أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2019
478
التاريخ: 10-8-2019
576
التاريخ: 11-8-2019
428
التاريخ: 5-8-2019
469
|
روي عن الحسن بن محمد النوفلي (1):
أنه كان يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله، ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم علي من الحجاز - يحب الكلام - وأصحابه، فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
فقال سليمان: يا أمير المؤمنين أني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه.
قال المأمون: إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط.
فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين! إجمع بيني وبينه، وخلني وإياه.
فوجه المأمون إلى الرضا عليه السلام، فقال له: إنه قدم علينا رجل من أهل المرو، وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.
فنهض عليه السلام للوضوء ثم حضر مجلس المأمون، وجرى بينه وبين سليمان المروزي كلام في البداء بمعنى الظهور، لتغير المصلحة، واستشهد عليه السلام بآي كثيرة من القرآن على صحة ذلك، مثل قول الله: {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } [الروم: 11] و { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] و {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] و {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] و {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ } [التوبة: 106] وأمثال ذلك.
فقال سليمان: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء، ولا أكذب به إن شاء الله (2).
فقال المأمون: يا سليمان اسأل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف!
قال سليمان: يا سيدي ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة، مثل حي وسميع وبصير وقدير؟
قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد، ولم تقولوا:
(حدثت واختلفت) لأنه سميع بصير، فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع وبصير ولا قدير.
قال سليمان: فإنه لم يزل مريدا؟
قال: يا سليمان فإرادته غيره؟
قال: نعم.
قال: قد أثبت معه شيئا لم يزل!
قال سليمان: ما أثبت؟
قال الرضا عليه السلام: أهي محدثة؟
قال سليمان: لا، ما هي محدثة!
فأعاد عليه المسألة فقال: هي محدثة يا سليمان؟ فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا، وإذا لم يكن محدثا كان أزليا.
قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه.
قال الرضا عليه السلام: فإرادته نفسه؟
قال: لا.
قال: فليس المريد مثل السميع والبصير.
قال سليمان: إنما إرادته كما سمع نفسه، وأبصر نفسه وعلم نفسه.
قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه، أراد أن يكون شيئا، أو أراد أن يكون حيا، أو سميعا، أو بصيرا أو قديرا؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك؟
قال سليمان: نعم.
قال الرضا عليه السلام: فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى، إذ لم يكن ذلك بإرادته.
قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته، فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرضا عليه السلام، ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان!
فقال يا سليمان: فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها، وهذا مما لا يوصف الله عز وجل به، فانقطع.
ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك عن مسألة؟.
قال: سل جعلت فداك!
قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون، أو بما لا تفقهون وتعرفون؟
فقال: بل بما نفقهه ونعلم.
قال الرضا عليه السلام: فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة، وأن المريد قبل الإرادة، وأن الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: أن الإرادة والمريد شئ واحد.
قال: جعلت فداك! ليس ذلك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون.
قال: فأراكم ادعيتم على ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل. فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: هل يعلم الله تعالى جميع ما في الجنة والنار؟
قال سليمان: نعم.
قال: فيكون ما علم الله عز وجل أنه يكون من ذلك؟
قال: نعم.
قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟
قال سليمان: بل يزيدهم.
قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.
قال: جعلت فداك! فالمزيد لا غاية له.
قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيها إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال سليمان: إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.
قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم، ثم لا يقطعه عنهم، ولذلك قال عز وجل في كتابه: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56] وقال لأهل الجنة: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] وقال عز وجل: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32، 33] فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه؟
قال: بلى.
قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟
قال سليمان: لا.
قال: فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.
قال سليمان: بلى. يقطعه عنهم ولا يزيدهم.
قال الرضا عليه السلام: إذا يبيد ما فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود، وخلاف الكتاب، لأن الله عز وجل يقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35] ويقول عز وجل: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] ويقول عز وجل: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] وبقول عز وجل: { خَالِدِينَ فِيهَا} [البقرة: 162] ويقول عز وجل: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 32، 33] فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن الإرادة فعل أم هي غير فعل؟
قال: بل هي فعل.
قال: فهي محدثة لأن الفعل كله محدث!
قال: ليست بفعل.
قال: فمعه غيره لم يزل؟
قال سليمان: إن الإرادة هي الأشياء.
قال: يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: (أن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من: كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله، وأن إرادة الله تحيى وتموت، وتذهب، وتأكل وتشرب، وتنكح، وتلد وتظلم، وتفعل الفواحش، وتكفر، وتشرك، فتبرأ منها وتعاديها وهذا حدها.
قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم .
قال الرضا عليه السلام: قد رجعت إلى هذا ثانية! فأخبرني عن السمع والعلم أمصنوع؟
قال سليمان. لا.
قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه؟ فمرة قلتم لم يرد، ومرة قلتم أراد، وليس بمفعول له.
قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم.
قال الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس ينفي العلم، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون، لأن الشئ إذا لم يرد لم تكن إرادة، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم.
فلا يزال سليمان يردد المسألة وينقطع فيها ويستأنف، وينكر ما كان أقر به، ويقر بما أنكر، وينتقل من شئ إلى شئ، والرضا صلوات الله عليه ينقض عليه ذلك، حتى طال الكلام بينهما، وظهر لكل أحد انقطاعه مرات كثيرة، تركنا إيراد ذلك مخافة التطويل، فآل الأمر إلى أن قال سليمان:
إن الإرادة هي القدرة.
قال الرضا عليه السلام: وهو عز وجل يقدر على ما لا يريد أبد الأبدين من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى : {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان وترك الكلام عند هذا الانقطاع، ثم تفرق القوم.
________
(1) قال العلامة الحلي رحمه الله في القسم الثاني من الخلاصة ص 213: (الحسن ابن محمد بن سهل النوفلي ضعيف).
(2) عقيدتنا نحن الإمامية في البداء تتلخص فيما يلي:
لقد ثبت من الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أن الله سبحانه وتعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات:
الأول - اللوح المحفوظ:
وهو اللوح المطابق لعلمه تعالى لا يحدث فيه أي تبدل أو تغيير.
للثاني - لوح المحو والإثبات:
وهو الذي يتغير ويتبدل ما فيه حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية قبل وقوعه وتحققه في الخارج.
وهذا اللوح - أعني - لوح المحو والإثبات تتطلع عليه الرسل والأنبياء والأوصياء والملائكة، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: أن لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلم علمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه.
ومعنى البداء: ظهور الشئ بعد خفائه. وهو في عقيدة الإمامية: ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم فقولنا: (بدا لله) معناه بدا لله شأن أو حكم وليس معناه ظهر له ما خفي عليه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: أن الله لم يبد له من جهل، وقال عليه السلام: ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|