أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-02-2015
3443
التاريخ: 9-02-2015
3228
التاريخ: 9-02-2015
3273
التاريخ: 8-02-2015
3231
|
وكان اقتصاد قريش في القرن السادس الميلادي قائماً على التجارة بين اليمن والشام والعراق. وكان ابو طالب يحترف بما احترف به قومه. فخرج في احدى سفراته بمحمد (صلى الله عليه واله) وهو فتىً في الثالثة عشرة من عمره الى الشام. وكان محمد زكياً نجيباً، ودلائل الطهر والنقاء بادية على وجهه ومحياه. فلما نزل بصرى وهي مدينة قديمة فيها صومعة الراهب المشهور «بحيرا»، رآه ذلك الراهب المشهور بالتقوى والصلاح فقال: سيكون من هذا الفتى امر عظيم ينتشر ذكره في مشارق الارض ومغاربها. وقد صدقت تلك النبؤة فيما بعد. ولكن تحقيق تلك النبؤة لم يكن خالياً من ثمن باهض دفعه ابو طالب شخصياً نتيجة ايمانه برسالة ابن اخيه. فقد حاربته قريش وحاولت اهانته والحط من كرامته، وهو على ما هو عليه من كبر السن وجلالة المقام.
لقد كان ابو طالب من اعظم حماة رسول الله (صلى الله عليه واله) في اوائل دعوته الناس الى الاسلام. وكان ناصره والمدافع عنه ايما دفاع. ويساند تلك الفكرة أدلة مهمة وردت في المصادر التأريخية:
(منها): ما ذكره محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته: «ان ابا طالب دعا بني عبد المطلب فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم امره فاتبعوه واعينوه ترشدوا». وما زالت قريش كافّة عنه (صلى الله عليه واله) حتى توفي ابو طالب (رضوان الله عليه).
و(منها): ما رواه ابن الاثير عن ابن عباس عندما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قام (صلى الله عليه واله) بدعوة عشيرته فكذبه ابو لهب مخاطباً القوم: لقد سحركم صاحبكم، فقال ابو طالب مستهيناً باستنكار ابي لهب مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه واله): «ما احبّ الينا معاونتك، واقبالنا لنصيحتك وأشدّ تصديقنا لحديثك. وهؤلاء بنو ابيك مجتمعون، وانما انا احدهم، غير اني أسرعهم الى ما تحبّ، فامضِ لما اُمرت به فوالله لا ازال احوطك وامنعك...».
و(منها): ما عاناه ابو طالب من حصار بني هاشم في الشعب. فعندما علمت قريش ان ابا طالب ابا خذلان رسول الله (صلى الله عليه واله) وتسليمه اليهم، مشوا اليه بعُمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي _ وكان اجمل فتىً في قريش _ فقالوا له: يا ابا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتىً في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، فاتخذه ولداً فهو لك، وأسلم لنا هذا ابن اخيك الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك لنتقتله، فانما هو رجل برجل. فقال ابو طالب: والله لبئس ما تسومونني! تعطوني ابنكم اغذوه لكم، واعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون ابداً.
وفي ضوء ذلك، قام ابو طالب بدعوة بني هاشم وبني عبد المطلب لحماية رسول الله (صلى الله عليه واله) بوجه فحول قريش، فاجتمعوا اليه وقاموا معه واجابوه الى ما دعاهم اليه من الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه واله)، الا ما كان من ابي لهب.
وطال البلاء على المسلمين والفتنة والعذاب، فحبسوا الضعفاء منهم وأوثقوهم بالقيد، وجعلوهم في حرّ الشمس على الصخر والصفا، وامتدّت ايام الشقاء عليهم ولم يصلوا الى محمد (صلى الله عليه واله) لوقوف ابي طالب الى جنبه. وعندها اجمعت قريش على كتابة صحيفة بينها وبين بني هاشم تعاقدوا فيها الا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم، وكانت تلك الصحيفة من ابشع العقود واغربها في تأريخ العرب. فكيف يوقّع المرء على عقد فيه أذاه وضرره ومعاناته؟ لكنه الاكراه والظلم الذي مارسته قريش ضد المسلمين. فكتبوا الصحيفة وعلّقوها في جوف الكعبة تأكيداً على انفسهم . وانحازت هاشم وعبد المطلب، فدخلوا كلهم مع ابي طالب في الشعب فاجتمعوا اليه، وخرج منهم ابو لهب الى قريش فظاهرها على قومه.
فضاق الامر ببني هاشم وعدموا القوت، الا ما كان يحمل اليهم سرّاً وخفية، وهو شيء قليل لا يمسك ارماقهم، وأخافتهم قريش مدّة ثلاث سنين، فلم يكن يظهر منهم احد، ولا يدخل اليهم احد. وكان ذلك اشد ما لقي رسول الله (صلى الله عليه واله) واهل بيته بمكة ، حتى مُزّقت الصحيفة وخرج بنو هاشم من حصار الشعب.
ولا شك ان معاناة ابي طالب لم تكن في محلّها لو لم يكن مؤمناً برسالة محمد (صلى الله عليه واله). والا، فكيف يصبر شيخ الاباطح مدة ثلاث سنين في الشعب وبطون اهله وعشيرته خاوية، يأكلون ما تنبت الارض من حشائش وما يصل اليهم مما لا يسدّ الرمق لولا ايمانه العميق برسالة ابن اخيه (صلى الله عليه واله)؟
وكانت دعوة ابي طالب ابنه علياً (عليه السلام) للايمان برسالة محمد (صلى الله عليه واله) والدفاع عنها ومؤازرتها حجة اخرى في هذا الطريق. فقد روى الخوارزمي مناشدة ابي طالب ابنه علياً (عليه السلام): «يا بُنيّ انصر ابن عمّك ووازره»، ومقتضى منطوق الرواية ان المعركة ضد الشرك تقتضي المناصرة والمؤازرة من قبل المؤمنين حتى يصلوا الى قلوب الناس، ويحركوها من اجل الايمان بالله سبحانه وبرسالته السماوية. وكان تأكيد ابي طالب على ذلك يعكس مقدار الفهم الذي كان يتمتع به نحو الدين الجديد. فكان يحثّ علياً (عليه السلام) قائلاً: «يا بُنيّ الزم ابن عمك، فانك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل...
ان الوثيقة في لزوم محمد فاشدد بصحبته على ايديكما»
ووجه الدلالة هنا ان مخاطبته علياً (عليه السلام) بـ «ابن عمك» اشعارٌ له (عليه السلام) بأنهما من شجرة واحدة وأصل واحد طيب طاهر. وقوله: تسلم به من كل بأس، هو السلامة الاخروية من سخط الله سبحانه وعذابه والسعادة الدنيوية عبرالايمان بالدين الجديد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|