المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



تفسير آية (97-99) من سورة التوبة  
  
8735   03:18 مساءً   التاريخ: 10-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 97 - 99] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

لما تقدم ذكر المنافقين ، بين سبحانه أن الأعراب منهم أشد في ذلك وأكثر جهلا ، فقال : {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} يريد : الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، وإنما كان كفرهم أشد ، لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدن ، وهم أيضا أبعد من سماع التنزيل ، وإنذار الرسل ، عن الزجاج . ومعناه أن سكان البوادي إذا كانوا كفارا ، أو منافقين ، فهم أشد كفرا من أهل الحضر ، لبعدهم عن مواضع العلم ، واستماع الحجج ، ومشاهدة المعجزات ، وبركات الوحي . {وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} أي : وهم أحرى وأولى بأن لا يعلموا حدود الله في الفرائض والسنن ، والحلال والحرام {والله عليم} بأحوالهم {حكيم} فيما يحكم به عليهم .

{ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما} أي : ومن منافقي الأعراب من يعد ما ينفق في الجهاد ، وفي سبيل الخير ، مغرما لحقه ، لأنه لا يرجو به ثوابا {ويتربص بكم الدوائر} أي : وينتظر بكم الدوائر أي : صروف الزمان ، وحوادث الأيام ، والعواقب المذمومة . قال الزجاج ، والفراء : كانوا يتربصون بهم الموت ، أو القتل ، فكانوا ينتظرون موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ليرجعوا إلى دين المشركين . وأكثر ما يستعمل الدائرة في زوال النعمة إلى الشدة ، والعافية إلى البلاء ، ويقولون كانت الدائرة عليهم ، وكانت الدائرة لهم .

ثم رد سبحانه ذلك عليهم ، فقال : {عليهم دائرة السوء} أي : على هؤلاء المنافقين دائرة البلاء ، يعني أن ما ينتظرون بكم هؤلاء حق بهم ، وهم المغبون أبدا {والله سميع} لمقالاتهم {عليم} بنياتهم لا يخفى عليه شيء من حالاتهم ، بين سبحانه من الأعراب المؤمنين ، فقال : {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر} ومنهم من يرجع إلى سلامه الاعتقاد في التصديق بالله ، وبالقيامة ، والجنة والنار {ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} أي : ويريد بنفقته في الجهاد ، وغير ذلك من أعمال البر . قربات : جمع قربة ، وهي الطاعة أي : طاعات عند الله ، وتعظيم أمره ، ورعاية حقه . وقيل : معناه يتقرب إلى الله بإنفاقه ، ويطلب بذلك ثوابه ، ورضاه .

{وصلوات الرسول} أي : دعاؤه بالخير والبركة عن قتادة . وقيل : استغفاره ، عن ابن عباس ، والحسن ، ومعناه : إنه يرغب في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم {ألا إنها قربة لهم} معناه : ألا إن صلوات الرسول قربة لهم ، تقربهم إلى ثواب الله ، ويجوز أن يكون المعنى : إن نفقتهم قربة لهم إلى الله {سيدخلهم الله في رحمته} هذا وعد منه سبحانه بأن يرحمهم ، ويدخلهم الجنة . وفيه مبالغة بأن الرحمة غمرتهم ووسعتهم {إن الله غفور} لذنوبهم ، {رحيم} بأهل طاعته ، وهما من ألفاظ المبالغة في الوصف بالمغفرة ، والرحمة .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 109-110 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

البدوي والحضري :

 { الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً ونِفاقاً وأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . ليس هذا تقسيما للناس على أساس البداوة والحضارة ، وتفضيلا للحضري على البدوي ، كيف ؟ . وقد أخبر سبحانه في الآية الآتية ان قوما من الأعراب قد أخلصوا في إيمانهم وأعمالهم . . ولو كانت البداوة إثما بما هي لحرمها اللَّه ، تماما كما حرم الظلم والبهتان . . ان القرآن يقسم الناس على أساس التقوى أي الايمان باللَّه والعمل الصالح ، وقد بيّن هذه الحقيقة وأكدها بشتى الأساليب ، بل هي الغاية الأولى من انزال القرآن ودعوته وتعاليمه وشريعته .

والآية التي نحن بصددها تومئ إلى ذلك ، فإن قوله تعالى : الأعراب أشد كفرا ونفاقا الخ . . يشعر بأن سبب الذم هو الكفر والنفاق ، والجهل بأحكام اللَّه التي أنزلها على نبيه . . وليست البداوة بما هي سببا للذم . . أجل ، ان حياة البادية وبعدها عن أسباب الحضارة والمعرفة توجب غلظة الطبع وجفوته ، والتجاوز عن الحد . . فالذنب - إذن - هو ذنب الظروف والبيئة . . وليس ذنب البدوي المسكين . وفي بعض الروايات : « تفقهوا في الحلال والحرام وإلا فأنتم أعراب » أي مثيلهم في الجهل والبعد عن الحضارة ، وفي رواية ثانية : « من لم يتورع في دين اللَّه ابتلاه بسكنى الرساتيق » أي مع أهل الجهل والغلظة .

وبعد هذا التمهيد نعود إلى الآية . والمعنى المقصود منها ان في أهل البادية كفارا ومنافقين ، تماما كما في أهل الحضر ، ولكن كفار البادية ومنافقيهم أشد كفرا ونفاقا من أمثالهم المتحضرين . هذا محصل المعنى الظاهر من الآية ، ونعطف عليه وإذا كان السبب الموجب هو الجهل والطبع الغليظ فينبغي أيضا أن يكونوا أشد إيمانا إذا آمنوا ، وإخلاصا إذا أخلصوا ، لأن السبب واحد .

وبهذه المناسبة نشير إلى ما جاء في ميزان الشعراني باب الشهادات : « ان الحنابلة لا يقبلون شهادة البدوي على الحضري مطلقا ، والمالكية يقبلونها في الجراح والقتل خاصة ، ولا يقبلونها فيما عدا ذلك من الحقوق » . . وقد فهمنا وجه الدليل لقول من قال : لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ، أما مساواة البدوي المسلم لغير المسلم في الشهادة فلا نعرف لها وجها . . قال تعالى : « وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } [الطلاق - 2] . . ولم يقل من أهل الحضر . . ان العبرة من قبول الشهادة بالعدالة ، لا بالحضارة وغيرها .

{ ومِنَ الأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً } . بعد أن ذكر سبحانه ان في الأعراب منافقين ذكر ان هؤلاء ينفقون من أموالهم ، ولكن يرون هذا الإنفاق غرامة ظالمة ، لا شيء وراءها غير الخسران . وان الثواب والجزاء عليها يوم القيامة حديث خرافة . { ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ } ينتظرون أن يتغلب أعداء الإسلام على المسلمين ، ويتمنون القضاء عليه وعليهم ، ليستريحوا من هذه الغرامة الظالمة الخاسرة في عقيدتهم { عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ } قال جماعة من المفسرين : هذا دعاء على المنافقين أن يصيبهم ما تمنوه للمؤمنين . ويجوز أن يكون إخبارا عن الحال التي يكون عليها المنافقون يوم القيامة من العذاب والوبال { واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يسمع ما يقولون ، ويعلم ما يكتمون .

{ ومِنَ الأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وصَلَواتِ الرَّسُولِ } . ان أهل البادية كغيرهم ، منهم المنافق الذي يظهر خلاف ما يضمر ، ويرى ما ينفق مغرما ، لا واجبا ، كما أشارت الآية السابقة ، ومنهم المؤمن المخلص الذي ينفق لوجه اللَّه وثوابه ، ورغبة في دعاء الرسول له بالبركة والاستغفار ، كما أشارت هذه الآية { أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ } . ضمير انها يعود إلى النفقة المدلول عليها بينفق ، وقربة أي ان هذه النفقة تقربهم من اللَّه زلفى ، والمعنى ان الذين آمنوا وأنفقوا تقربا إلى اللَّه فإنه يقبل نفقتهم ، ويدخلهم بسببها في جنته ، ويغفر لهم ما فرط منهم من الزلل والخطيئات .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 91-93 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله﴾ الآية ، قال الراغب في المفردات ، : العرب ولد إسماعيل ، والأعراب جمعه في الأصل ، وصار ذلك اسما لسكان البادية : ﴿قالت الأعراب آمنا﴾ والأعراب أشد كفرا ونفاقا . 

﴿ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ وقيل في جمع الأعراب : أعاريب ، قال الشاعر : أعاريب ذوو فخر بإفك . 

وألسنة لطاف في المقال . 

والأعرابي في التعارف صار اسما للمنسوب إلى سكان البادية ، والعربي المفصح والإعراب البيان ، انتهى موضع الحاجة . 

يبين تعالى حال سكان البادية وأنهم أشد كفرا ونفاقا لأنهم لبعدهم عن المدنية والحضارة ، وحرمانهم من بركات الإنسانية من العلم والأدب أقسى وأجفى ، فهم أجدر وأحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله من المعارف الأصلية والأحكام الشرعية من فرائض وسنن وحلال وحرام . 

قوله تعالى : ﴿ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر﴾ الآية ، قال في المجمع ، المغرم الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير خيانة ، وأصله لزوم الأمر ، ومنه قوله : ﴿إن عذابها كان غراما﴾ وحب غرام أي لازم والغريم يقال لكل واحد من المتداينين للزوم أحدهما الآخر وغرمته كذا أي ألزمته إياه في ماله ، انتهى . 

والدائرة الحادثة وتغلب في الحوادث السوء كأن الحوادث السوء تدور بين الناس فتنزل كل يوم بقوم فتربص الدوائر بالمؤمنين انتظار نزول الحوادث السوء عليهم للتخلص من سلطتهم والرجوع إلى رسوم الشرك والضلال . 

وقوله : ﴿يتخذ ما ينفق مغرما﴾ أي يفرض الإنفاق غرما أو المال الذي ينفقه مغرما - على أن يكون ما مصدرية أو موصولة - والمراد الإنفاق في الجهاد أو أي سبيل من سبل الخير على ما قيل ، ويمكن أن يكون المراد الإنفاق في خصوص الصدقات ليكون الكلام كالتوطئة لما سيجيء بعد عدة آيات من حكم أخذ الصدقة من أموالهم ، ويؤيده ما في الآية التالية من قوله : ﴿ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول﴾ فإنه كالتوطئة لقوله في آية الصدقة : ﴿وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم﴾ . 

فمعنى الآية : ومن سكان البادية من يفرض الإنفاق في سبيل الخير أو في خصوص الصدقات غرما وخسارة وينتظر نزول الحوادث السيئة بكم ، عليهم دائرة السوء - قضاء منه تعالى أو دعاء عليهم - والله سميع للأقوال عليم بالقلوب . 

قوله تعالى : ﴿ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول﴾ إلخ ، الظاهر أن قوله : ﴿صلوات الرسول﴾ عطف على قوله : ﴿ما ينفق﴾ وأن الضمير في قوله : ﴿إلا أنها قربة﴾ عائد إلى ما ينفق وصلوات الرسول . 

ومعنى الآية : ومن الأعراب من يؤمن بالله فيوحده من غير شرك ويؤمن باليوم الآخر فيصدق الحساب والجزاء ويتخذ إنفاق المال لله وما يتبعه من صلوات الرسول ودعواته بالخير والبركة ، كل ذلك قربات عند الله وتقربات منه إليه إلا أن هذا الإنفاق وصلوات الرسول قربة لهم ، والله يعدهم بأنه سيدخلهم في رحمته لأنه غفور للذنوب رحيم بالمؤمنين به والمطيعين له .

___________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 308-310 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)

الأعراب القساة والمؤمنون :

في هذه الآيات الثّلاث- استمرارا للبحث المتقدم حول منافقي المدينة- حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب- وهم سكان البوادي- وعلاماتهم وأفكارهم ، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم .

وربّما كان السبب في تحذير المسلمين من هؤلاء ، هو أن لا يتصور المسلمون أن المنافقين هم- فقط- هؤلاء المتواجدون في المدينة ، بل إنّ المنافقين من ‏الأعراب أشدّ وأقسى ، وشواهد التأريخ الإسلامي تدل على المسلمين قد تعرضوا عدّة مرات لهجوم منافقي البادية ، ولعل الانتصارات المتلاحقة لجيش الإسلام هي التي جعلت المسلمين في غفلة عن خطر هؤلاء .

على كل حال ، فالآية الأولى تقول : إنّ الأعراب ، بحكم بعدهم عن التعليم والتربية ، وعدم سماعهم الآيات الرّبانية وكلام النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، أشدّ كفرا ونفاقا من مشابهيهم في المدينة : {الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً ونِفاقاً} ولهذا البعد والجهل فمن الطبيعي ، بل الأولى أن يجهلوا الحدود والأحكام الإلهية التي نزلت على النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : {وأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ}‏ .

كلمة «الأعراب» من الكلمات التي تعطي معنى الجمع ، ولا مفرد لها في لغة العرب ، وعلى ما قاله أئمّة اللغة- كمؤلف القاموس والصحاح وتاج العروس وآخرون- فإن هذه الكلمة تطلق على سكان البادية فقط ، ومختصة بهم ، وإذا أرادوا إطلاقهم على شخص واحد فإنّهم يستعملون نفس هذه الكلمة ويلحقون بها ياء النسب ، فيقولون: أعرابي . وعلى هذا فإنّ أعراب ليست جمع عرب كما يظن البعض .

أمّا «أجدر» فهي مأخوذة من الجدار ، ومن ثمّ أطلقت على كل شي‏ء مرتفع ومناسب ، ولهذا فإنّ (أجدر) تستعمل- عادة- بمعنى الأنسب والأليق .

وتقول الآية أخيرا : {واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏} أي إنّه تعالى عند ما يحكم على الأعراب بمثل هذا الحكم ، فلأنّه يناسب الوضع الخاص لهم ، لأنّ محيطهم يتصف بمثل هذه الصفات .

لكن ومن أجل لا يتوهم بأنّ كل الأعراب أو سكان البوادي يتصفون بهذه الصفات ، فقد أشارت الآية التالية إلى مجموعتين من الاعراب .

ففي البداية تتحدث عن أن قسما من هؤلاء الأعراب- لنفاقهم أو ضعف إيمانهم- عند ما ينفقون شيئا في سبيل اللّه ، فإنّهم يعتبرون ذلك ضررا وخسارة لحقت بهم ، لا أنّه توفيق ونصر وتجارة رابحة : {ومِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً} «2» .

ومن الصفات الأخرى لهؤلاء أنّهم دائما ينتظرون أن تحيط بكم المصائب والنوائب والمشاكل ، ويرميكم الدهر بسهمه : {ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ} .

«الدوائر» جمع دائرة ، ومعناها معروف ، ولكن العرب يقولون للحادثة الصعبة والأليمة التي تحل بالإنسان: دائرة ، وجمعها (دوائر) .

في الواقع أنّ هؤلاء أفراد ضيقو النظر ، وبخلاء وحسودون ، وبسبب بخلهم فإنّهم يرون كل إنفاق في سبيل اللّه خسارة ، وبسبب حسدهم فإنهم ينتظرون دائما ظهور المشاكل والمشاغل والمصائب عند الآخرين . ثمّ تقول الآية- بعد ذلك- إن هؤلاء ينبغي أن لا يتربصوا بكم ، وينتظروا حلول المصائب والدوائر بكم ، لأنّها في النهاية ستحل بهم فقط : {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} «3» .

ثمّ تختم الآية الحديث بقولها : {واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏} ، فهو تعالى يسمع كلامهم ، ويعلم بنياتهم ومكنون ضمائرهم .

أمّا الآية الأخيرة فقد أشارت إلى الفئة الثّانية من الأعراب ، وهم المؤمنون المخلصون ، إذ تقول : {ومِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ} ولهذا السبب فإنّهم لا يعتبرون الإنفاق في سبيل اللّه خسارة أبدا ، بل وسيلة للتقرب إلى اللّه ودعاء الرّسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، لإيمانهم بالجزاء الحسن والعطاء الجزيل الذي ينتظر المنفقين في سبيل اللّه : {ويَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وصَلَواتِ الرَّسُولِ‏} .

هنا يؤيّد اللّه تعالى ويصدّق هذا النوع من التفكير ، ويؤكّد على أنّ هذا الإنفاق يقرب هؤلاء من اللّه قطعا : {أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ‏} ولهذا {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ‏} وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات ، فإنّ اللّه سيغفرها لهم لإيمانهم وأعمالهم الحسنة ، ف {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏} .

إنّ التأكيدات المتوالية والمكررة التي تلاحظ في هذه الآية تجلب الانتباه حقّا ، فإنّ (ألا) و(إن) يدل كلاهما على التأكيد ، ثمّ جملة {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ‏} خصوصا مع ملاحظة (في) التي تعني الدخول والغوص في الرحمة الإلهية ، وبعد ذلك الجملة الأخيرة التي تبدأ ب (إنّ) وتذكر صفتين من صفات الرحمة وهما {غَفُورٌ رَحِيمٌ‏} كل هذه التأكيدات تبيّن منتهى اللطف والرحمة الإلهية بهذه الفئة .

وربّما كان هذا الاهتمام بهؤلاء لأنّهم رغم حرمانهم من التعليم والتربية ، وعدم الفهم الكافي لآيات اللّه وأحاديث النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، فإنّهم قبلوا الإسلام وآمنوا به بكل وجودهم ، ورغم قلّة إمكانياتهم المالية- التي يحتمها وضع البادية- فإنّهم لم يمتنعوا عن البذل والإنفاق في سبيل اللّه ، ولذلك استحقوا كل تقدير واحترام ، وأكثر ممّا يستحقه سكان المدينة المتمكنون .

ويجب الالتفات إلى أنّ القرآن قد استعمل‏ {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} في حق الأعراب المنافقين ، التي تدل على إحاطة التعاسة وسوء العاقبة بهم ، أمّا في حق المؤمنين فقد ذكرت عبارة {فِي رَحْمَتِهِ}‏ لتبيّن إحاطة الرحمة الإلهية بهؤلاء ، فقسم تحيط به الرحمة الإلهية ، والآخر تحيط به الدوائر والمصائب .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 331-334 .

2. مغرم- كما ورد في مجمع البيان- مأخوذة من مادة (غرم) على وزن (جرم) ، وهي في الأصل بمعنى ملازمة الشيء ، ولهذه المناسبة قيل للدائن والمدين اللذين لا يدع كل منهما صاحبه: غريم ، وأيضا قيل : غرامة ، لنفس هذه المناسبة لأنّها تلازم الإنسان ولا تنقطع عنه إلّا بأدائها . ويقال للعشق الشديد: غرام ، لأنّه ينفذ إلى روح الإنسان بصورة لا يمكن تصور الانفصال معها . ومغرم يساوي غرامة من حيث المعنى .

3. يستفاد من جملة {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} الحصر ، أي إنّ حوادث السوء ستنال هؤلاء فقط . واستفادة الحصر هذه من أن (عليهم) خبر مقدم على المبتدأ .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .