أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-02-2015
1419
التاريخ: 13-11-2014
1706
التاريخ: 2023-11-06
1371
التاريخ: 25-11-2014
1553
|
الإسلام يجعل العامل المكوّن للاُمّة والذي يترتّب عليه التعامل والتعايش الخاصّ شيئاً آخر هو الوحدة في الإيمان ، فإنّ وحدة الناس في العقيدة والإيمان ( وهو أمر اختياريّ وله كلّ التأثير في الحياة الاجتماعيّة ) هي التي تصلح أن تكون أساس اجتماع الناس واتفاقهم بحيث يصحّ إطلاق وصف الاُمّة عليهم ... كما أنّ عدمها يوجب تفرّقهم وبطلان وصف الاُمّة في شأنهم.
إنّ لفظة الاُمّة تنطوي على وحدة الهدف الذي يقصد ، والغاية التي تؤم (1) ولا ريب أنّ وحدة الأيديولوجيّة والعقيدة هي التي تجعل الجماعة المعتنقة لتلك العقيدة ذات هدف واحد ، وغاية واحدة ومقصد واحد ... ولذلك فهي أجدر من غيرها ( من العناصر المذكورة لتكوّن الاُمّة ) على تكوين مفهوم الاُمّة ، وحقيقتها على الصعيد الخارجيّ .
وإلى هذا يشير القرآن ويرى أنّ الملاك الجامع بين أفراد المجتمع ، الصانع منهم اُمّة واحدة ليس هو إلاّ وحدة الإيمان بالله إذ قال :
أ ـ { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ( الحجرات : 10)
ب ـ { إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ( الأنبياء : 92)
ج ـ { وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } (2) ( المؤمنون : 52)
د ـ { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ } ( آل عمران : 110).
ه ـ { فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } ( التوبة : 11)
إنّ الناظر إلى هذه الآيات القرآنية الكريمة يلاحظ أنّ الله سبحانه جعل الاُمّة الإسلاميّة موضع خطابه بما هم مؤمنين وجعل ملاك الاخوة والاجتماع هو الإيمان ، ووحدة العقيدة. وقد صرّحت الأحاديث المرويّة عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بهذا الموضوع في أكثر من موضع ، حتّى أنّ الأمر قد أصبح من أوضح الواضحات فقد ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) أنّه قال : « أيُّها النّاس إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد ، كلّكم لآدم وآدم من تراب إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربيّ على أعجميّ فضل إلاّ بالتقوى » (3)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) أيضاً : « أيّها الناس أنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتفاخرها بآبائها ألا أنّكم من آدم وآدم من طين ، ألا أنّ خير عباد الله عبد اتّقاه.
أنّ العربيّة ليست بأب والد ، ولكنّها لسان ناطق ، فمن قصّر به عمله لم يبلغه حسبه » (4)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) في خطبة حجة الوداع : « اسمعوا قولي واعقلوه تعلمنّ أنّ كلّ مسلم أخ للمسلم ، وأنّ المسلمين إخوة » (5)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم): « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم » (6)
وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : « من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وآمن بنبيّنا وشهد شهادتنا دخل في ديننا وأجرينا عليه حكم القرآن وحدود الإسلام ليس لأحد فضل على أحد إلاّ بالتقوى.
ألا إنّ للمتقين عند الله أفضل الثواب وأحسن الجزاء والمثاب » (7)
وورد عن النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) قوله : « إنّما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم [ وتوادّهم ] بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر » (8)
وقال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) : « المسلم أخو المسلم وحقُّ المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ، ولا يكتسي ويعرى أخوه فما أعظم حقُّ المسلم على أخيه المسلم » (9)
وقال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : « المسلمون [ إخوة ] تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويردُّ عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم » (10)
ولم يقتصر الإسلام على اعتبار الإيمان ملاكاً للانخراط في سلك الاُمّة الإسلاميّة ، بل نفى كلّ ما سوى ذلك من العناصر التي ربّما يتمسّك بها الناس للتفريق بين جماعة واُخرى كاللون أو اللغة أو ما شابه ذلك.
وقد قام النبيّ الأكرم باتخاذ هذا الموقف عمليّاً في عدة قصص ؛ منها قصة جويبر فإنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقّة عليه فقال له : « يا جُويبر لو تزوجت امرأةً فعففت بها فرجك وأعانتك على دُنياك وآخرتك »
قال جويبر : ـ يا رسول بأبي أنت واُمّي من يرغب فيّ ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال فأيّة امرأة ترغب فيّ ؟
فقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً ، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها فالناس اليوم كلُّهم ، أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وإنّ آدم خلقه الله من طين وإنّ أحبّ النّاس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعهم له ، وأتقاهم وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع » ثمّ قال له : « انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة [ قبيلة من الأنصار ] حسباً فيهم فقل له : إنّي رسول رسول الله إليك وهو يقول لك : زوّج جويبراً ابنتك الذّلفاء ».
فانطلق جويبر برسالة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده ، فاستأذن فأعلم فاذن له فدخل وسلم عليه ثمّ قال : يا زياد بن لبيد انّي رسول رسول الله إليك في حاجة لي فأبوح بها أم أسرّها إليك ؟
فقال له زياد : بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر.
فقال له جويبر : إنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول لك : زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء.
فقال له زياد : أرسول الله أرسلك إليّ بهذا ؟
فقال له : نعم ما كنت لأكذب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
فقال له زياد : إنّا لا نزوّج فتياتنا إلاّ أكفّائنا من الأنصار ، فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فاخبره بعذري ، فانصرف جويبر وهو يقول : والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوّة محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها فأرسلت إلى أبيها : ادخل إليّ ، فدخل إليها ، فقال ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبراً ؟
فقال لها : ذكر لي أنّ رسول الله أرسله ، وقال : يقول لك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء.
فقالت له : والله ما كان جويبراً ليكذب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بحضرته فابعث الآن رسولاً يرّد عليك جويبراً.
فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً فقال له زياد : يا جويبر مرحباً بك اطمئنّ حتّى أعود إليك.
ثمّ انطق زياد إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال له بأبي أنت واُميّ إنّ جويبراً أتاني برسالتك وقال : إنّ رسول الله يقول لك : زوّج جويبراً ابنتك الذلفاء ، فلم ألن له بالقول ، ورأيت لقاءك ونحن لا نزوّج إلا أكفّاءنا من الأنصار.
فقال له رسول الله : « يا زياد ! جويبر مؤمن والمؤمن كفؤ للمؤمنة ، والمسلم كفؤ للمُسلمة فزوّجهُ يا زياد ولا ترغب عنهُ ».
فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته فقال لها ما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقالت له : إنّك عصيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكفرت فزوّج جويبراً.
فخرج زياد ، فأخذ بيد جويبر ثمّ أخرجه إلى قومه فزوّجه على سنّة الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وضمن صداقه (11)
وروي أنّه جاء قيس بن مطاطيه [ وهو رجل منافق ] إلى حلقة فيها سلمان الفارسيّ وصهيب الروميّ وبلال الحبشيّ فقال : هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا ؟
وهو يقصد بالرجل النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) ويقصد من مجموع كلامه أنّ الأوس والخزرج من قومه العرب ينصرونه لأنّه من قومه ... فما الذي يدعو الفارسيّ والروميّ والحبشيّ إلى أن ينصروه.
فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ بتلابيبه ثمّ أتى النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فأخبره بمقالته ، فقام النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) مغضباً يجرّ رداءه حتّى أتى المسجد ثمّ نودي : أنّ الصلاة جماعة وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا أيُّها النّاس إنّ الربّ واحد والأب واحد وإنّ الدين واحد ، وليست العربيّة لأحدكم بأب ، ولا اُمّ ، وإنّما هي اللسان ، فمن تكلّم بالعربيّ فهو عربيٌّ ».
فقام معاذ ، فقال فما تأمرني بهذا المنافق يا رسول الله ؟ قال : « دعهُ إلى النّار » فكان قيس ممّن ارتدّ في الرّدّة فقتل (12)
وقد خطب الإمام عليّ بن أبي طالب وقال : « أيُّها النّاس إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمةً ، وإنّ النّاس كلُّهم أحرار ولكنّ الله خوّل بعضكم بعضاً فمن كان له بلاء فصبر في الخير ، فلا يمنُّ به على الله عزّ وجلّ. ألا وقد حضر شيء ونحن مسّووُن فيه بين الأسود والأحمر ».
فقال مروان لطلحة والزبير : ما أراد بهذا غيركما.
قال الراوي فأعطى كلّ واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير ، وجاء ـ بعد ـ غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصار : يا أمير المؤمنين هذا غلام اعتقته بالأمس ، تجعلنا وايّاه سواء ؟ فقال : « إنّي نظرتُ في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً ، إنّي لا أرى في هذا الفيء فضيلةً لبني إسماعيل على غيرهم » (13)
وروي أنّ الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر فسلّم عليه ، ونزل عنده وحادثه طويلاً ، ثمّ عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له فقيل له : يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثمّ تسأله عن حوائجه وهو أحوج إليك فقال (عليه السلام) : « عبد من عبيد الله ، وأخ في كتاب الله ، وجار في بلاد الله يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم (عليه السلام) وأفضل الأديان الإسلام » (14)
هكذا نجد الإسلام على لسان نبيّه وأئمّته : يجعل الإيمان هو الرابطة الجامعة بين أفراد المسلمين والملاك الوحيد المكوّن للاُمّة الإسلاميّة دون سواه فيما ينفي كلّ ملاك آخر لكونه ملاكاً مزيّفاً وفرقاً غير فارق .
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : « لمّا ولي عليٌّ (عليه السلام) صعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
أمّا إنّي والله ما أرزأكم من فيئكم هذه درهماً ما قام بي عذق بيثرب فلتصدّقكم أنفسكم ، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ، قال : فقام إليه عقيل كرّم الله وجهه فقال : فتجعلني وأسود في المدينة سواء ، فقال : اجلس ما كان هاهنا أحد يتكلّم غيرك وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو تقوى » (15)
ولعل من الجدير هنا أنّ نورد ما ذكره العلاّمة الطباطبائيّ في هذا الصدد تحت عنوان : حدود الدولة الإسلاميّة هو الاعتقاد دون الحدود الطبيعيّة أو المصطنعة :
(لقد ألغى الإسلام فكرة الإنشعابات القوميّة ، ورفض أن يكون لها أثرها في تكوّن الاُمّة ، تلك الإنشعابات التي عاملها الأصليّ الحياة البدويّة والمعيشة القبائليّة العشائريّة أو اختلاف الوطن ... وهما أمران يجرّان ورائهما الاختلاف في الألسن والألوان ونشوء القبائل ، والشعوب ، ثم صارا سبباً لأن تحوز كلّ جماعة قطعة من الأرض وتخصّصها لنفسها ، وتسمّيها وطناً يألفونه ويذبّون عنه.
وهذا وإن كان أمراً ساقهم إليه الحوائج الطبيعيّة التي يدفعهم الفطرة إلى رفعها غير أنّ فيه خاصّية تنافي ما يستدعيه أصل الفطرة الإنسانيّة ، فإنّ الطبيعة تدعو ـ بالضرورة ـ إلى اجتماع القوى المتشتّتة وتألفها وتقوّيها بالتراكم والتوحيد لتنال ما تطلبه من غاياتها الصالحة بوجه أتمّ وأصلح.
والانشعابات بحسب الأوطان ( أو الألوان أو اللغات ) تسوق الاُمّة إلى توحّد في مجتمعهم يفصله عن المجتمعات الاُخرى ذات الأوطان الاُخرى فتصير جماعة واحدة منفصلة الجسم والروح عن المجتمعات الاُخرى ، فتنعزل الإنسانيّة عن التوحيد المطلوب والتجمّع المنشود وتصاب بالتفرّق والتشتّت الذي كانت تفرّ منه ، كما ويترتّب على ذلك أن يعامل هذا الجزء البشريّ بقية الأجزاء البشريّة الاُخرى كما يعامل الإنسان سائر الأشياء الكونيّة ، أي على أساس الاستثمار والاستخدام لا على أساس التعاون والتعايش والمعاشرة الإسلاميّة المطلوبة.
وهذا هو السبب في إلغاء الإسلام للإنشعابات القوميّة والتميّزات الأرضيّة وبناء الاجتماع على العقيدة دون الجنسيّة والقوميّة والوطن ونحو ذلك ، حتّى في مثل الزوجية والقرابة في الاستمتاع والميراث فإنّ المدار فيهما على الاشتراك في العقيدة لا في المنزل والوطن مثلاً ) (16)
إنّ رابطة الإيمان لا تجمع الأفراد الحاضرين الأحياء فقط ، وتشكّل منهم اُمّة واحدة متعاطفة متحابّة ، بل تجعل المؤمن يشعر بالاخوّة والعلاقة والرابطة حتّى بالنسبة إلى كلّ الذين سبقوه ، وتطهّر قلبه من أيّة ضغينة أو غلّ تجاههم كما يقول القرآن. { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ( الحشر : 10)
إنّ البحث حول الإشكالات الواردة على العناصر المكوّنة للاُمّة في نظر الحقوقيّين موكول إلى موضع آخر ، ونحن هنا نكتفي ببيان العنصر المعقول الصحيح الذي يبني عليه الإسلام مفهوم الاُمّة ويحقّق وجودها الخارجيّ الحقيقيّ وهو رابطة الإيمان ، ووحدة العقيدة.
إنّ الإيمان هو الملاك الطبيعيّ لتكوّن الاُمّة في نظر الإسلام ، فهو الذي تترتّب عليه الحقوق ، وتبتني عليه علاقات الفرد المؤمن مع الفرد الآخر في الاُمّة الإسلاميّة ، وعلاقات الاُمّة مع غيرها من الطوائف والاُمم الاُخرى.
إنّ التجارب التاريخيّة المسلّمة ، والوقائع المحسوسة أثبتت أنّ رابطة الإيمان أقدر من غيرها على تجميع الأفراد وتكوين الاُمّة الواحدة منهم ، وتوجيههم وجهة واحدة ودفعهم إلى حماية أنفسهم وكيانهم وبثّ روح التعاطف والتراحم والتواصل بينهم ، وإخراجهم اُمّة واحدة متماسكة بينما أثبتت التجارب والوقائع فشل الملاكات والعناصر التي ذكرها الحقوقيّون ، لتكوين مفهوم الاُمّة فضلاً عن تحقيق حقيقتها ووجودها على الصعيد الخارجيّ ، لأنّها عجزت عن إيجاد أيّة وحدة حقيقيّة وأيّ تعاطف حقيقيّ وأيّ تلاحم وتراحم ، وتعاون وتعايش ووئام وانسجام بين الأفراد.
إنّ التجربة الماضية والحاضرة برهنت على عجز ( العامل القومي ) المرتكز على وحدة الأرض أو الدم أو اللغة ، أو التاريخ ، عن إثارة همم الأشخاص وعزائمهم ، ودفعهم إلى أن يفكروا معاً في مسيرهم ومصيرهم ويتعاونوا فيما بينهم كما يتعاون أعضاء العائلة الواحدة ، بينما برهنت التجربة قديماً وحديثاً على أنّ الرابطة العقيديّة في الإسلام كانت سبباً للتضحيات الجسيمة وتغاضي الأفراد عن مصالحهم بل وحياتهم في سبيل إسعاد الجماعة.
وهذا كلّه يدلّ على أنّ الملاك الوحيد القادر على صنع الاُمّة وتكوينها بحقيقتها وجوهرها هو الإيمان ووحدة العقيدة دون سواه ، بل وإنّ الأدلّة والوثائق الموجودة تدلّ على أنّ « القوميّة » كانت إحدى الأسلحة والوسائل الاستعماريّة لتفتيت وحدة الاُمّة الإسلاميّة وشقّ عصا المسلمين حيث فرّقوا الاُمّة الواحدة إلى قوميّة عربيّة وتركيّة وفارسيّة وكرديّة ، في حين كان العدو الإسرائيليّ يجمع أبناءه وأعضاءه تحت لواء الدين دون أن يفرّق بينهم بالنعرات القوميّة والدعوات الجنسيّة فجمع من أنحاء العالم كلّ من انتمى إلى الدين اليهوديّ دون النظر إلى اختلاف أجناسهم وألوانهم وشكّل بذلك قوّة كبيرة عبّأها ضد العرب ، بينما راح العرب يطرحون القضيّة من وجهة قوميّة فابعدوا المسلمين عن أنفسهم وخسروا بذلك قوّة عظمى في الحرب والمواجهة مع إسرائيل.
هذا بالإضافة إلى أنّ القوميّة أخّرت الاُمّة الإسلاميّة في كلّ المجالات لأنّها قتلت الكفاءات وأهدرت الطاقات في نزاعات جانبيّة وتخلّفت بذلك عن التقدم والرقيّ واللحاق بركب الحضارة (17)
______________________________
(1) خصوصاً إذا جعلنا الاُمّة مأخوذة من أمّ بمعنى قصد.
(2) من الجدير بالذكر أنّ الآية 92 من سورة الأنبياء خطاب للمسلمين ، بينما الآية 52 من سورة المؤمنون خطاب للرسل واُممهم ممّا يعني أنّ الملاك الإسلاميّ القرآنيّ المعتبر لتكوّن الاُمّة هو الإيمان ووحدة العقيدة ، لم يكن بالنسبة للاُمّة الإسلاميّة فقط بل كان بالنسبة لاُمم الرسل السابقين على النبيّ الأكرم والاُمّة الإسلاميّة أيضاً وإليك الآية :
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }
(3) تحف العقول : 30 من خطبة الوداع.
(4) الكافي 8 : 246 ، ومشكاة الأنوار للطبرسيّ : 59.
(5) الأموال : 268.
(6) السيرة النبويّة لابن هشام 4 : 604.
(7) بحار الأنوار 15 : 182 ونقل أيضاً هكذا :
قال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) : « إنّ الله تعالى جعل الإسلام دينه وجعل كلمة الإخلاص حسنا له فمن استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا ، وأحلّ ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا » نوادر الراونديّ : 21 ، وبحار الأنوار 68 : 288 ، وراجع الخراج لأبي يوسف : 141.
(8) سفينة البحار 1 : مادة أخ ، ونقله أيضاً البخاريّ ومسلم حيث نقلاه بصيغة مماثلة : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى » راجع التاج 5 : 17 ورواه أحمد بن حنبل في 4 : 7.
(9) سفينة البحار 1 : مادة أخ.
(10) المجازات النبويّة للشريف الرضيّ : 17 ، وأخرجه أبو داود وابن ماجة مع فارق بسيط جداً ووسائل الشيعة 19 : 55.
(11) الكافي 5 : 340 ـ 342 والقصة مفصّلة وجديرة بالمطالعة.
(12) تفسير المنار لمحمّد رشيد رضا 11 : 258 ـ 259.
(13) الكافي 8 : 69.
(14) تحف العقول : 305 ( طبعة بيروت ) و : 413 ( طبعة طهران)
(15) وسائل الشيعة 11 : كتاب الجهاد ( باب 39 ) نقلاً عن الكافي.
(16) تفسير الميزان 4 : 200 بتصرّف بسيط.
(17) راجع كتاب حركات ومذاهب في ميزان الإسلام.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مكتب المرجع الديني الأعلى يعزّي باستشهاد عددٍ من المؤمنين في باكستان
|
|
|