الفعل المؤكد والغير مؤكد
المؤلف:
محمد محي الدين عبد الحميد
المصدر:
دروس في التصريف
الجزء والصفحة:
ص 190- 192
17-02-2015
10200
والاصل انك توجه كلامك الى المخاطب لتبين له ما في نفسك : خبراً كان ، او طلبا ، وقد تعرض لك حال تستدعى ان تبرز ما يتلجلج في صدرك على صورة التأكيد ؛ لتفيد الكلام قوة لا تكون له اذا ذكرته على غير صورة التوكيد ، وقد تكفل علم المعاني ببيان هذه الحالات ؛ فليس من شأننا ان تتعرض لبيانها ، كما أننا لا نتعرض هنا لما تؤكد به الجمل الاسمية :
وفي اللغة العربية لتوكيد الفعل نونان(1) : احداهما نون مشددة : كالواقعة في نحو قوله تعالى (14-12) : (ولنصبرن على ما آذيتمونا ) والثانية نون ساكنة ، مثل الواقعة في قول النابغة الجعدي :
فمن يك لم يثأر بأعراض قومه فإنى – ورب الراقصات – لأثأرا
وقد اجتمعا قوله تعالت كلمته (12- 32) : (ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) .
ص191
وليس كل فعل يجوز تأكيده ، بل الافعال في جواز التأكيد وعدمه على ثلاثة انواع :
النوع الاول : مالا يجوز تأكيده اصلا ، وهو الماضي ؛ لأن معناه لا يتفق مع ما تدل عليه النون من الاستقبال .
النوع الثاني : ما يجوز تأكيده دائما ، وهو ا لأمر ، وذلك لأنه للاستقبال البتة .
النوع الثالث : ما يجوز تأكيده أحياناً ، ولا يجوز تأكيده أحياناً أخرى ، وهو المضارع، والأحيان التي يجوز فيها تأكيده هي(2):
أولا : ان يقع شرطاً بعد " إن " الشرطية المدغمة في " ما " الزائدة المؤكدة ، نحو " إما تجتهدن فأبشر بحسن النتيجة " . وقال الله تعالى (8-58) : (وإما تخافن من قوم خيانة ) وقال (19-26) : (فإما ترين من البشر أحداً ) . وقال (8-57) : (فإما تثقفنهم ) . وقال (7-200) : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ).
ثانيا : ان يكون واقعا بعد أداة طلب ، نحو " لتجتهدن ، ولا تغفلن ، وهل تفعلن الخير ؟ وليتك تبصرن العواقب ، وازرع المعروف لعلك تجنين ثوابه ، وألا تقبلن على ما ينفعك ، وهلا تعودن صديقك المريض " ، قال الله تعالى (14-42) : (ولا تحسبن الله غافلا) .
ثالثاً: أن يكون منفيا بلا ، نحو: " لا يعلبن الكسول وهو يظن في اللعب خيراً " وقال تعالى (8-25) : (واتقوا فتنة لا تصيبن).
ص191
وتوكيده في الحالة الأولى اكثر من توكيده فيما بعدها (3) ، وتوكيده في الثانية اكثر من توكيده في الثالثة .
وقد تعرض له حالة توجب تأكيده بحيث لا يسوغ المجيء به غير مؤكد ، وذلك – بعد كونه مستقبلا – إذا كان مثبتاً ، جوابا لقسم ، غير مفصول من لامه بفاصل ، نحو " والله لينجحن المجتهد ، وليندمن الكسول " وقال الله تعالى (21-57) : (وتالله لأكيدن أصنامكم ).
فاذا لم يكن مستقبلا، او لم يكن مثبتاً ، او كان مفصولا من اللام بفاصل – امتنع توكيده، قال الله تعالى (12-85) : (تالله تفتأ تذكر يوسف )(4) ، وقال جل شأنه (75-1) : (لأقسم بيوم القيامة )(5) وقال (93-5) : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وقال (3-158) : (ولئن متم او قتلتم لإلي لإلى الله تحشرون ).
ص193
__________________
(1) لهذين النونين تأثير في لفظ الفعل ، وتأثير في معناه : اما تأثيرهما في لفظة فلأنهما يخرجانه من الاعراب الى البناء اذا اتصلا به لفظا وتقديراً ، واما تأثيرهما في معناه فلأن كلا منهما يخلص الفعل المضارع للاستقبال ، ويمحضه له ، وقد كان قبلهما يحتمل الاستقبال كما يحتمل الحال . وبين النونين فرق ؛ فإن الشديدة أقوى دلالة على التأكيد من الخفيفة ، لأن تكرير النون قد جعل بمنزلة تكرير التأكيد ، فإذا قلت : " اضربن " بضم الباء وبنون خفيفة فكأنك قد قلت : " اضربوا كلكم " واذا قلت " اضربن " بنون شديدة فكأنك قد قلت " واضربوا كلكم اجمعون " وقد اختلف العلماء في هذين النونين على ثلاثة مذاهب ؛ احدهما : ان الخفيفة اصل لبساطتها ، والشديدة فرع عنها ، الثاني عكس هذا الرأي ، الثالث : ان كلا منهما اصل قائم بنفسه ، واليه نذهب.
(2) الجامع لهذه المسائل كلها دلالته على الاستقبال فيها ، وانما يقصد العلماء ببيانها تفصيل مواضع دلالته على الاستقبال ؛ لأنه لا يستطيع معرفتها كل أحد.
(3) حتى ذهب المبرد الى انه لا يجوز ان تسقط فيها نون التوكيد إلا في ضرورة الشعر.
(4) اذ التقدير " لا تفتأ " لأن " فتئ " من الافعال التي يلزم ان تسبق بالنفي او شبهه .
(5) في قراءة ابن كثير .
الاكثر قراءة في توكيد الفعل
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة