أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-5-2019
32664
التاريخ: 20-6-2019
3114
التاريخ: 8-5-2019
6123
التاريخ: 30-4-2019
3030
|
قال تعالى : {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 160 - 162] .
قال تعالى : {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 160] .
في حديث غير أبي حمزة قال : إن النبي عليه السلام لما قرأ {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} هذه لكم ، وقد أعطى الله قوم موسى مثلها {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} أي : وفرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة أسباطا ، يعني أولاد يعقوب عليهم السلام ، فإنهم كانوا اثني عشر ، وكان لكل واحد منهم أولاد ونسل ، فصار كل فرقة منهم سبطا وأمة ، وإنما جعلهم سبحانه أمما ليتميزوا في مشربهم ومطعمهم ، ويرجع كل أمة منهم إلى رئيسهم ، فيخف الأمر على موسى عليه السلام ، ولا يقع بينهم اختلاف ، وتباغض . {وأوحينا إلى موسى إذ استقاه قومه} أي : طلبوا منه السقيا {أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست} الانبجاس : خروج الماء الجاري بقلة . والانفجار : خروجه بكثرة ، وكان يبتدئ الماء من الحجر بقلة ، ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة ، فلذلك ذكر ههنا الانبجاس . وفي سورة البقرة : الانفجار .
- { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 160 - 162] (2) .
أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية هاهنا بيت المقدس ، ويؤيده قوله في موضع آخر : {ادخلوا الأرض المقدسة} . وقال ابن زيد : إنها أريحا قرية قرب بيت المقدس ، وكان فيها بقايا من قوم عاد ، وهم العمالقة ، ورأسهم عوج بن عنق ، يقول : اذكروا {إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم} أي : أين شئتم {رغدا} أي : موسعا عليكم ، مستمتعين بما شئتم من طعام القرية ، بعد المن والسلوى . وقد قيل : إن هذه إباحة لهم منه لغنائمها ، وتملك أموالها إتماما للنعمة عليهم .
{وادخلوا الباب} يعني الباب الذي أمروا بدخوله . وقيل : هو باب حطة من بيت المقدس ، وهو الباب الثامن ، عن مجاهد . وقيل : باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل . وقال قوم : هو باب القرية التي أمروا بدخولها . قال أبو علي الجبائي : والآية على قول من يزعم أنه باب القبة ، أدل منها على قول من يزعم أنه باب القرية ، لأنهم لم يدخلوا القرية في حياة موسى ، وآخر الآية يدل على أنهم كانوا يدخلون هذا الباب على غير ما أمروا به في أيام موسى ، لأنه قال : {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} والعطف بالفاء التي هي للتعقيب من غير تراخ ، يدل على أن هذا التبديل منهم كان في أثر الأمر ، فدل ذلك على أنه كان في حياة موسى . وقوله : {سجدا} قيل : معناه ركعا ، وهو شدة الانحناء عن ابن عباس .
وقال غيره : إن معناه أدخلوا خاضعين متواضعين ، يدل عليه قول الأعشى :
يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا ، وطورا جوارا
وقيل : معناه ادخلوا الباب ، فإذا دخلتموه فاسجدوا لله سبحانه شكرا ، عن وهب . وقوله : {حطة} قال الحسن ، وقتادة ، وأكثر أهل العلم : معناه حط عنا ذنوبنا ، وهو أمر بالاستغفار . وقال ابن عباس : أمروا أن يقولوا هذا الأمر حق . وقال عكرمة : أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب ، وكل واحد من هذه الأقوال مما يحط الذنوب ، فيصح أن يترجم عنه بحطة .
وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال : نحن باب حطتكم . وقوله : {نغفر لكم خطاياكم} أي : نصفح ونعفو عن ذنوبكم .
{وسنزيد المحسنين} أي : وسنزيدهم على ما يستحقونه من الثواب تفضلا كقوله تعالى : {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} . وقيل : إن المراد به أن يزيدهم الإحسان ، على ما سلف من الاحسان ، بإنزال المن والسلوى ، وتظليل الغمام ، وغير ذلك .
- {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 162] (3) .
ثم بين سبحانه أنهم قد عصوا فيما أمروا به ، فقال : {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} أي : فخالف الذين عصوا ، والذين فعلوا ما لم يكن لهم أن يفعلوه ، وغيروا ما أمروا به ، فقالوا غير ذلك . واختلف في ذلك الغير ، فقيل : إنهم قالوا بالسريانية هاطا سماقاتا . وقال بعضهم : حطا سماقاتا ، ومعناه : حنطة حمراء فيها شعيرة . وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ، ومخالفة الأمر . وقيل : إنهم قالوا حنطة ، تجاهلا واستهزاء ، وكانوا قد أمروا أن يدخلوا الباب سجدا ، وطؤطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك ، فدخلوه زاحفين على أستاههم ، فخالفوا في الدخول أيضا .
وقوله : {فأنزلنا على الذين ظلموا} أي : فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تبديلهم ما أمر الله به بالقول والفعل . {رجزا} أي : عذابا {من السماء} ، عن ابن عباس ، وقتادة ، والحسن . {بما كانوا يفسقون} أي : بكونهم فاسقين ، أو بفسقهم كقوله {ذلك بما عصوا} أي : بعصيانهم . وقال ابن زيد : أهلكوا بالطاعون ، فمات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا من كبرائهم وشيوخهم ، وبقي الأبناء ، فانتقل عنهم العلم والعبادة . كأنه يشير إلى أنهم عوقبوا باخراج الأفاضل من بينهم .
_____________________
1 . مجمع البيان ، ج4 ، ص378 .
2 . مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص229 .
3 . تفسير مجمع البيان ، ج1 ، ص 230-231 .
{وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً} . أي فرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة ، وكل فرقة تنتمي إلى سبط من الأسباط الاثني عشر ليعقوب بن اسحق ابن إبراهيم ، فقد كان له 12 ولدا ، ولكل واحد نسل .
{وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ} تقدم نظيره في الآية 60 من سورة البقرة ج 1 ص 111 .
{وظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ والسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وما ظَلَمُونا ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . سبق مثله في الآية 57 من سورة البقرة ج 1 ص 106 .
وقوله : {وإِذْ قِيلَ لَهُمُ} إلى قوله : {يَظْلِمُونَ} مذكور مع التفسير في ج 1 ص 108 الآية 58 - 59 من سورة البقرة .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 408-409 .
قوله تعالى : ﴿وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما﴾ إلى آخر الآية .
السبط بحسب اللغة ولد الولد أو ولد البنت .
والجمع أسباط ، وهو في بني إسرائيل بمعنى قوم خاص ، فالسبط عندهم بالمنزلة القبيلة عند العرب .
وقد نقل عن ابن الحاجب أن أسباطا في الآية بدل من العدد لا تمييز وإلا لكانوا ستة وثلاثين سبطا على إرادة أقل الجمع من ﴿أسباطا﴾ وتمييز العدد محذوف للدلالة عليه بقوله : ﴿أسباطا﴾ والتقدير وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أسباطا هذا .
وربما قيل : إنه تمييز لكونه بمعنى المفرد والمعنى اثنتي عشرة جماعة مثلا .
وقوله : ﴿وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه﴾ الآية الانبجاس هو الانفجار وقيل الانبجاس خروج الماء بقلة ، والانفجار خروجه بكثرة ، وظاهر من قوله : ﴿فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم﴾ أن العيون كانت بعدد الأسباط وأن كل سبط اختصوا بعين من العيون ، وأن ذلك كانت عن مشاجرة بينهم ومنافسة ، وهو يؤيد ما في الروايات من قصتها .
وباقي الآية ظاهر .
قوله تعالى : ﴿وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية﴾ إلى آخر الآيتين ، القرية هي التي كانت في الأرض المقدسة أمروا بدخولها وقتال أهلها من العمالقة وإخراجهم منها فتمردوا عن الأمر ، وردوا على موسى (عليه السلام) فابتلوا بالتيه ، والقصة مذكورة في سورة المائدة آية 20 - 26 .
وقوله : ﴿وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا﴾ الآية تقدم الكلام في نظيره من سورة البقرة آية : 58 - 59 ، وقوله : ﴿سنزيد المحسنين﴾ في موضع الجواب عن سؤال مقدر كأنه لما قال : ﴿نغفر لكم خطيئاتكم﴾ قيل : ثم ما ذا فقال : ﴿سنزيد المحسنين﴾ .
______________________________
1. تفسير الميزان ، ج8 ، ص 285-294 .
قال تعالى : {وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الاعراف : 160] .
يشير القرآن الكريم إلى عدّة أقسام من نعم الله على بني إسرائيل .
فيقول أوّلا : {وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً} وهذا التقطيع والتقسيم إنّما هو لأجل أن يسودهم نظام عادل ، بعيد عن المصادمات الخشنة .
وواضح أنّه عند ما يكون في شعب من الشعوب تقسيمات إدارية صحيحة ومنظمة ، ويخضع كل قسم من تلك الأقسام لقيادة قائد قدير ، فإنّ إدارتهم ورعاية العدالة بينهم تكون أسهل ، ولنفس هذا السبب عمدت جميع الدول إلى مثل هذا العمل وأخذت بهذه القاعدة .
و«أسباط» جمع سبط (بفتح السين وبكسرها) تعني في الأصل الانبساط في سهولة ، ثمّ يطلق السبط والأسباط على الأولاد وبخاصّة الأحفاد لأنّهم امتداد العائلة.
والمراد من الأسباط ـ هنا ـ هو قبائل بني إسرائيل وفروعها ، الذين كان كل واحد منها منشعبا ومنحدرا من أحد أولاد يعقوب عليه السلام .
والنّعمة الأخرى هي : أنّه عند ما كان بنو إسرائيل متوجهين إلى بيت المقدس وأصابهم العطش الشديد الخطير في الصحراء ، وطلبوا من موسى عليه السلام الماء ، أوحي إليه أن اضرب بعصاك الحجر ... ففعل فنبع الماء فشربوا ونجوا من الهلاك {وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً} .
وقد كانت الينابيع هذه مقسمة بين أسباط بني إسرائيل بحيث عرف كل سبط منهم نبعه الذي يشرب منه {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ} .
ويستفاد من هذه الجملة أنّ هذه الينابيع الاثنى عشر التي نبعت من تلك الصخرة العظيمة كانت معلّمة بعلامات ومتميز بعضها عن بعض بفوارق ، بحيث كان يعرف كل فريق من فرق بني إسرائيل نبعه المختص به والمقرّر له ، لا يقع بينهم أي خلاف ويسود النظم والانضباط في جماعتهم ، ويتمّ الشرب بصورة أسهل وأفضل.
والنّعمة الثالثة هي : أن الله تعالى أرسل لهم ـ في تلك الصحارى الملتهبة حيث لا سقف ولا ضلال ـ سحبا ظلّلتهم {وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ} .
والنّعمة الرّابعة إنزال المنّ والسلوى عليهم كغذائين لذيذين ومقويين {وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى}.
ثمّ إنّ المفسّرين أعطوا تفسيرات متنوعة لهذين الغذاءين «المنّ» و «السلوى» اللذين أنزلهما الله على بني إسرائيل في تلك الصحراء القاحلة (وقد ذكرنا هذه التفاسير عند دراسة الآية 57 من سورة البقرة) وقلنا بأنّه لا يبعد أنّ «المن» كان نوعا من العسل الطبيعي الذي كان في بطون الجبال المجاورة ، أو عصارات وإفرازات نباتية كانت تظهر على أشجار كانت نابتة هنا وهناك في تلك الصحراء ، و «السلوى» نوع من الطير الحلال اللحم شبيه بالحمام.
ثمّ يقول الله تعالى : وقلنا {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} .
ولكنّهم أكلوا وكفروا النعمة ولم يشكروها وبذلك ظلموا في الحقيقة أنفسهم (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
ويجب الانتباه إلى أن مضمون هذه الآية جاء في الآيات (57) و (60) من
سورة البقرة مع فارق بسيط ، غاية ما في الأمر أنّه عبر عن نبوع الماء من الصخر هنا بـ «انبجست» وهناك بـ «انفجرت» ، وحسب اعتقاد جماعة من المفسّرين أنّ التفاوت بين هاتين العبارتين هو أن «انفجرت» تعني «خروج الماء بدفع ، وكثرة» و «انبجست» تعني «خروج الماء بقلّة» ولعل هذا التفاوت لأجل الإشارة إلى أنّ عيون الماء المذكورة لم تنبع من الصخرة العظيمة دفعة حتى يصير ذلك سببا لاستيحاشهم وخوفهم وقلقهم ، ولا تكون لهم قدرة على تنظيم المياه المندفقة وحصرها ، بل خرجت ابتداء بهدوء وقلة ، ثمّ توسعت المجاري وكثرت المياه النابعة .
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هاتين الكلمتين ترجعان إلى مفهوم واحد .
- {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 161-162] .
في تعقيب الآيات السابقة تشير هاتان الآيتان إلى قسم آخر من المواهب الإلهية لبني إسرائيل وطغيانهم تجاه تلك النعم ، وكفرانهم بها.
يقول تعالى : (و) اذكروا {إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ} .
وقلنا لهم اطلبوا من الله حطّ الذنوب عنكم وعفوه عن خطاياكم ، وادخلوا من باب بيت المقدس بخضوع {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً} .
فإذا قمتم بهذه الأمور غفرنا لكم خطاياكم ، وأعطينا للمحسنين ثوابا أكبر و {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} .
وبالرغم من أن الله فتح أمامهم أبواب الرحمة ، ولو أردوا اغتنام الفرصة لاستطاعوا حتما إصلاح ماضيهم وحاضرهم ، ولكن لم يغتنم الظالمين من بني إسرائيل هذه الفرصة فحسب ، بل بدّلوا أمر الله ، وقالوا خلاف ما أمروا أن يقولوه : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} .
وفي المآل نزل عليهم بسبب هذا الطغيان والظلم للنفس وللآخرين عذاب من السماء {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} .
ويجب الانتباه إلى أنّ مضمون هاتين الآيتين جاء أيضا ـ مع فارق بسيط ـ في سورة البقرة الآية (58) و (59) وقد أوردنا تفسيرا أكثرا تفصيلا هناك .
والفرق الوحيد بين هذه الآيات المبحوثة هنا ، وآيات سورة البقرة هو أنّه يقول هنا : {بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} ، وقال هناك : {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} ، ولعل الفارق بين هذين إنما هو لأجل أن الذنوب لها جانبان : أحدهما الجانب المرتبط بالله ، والجانب الآخر مرتبط بنفس الإنسان. وقد أشار القرآن إلى الجانب الأوّل في آية سورة البقرة بعبارة «الفسق» الذي مفهومه الخروج عن طاعة الله ، وإلى الثّاني في الآية الحاضرة بعبارة «الظلم» .
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 542-545 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|