قال أبو عثمان: ومما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة من الفعل وأُلحق ببنات الأربعة حتى جرى مجراها، وحتى صار بمنزلة ما هو من نفس الحرف: "جَلْبَبْتُ وشَمْلَلْتُ".
قال أبو الفتح: اعلم أن هذا الضرب يجيء متعديا نحو: "جلببتُهُ جَلْبَبَة، وصعررته صعررة". قال الراجز:
سودا كحب الفُلْفُلِ المُصَعْرَرِ
ولم أسمع هذا النحو غير متعد. ويريد بقوله: "جرى مجراها" أنك تقول: "جلبب يجلبب جلببة فهو مُجلبِب، وشملل يشملل شمللة فهو مُشملَل", فيجري ذلك مجرى "دحرج يدحرج دحرجة فهو مدحرج", وتُظهر الباء واللام الأوليين ولا تدغمهما؛ لأن الحرف ملحق بدحرج. فلو قلت: "شَمَلّ أو جَلَبّ" فأدغمت وحولت الحركة, لكنت قد نقضت ما له قصدت من الإلحاق، ولم تأت بالبناء المقصود، وصارت الباء واللام الأخيرتان بمنزلة الجيم من "دَحْرَجَ" وهذا يعني بقوله: وصار بمنزلة ما هو من نفس الحرف، والذي هو من نفس الحرف الجيم من "دحرج", وهذا الإلحاق هو المطرد الذي ذكره في أول الكتاب.
ص84
قال أبو الفتح: قوله: ومثله، يريد به: أن مثل: "بيطرت وحرقلت: جهورت" في أن هذا إلحاق غير مطرد، كما أن ذلك كذلك، ويجوز أن تكون الهاء في "مثله" راجعة إلى باب "جلببت وشمللت"؛ لأنه على وزنه، والأشبه في هذا أن تكون راجعة إلى باب فَوْعلت وفَيْعلت؛ لأنه أوقع.
وفَعْوَلت هذه متعد وغير متعد، فالمتعدي "دَهْوَرْتُ المتاع دَهْوَرَةً", وغير المتعدي "هرولت هرولة".
قال أبو عثمان: ومثله: "قَلْسَيْتُهُ قَلْساةً، وجعبيته جعباة، وسلقيته سلقاة".
قال أبو الفتح: قوله: ومثله، نظير قوله: ومثله في الفصل قبله، تحتمل "الهاء" وجهين من التأويل، وهو على ضربين: متعد، وغير متعد. فالمتعدي نحو: "قلسيته قلساة"، وغير المتعدي نحو: "عنظيت، وحنظيت، وخنظيت، وخنذيت".
قال أبو عثمان: وتلحق النون ثالثة في هذا، وتكون الزيادة من موضع اللام, ويكون آخره أيضا ياء زائدة ويسكن أوله, فتلزمه ألف الوصل
ص85
ويكون الحرف على "افْعَنْلَلْتُ، وافْعَنْلَيْتُ" نحو: "اقْعَنْسس، واسْلَنْقيت".
قال أبو الفتح: إنما سوّى بين "اقعنسس, واسلنقيت"؛ لأجل النون الثالثة فيهما، ولأن في آخر كل واحد منهما زيادة وإن كانت في "اقعنسس" لامًا مكررة, وفي "اسلنقيت" ياء مزيدة, وأنهما قد اشتركا في زيادتهما, وأنهما ملحقان.
ولا يكون "افْعَنْللت" متعديا أبدا؛ لأنه نظير "انْفَعَلت", ألا ترى أن فيه نونا وهمزة وصل, كما أن "انفعلت" كذلك.
و"افعَنْليت" على ضربين: متعد، وغير متعد.
فالمتعدي نحو قول الراجز:
قد جعل النعاس يَغْرَنْدِينِي
أدفعه عني ويَسْرَنْدِينِي
وغير المتعدي نحو قولهم: "احْرَنْبى الديك، وابرنتى الرجل".
قال أبو عثمان: وهذا فُعِل به كما فُعِل ببنات الأربعة نحو: "احرنجم واخرنطم" ولم يزيدوا هذه النون إلا فيما كانت الزيادة منه في موضع اللام, أو كانت الياء1 في آخره زائدة؛ لأن النون هنا تقع بين حرفين من نفس الحرف, كما تقع في "احرنجم" كذلك، فكذلك جميع ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة.
ص86
قال أبو الفتح: قوله: وهذا فعل به كما فعل ببنات الأربعة نحو: "احرنجم" يريد به: أنهم أرادوا أن يبلغوا ببنات الثلاثة بناء بنات الأربعة, بزيادة هذه النون في هذا الموضع.
فلما كانت النون في "احْرَنْجَمَ" ثالثة ساكنة, كانت في "اقعنسس" كذلك، ولما كان بعدها في احرنجم حرفان, جعلوا بعدها في اقعنسس سينين؛ إحداهما زائدة ليُلحَق البناء بالبناء، وكذلك زادوا في اسْلَنْقيت ياء مكان السين الأخيرة؛ لأنهما كلتاهما زائدتان.
فهذا معنى قوله: ولم يزيدوا هذه النون إلا فيما كانت الزيادة منه في موضع اللام, أو كانت الياء أخيرة زائدة.
وهذا أحد ما يدل على أن إلحاق بنات الثلاثة ببنات الأربعة من موضع اللام فيما لا زيادة فيه، نحو: "جلببت، وصعررت" هو القياس. ألا ترى أن "اقعنسس" كذلك؟
وكأن الياء في باب "افعَنْليتُ" داخلة على اللام المكررة وأن الموضع للام دون الياء، كما أن "سلقيت" داخل على "جلببت".
وقوله: لأن النون هنا تقع بين حرفين من نفس الحرف, كما تقع في "احرنجم" كذلك، يريد به أن يريك: لِمَ صارت الزيادة في "اقعنسس" من موضع اللام؟
وتفسير هذا: أنه لما كانت النون في "احرنجم" واقعة بين الراء
ص87
والجيم، وكلتاهما من الأصل, أرادوا أن يقع في "اقعنسس" ثالثة بين حرفين من الأصل وهما العين والسين الأولى، فلما مضت العين واللام، دعت الضرورة إلى تكرير اللام أو الزيادة بعدها.
ومن هنا لم يجئ في كلامهم نحو "افْعَنْوَنْتُ" ولا "افْعَنْليتُ" ولا "افْعَيْنَلت" ولا شيء من ذلك؛ كراهة أن تقع النون بين حرفين أحدهما أصل والآخر زائد, فتخالف حكم "احرنجمت".
فإن قلت: فهلا جاء في كلامهم نحو "انفَنْعلت" أو "ايفَنْعلت", فجعلوا الزيادة قبل الفاء وكانت النون إذًا واقعة بين حرفين من الأصل, كما ذكر أبو عثمان أنه هو الذي اضطُر إلى أن كانت الزيادة بتكرير اللام أو بالزيادة بعدها؟
فالجواب: أنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم إنما أرادوا إلحاق بنات الثلاثة ببنات الأربعة ولم نرهم في غير هذا الموضع ألحقوا الثلاثة في الفعل بالأربعة من أولها, إنما هو من آخرها نحو: "جلببت" أو وسطها نحو: "جهْورت وبيْطرت", ولا تجيء الزيادة للإلحاق في أول بنات الثلاثة.
وأيضا, فإن الزيادة في الكلمة توهين لها؛ لأنه قد دخل فيها ما ليس منها، وآخر الكلمة بالتوهين أحق من أولها، ألا ترى إلى كثرة باب عطشان، وأنك لا تكاد تجد "لانقحل" نظيرا إلا "انْزَهْوا" فيما علمت.
ص88
وأيضا فإن النون في "احرنجم" بين العين واللام، ولو قالوا: "انْفَنْعلت" لكانت النون بين الفاء والعين، وهذا غير ما قصدوا إليه فلما لم يمكن إلحاق ذوات الثلاثة بذوات الأربعة من أولها, ولا من أوسطها كانت من آخرها.
وقوله: فكذلك جميع ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة، يريد به أنه إنما يأتي الملحق بالأربعة على هذه الأنحاء التي أولها "جلببت" وآخرها "اسلنقيت" ولم يأت شيء من الأفعال أُلحق بذوات الأربعة غير هذه الأمثلة المذكورة, إلا أنهم قد قالوا: "اكْوَأَلَّ" فألحقوه بـ "اطمأنّ" وقالوا: "رَهْيأ، وتَرَهْيأ، وتَمَخْرق، وتمندل، وتمنطق، وتمدرع، وتمسكن" فألحقوها بالأربعة وهي شاذة.
ص89
زيادة همزة الوصل وتضعيف اللام:
قال أبو عثمان: وتلحق ألف الوصل في أول الأفعال من بنات الأربعة وتضاعف اللام, فيكون الحرف على "افْعَلَلَّ" نحو: "اطمأنَنْتُ واقشعررت" ويدركهما الإدغام كما أدرك باب "احمررت" وما كان نحوه من الثلاثة.
قال أبو الفتح: اعلم أن أصل "افْعَلَلَّ افْعَلَّلَ", فعلى هذا ينبغي أن يكون أصل "اطمأنَّ: اطمأْنَنَ" فكرهوا اجتماع مثلين متحركين، فأسكنوا الأول ونقلوا حركته إلى ما قبله, ثم أدغمت اللام الثانية في اللام الثالثة, فصار "اطمأنّ" كما ترى.
ويدل على أن "اطمأنّ" أصله: "اطمأنَنَ" وأنهم إنما فعلوا ذلك كراهة اجتماع مثلين متحركين, أنه إذا سكن الآخر منهما عاد البناء إلى أصله، ألا ترى أنك تقول: "اطمأننتُ" فتبين النون الأولى لما سكنت النون الآخرة، فجرى ذلك مجرى "شدّ وضنّ" ثم تَسكُن اللام فتظهر العين فتقول: "شَدَدْتُ وضَنَنْتُ".
وكذلك "احمرّ" أصله: "احْمَرَرَ" بإظهار الراءين، ثم تنكَّبوا الجمع بين مثلين متحركين, فأسكنوا الراء الأولى وأدغموها في التي بعدها, فصارت "احْمَرَّ", ألا ترى أنك إذا أسكنت اللام الآخرة ظهرت الأولى, وذلك نحو قولك: "احمرَرْتُ واصفرَرْتُ"؟
فإن قيل: فهلا6 قالوا: "اطمأنن واحمرر" بالإظهار كما قالوا: "جلبب واقعنسس"؟ فالجواب: أنهم إنما بينوا جلبب ونحوه؛ لأنه ملحَق بدحرج, وبينوا اقعنسس؛ لأنه ملحق باحرنجم، فلما أرادوا مثالا لا يكون إلا متحركا لاختلاف حرفيه بينوا؛ ليدلوا على أنه ملحق به.
ص90
فأما "اطمأنّ، واحمرّ" وما كان نحوهما، فإنهم إنما أدغموها؛ لأنها غير ملحقة بشيء، ألا ترى أنه ليس في الكلام1 فعل مثل "اسْفَرْجَلَ" فيُلحَق اطمأن به! هذا مستحيل؛ لأنه لا يكون فعل خماسي أبدا.
وليس في الكلام مثل "ادْحَرَجَ", فيلحق احمرّ به فيظهر, فمن هنا وجب الإدغام. ولا يكون "افْعَلَّلَ" متعديا في كلام العرب البتة.
ص91