أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-02-2015
3555
التاريخ: 22-11-2015
3279
التاريخ: 12-02-2015
3283
التاريخ: 20-01-2015
3188
|
لاشك ان العواطف الانسانية تأخذ محوراً مركزياً في الطبيعة البشرية، فالعواطف البشرية تتضمن حالات مثل: الخوف، والغضب، والخجل، والحزن، والفرح، والانزعاج، ونحوها، وكل لون من الوان تلك العواطف يعدُّ حالة شخصية مؤقتة تفرز إقداماً او جبناً او تهوراً او انزواءً، فالشجاعة - عادية كانت او فائقة- اذن حالة من الحالات العاطفية التي يسقط فيها الخوف والخجل والانزعاج، ويبرز الاقدام واليقين والثبات، وفي حالات الجبن يبرز الخوف والرعب، ويسقط الإقدام واليقين.
فاذا قلنا بان فلاناً يخاف الافاعي، نستنتج بانه يتجنب الذهاب الى مكان تسكن فيه الافاعي، واذا قلنا بان زيداً يخاف المسير في الليل، نستخلص بان سفراته تتم غالباً في النهار، واذا قلنا بان فلاناً يخاف القتال، نستنتج بانه يتجنب الذهاب الى ساحة المعركة، وقد وصف القرآن الكريم قوماً اذا سمعوا قتالاً دارت اعينهم من الخوف {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 18، 19]، واذا قلنا بان فلاناً لا يتجرأ على تحدي فرسان العرب، نستنتج بانه يتجنب رفع رأسه لمنازلتهم، وفي كل تلك الحالات ينـزوي الانسان الذي لا يمتلك تلك القدرة من الشجاعة عن ساحة الاحداث.
والدين الجديد الذي كان يتحدى العالم بكل ما فيه من اوثان وقوى شرك وشراسة وشر، كان بأمسّ الحاجة الى ابطال لا يهيبون الموت، ولا يكترثون للنوازل، ولا يعتريهم الخوف او التردد او الانهيار، وكان ينبغي ايضاً ان تكون شجاعتهم فائقة لا شجاعة عادية مجردة من مضامينها الرسالية الاستثنائية، ولذلك كان دور امير المؤمنين (عليه السلام) حاسماً في معارك الاسلام الكبرى، لانه كان يمتلك قدراً فائقاً من الشجاعة واليقين والإقدام والثبات، فقد كان (عليه السلام) بطلاً استثنائياً وشجاعاً لا مثيل له.
فالدين لا يستقيم له حال ما لم يدعمه بطل في غاية الشجاعة والاقدام، لان الدين - باعتباره خيراً يدعو للخير- في صراع دائم مستمر مع الشر، واذا كان الصراع مستمراً، فان الشجاعة والبطولة الفائقتين ينبغي ان تستمران ايضاً، لان الخوف الذي تصاحبه عوارض جسدية مثل خفقان القلب، وتيبس البلعوم، وآلام المعدة، يجعل الخائف غير قادر على التفكير فضلاً عن التركيز على عمله الحربي المكلّف به، وحالة عاطفية كتلك، لا يستقيم معها الدين.
ولاشك ان الشجاعة الفائقة ـ ارادية كانت او لا ارادية ـ متداخلة مع عوامل اخرى كالادراك والدافع والتعبير، فالبطل الشجاع ينظر للعدو المقابل على اساس انه امر يستطيع معالجته فيقترب منه ويعالجه بالضرب او الطعن او القتل، ولا ينظر له على اساس انها قضية مرعبة خطيرة ينبغي ان يتجنبها او ان يهرب منها، وهكذا كان الامام (عليه السلام)، فانه كان يُقدم على منازلة فرسان القوم لان يقينه بالله وقدرته الفائقة على مواجهتهم كانت تدفعه نحو الاقتحام والثبات وانزال الهزيمة المنكرة بالعدو، فكان مصداقاً لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] ، {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4]، وقول علي (عليه السلام) في اُحد : الحمد لله اذ لم افرّ ولم اولِّ الدبر؛ وقوله (صلى الله عليه واله) في خيبر وهو يشير الى علي (عليه السلام) : «ساعطي الراية غداً الى رجل كرار غير فرار» تؤيدان قدرته الفائقة (عليه السلام) في الاقتحام والثبات.
وفي ضوء تلك الافكار نؤمن بان شجاعة علي (عليه السلام) كانت حالة عقلية اكثر منها حالة عاطفية، بمعنى ان شجاعته الفائقة وبطولته الخارقة كانت حالة عقلية امتزج فيها اليقين بالله وحب لقائه اكثر منها حالة جسدية او فسلجية، وبتعبير ثالث ان المعصوم (عليه السلام) في الفكر والادراك يكون دائماً على درجة قصوى في الإقدام والثبات واليقين في كل الحالات والمواقف الحياتية، لانه وصل الغاية في اليقين بالله، فهو يسعى الى الموت من اجل لقاء الله سبحانه، والسعي نحوه عز وجل في كل وقت يزيل كل حالات الخوف والتردد والانزعاج والغضب لغير الله، فلا عجب اذن ان نرى شجاعة امير المؤمنين (عليه السلام) الفائقة باعيننا ونربطها بعصمته، ذلك ان الشجاعة الفائقة التي نتحدث عنها هي حالة عقلية مرتبطة بمقدار كمالية ادراك الانسان، فالمعصوم (عليه السلام) اذن، يمتلك درجة تامة من الكمال في الدين والفكر والسلوك توجّه شجاعته تلك نحو وجوه الخير وتثبيت العدل ومحق الشر وتدمير الباطل في كل الاوقات.
ولاشك ان الشعور بالشجاعة يكون متوازياً عند الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بالشعور بالعصمة، فكما ان الشعور بالغضب يكون متوازياً مع الغضب ذاته، فان الشعور بالشجاعة الفائقة تلك يكون متوازياً مع الشجاعة المتوجهة نحو عمل الخير، وشجاعة المعصوم (عليه السلام) تستبطن ايضاً قضية مهمة وهي درجة عالية من ضبط الذات عندما يتطلب الامر محاربة المشركين او الظالمين، فعلي (عليه السلام) لا يقتل الا لله، وعندما يبصق مشرك كعمرو بن عبد ود بوجه الامام (عليه السلام) لم يسارع في قتله انتقاماً لذلك، وانما يصبر قليلاً حتى تهدأ ثورة الغضب الذاتي ثم يقتله لله، وعندما كان المشركون يكشفون عوراتهم، كان (عليه السلام) يستحي ان يقتلهم على تلك الحالة، وعندما كان يظفر بهم كان يعفو عنهم لكلمة استعطاف او نداء لصلة الرحم او غير ذلك، وعندما يقتلهم كان يستحيي ان يسلبهم ادواتهم التي يحاربونه بها، فشجاعة علي (عليه السلام) اذن حالة عقلية متناسبة مع كمال ادراكه للقضايا الفكرية والالزامية المتعلقة بالدين.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|