المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الامطار في الوطن العربي
2024-11-05
ماشية اللحم في استراليا
2024-11-05
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05



شياطين الشعراء  
  
3945   03:35 مساءاً   التاريخ: 23-03-2015
المؤلف : مصطفى صادق الرافعي
الكتاب أو المصدر : تاريخ آداب العرب
الجزء والصفحة : ص273-274
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /

لم يكن الشعر في فحول أهله من العرب لفظ لسان يطير ويقع، ولكنه كان حسباً ونسباً، وكان الشعراء هم أهل التاريخ، فإذا لم يستطع الشاعر أن يرفع ويضع وأن يبعث لسانه مع الموت إلى الموتى بحيث يكون كما وصفوا الجني بأن فمه يتأجج ناراً، فذلك الساقط المغمور؛ من أجل هذا كان يجنح الشعراء إلى اعتقاد أن شعرهم أحرف نارية تلقي بها الجن على ألسنتهم، وأنهم إنما يتناولون من الغيب، فهم فوق أن يعدوا من الناس ودون أن يحسبوا من الجن؛ فإذا جاء أحدهم بالقصيدة البارعة ورمى بالكلمة النافذة، ضرب قلبه أنها من هناك، وأنه إنما يؤديها عن لسان قائلها، فيكون ذلك مدعاة إلى توكيد الثقة والاعتداد، وإلى الذهاب بالنفس ونفرة الأنف ونحو ذلك مما هو من كبر القرائح وترفع العقول. والعرب فيما حكاه أبو عبيدة يعرفون الجني بأسماء، فإذا كحفر وظلم وتعدى وأفسد قيل شيطان. الخ، وقد يسمون الغضب شيطاناً، ومن ذلك قول أبي الوجيه العكلي في أمر: كان ذلك حين ركبني شيطاني!! قيل: وأي الشياطين تعني؟ قال: الغضب! كما يسمون به الكبر، ومنه قول عمر: لأنزعن شيطانه من تغرته؛ وكذلك يريدون بالشيطان في بعض معانيه الفطنة وشدة العارضة (ج1 الحيوان) فيكون ما جاء في الشعر من ذكر شياطين الشعراء على وجه المثل؛ لأن كل الصفات التي سبقت إنما هي خصيصة بالشاعر قبل الشيطان؛ وعندنا أنهم أخذوا هذا الاعتقاد من الكهانة وهي أقدمن فيهم من الشعر، وكان لكل كاهن نجي يسمونه الرئي والتابع، فذهب الشعراء هذا المذهب وسموا شياطينهم أو سماها لهم الرواة.. كما ستعرف. وقد درج شعراء الأمم على استعانة القوى الغيبية من قديم، لأن البيان وحي، ولأن الشعر يكاد يكون تفاعلاً روحياً من امتزاج روح الشاعر بروح أخرى، إذ هو كالحالة الطارئة على النفس: تشعر بها وقتاً دون وقت، وفي موضع دون موضع؛ فكان شعراء اليونان والرومان يستدعون في أوائل منظوماتهم (Les Muses وقد اصطلحوا على تسميتها بآلهة الشعراء أو عرائسه أو ربات الأغاني، ولهم في هذه العرائس أساطير منقولة (انظر شرح الجزء الثالث من الديوان) وقد انسحب على آثارهم المتأخرون من شعراء الأوربيين، فهم يسمون ربة الشعر، بالمنشدة السماوية، ونحو ذلك مما يتوكأ عليه القلب ويلوذ به الاعتقاد.والعرب لم يكونوا يفتتحون في أشعارهم باستدعاء تلك القوة الغيبية أو الاستمداد منها، كما فعل اليونان والرومان، ولكن ذلك كان لا يجاوز الاعتقاد وحركة النفس كبراً وغروراً، وكان ذلك فيهم قبيل الإسلام،؛ ونظن أن الذي اخترعه الأعشى؛ لأنه أول من احترف الشعر وجعله تجارة؛ إذا هو لم يكن مكفي المؤنة ولا سري التكسب كالنابغة؛ وقد ذكر صاحب القاموس أن جهنام تابعة الأعشى أي شيطانه وهو نفس قلب عمرو بن قطن من بني سعد بن قيس بن ثعلبة، وكان يهاجي الأعشى، فكأنه شيطانه أنه لا يزال يهيجه ويبعثه على الشر، ولعل هذا هو الأصل.

ثم اتخذ الأعشى بعد ذلك مسحلاً؛ أما ما نسب من ذلك إلى أوائل الشعراء كامرئ القيس، وما زعموا من أن له قصائد ومطارحات مع عمرو الجني وأن شيطانه لافظ بن لاحظ، فهو من تخرصات الرواة وما يجيئون به استيفاء لهذا البحث الخرافي وتكثراً من النظائر والأشباه في الروايات، ولهم في ذلك أخبار ذكر بعضها صاحب "جمهرة أشعار العرب" وصاحب كتاب "آكام المرجان" وغيرهما.

ونحن ذاكروه ما وقفنا عليه من اسماء شياطين الشعراء، إذ هم جعلوا ذلك مادة في تاريخ آدابهم: قالوا إن لاقط بن لاحظ هو صاحب امرئ القيس، وهبيداً صاحب عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم، وهاذر بن ماهر صاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه وهو أشعر الجن وأضنهم بشعره؛ فالعجب منه كيف سلسل لذبيان به؟ ... (ص 19 الجمهرة)، ومسحل بن أثاثة صاحب الأعشى، وجهنام صاحب عمرو بن قطن، وعمرو صاحب المخبل السعدي وصاحب حسان بن ثابت من بني الشيصبان، ومدرك بن واغم صاحب الكميت؛ قالوا: وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، وسنقناق صاحب بشار، وذكر جرير أنه يلقي عليه الشعر مكتهل من الشياطين؛ والفرزدق يقول إن لسانه لسان أشعر خلق الله شيطاناً، ولكنهما لم يسميا هاجسيهما.

 

وقالوا أن رجلاً أتى الفرزدق فقال: إني قلت شعراً فأنظره، قال أنشد، فقال: [البسيط] وفيهم عمر المحومد نائله كأنما رأسه طين للخواتيم

فضحك الفرزدق ثم قال: يا ابن أخي إن للشعر شياطين يدعى أحدهم الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت (ص24 الجمهرة).

وكانوا يسمون الشعراء كلاب الحي، وأول من لقبهم بذلك عمرو بن كلثوم في مقوله: [الوافر] وقد هرت كلاب الحي منا   وشذبنا قتادة من يلينا

الرواية التي أتت كلاب الجن خطأ، لأن المراد بكلاب الجن شعراؤهم وهم الذين ينبحون دونهم ويحمون أعراضهم كما ذكر الجاحظ (ج?1 الحيوان) وقد تابعه الشعراء على هذه التسمية، لأن كل هجاء منهم يفخر بأنه عقور.

ولم يلتفت المحدثون من الشعراء بعد بشار بن برد لأمر هؤلاء الشياطين إلا ما يجيء لهم من سبيل الفكاهة والبادرة، ولكنهم لم يدعوا الاستعانة بأسماء الله في رأس القصيدة، فيكتبون اسم الفتاح أو العليم أو المعين، أو يبتدئون بالبسملة، وقد درجوا على ذلك إلى اليوم، وبخاصة في العراق.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.