أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
1473
التاريخ: 23-03-2015
3627
التاريخ: 16-12-2019
1994
التاريخ: 4-12-2019
1839
|
للحكمة أثر بالغ في حياة الأمم والشعوب، ولا تنبثق إلاّ من التجارب الحيوية المختلفة، والشعراء الجاهليون كانت لهم القدرة الكبيرة على إيجاد الحكم سواء أكانت مستمدة من تجاربهم، واستخلاصها بدافع الحاجة إليها من مواقف الحياة، أم أنهم استخلصوها من أحداث الماضي وأخبار القرون الخالية لتكون عبرة لهم، ولا نعدم وجود بعض الخطرات التأملية التي صاغوا منها بعض الحكم، وقد انتشرت في أشعارهم، وخاصة في لوحة الغرض، أو يختتمون بها قصائدهم، كما وردت في الرثاء لاستخلاصها من الحياة والموت.
بيد أن الحكمة في مقدمات القصائد لم ترد بتلك الكثرة، بالرغم من وجود بعض القصائد القائمة بحد ذاتها على الحكمة، على أن منافذ الأداء السمعي فيها ليست بتلك الكثرة التي تشكل صوراً سمعية بارزة، بل تخلو حتى من الصور العامة إلاّ ما ندر، ويشيع الجفاف فيها، أو قل إنها تخلو من الشاعرية في أحايين كثيرة، إذ يتوخى الشاعر منها إيصال الحكمة وليس فيها من الشعر إلاّ الوزن، وقد تنسجم وحالة بعض المتلقين لموقف معين، ويبطل تأثيرها.
وقد تعددت موضوعات الحكمة، ففي صلاح الرأي والرشد قال الأفوه الأَودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا
تلفى الأمور بأهلِ الرُشد ما صلحت ... فإن تولوا فبالأشرارِ تنقادُ
كيف الرشادُ إذا ما كنتَ في نَفَرٍ ... لهم عن الرشد أغلالٌ وأقيادُ
أعطوا غواتهم جَهْلاً مَقادَتهم ... فكلّهُمْ في حبالِ الرأي مُنقادُ(1)
بالرغم من خلّو تلك الأبيات من الألفاظ السمعية الصريحة في نسيجها، إلاّ أن مؤداها الذي اتخذ صيغة النطق والسمع والفعل ضمناً، والاستفهام ظاهراً منحها صيغة الأداء السمعي وضمن المدركات الحسية المختلفة بما فيها أصوات الأغلال والقيود والرأي، كما أن تكرار الألفاظ والإيقاع الخارجي أدّى إلى أن نتجه إلى الصورة السمعية في أدائها الصوتي العام.
وتتخذ النصيحة موقف الحكمة، وتتسرب إليها، حيث ينصح الشاعر بعدم الاهتمام بالحسّاد، وقد تعددت ألفاظ الأداء السمعي (شاكر، عابه، هاذ) وليس للحسود إلاّ لسانه المؤذي، حيث يقول الأفوه الأودي:
الخِلُّ راضٍ شاكر في عهده ... وعدّوه المقهور منه آذِ
إن عابهُ الحساد لا تعبأ بهم ... في هذه الدنيا فكم منْ هاذِ(2)
لم يخرج البيتان على النصيحة في القول والسماع، وفي إطار الحكمة في جانب تقبل العذر نجد ألفاظ الأداء السمعي مثل العذر والملامة(3)، ومن لا يتق الذم يذمم(4)، وعن الوعد وأخلاقه لا تتعدى الألفاظ السمعية فيه (لا) و (نعم)، والندم والذم(5)، وفي اجتناب الأخلاق السيئة نجد الألفاظ السمعية التي هي من صلب الهجاء (العيب) فضلاً عن أفعال الأمر(6).
وفي مجال إفشاء السر والابتعاد عن الشكوى الكثيرة قال عدي بن زيد:
ولا تفشين سرّاً إلى غير حرزةٍ ... ولا تكثر الشكوى إلى غير عابدِ
ومعذرة جرّتْ إليكَ ملامةً ... وطارف مالٍ هاجَ إتلافَ تالِدِ(7)
بالرغم من أن ألفاظ الأداء السمعي قد تعددت من خلال (تفشيّن سراً، الشكوى، المعذرة، الملامة) والأفعال التي انتشرت في البيتين، تبقى الحكمة تقريرية، مفتقرة إلى الحس الشعوري، وينطبق هذا الرأي على حكمة أمية بن أبي الصلت في الاتجاه نفسه:
بالحزمِ تظفر قبلَ الَبْأسِ والجلدِ ... والحزم بالرأي تجنيه مدى الأَبدِ
والرأي تحصين أسرارٍ تروم بها ... إدراكَ حاجك في قربٍ وفي بعدِ(8)
لا نعدم وجود ألفاظ الأداء السمعي داخل البيتين، ولا الإيقاع الخارجي (الوزن)، ولا تكرار الألفاظ التي تساعد على تقوية النغم.
ومن الموضوعات التي تطرقَتْ إليها بعضُ مقدمات القصائد: عدم طلب شيء فات، ولا تخرج هذه الحكمة على ألفاظ الأمر، والإلحاح(9)، وألفاظ (البكاء) على الشباب الذي لا يعود(10)، وأفعال الأمر في إكرام الجار(11)، والشتم والكلام السيء، والصمم في موضوع الرياء(12)، والسؤال في الحث على العلم(13).
ومن الحكم المتداولة عن بعض الشعراء أن الحذر لا يقي من الحتف والمنية، وأن الموت لا بد آت لا محالة، عبر ألفاظ النداء والاستفهام والعلم، قال الشنفري:
يا صاحبيَّ هل الحذارُ مُسلِّمي ... أو هلْ لحتفِ منيّةٍ منْ مَصْرفِ
إنّي لأعلمُ أنَ حتفي في التي ... أخشى لدى الشُربِ القليل المُنْزِفِ(14)
إننا نجد لمسة فنية وصورة متداخلة قياساً إلى ما مَرَّ من شعر ليس فيه إلاّ الفكرة والوزن وبعض الألفاظ السمعية.
في حين لا نجد عند عدي بن زيد في فكرة الزوال والإشراف على الهلاك إلاّ لفظة (فليحدث نفسه)(15)، ولا نجد في الموضوع نفسه سوى تكرار ألفاظ (الحديث، الوعد، الوعيد)(16)، وسوى أفعال الأمر (اجعل واحذر)(17).
وقال أبو ذؤيب الهذلي:
أمِنَ المنون وربيعها تتوجَعُ ... والدهرُ ليس بمعتبٍ مَنْ يجزعُ
وإذا المنيّةُ أنشبتْ أظفارَها ... الفيتَ كلَ تَميمةٍ لا تنفعُ
ولقد أرى أنَ البكاءَ سفاهةٌ ... ولسوف يُولَعُ بالبكا مَنْ يُفْجَعُ
وليأتين عليكَ يومٌ مَرّةً ... يُبكى عليك مُقَنّعاً لا تَسْمَعُ
والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبتها ... وإذا تُرَدُ إلى قليلٍ تقنَعُ(18)
أبيات أبو ذؤيب تفيض ألماً ورقّة، واستفهامهُ وتوجعُهُ يُثيران تعاطفاً معه واستسلاماً للألم العميق الذي لا دفع له، والدهر ليس براجع عمّا تكره لِما تحب.
إن مشاعر الألم الدفين لدى الشاعر انعكست على ألفاظه، حتى لنسمع كل نأمة في هيكل الشاعر الدامي، ونكاد نسمع نبضات قلبه، بيد أنه يحاول أن يخفي الفجيعة بما أسبغه من حكمة يرتفع فيها من التوجع العلني إلى صوت التأسي الشفيف في وقار الحكماء، فهو في صراع، وينبثق في أعماقه صوتان، صوت الألم، وصوت الوقار والحكمة.
صوت الحكمة يجد طريقه إلى الخارج في نصيحة اتجهت في مسارب الحكمة، يفعمها صوت الاستفهام الممتزج بالتوجع، والعتاب، والبكاء، وكلها أصوات تعبّر عن الفجيعة لا تدفع قَدَراً، ولا تعيد الذين رحلوا إلى العالم الآخر، ومن رحل لا يسمع البكاء.
على أن الأفعال، وتكرار الألفاظ قد أدّت دورها إلى جانب الألفاظ السمعية الصريحة، فتشكلت الصورة السمعية وبجانبها صورة حسية أخرى اتخذت من الاستعارة المكنية أساساً لها، وإن تكرار أصوات الحروف مثل (العين) أدّى إلى إشاعة النغم الحزين المتآلف معنى وصوتاً، وقد استوعب البحر الكامل تلك المشاعر الحزينة، وتنغيمها بين الشجو والانكسار النفسي وبين الحكمة الهادئة، ولا يخفى أن صوت الرّوي (العين) المضموم المشحون بالموسيقى المتدفقة من موسيقى النفس ونبضات القلب قد تكثف فيه المعنى وإيقاع الألم.
ومن الملاحظ أن هذه الحكمة في إطارٍ من الفنية إنما انبثقت من الرثاء الصادق، ومن أب مفجوع فقد أبناءه، ولذلك اتسمت هذه القصيدة بالذات بالشهرة الواسعة لجودتها، وتأثيرها.
وقال الربيع بن زياد في الحكمة التي تعبّر عن الأنفة والامتناع عن الضيم:
الحربُ أحلى إذا ما خفتَ نائرةً ... من المقام على ذلٍّ وتصغير
فَأذَنْ بحربٍ يغصُّ الماء شاربها ... أو أنْ تدين إلى إحدى التحاسيرِ(19)
الحرب بآلامها وويلاتها شديدة الوقع، مُرة، لا تستساغ هي أهون مِنْ أنْ يكون مقام المرء على ذلٍ ومسكنة وتصغير شأن، أو أنْ يلتجئ المرء إلى إحدى الدواهي، فالحكمة التي استنتجها الربيع بن زياد شكلت صورة الحرب، وهولها، وهول الذل والمسكنة، وأن أهون الأمرين أن يؤذن المرء بحرب، فصوت النداء للحرب يستدعي تحفيز الذهن لذلك، فتتداعى المعاني والصور وتتجسد مأساة الحرب، وذلك كله عند الشاعر أهون من الضيم، فسلط الشاعر على حكمته وانفعالاته الخفية التي تعتمل بأعماقه، وترك لنا الخيار بين الحرب والنائرة والذل والتسليم إلى إحدى الدواهي، وهي أصوات تتصارع داخل الإنسان، على أن فروسية الشاعر تأبى ذلك، ومن هنا كان اختياره لخوض الحرب، وأن صوت (الحاء) المتكرر قد منح البيتين جرساً خاصاً يتساوق مع التأنق في اختيار الألفاظ التي تجعل (الحرب أحلى)، وقد استوعب البحر البسيط الفكرة التي تدعو إلى التمسك بالرجولة والامتناع عن الضيم.
أما فيما يخص الحكمة المستمدة مِنْ أخبار الماضين، واستخلاص العبرة منها فقال عدي بن زيد:
يوم يقولون يالَ بربر والـ ... يكسومَ لا يَفْلِتَنْ هاربُها
وكان يوماً باقي الحديث وزا ... لتْ إِمّةٌ ثابِتٌ مراتِبُها(20)
إن (القول) و (الحديث) مدار الصورة السمعية المفردة البسيطة في هذين البيتين في إطارٍ من التقريرية، فالقول ينبئنا عن الموت الذي لا يفلت منه أحد، حتى الهارب منه لا يفيده هربه، ويبقى الحديث بعدهم عن زوال النعمة والمراتب بقصد التوعية المستمرة.
في حين يتناول لبيد بن ربيعة الموضوع نفسه (العظة بالماضي) حيث تتشكل الصورة من السؤال والاستفهام، والقول الصريح، والعلم، وحديث النفس، والموعظة، ومن الأفعال المختلفة، وعلى قَدْر من الفنية.
وساهم البحر الطويل باستيعاب الفكرة المتأملة، والعبرة المستخلصة في إيقاع خارجي انسجم مع صوت اللام المجهور المنتشر في نسيج الأبيات، والروى المضموم انسجاماً مع التحذير والعظة، كما أن تكرار الألفاظ أدّى إلى التوافق النغمي لتقوية الجانب الصوتي، فضلاً عن تكرار بعض الأصوات مثل (الميم) المجهور، مع (الهمزة) الذي لا هو مجهور ولا مهموس، حيث شَكّلا نغماً قوياً تحذيراً للنفس، وتنبيهاً لكل حي، وإِشعاراً بنهاية كل حي، حيث قال لبيد بن ربيعة:
ألا تسألان المرء ماذا يحاولُ ... أَنَحْبٌ فيُقضى أمْ ضلالٌ وباطلُ
حبائله مبثوثةٌ بسبيلهِ ... ويفنى إذا ما أخطأته الحبائلُ
إذا المرءُ أسرى ليلةً ظنَ أنّهُ ... قضى عملاً والمرءُ ما عاشَ عاملُ
فقولاً له إنْ كان يَقْسِمُ أمْرَهُ ... ألّما يَعِظْكَ الدهرُ أمّكَ هابلُ
فتعلم أنْ لا أنتَ مدركٌ ما مضى ... ولا أنتَ ممّا تحذرُ النفسَ وائلُ
فإنْ أنتَ لم تَصْدُقْكَ نفسُكَ فانتسبْ ... لعلكَ تهديكَ القرونُ الأوائل(21)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطرائف الأدبية: ق (ز)/ 10.
(2) الطرائف الأدبية: ق (ط)/ 11.
(3) المصدر نفسه: ق (دى)/ 15، ق (ز ى)/ 19.
(4) المثقب العبدي: ق (و) / 46.
(5) المصدر نفسه: ق (و)/ 45.
(6) عدَي بن زيد: ق 52/ 129.
(7) ديوانه: ق 19/ 97.
(8) أمية بن أبي الصلت: ق 37/ 204.
(9) عدي بن زيد: ق 26/ 116.
(10) عدي بن زيد : ق 40/ 123.
(11) المثقب العبدي: ق (و)/ 46.
(12) المثقب العبدي: (ق) (و) 46.
(13) أمية بن أبي الصلت: ق 135/ 309.
(14) الطرائف الأدبية: ق (دى)/ 39. و ينظر الأفوه الأودي، الطرائف الأدبية: ق (طي) 21.
(15) عدي بن زيد: ق 15/ 1.
(16) المصدر نفسه: ق 39/ 122.
(17) أمية بن أبي الصلت: ق 76/ 246.
(18) أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين: 1/ 1-3.
(19) دراسات في الأدب الجاهلي، الجزء الثاني: ق 6/ 327. نأرت نائرة في القوم، هاجت هائجة. والنائر: الملقي الشرور بين القوم. التحاسير: الدواهي.
(20) ديوانه: ق 5/ 45- 49.
(21) لبيد بن ربيعة: ق 36/ 254- 255.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|