المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



ابن بسام  
  
2256   04:10 مساءً   التاريخ: 6-7-2019
المؤلف : د .شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة : ص: 440ــ442
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-1-2016 5147
التاريخ: 8-2-2018 4327
التاريخ: 26-12-2015 4905
التاريخ: 27-1-2016 16072

 

ابن بسام (1)

هو علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام، من بيت كتابة وأدب، كان جده نصر يتولى دواوين الخاتم والنفقات والأزمّة في أيام المعتصم وهو من ممدوحي أبي تمام، بينما كان أبوه محمد من ممدوحي البحتري، ويقول المسعودي إنه كان مترفا حسن الزىّ ظاهر المروءة مشغوفا بالبناء، ويروى عن بعض معاصريه ما يصوّر بذخه في بناء داره وفي ثيابه وطعامه وشرابه. وكان قد تزوج أمامة بنت حمدون النديم.

والحديث عن بني حمدون في المصادر مضطرب، ويبدو أنها كانت أخت إسماعيل المترجم له آنفا. ومنها أنجب ابنه عليّا، وقد عنى بتربيته أبوه، حتى أصبح شاعرا، وحتى أصبح التأليف إحدى هواياته. ويروى له ابن النديم ومترجموه كتبا مختلفة عن عمر بن أبي ربيعة والأحوص ومناقضات الشعراء، ويذكرون له ديوان رسائل، مما يدل على أنه كان كاتبا كما كان شاعرا. ونراه يتجه منذ نشأته بشعره نحو الهجاء، وقد يكون لخاله الحمدوني أثر في ذلك. وكان شيعيا، وربما كان لتشيعه أثر في ذلك أيضا، فقد كان الشيعة ناقمين على الدولة والناس انصرافهم عنهم. بل كانت نقمتهم على الدولة أشد وأدهى. للزّجّ بهم في السجون وتقتيلهم.

وكأنما اتخذ الهجاء سلاحا له ضد الخلفاء والمجتمع ويبدو أن أباه كان مواليا للعباسيين. ولعل هذا هو السر في كثرة أهاجيه له، حتى عدّ في العققة الذين لا يبرّون آباءهم بل يجحدون فضلهم، وله في أبيه أهاج كثيرة من مثل قوله فيه وكان يكنى أبا جعفر:

بنى أبو جعفر دارا فشيّدها … ومثله لخيار الدّور بنّاء

فالجوع داخلها والذلّ خارجها … وفي جوانبها بؤس وضرّاء

وكانت قصرا عظيما يدور من حوله بستان وتلمع أمامه بركة ويموج بالغزلان والطيور البهيجة الألوان. ويتمادى في هجائه له حتى ليقول فيه وفي داره أيضا:

ص 440

شدت دارا حلتها مكرمة … سلّط الله عليها الغرقا

وأرانيك صريعا وسطها … وأرانيها صعبدا زلقا (2)

صورة سيئة من العقوق أن يتلقى من أبيه الحياة، فلا يشعر بأن له عليه دينا إذ منحه الوجود وقام على تربيته، بل لكأنما جنى عليه جناية لا تغتفر، ولا يمكن أن يزيلها عن نفسه ويمسح أوضارها عن جسده إلا اللعنات يصبّها على أبيه.

ومضى يصبها على الخلفاء والوزراء والكتّاب وكبار رجال الدولة غير هيّاب ولا وجل، بل كأنما كان يبحث عمن ينتقم منه ويطير به طيرة بطيئا سقوطها. وكان من أوائل من تعرض لهم بالهجاء الموفق صاحب البلاء العظيم في حروب الزنج والصفار.

ونراه ينظم فيه وفي ولاته ووزرائه وموظفيه قصيدة يستهلّها بقوله:

أيرجو الموفّق نصر الإله … وأمر العباد إلى دانيه

ويأخذ في هجاء ولاته من مثل الطائي أمير البصرة وإسحق بن عمران أمير الكوفة ووزرائه من مثل إسماعيل بن بلبل، وصاعد بن مخلد وكان نصرانيّا وأسلم واستوزره الموفق، ويصيح:

فخلّ الزمان لأوغاده … إلى لعنة الله والهاويه

ويظلّه عصر المعتضد المعروف بجبروته وأنه كان يلقى الأسد وحده وأنه إذا غضب على قائد أمر أن تحفر له حفيرة ويلقى فيها وتطمّ عليه، ومع ذلك نراه لا يخاف بطشه ولا يخشى بأسه، إذ نراه يتعرض له بالهجاء، وتارة يقذع فيه وتارة يخز وخز الإبر من مثل قوله في احتفاله بختان ابنه المقتدر:

انصرف الناس من ختان … يرعون من جوعهم خزامى (3)

فقلت لا تعجبوا لهدا … فهكذا تختن اليتامى

وهو يصفه بالبخل الشديد وأن احتفاله بهذا الختان كان بائسا، حتى لكأنما هو ختان بعض اليتامى الذين لا يجدون من يتيح لهم احتفالا عظيما بختانهم.

ص441

ونراه يكثر من هجام إسماعيل بن بلبل، على نحو ما أكثر من هجاء صاعد ابن مخلد، وفيه يقول:

سجدنا للقرود رجاء دنيا … حوتها دوننا أيدي القرود

فما نالت أناملنا لشيء … عملناه سوى ذل السجود

وكان نصيب عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير الموفق وأخيه الخليفة المعتمد من أهاجيه كبيرا، تارة يصفه بخطل الرأي، وتارة يهدده بسوء المصير. ونراه ينتهز فرصة وفاة ابنه الحسن فيهجو ابنه القاسم، مادحا للحسن حتى يملأ نفس القاسم غيظا وحنقا إذ يقول:

قل لأبي القاسم المرجىّ … قابلك الدهر بالعجائب

مات لك ابن وكان زينا … وعاش ذو الشّين والمعايب

حياة هذا كموت هذا … فلست تخلو من المصائب

ولاكت الألسنة البيت الأخير وسمعه المعتضد فنصح وزيره القاسم أن يوظفه في عمل وأن يبرّه ويصله حتى يكفّ عن هجائه، فولاّه بريد الصّيمرّة وما والاها، وقيل بل ولاه بريد قنّسرين والعواصم. وبقى في عمله إلى آخر أيام المعتضد، ويبدو أن العباس بن الحسن وزير المكتفي رأى الاستغناء عنه، ولعله لذلك أكثر من هجائه، ومرّ بنا بعض هذا الهجاء في حديثنا عن نشاط الشعر، وفيه يقول:

تحمّل أوزار البريّة كلّها … وزير بظلم العالمين يجاهر

واتخذ من شعره سياطا يلهب بها ظهور ابن الفرات والخاقاني وزيري المقتدر وله في الأخير أهاج كثيرة تصور خياناته لأموال الأمة وما كان يدفع إليه الناس من تقديم الرشوة في كل عمل يحققه لهم، وسبق أن عرضنا بعض هذا الهجاء في حديثنا عن فساد الحكم حينئذ. وكانت له مناقضات مع الشعراء يقصد بها إلى الدعابة، ومرّ بنا في حديثنا عن ابن المعتز أنه نظم فيه مقطوعة دالية داعبه فيها واصفا ثقله، ونرى ابن بسام يردّ عليه بقوله على نفس طريقته:

ص442

فقدتك يا قذاة في شراب … دخلت من الدناءة كلّ باب

وأثقل-حين تبدو-من رقيب … وأكذب-حين تنطق-من سراب

وأغدر للصديق من الليالي … وأنكى للقلوب من العتاب

وكان يناقض جحظة البرمكي كثيرا، وكان على غراره كثير الهجاء، وكان قبيح الخلقة تقتحمه العيون، وصوّر ذلك ابن بسام عابثا به وبقبحه، إذ يشكره على إقباله عليه بدابّته وانصرافه عنه بوجهه الذميم. يقول:

لجحظة المحسن عندي يد … أشكرها منه إلى المحشر

لما أراني وجه برذونه … وصانني عن وجهه المنكر

وعلى هذا النحو لم يسلم من هجاء ابن بسام خليفة ولا وزير ولا أمير ولا صغير ولا كبير، بل لم يسلم منه أبوه وأهل بيته. وله وراء هذا الهجاء مديح لبعض الوزراء مثل ابن مقلة ونعت لبعض الأزهار مثل النرجس. وله في الزهد وفناء الحياة أبيات طريفة تجري على هذا النمط:

أقصرت عن طلب البطالة والصّبا … لما علاني للمشيب قناع

لله أيام الشباب ولهوه … لو أن أيام الشباب تياع

فدع الصّبا يا قلب واسل عن الهوى … ما فيك بعد مشيبك استمتاع

وانظر إلى الدنيا بعين مودّع … فلقد دنا سفر وحان وداع

والحادثات موكّلات بالفتى … والناس بعد الحادتات سماع

والأبيات تصوّره قد وخطه الشيب وأخذ يفكر في غده ويستعدّ لمصيره، بعد تلك الرحلة الطويلة التي كان يجاهد فيها مجتمعه بأهاجيه حتى وفاته سنة 303 للهجرة. ومن المؤكد أن أهاجيه تصور العصر في صورة أدق من تلك التي يصورها المديح. وأن الحياة فيه لم تكن صافية ولا رائقة، بل كانت كدرة قائمة، اختلّت فيها الموازين والقيم اختلالا شديدا.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في ابن بسام وأخباره وأشعاره الفهرست ص 220 ومعجم الشعراء ص 154 وتاريخ بغداد 2/ 63 ومروج الذهب للمسعودي 4/ 306 وما بعدها وزهر الآداب 3/ 87 وما يليها وذيل زهر الآداب ص 180 وديوان المعاني 2/ 23، 234 والنجوم الزاهرة 3/ 189 .

(2) صعيدا زلقا: أرضا ملساء.

(3) الخزامى: من أزهار البادية .

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.