أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2017
3645
التاريخ: 11-7-2022
2141
التاريخ: 25-3-2016
3961
التاريخ: 20-3-2016
3353
|
قد يتوهّم البعض أنّ شعائر الذكرى في عاشوراء المتداولة لدى الشيعة اليوم إنّما هي أمور مستحدثة ودخيلة لا أصل لها في العصور الإسلاميّة الأولى وبالتالي فهي من دسائس المغرضين والدخلاء الذين يضمرون الشرّ بالإسلام والمسلمين .
فأقول لهؤلاء : إنّ هذا الوهم خطأ لا يدعمه إلاّ الجهل بحقائق التاريخ وحوادث الماضي البعيد ولا يبعد أن يكون هذا التوهّم بذاته من وحي الدسّاسين وتلقين المغرضين أعداء الشيعة والتشيّع.
أمّا إقامة مظاهر الحداد والاحتفال لذكرى عاشوراء فهي قديمة جدّاً قدم مأساة عاشوراء بالذات حيث بدأت مجالس العزاء والاجتماعات للنوح والبكاء على مأساة الحسين (عليه السّلام) بعد مرور أيّام قليلة على مصرع الحسين (عليه السّلام) ؛ وذلك بتوافد أهل الضواحي والسواد إلى كربلاء بعد رحيل الجيش واجتماعهم رجالاً ونساءً حول قبر الحسين (عليه السّلام) .
ولمّا عاد الإمام زين العابدين (عليه السّلام) من الشام إلى كربلاء يوم الأربعين وجد أهل السواد مجتمعين حول قبر الحسين وقبور الشهداء بالحزن والحداد فاستقبلوه بالبكاء والعويل يتقدّمهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله تعالى) .
ولمّا عاد أهل البيت (عليهم السّلام) إلى المدينة المنوّرة استقبلهم الناس بالحداد والأسى والنوح والبكاء وضجّت المدينة في ذلك اليوم ضجّة واحدة حتّى صار ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . ثمّ أُقيمت مجالس العزاء في أنحاء المدينة وخاصّة في حي بني هاشم فكان مجلس الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ومجلس العقيلة زينب ومجلس الرباب زوجة الحسين (عليهم السّلام) ومجلس اُمّ البنين اُمّ العباس بن علي (عليه السّلام) وغيرها تملأ أجواء المدينة بالكآبة والحزن والحداد .
وكان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يغتنم كلّ فرصة لإثارة العواطف وإحياء ذكر المأساة في نفوس الجماهير فمن ذلك مثلاً : مرّ ذات يوم في سوق المدينة على جزّار بيده شاة يجرّها إلى الذبح فناداه الإمام (عليه السّلام) : يا هذا هل سقيتها الماء ؟ .
فقال الجزار : نعم يابن رسول الله نحن معاشر الجزارين لا نذبح الشاة حتّى نسقيها الماء . فبكى الإمام (عليه السّلام) وصاح : وا لهفاه عليك أبا عبد الله ! الشاة لا تُذبح حتّى تُسقى الماء وأنت ابن رسول الله تُذبح عطشان .
وسمع (عليه السّلام) ذات يوم رجلاً ينادي في السوق : أيّها الناس ارحموني أنا رجل غريب . فتوجّه إليه الإمام (عليه السّلام) وقال له : لو قدّر لك أن تموت في هذه البلدة فهل تبقى بلا دفن ؟ . فقال الرجل : الله أكبر ! كيف أبقى بلا دفن وأنا رجل مسلم وبين ظهراني اُمّة مسلمة ؟! فبكى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) وقال : وا أسفاه عليك يا أبتاه ! تبقى ثلاثة أيّام بلا دفن وأنت ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله ) ! .
واستمر أئمّة الهدى (عليهم السّلام) يحثّون شيعتهم على التمسّك بإحياء ذكرى عاشوراء رغم الإرهاب والضغط الذي مارسه الحكّام ضدّهم . وكانوا هم (صلوات الله عليهم) يفتحون أبوابهم للشعراء والمعزّين أيّام عاشوراء منذ عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السّلام) حتّى عصر الإمام علي الرضا (عليه السّلام) في عهد المأمون العباسي الذي توسّعت فيه شعائر الحسين (عليه السّلام) وانتشرت مجالس العزاء أيّام عاشوراء بتأييد من الإمام الرضا (عليه السّلام) ودعم من المأمون .
فكانت دار الإمام الرضا (عليه السّلام) في أيّام عاشوراء تزدحم بالناس يستمعون فيها إلى رثاء الحسين (عليه السّلام) وكلمات الحثّ والتشويق والتشجيع من الإمام (عليه السّلام) فكان من أقواله المأثورة : إنّ أهل الجاهليّة كانوا يعظّمون شهر المحرّم ويحرّمون الظلم والقتال فيه ؛ لحرمته ولكن هذه الاُمّة ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها فقتلوا في هذا الشهر أبناءه وسبوا نساءه فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون ؛ فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب .
ولم تزل شعائر عاشوراء تزداد وتتّسع بما تلاقيه من الدعم والتأييد المعنوي من قبل أهل البيت (عليه السّلام) والعلماء الأعلام في كلّ الأوساط الشيعية حتّى قامت الدولة الحمدانية الشيعية فأعطت شعائر عاشوراء قدراً كبيراً من الدعم والتأييد ثمّ قامت الدولة البويهية الموالية لأهل البيت (عليهم السّلام) فوسّعوا ذكرى عاشوراء وأعطوها صفة رسميّة تعطّل من أجلها الأسواق والأعمال والدوائر الحكومية وتخرج المواكب العزائية بالأعلام السود وشارات الحداد تحت رعاية وإشراف كبار العلماء وأقطاب رجال الدين .
فكانت بغداد مثلاً في عهد عضو الدولة الحسن بن بويه الديلمي تخرج على بكرة أبيها يوم العاشر من المحرّم في مواكب عزائية ضخمة يتقدّمها رجال الدين والدولة ولمّا قامت الدولة الفاطمية في مصر والمغرب العربي انتقلت شعائر عاشوراء إلى تلك الأقطار ودامت حوالي القرنين من الزمن إلى أنْ قضى عليها الأيوبي بالقهر والإكراه .
ثمّ لمّا قامت الدولة الصفويّة وملوكها علويّون نسباً ينحدرون من سلالة الإمام السابع موسى الكاظم (عليه السّلام) , أيّدوا شعائر عاشوراء ووسّعوها ومثّلوا واقعة كربلاء تمثيلاً حيّاً تحت رعاية وتوجيه علماء الطائفة ومراجع التقليد أمثال العلاّمة الحلّي والمحقّق المجلسي وغيرهما (رضوان الله عليهم أجمعين) .
وهذا التمثيل له جذور في سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) ؛ فإنّه قد أُخذ من حيث الأصل من ظاهرة وردت في مجلس الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) أيّام عاشوراء فقد حدّث شاعر أهل البيت الكميت بن زيد الأسدي (رحمه الله) قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) يوم عاشوراء فأنشدته قصيدة في جدّه الحسين (عليه السّلام) فبكى وبكى الحاضرون وكان قد ضرب ستراً في المجلس وأجلس خلفه الفاطميات فبينما أنا أنشد والإمام يبكي إذ خرجت جارية من وراء الستار وعلى يدها طفل رضيع مقمّط حتّى وضعته في حجر الإمام الصادق (عليه السّلام) فلمّا نظر الإمام إلى ذلك الطفل اشتّد بكاؤه وعلا نحيبه وكذلك الحاضرون .
ومعلوم أنّ إرسال الفاطميات لذلك الطفل في تلك الحال ما هو إلاّ بقصد تمثيل طفل الحسين (عليه السّلام) الذي ذُبح على صدر أبيه بسهم حرملة (لعنه الله) يوم العاشر من المحرّم وهو عبد الله الرضيع وغيره من الأطفال الذين قتلوا في ذلك اليوم .
والخلاصة هي : إنّ إحياء ذكرى عاشوراء قديم عند الشيعة قدم المأساة نفسها فما زال أهل البيت وشيعتهم يحتفلون بذكرى تلك المأساة الفريدة من نوعها منذ السنة الأولى لقتل الحسين (عليه السّلام) وإلى اليوم يحدوهم لذلك الحبّ والولاء للحسين (عليه السّلام) أولاً ثمّ خدمة الدين والدعوة إلى الحقّ وتركيز المفاهيم الإنسانية لدى النشء ثانياً .
والله من وراء القصد وهو والي المؤمنين وصدق الأديب الفاضل السيّد جعفر الحلّي (رحمه الله) حيث قال :
فــي كـلِّ عام لنا بالعشرِ واعية تـطبّقُ الـدورَ والأرجاء والسككا
و كـلُّ مـسـلـمة ترمي بزينتِها حتّى السماءَ رمتْ عن وجهها الحُبكا
يـا مـيّـتـاً تـرك الألباب حائرةً وبـالـعـراءِ ثـلاثـاً جسمُهُ تُركا
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|