أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
1580
التاريخ: 22-04-2015
1568
التاريخ: 22-04-2015
3590
التاريخ: 27-08-2015
1833
|
يرى علماء التربية والنفس للابتداء في تربية النشء مبدءاً معيّنا في عمر الإنسان ، يعتقدون أنّه الوقت المناسب للتهذيب والتربية ... بيد أنّ الإسلام لا يرى ذلك بل يعتقد أنّ العناية بأمر الطفل يجب أن تبدأ منذ اللقاء الأوّل بين والديه ، ومنذ انعقاد نطفته بل وقبل ذلك. لأنّ الإسلام يرى أنّ أكثر ما ينطوي عليه الأبوان من أخلاق وصفات تنتقل ـ بالوراثة ـ إلى أبنائهم ، وتؤثّر على شخصيّتهم ، ومسيرهم ومصيرهم ، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلميّة بالكناية البليغة ، والاشارة الحسيّة اللطيفة حيث قال : { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} ( الأعراف : 58).
إنّ الله سبحانه لم يكن يريد أن يقرّر للناس ما هم عارفونه ، ومطّلعون عليه من ظواهر الطبيعة من أنّ الأرض الطيبة يكون نباتها طيباً ، والخبيثة لا يُخرج منها إلاّ النكد ، بل كان يريد الإشارة إلى الدور الحسّاس الذي يلعبه عامل الوراثة وأخلاق الأبوين في المولود. وإلى ذلك يشير شيخ الأنبياء نوح (عليه السلام) حيث يدعو الله سبحانه أن لا يبقي من قومه الكفرة أحداً في الأرض لأنّهم إن بقوا لا يلدوا إلاّ فاجراً كفّاراً إذ قال الله عنه : {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} ( نوح : 26 ـ 27).
وهي تكشف عن أنّ صلاح الوالدين يهيّء الأرضيّة لصلاح الولد كما أنّ فسادهما يهيّء الأرضيّة لفساده وانحرافه. كما قال الإمام عليّ (عليه السلام) : « حُسنُ الأخلاق بُرهانُ كرم الأعراق » (1) .
وإلى هذا الناموس الطبيعيّ ( الوراثة ) أشارت جملة كبيرة من الأحاديث ، والمناهي الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته المعصومين.
فقد نهى الإسلام عن التزوّج بالمرأة الحمقاء تجنّباً لمساوئ هذا الزواج إذ قال النبيّ الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) : « إيّاكُم وتزويج الحمقاء فإنّ صُحبتها بلاء ، وولدُها ضياع » (2) .
كما نهى (صلى الله عليه واله وسلم) عن تزويج الفاسق : « من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه » (3)
ولتأثير الوراثة على الشخصيّة الإنسانيّة نرى أنّ الإمام عليّ (عليه السلام) يأمر عامله الأشتر في عهده بالاتّصال بذوي المروءات وأصحاب الأحساب الكريمة حيث يقول : « ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسّوابق الحسنة ثمّ أهل النجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة فإنّهُم جماع من الكرم وشعب من العُرف » (4) .
وذلك لما في هذه الناحية من الأثر الطيّب على فكر الإنسان وسلوكه وشخصيّته ونفسيّته.
ونهى عن تزويج الزانية والزاني إذ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا تزوّجوا المرأة المستعلنة بالزّنا ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزّنا إلاّ أن تعرفوا منهما التّوبة » (5) .
ثمّ أشار الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية اُخرى إلى تأثير الزنا في نفسيّة الطفل المتولّد من الزنا بقوله : « ثانيهما : أنّه يحنّ إلى الحرام الّذي خُلق منهُ ، وثالثُها : الاستخفافُ بالدّين ... » (6) .
ولعلّه يكون لولد الزنا هذه الحال لأنّ والديه حينما يقومان بالزنا ، يشعران بأنّهما ينقضان القانون ، وهي صفة تنتقل إلى وليدهما ـ بالوراثة ـ فيكون الولد المتولّد منهما مهيّئاً لنقض القانون ، ويسهل ذلك عنده.
ولهذا حثّ الإسلام حثّاً شديداً على اختيار الزوجة الصالحة فقال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) : « تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس » (7) .
وقال : « إيّاكم وخضراء الدّمن »
قيل : وما خضراء الدمن ؟
قال : « المرأة الحسناء في منبت سوء » (8)
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « طوبى لمن كانت اُمّه عفيفةً » (9)
وقال الحسين بن بشّار الواسطي كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّ لي قرابة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء قال : « لا تزوّجه إن كان سيّء الخلق » (10)
وأنت إذا تصفّحت الأحاديث المرويّة في هذا المجال لوجدت أنّ الإسلام اعتبر صلاح الوالدين اللبنة الاُولى في صلاح الولد واستقامته. وقد صار هذا القانون معروفاً بين الناس حتّى عاد شاعرهم يقول :
ينشأ الصغير على ما كان والده إنّ الاُصول عليها تنبت الشجر
ولابدّ من القول بأنّ ما ذكر حول عامل الوراثة ، وأثره في تكوين شخصيّة الطفل ؛ لا يعني أنّ ما يرتسم في شخصيّة الطفل من أبويه ـ بالوراثة ـ لا يتغيّر ولا يخضع للتبدّل والتحوّل بحيث لا يمكن أن تؤثّر فيه عوامل اُخرى تقضي على ما ورثه من كريم السجايا وشريف الأخلاق أو سيّئها ، بل يعني أنّ الوراثة ، وصلاح الأبوين يعتبر عاملاً مقتضياً لصلاح الطفل وأرضيّة مناسبة لتنشئته نشأة صالحة مستقيمة ، ما لم يمنع مانع ، ولم يطرأ طارئ ، كما حدث لولد نوح وغيره ، وكذا العكس.
وهكذا يكون عامل الوراثة وصلاح الوالدين أوّل مدرسة للتربية السليمة ، وتكوين الشخصيّة الصالحة. نعم إنّ صلاح الوالدين من حيث الصفات الذاتيّة وحده لا يكفي في نشأة الولد نشأة صالحة ، بل يفرض الإسلام على الأبوين أن يتعاهدا ولدهما بالتربية العمليّة ، والأدب السليم فقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشرّه وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب ، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه » (11)
وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : « الرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم » (12)
وقال الإمام عليّ (عليه السلام) : « خير ما ورّث الآباء الأبناء الأدب » (13)
وحيث أنّ الكتب الأخلاقيّة الإسلاميّة قد تكفّلت بالبحث المفصّل والعميق في وظيفة الوالدين ، فقد طوينا الكلام عنها في هذا الباب خاصّة ، وفي مجالات التربية عامّة.
وفي الحقيقة يكون ما ذكرناه هنا دراسة عابرة للإشارة إلى وجود منهج التربية في الحكومة الإسلاميّة ، والتفصيل موكول إلى الكتب المعدّة لذلك ، ويكفي لمعرفة أهميّة التزكية والتهذيب ، ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) : « أحبّ إخواني من أهدى إليّ عيوبي » (14).
________________
(1) غرر الحكم : 379.
(2) وسائل الشيعة 14 : 56.
(3) الكافي 1 : 54.
(4) نهج البلاغة : قسم الكتب ( الكتاب 53).
(5) مكارم الأخلاق : 104.
(6) سفينة البحار 1 : 560.
ومن أراد الوقوف على بقيّة الروايات في هذا الباب وتأثير الوراثة على الطفل فليرجع إلى الجزء الرابع عشر من الوسائل من الصفحة 47 إلى الصفحة 57.
(7) غرر الحكم : 379.
(8) المحجّة البيضاء 2 : 52 ، بحار الأنوار 22 : 54.
(9) بحار الأنوار 23 : 79.
(10) وسائل الشيعة 14 : 54.
(11) وسائل الشيعة 3 : 135 ، ورسالة الحقوق في آخر كتاب مكارم الأخلاق.
(12) مجموعة ورّام 1 : 6.
(13) غرر الحكم : 393.
(14) تحف العقول : 366.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|