فكانوا لذلك مصدرًا لهؤلاء اللغويين والرواة ومعتمدًا لهم فيما يذكرونه من شواهد وأمثلة.

وأوضح ما يبين لنا ذلك أن أبا النجم العجلي الراجز وذا الرمة قد عيبا بمعرفة الكتابة فأنكرها ذو الرمة. قال أبو بكر الصولي(29): قد عيب أبو النجم بهذا [أي بقوله:

أقبلت من عند زياد كالخرف تخط رجلاي بخط مختلف

كأنما قد كتبا لام ألف].

 

فقيل: لولا أنه يكتب ما عرف صورة لام ألف، كما عيب ذو الرمة في وصف ناقته:

كأنما عينها فيها -وقد ضمرت وضمها السير في بعض الأضا- ميم(30)

وقال أيضًا: "قرأ حماد الرواية على ذي الرمة شعره، قال: نراه قد ترك في الخط لامًا، فقال له ذو الرمة: اكتب لامًا. فقال له حماد: وإنك لتكتب؟ قال: اكتم عليَّ فإنه كان يأتي باديتنا خطاط فعلمنا الحروف تخطيطًا في الرمال في الليالي المقمرة فاستحسنها فثبتت في قلبي، ولم تخطها يدي".

فإذا كان هذا رأي هؤلاء العلماء الرواة في القرن الثاني الهجري في الشعراء الإسلاميين أنفسهم، فلا بد أن يكون رأيهم هذا أكثر تشددًا وغلوًّا في الشعراء الجاهليين؛ ولذلك نحسب أن أخبار معرفة الشعراء الجاهليين بالكتابة قد وصلتنا ناقصة مبتورة مشوهة، ولولا هذا الوهم الخاطئ لوصلنا الشيء الكثير الذي يدعم ما نذهب إليه.

الثالث: وثالث هذه الأدلة متصل كذلك بالسابقين لا يكاد ينفصل عنهما، ومداره على طبيعة ضرب من الشعر هو هذا الشعر الذي كان يتكلفه صاحبه تكلفًا بعد جهد ومشقة، لا يرتجله ارتجالًا، ولا يناسب منه عن طبع وفي يسر وسماحة، وإنما يقول البيت أو الأبيات ثم يطويها إلى أن توافيه أبيات أخرى يضمها إلى سابقاتها، فإذا ما اكتملت له القصيدة طواها كلها، وأخذ يعيد فيها نظره: يهذب من ألفاظها كلما سنح له وجه من وجوه التهذيب ويقوم بعض ما لم يكن قد استقام له من معانيها كلما واتته فرصة التقويم ذلك هو الشعر الحولي المحكك، وأولئك الشعراء هم عبيد الشعر كما سماهم الرواة العلماء(31). قال الجاحظ(32): "ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولًا كريتًا، وزمنًا طويلًا، يردد فيها نظره، ويجيل فيها عقله ويقلب فيها رأيه، اتهامًا لعقله، وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله تعالى من نعمته. وكانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلًا خنذيذًا وشاعرًا مفلقًا". وقال ابن جني(33):

"ليس جميع الشعر القديم مرتجلًا، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه، والملاطفة له، والتلوم على رياضته، وإحكام صنعته نحو مما يعرض لكثير من المولدين، ألا ترى إلى ما يُروى عن زهير، من أنه عمل سبع قصائد في سبع سنين، فكانت تسمى حوليات زهير؛ لأنه كان يحوك القصيدة في سنة؟..".

وهذا شاعر جاهلي هو امرؤ القيس بن بكر بن امرئ القيس بن حارث الكندي، ويقال له الذائد، يصف "عملية الانتخاب الفني" للألفاظ فيقول(34):

أذود القوافي عني ذيادا ذياد غلامٍ غويٍّ جرادا

فلما كثرن وأعيينني تنقيت منهن عشرًا جيادا

فأعزل مرجانها جانبًا وآخذ من درها المستجادا

ويقول كعب بن زهير(35):

فمن للقوافي -شأنها من يحوكها-إذا ما ثوى كعب وفوز جرول

يقول فلا يعيا بشيء يقوله ومن قائليها من يسيء ويعمل

نقومها حتى تقوم متونها فيقصر عنها كل ما يتمثل

كفيتك، لا نلقى من الناس واحدًا تنخل منها مثل ما نتنخل

وقد كان طفيل الغنوي في الجاهلية يدعى: المحبر، لتحسينه الشعر(36).

وقد مر بنا أن ابن فارس(37) يرى أن بعض شعراء الجاهلية كان يعرف علم العربية والعروض: ما كان منه متصلًا ببحور الشعر أو بقوافيه وعيوبها -مهما تكن الألفاظ الاصطلاحية التي كانوا يستخدمونها-، وقد أضفنا بعض ما عثرنا عليه مما يؤيد رأي ابن فارس في معرفة الشعراء الجاهليين بهذه العلوم.

ولا ريب أن ما قدمنا من حديث واضح الدلالة على أننا لا نعمم فيما نلقي من أحكام، فنحن لا نقصد أن كل شعراء الجاهلية كانوا يعرفون هذه العلوم، ولا نقصد كذلك أن جميع شعراء الجاهلية كانوا يتروون في نظم قصائدهم ويثقفونها وينقحونها. ولكننا نخص بحديثنا هذه الفئة من الشعراء التي كانت ترى الشعر عملًا عقليًّا تفكر فيه بعقلها كما تحسه بعاطفتها، وتنظمه وترصعه كما ترصع حجارة الفسيفساء.

وإذا كانا لا ننكر أن بعض الشعراء كانوا يرتجلون الشعر ارتجالًا، وأن بعضهم كان يندلث منه الشعر أندلاثًا هينًا سمحًا، وأن هاتين الطائفتين، أو بعض رجالهما، لا تضطرهم طبيعة هذا الضرب من الشعر إلى تقييده وإثباته بالكتابة، إذا كنا لا ننكر ذلك، فإنه لا بد لنا أن نتريث قليلًا عند الفئة الأخرى من الشعراء وشعرهم، وأن نتوقف عن أن نسحب عليهم حكم الضرب الأول. فنحن لا نفهم كيف يستطيع الشاعر الذي تمكث عنده القصيدة "حولًا كريتًا، وزمنًا طويلًا، يردد فيها نظره، ويحيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، واتهامًا لعقله، وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله تعالى من نعمته..."، والشاعر الذي كان يعرض له في الشعر من "الصبر عليه، والملاطفة له، والتلوم على رياضته، وإحكام صنعته نحو مما يعرض لكثير من المولدين.." والشاعر الذي كانت تكثر عليه القوافي فيذودها عنه ذيادًا، ثم ينتقي منها الجيد انتقاء، وينظر إلى قوافيه وألفاظه نظرة الجوهري إلى لآلئه: يعزل مرجانها جانبًا، ويأخذ المستجاد من درها..، والشاعر الذي يتنخل كلامه تنخلًا، ويثقف ألفاظه وقوافيه حتى تلين تمنونها، نحن لا نفهم كيف يستطيع هؤلاء الشعراء أن يقوموا بهذا العمل العقلي الذي يستغرق هذا الوقت المديد دون أن يكون الشعر مقيدًا أمامهم على صحيفة يرجعون إليها بين وقت وآخر: يزيدون عليه أو ينقصون منه، ويستبدلون لفظة بلفظة، وقافية بقافية. وهل يصح بعد هذا أن نذهب إلى أن هؤلاء الشعراء الذين كانوا يصنعون الشعر صناعة، بل يصنعونه تصنيعًا، ويعرفون من بحوره وقوافيه ولغته وإعرابه ما لا يُكتسب إلا بالتعليم والدراسة، هل يصح أن نذهب إلى أن هؤلاء الشعراء كانوا أميين ويستطيعون أن يقوموا بهذه "العمليات" المعقدة المتراكبة فطرةً وطبعًا، والشعر معلق في ذاكرتهم لا يعدوها؟

أحسب أن لا، وأحسب أن الأرجح أن هذا الضرب من الشعر المنقح كان يفرض عليهم أن يقيدوه على ما كانوا يملكون من صحف الكتابة التي بيَّنَّا أنواعها في فصل سابق.

الرابع: وآخر هذه الأدلة العقلية الاستنباطية: هذا الشعر الجاهلي الحافل بذكر الكتابة وصورها، والإشارة إلى أدواتها، وتشبيه الأطلاق والرسوم ببقايا الخطوط على الرق أو المهارق أو سائر أنواع الصحف، مما يدل على أن هؤلاء الشعراء الجاهليين كانوا على علم دقيق، بأنواع الكتابة والحروف(38). وقد ذكرنا هذا الشعر الجاهلي، الذي يحفل بذكر الكتابة، متفرقًا في مواطنه من الباب السابق حين تحدثنا على أدوات الكتابة وآلاتها، واستشهدنا به لكل جزء من أجزاء البحث، ووجدنا أن الشعر الجاهلي لم يغفل صغيرة ولا كبيرة فيه، وإنما استوعب الموضوع من نواحيه، ولمه من أطرافه كلها. ومع ذلك فإننا سنشير إلى أبيات قليلة فيها من الصور الشعرية المركبة ما ينبئ عن أن قائلها لا بد أن يكون عالمًا بهذه الصور، وأن الجاهل بها لا يتأتَّى له ذكرها ووصفها على هذا الوجه المفصل.

فأبو ذؤيب الهذلي يشير إلى كاتب يكتب دينًا له -وليس في هذه دلالة على شيء مما نذهب إليه لو وقف عنده-ولكنه يصف في بيتين كتابة هذا الكاتب الدائن، وأنها كانت كتابة دقيقة يتأنق فيها حتى يجعلها مزخرفة مزينة كالعروس ليلة تُهدى إلى زوجها. فوصف أبو ذؤيب هذه الكتابة بأنها "رقم" و"وشي" و"نمنمة". ثم يصف لنا الصحف التي كان يكتب عليها، ويذكر أنها ناعمة رقيقة "كالرياط"، ولا يكتفي بذلك بل إنه ليعرف أن هذه الصحف لا يكتب عليها الكاتب أول مرة، وإنما يستخدمها بعد أن استخدمها غيره من قبله، فجاء صاحبنا الدائن فمحا الكتابة السابقة، وكتب عليها دينه، ولكن آثار الكتابة السابقة ما زالت باقية يشاهدها أبو ذؤيب فيعرفها ويصفها، وذلك قوله(39)

عرفت الديار كرقم الدوا ة يزبرها الكاتب الحميري

برقم ووشي كما زخرفت بميشمها المزدهاة الهدي

أدان وأنباه الأولو ن أن المدان الملي الوفي

فنمنم في صحف كالريا ط فيهن إرث كتاب محي

وفي أبيات لخزز بن لوذان السدوسي يذكر فيها إنكاره لما كان يعتقده أهل زمانه آنذاك من التشاؤم والتفاؤل بالسوانح والبوارح وعقد التمائم لدفع الغوائل.

ويقرر فيها أن الدهر قلب لا يدوم له خير ولا يتصل له شر. ولو أننا لم نقف عند هذه المعاني العقلية التي لا تصدر إلا من مثقف متعلم يثور على معتقدات أهل زمانه وأباطيلهم، فإننا لا نستطيع إلا أن نقف عند آخر بيت منها، إذ نكاد نفهم منه أن هذا الشاعر قد قرأ الكتب الدينية القديمة، واشتق منها هذه المعاني التي يصورها، وذلك قوله(40):

لا يمنعنك من بغا ء الخير تعقاد التمائم

ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واقٍ وحاتم

فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم

وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم

قد خط ذلك في الزبور الأوليات القدائم(41)

ويصور لنا لبيد صورة غريبة مركبة حين يصف لنا الأطلال. وذلك في قوله(42)

أو مذهب جدد على أرواحهن الناطق المبروز والمختوم

فيشبه رسوم الديار بلوح مذهب عليه جدد، وهي الطرائق التي فيها، ويقول الطوسي شارح ديوان لبيد، فما ينقله عن ابن الأعرابي، إن المذهب لوح ضمت إليه ألواح من جوانبه، كانوا يضعون عليه الكتب التي ترسل إلى الملوك تعظيمًا للملك. لا تمسه إلا يده يأخذ ما شاء ويترك ما شاء. فكانت هذه الكتب الموضوعة إما مبروزة: أي منشورة، وإما مختومة لم تنشر بعد، وعبر عن الكتاب المرسل بالناطق.

ومن الأبيات التي تشتمل على ذكر للكتابة، وقد تدل على أن للشاعر معرفة بالكتابة والقراءة: بيتا معقل بن خويلد، اللذان يذكر فيهما ما يُفهم منه أنه قرأ بيته الثاني في كتاب فاقتبسه، وذلك قوله(43):

وإني كما قال مملي الكتا       ب في الرق إذ خطه الكاتب:

يرى الشاهد الحاضر المطمئن   من الأمر ما لا يرى الغائب

ونحن نكتفي بهذا القدر من الأبيات التي تشتمل على دلالة تشير إلى معرفة قائليها بصور متعددة من الكتابة والقراءة. وأما سائر الأبيات التي تشتمل على ذكر الكتابة وما يتصل بها فقد عرضناها في مواطنها من الفصل السابق ولا حاجة بنا إلى إعادتها والاستكثار بها.

تلك هي الأدلة العقلية الاستنباطية التي رأينا أنها قد تشير إلى معرفة الشعراء الجاهليين بالكتابة وإلى أن بعض هؤلاء الشعراء ربما استخدم الكتابة في تقييد بعض شعره. أما الأدلة الصريحة المباشرة فتتمثل في هذه الروايات والنصوص التي لممنا نثارها. وجمعنا متفرقها. وننظمها الآن في سلك واحد لنرى أنها واضحة صريحة في أن بعض الشعر الجاهلي كان يقيد. سواء أكان الذين يقيدونه هم الشعراء الجاهليين أنفسهم بخط يدهم أم كان هؤلاء الشعراء يستكتبون غيرهم لتقييد شعرهم.

وقد لحظنا -بعد أن جمعنا مادة هذا الفصل-في هذه الروايات والنصوص أمرين؛ الأول: أن أكثرها يشير إلى أن هذا الشعر المقيد بالكتابة إنما كان رسائل يبعث بها الشاعر، ومع ذلك فقد عثرنا على روايات قليلة تشير إلى تقييد الشعر للحفظ. والثاني: أن هذه الرسائل الشعرية كانت شيئًا مألوفًا في العصور الإسلامية، وبين أيدينا أخبار ونصوص عنها في زمني عمر ومعاوية خاصةً. وحسبنا أن نشير إلى مواطنها(44). ونحب أن نقدم بخبرين من صدر الإسلام ثم ننتقل إلى أخبار الجاهلية نفسها ونصوصها:

فقد اجتمع الأنصار في مجلس(45)، فتذاكروا هجاء النجاشي إياهم، فقالوا: من له؟ فقال الحارث بن معاذ بن عفراء: حسان له... فتوجه نحوه. والقوم كلهم معظم لذلك، حتى دق عليه الباب... فلما دخل عليه كلمه. فقال: أين أنتم عن عبد الرحمن؟ قال: إياك أردنا، قد قاوله عبد الرحمن فلم يصنع شيئًا. فوثب، وقال: كن وراء الباب، واحفظ ما ألقي... فدخل وهو يقول:

أبني الحماس أليس منكم ماجد إن المروءة في الحماس قليل

"ثمانية أبيات" ثم مكث طويلًا على الباب يقول: والله ما أبحرت، ثم ألقى علي:

حارِ بنَ كعبٍ ألا الأحلام تزجركم عني، وأنتم من الجوف الجماخير

لا عيب بالقوم من طول ولا عظم جسم البغال وأحلام العصافير

كأنهم قصب جوف، مكاسره مثقب فيه أرواح الأعاصير

دعوا التخاجو وامشوا مشية سجحًا إن الرجال أولو عصبٍ وتذكير

لا ينفع الطول من نوك القلوب، ولا يهدي الإله سبيل المعشر البور

إني سأنصر عرضي من سراتكم إن الحماس نسي غير مذكور

ألفى أباه وألفى جدجه حبسنا بمعزل عن معالي المجد والخير

ثم قال للحارث: اكتبها صكوكًا، فألقها إلى غلمان الكتاب. قال الحارث: ففعلت.."

وقد ذكر الزمخشري أن طلحة رضي الله عنه أنشد قصيدة، فما زال شانقًا ناقته حتى كتبت له القصيدة(46).

وحينما علم كعب بن زهير بإسلام أخيه بجير كتب إليه(47):

ألا أبلغا عني بجيرًا رسالة فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا؟

سقيت بكأس عند آل محمد فأنهلك المأمون منها وعلكا

فخالفت أسباب الهدى وتبعته على أي شيء، ويب غيرك، دلكا؟

فلما أتى الكتاب بجيرًا كتب إلى كعب يقول(48):

من مبلغ كعبًا فهل لك في التي تلوم عليها باطلًا وهي أحزم

إلى الله -لا العزى ولا اللات-وحده فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت من الناس إلا طاهر القلب مسلم

فدين زهير -وهو لا شيء دينه-ودين أبي سلمى على محرم

وكان أبو سفيان بن حرب وأبي بن خلف الجمحي قد كتبا إلى الأنصار كتابًا يعاتبانهم فيه على إيوائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلبان منهم أن يخلوا بينه وبين قريش. فكتب إليهما كعب بن مالك الأنصاري في يوم أحد بهذا الشعر -وهو أربعة عشر بيتًا-يرد عليهما فيه، ويذكر أسماء النقباء(49):

أبلغ أبيًّا أنه قال رأيه وحان غداة الشعب والحين واقع

أبى الله ما منتك نفسك إنه بمرصاد أمر الناس راء وسامع

وأبلغ أبا سفيان أن قد أضا  لنا بأحمد نور من هدى الله ساطع

فلا ترعين في حشد أمر تريده وألب وجمع كل ما أنت جامع

ودونك فاعلم أن نقض عهودنا أباه عليك الرهط حين تبايعوا

ثم يذكر أسماء النقباء، ويختم الأبيات الأربعة عشر بقوله:

أولاك نجوم لا يغبك منهم عليك بنحسٍ في دجى الليل طالع

وذكروا أن الناس أصبحوا يومًا بمكة، فرأوا مكتوبًا على دار الندوة(50):

ألهى قصيا عن المجد الأساطير    ورشوة ما تُرشَى السفاسير

وأكلها اللحم بحتًا لا خليط له     وقولها: رحلت عير، أتت عير

وذكروا أن النعمان بن المنذر ولَّى بعض الأعراب باب الحيرة مما يلي البرية، فصاد الأعرابي ضبًّا، فبعث به إلى النعمان وكتب إليه(51):

جبى المال عمال الخراج وجبوتي مقطعة الآذان صفر الشواكل

وعين الربا والبقل حتى كأنما كساهن سلطان ثياب المراجل

ويبدو أن طبيعة حياة القصور في بلاط النعمان وما يكثر فيها من دس ووقيعة ووشايات كانت تضطر الشعراء إلى أن يدفعوا عن أنفسهم هذه الدسائس، فينجوا بأنفسهم مخافة الفتك بهم، ثم يقولوا شعرًا ويكتبوه ويرسلوه إلى النعمان.

فمن ذلك تلك القصائد الكثيرة التي كانت يقولها عدي بن زيد في سجنه ويكتب بها إلى النعمان(52). ومن ذلك أيضًا أن النابغة -بعد أن هرب من النعمان ومكث عند آل جفنة-أرسل إلى النعمان قصائد يعتذر إليه بها، ويحلف له: أنه ما فرط منه ذنب(53).

ومن ذلك أيضًا أن النعمان أمر الربيع بن زياد العبسي بالانصراف، فلحق بأهله وكتب إلى النعمان أبياتًا يعتذر فيها، وهي(54):

لئن رحلت جمالي إن لي سعة ما مثلها سعة عرضًا ولا طولا

بحيث لو وزنت لخم بأجمعها لم يعدلوا ريشة من ريش شمويلا

ترعى الروائم أحرار البقول بها لا مثل رعيكم ملحًا وغسويلا

فأبرق بأرضك يا نعمان متكئًا مع النطاسي يومًا وابن نوفيلا

فكتب إليه النعمان جوابًا عن أبياته بأبيات أخرى هي قوله.

شرد برحلك عني حيث شئت ولا تُكثر عليَّ ودع عنك الأباطيلا

فقد ذكرت به والركب حامله وردًا يعلل أهل الشام والنيلا

فما انتفاؤك منه بعد ما خرعت هوج المطي به إبراق شمليلا

قد قيل ذلك إن حقًّا وإن كذبًا فما اعتذارك من قولٍ إذا قيلا

فالحق بحيث رأيت الأرض واسعة وانشر بها الطرف إن عرضًا وإن طولا

وبلغ عمرو بن كلثوم أن النعمان بن المنذر يتوعده فدعا كاتبًا من العرب فكتب إليه(55):

ألا أبلغ النعمان عني رسالة فمدحك حولي وذمك قارح

متى تلقني في تغلب ابنة وائل وأشياعها ترقَى إليك المسالح

وغضب الحارث بن مارية الغساني على عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي فتهدده، فدعا عبد العزى ابنيه: شراحيل وعبد الحارث، فكتب معهما إلى قومه(56):

جزاني -جزاه الله شر جزائه-جزاء سنمارٍ وما كان ذا ذنب

سوى رصه البنيان عشرين حجة يعل عليه بالقراميد والسكب

وهي أبيات(57).

ولما طال سجن عدي بن زيد، في حبس النعمان، كتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى بهذا الشعر(58):

أبلغ أبيا على نأيه     وهل ينفع المرء ما قد علم

بأن أخاك شقيق الفؤا   د كنت به واثقًا ما سلم

لدى ملك موثق في الحديـ د إما بحق وإما ظلم

فلا أعرفنك كذات الغلا م ما لم تجد عارمًا تعترم(59)

فأرضك أرضك إن تأتنا    تنم نومة ليس فيها حلم

فكتب إليه أخوه أبي رسالة شعرية أخرى أبياتها عشرة نكتفي بذكر مطلعها:

إن يكن خانك الزمان فلا عا جز باع ولا ألف ضعيف(60)

ثم قام أبي إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفة خبره، فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه.

وكان أحمر بن جندل أسيرًا، في يد صعصعة بن محمود بن عمرو بن مرثد، فأطلقه؛ فقال أخوه سلامة بن جندل هذه الأبيات وبعث بها إلى صعصعة(61):

سأجزيك بالقد الذي قد فككته سأجزيك ما أبليتنا العام صعصعا

 فإن يك محمود أباك فإننا وجدناك منسوبًا إلى الخير أروعا

سأهدي، وإن كنا بتثليث، مدحة إليك، وإن حلت بيوتك لعلعا

فإن شئت أهدينا ثناء ومدحة وإن شئت عدينا لكم مائة معا

وكان الأسرى ينتهزون كل فرصة ليكتبوا إلى قومهم يعلمونهم بحالهم؛ فمن ذلك أن رجلًا من بني تميم كان أسيرًا فكتب إلى قومه(62):

حلوا عن الناقة الحمراء أرحلكم والباز الأصهب المعقول فاصطنعوا

إن الذئاب قد اخضرت براثنها والناس كلهم بكر إذا شبعوا

ومن ذلك أيضًا أن قيسبة بن كلثوم السكوني أسره بنو عامر بن عقيل،

فمر به أبو الطمحان القيني، فوعده مائة ناقة إن هو بلغ قومه رسالة، ثم كتب على مؤخر رحل أبي الطمحان(63):

بلغا كندة الملوك جميعًا حيث سارت بالأكرمين الجمال

أن ردوا العين بالخميس عجالًا وأصدروا عنه والروايا ثقال

هزئت حارتي وقالت عجيبًا إذ رأتني في جيدي الأغلال

إن تريني عاري العظام أسيرًا قد براني تضعضع واختلال

فلقد أقدم الكتيبة بالسيـ ـف على السلاح والسربال

وقد مر بنا ذكر الكتابة على الرحل حين تحدثنا عن أدوات الكتابة، وقلنا آنذاك إنه كان أمرًا مألوفًا حين يضطر المرء وتعجزه وسيلة أخرى للكتابة، ومثلنا على ذلك بالكتابة على الرحل زمن الرسول والصحابة(64).

وكان أيضًا ممن كتب على الرحل من الشعراء الجاهليين: المرقش(65)، وذلك أنه مرض في الطريق -وكان معه عسيف له من غفيلة، ووليدة هي امرأة الغفلي-فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقمًا وهلكنا معه ضرًّا وجوعًا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب... فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:

يا صاحبي تلبثا لا تعجلا إن الرواح رهين ألا تفعلا

فلعل لبثكما يفرط سيئًا أو يسبق الإسراع سيبًا مقبلا

يا راكبًا إما عرضت فبلغن أنس بن سعدٍ إن لقيت، وحرملا

لله دركما ودر أبيكما إن أفلت العبدان حتى يُقتلا

من مبلغ الأقوام أن مرقشًا أضحى على الأصحاب عبئًا مثقلا

وكأنما ترد السباع بشلوه إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا

وهل أبلغ في الدلالة على شيوع كتابة الشعر في الرسائل من هذه الأبيات التي أرسلها الحارث بن كلدة إلى بني عم له يعاتبهم؛ لأنه كتب إليهم قبلها فلم يجيبوه، قال(66):

ألا أبلغ معاتبتي وقولي بني عمي فقد حسن العتاب

وسل: هل كان لي ذنب إليهم وهم منه -فأعتبهم-غضاب

كتبت إليهم كتبًا مرارًا فلم يرجع إليَّ لها جواب

ومن أشهر الشعر الجاهلي الذي قيد بالكتابة على الصحف: قصيدة لقيط بن يعمر الأيادي التي أرسلها إلى قومه ينذرهم غزو كسرى إياهم، وقد كتب قبل القصيدة مقدمة شعرية من أربعة أبيات جعلها كالعنوان، وهي(67):

سلام في الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من إياد

بأن الليث كسرى قد أتاكم فلا يشغلكم سوق النقاد

أتاكم منهم ستون ألفًا يزجون الكتائب كالجراد

على حنقٍ أتينكم، فهذا أوان هلاككم كهلاك عاد

أما القصيدة نفسها بعد هذه المقدمة الشعرية فهي العينية المشهورة التي يصف فيها الشاعر حال قومه وضعفهم وتخاذلهم وقوة عدوهم، ثم يبين لهم ما يجب أن يتحلى به من يولونه قيادهم من صفات، ومطلعها(68):

يا دار عمرة من محتلها الجرعا هاجت لي الهم والأحزان والوجعا

وهي خمسة وخمسون بيتًا يختمها بقوله:

هذا كتابي إليكم والنذير لكم لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

ذلك هو تقييد الشعر الجاهلي، وقد جمعنا ما استطعنا أن نعثر عليه من أدلة عقلية ونقلية تسنده. وقد انتهت بنا كلها إلى ترجيح أن الشعر الجاهلي كان يقيد في صحف متفرقة لأغراض شتى. غير أن هذا كله مرحلة واحدة من مراحل بحثنا نقودنا إلى مرحلة تالية نتحدث فيها عن تدوين الشعر الجاهلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحيوان 1: 71-72.

(2) تأويل مشكل القرآن: 14.

(3) ابن رشيق، العمدة 1: 49.

(4) ديوانه: ق14 ب 31. الملحب: القاطع.

(5) الأغاني "دار الكتب" 11: 54.

(6) البيان والتبيين 4: 38.

(7) البيان والتبيين 4: 45، وانظر تفصيل أثر الشعر في القبائل والأفراد في المصدر نفسه ج4 من ص35 إلى ص48.

(8) البيان والتبيين 4: 41-42.

(9) الأغاني 2: 180-183.

(10) الأغاني "دار الكتب" 11: 58.

(11) الأغاني 2: 101-102.

(12) مختارات ابن الشجري "المطبعة العامرة سنة 1306هـ" ص2-7، وانظر أيضًا ابن قتيبة، الشعر والشعراء 1: 152، والأغاني "ساسي" 20: 24.

(13) المفضليات: 459-460، وانظر الأغاني 6: 130.

(14) الأغاني 3: 25.

(15) ابن سعد 3/ 2: 79.

(16) ابن حبيب، المحبر: 271-274.

(17) الأغاني 16: 22-23، وأمالي السيد المرتضى 1: 136، وشرح شواهد المغني: 68.

(18) الأغاني 2: 180.

(19) البغدادي، الخزانة 2: 392-393.

(20) الشعر والشعراء 1: 91.

(21) جمهرة أشعار العرب: 24.

(22) الخزانة 2: 215.

(23) الشعر والشعراء 1: 233-234.

(24) انظر إيمان لبيد بالبعث في الجاهلية في الإصابة 6: 4-5.

(25) ابن قتيبة، المعارف: 28؛ والأغاني 3: 121-122.

(26) ابن سعد 6: 50، 53.

(27) المصدر السابق 6: 90.

(28) البيان والتبيين 1: 163-164.

(29) أدب الكتاب: 62، وانظر أيضًا الشعر والشعراء 1: 507، قال ابن قتيبة: وقال عيسى بن عمر "توفي سنة 149" قال لي ذو الرمة: ارفع هذا الحرف فقلت له: أتكتب؟ فقال بيده على فيه، أي: اكتم علي، فإنه عندنا عيب.

(30) الأضاة: الغدير. يقول: كأن عينها دارة ميم لتدويرها.

(31) ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1: 23.

(32) البيان والتبيين 2: 9.

(33) الخصائص 1: 330.

(34) الآمدي: المؤتلف والمختلف: 10

(35) ديوانه: 59-60.

(36) الزمخشري: الفائق1: 541.

(37) الصاحبي في فقه اللغة: 8-11.

(38) كتب الأستاذ المستشرق كرنكو مقالة عنوانها "استخدام الكتابة في حفظ الشعر العربي القديم" "The use of writing for The preservation of Ancient Arabic poetry" ونشرت في سنة 1922 مع مجموعة مقالات أخرى لكتاب مختلفين في: A Volume of Oriental Studies to E.G. Browne, Edited by J.W. Arnold ص261-268 وقد أقام بحثه على نقطتين: ذكر الكتابة في الشعر القديم، واختلاف القراءات للفظة الواحدة وانظر كتاب "تاريخ الأدب العربي" للمستشرق بلاشير ص93-99.

(39) ديوان الهذليين 1: 64-65.

(40) لسان العرب "حتم". والمؤتلف والمختلف: 102، والخزانة 3: 11 حيث يذكر أن خززًا جاهلي.

(41) الزبور "بضم الزاي" = جمع زبر "بكسرها"، وهي الكتب.

(42) ديوانه "فينا 1880" ق16، ب 3.

(43) ديوان الهذليين 3: 70.

(44) نسب قريش: 110، 209، الفائق 1: 274، 2: 266، الأغاني "دار الكتب" 5: 17-18 و"ساسي" 13: 151 و14: 123، الجاحظ، المحاسن والأضداد 189، والحيوان 2: 85، ابن رشيق، العمدة "تصحيح النعساني سنة 1907" 1: 17-18، ابن عبد ربه، العقد 6: 131-132، ابن قتيبة، الشعر والشعراء: 233-234، ديوان الهذليين 2: 252-255، ابن سعد 3/ 1: 205، الآمدي، المؤتلف والمختلف: 63، البغدادي، الخزانة 2: 225-226 و4: 59-65.

(45) ديوان حسان "ط. النيل سنة 1904" ص131-132، وانظر أيضًا البغدادي، خزانة الأدب "سلفية" 4: 55-56.

(46) الفائق 1: 677.

(47) الشعر والشعراء 1: 91، وانظر أيضًا ابن هشام، السيرة 4: 144-145.

(48) ابن هشام: السيرة 4: 145-146.

(49) المعجم: 271-274، والأبيات في السيرة 2: 87-88.

(50) ابن سلام، طبقات فحول الشعراء: 196-197 السفاسير: مفردها سفير، وهو السمسار.

(51) الزجاجي: الأمالي: 115. الشواكل: الخواصر. ثياب المراجل: ثياب مخططة تعمل في اليمن.

(52) الأغاني 2: 115.

(53) البغدادي: الخزانة 2: 392-393.

(54) الأغاني 16: 22-23 وأمالي السيد المرتضى 1: 192.

(55) الأغاني "دار الكتب" 11: 58.

(56) الخزانة 1: 268.

(57) الأبيات في الثعالبي، ثمار القلوب: 109.

(58) الأغاني 2: 118-120.

(59) العارم: الراضع، يقول: إن لم تجد من يرضع منها درت هي فحلبت ثديها، وربما وضعته ثم مجته من فيها.

(60) الألف: الثقيل البطيء الكلام.

(61) ديوان سلامة: 21-22، وانظر البيان والتبيين 3: 318 مع اختلاف في الألفاظ وترتيب الأبيات.

(62) القالي، الأمالي 1: 7.

(63) الأغاني 11: 131.

(64) انظر ابن سعد 3/ 2: 151، وتقييد العلم: 102.

(65) المفضليات: 459-460، وانظر الأغاني 6: 130-131

(66) حماسة ابن الشجري: 68.

(67) الشعر والشعراء 1: 152.

(68) مختارات ابن الشجري: القصيدة الأولى.

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.