أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2014
1366
التاريخ: 15-02-2015
1567
التاريخ: 12-02-2015
1534
التاريخ: 2024-11-02
81
|
المقصود من هذا الشرط هو أن يكون ذا ولادة طيّبة ، فلا يحق لغيره أن يتصدّى لقيادة الاُمّة الإسلاميّة أو يُرشح لها من قبل الآخرين. وللدين في هذا الشرط عدة أهداف ؛ منها أن يسدّ سبيل الزنا والبغاء بأن يعرف الزاني بأنّه سيتحمّل ضياعاً أبدياً يورثه أولاده ، وأفلاذ أكباده ، فلعلّه يرتدع عن هذه المعصية الكبيرة ، هذا مضافاً إلى أنّ الدين يستقبح الزنا ويكرهه فلو جوز ارتفاع ( نتاج ) الزنا إلى مستوى القيادة ، فلازم ذلك استهانة الاُمّة باُحدى حسنيين : إمّا بالأخلاق الإسلاميّة التي أبرزها تجنّب الزنا ، أو بطاعة الرئيس ، إذ من الواضح أنّ الرئيس الواطئ في نظر الناس لن يحظى باحترامهم ، وطاعتهم كالذي يحظى به الرئيس الشريف.
إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حالة عاصفة من الشهوات الرخيصة ، فتنعكس آثارها السيّئة على نفسيّته وفقاً لسُنّة التأثير ، فيتولّد ابن الزنا بنفسيّة ميالة إلى الشهوات صارخة الأهواء ، وحالة من الانفلات الخلقي التي تنمو معه نمواً خطيراً فيصبح مُلتاث الضمير ، محجوب العقل لا يوقفه دون شهوته ضمير أو عقل أو دين.
وبعبارة اُخرى : إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حال يحسّ والده أو اُمّه أو كلاهما بأنّهما ينقضان القانون ، ويكسران عهداً من عهود الله ، وهو احساس ينتقل عن طريق النطفة إلى الوليد طبقاً لقانون التوارث الطبيعيّ ، فيخرج الطفل المولود من الزنا حاملاً لفكرة نقض العهد واختراق القانون ... أو يكون أقرب من غيره إلى هذه الحالة على الأقلّ ... وإلى هذا أشار حديث منقول عن الإمام الحسن بن عليّ المجتبى في هذا الصدد : « إنَّ الرجل إذا أتى أهلهُ بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مُضطرب استكنت تلك النطفة في الرَّحم فخرج الرَّجل يشبهُ أباه واُمَّهُ » (1).
وهذا الحديث يشير إلى أنّ صفات الوالد أو الاُم تنتقل إلى الطفل بصورة قهريّة وراثيّة إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرّ.
فكيف لا تنعكس الحالة النفسيّة المضطربة للزاني والزانية في الطفل ولا تورث في خلقته اعوجاجاً ـ ولو قليلاً ـ يؤهّله للانحراف الأشدّ.
وكيف يمكن أعطاء زمام الحكم والقيادة وهو أعظم مقام وأخطر منصب في حياة الاُمّة الإسلاميّة بيده وهو لا يؤمن عليه من الانحراف والشذوذ.
ولهذا يقول الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) عن ولد الزنا : « إنّه يحنّ إلى الحرام والاستخفاف بالدين وسوء المحضر » (2)
وهو أمر تثبته التحقيقات الاجتماعيّة ، والوقائع العلميّة.
فإذا كان هذا هو شأن ولد الزنا لم يصلح إذن للقيادة ولم يكن فيه خير كما قال الإمام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) : « لا خير في ولد الزنا ولا في بشرته ولا في شعره ولا في لحمه ، ولا في دمه ولا في شيء منه » (3).
وربمّا يحتمل في الحاكم الإسلاميّ شرائط ومؤهّلات اُخرى لم نجد لها دليلاً فأكتفينا بما ذكرناه لك.
أمّا العقل والبلوغ ، فلم نذكرهما بصورة مستقلة لدخولهما تحت العناوين والصفات السابقة قهراً ، كما هما من الاُمور التي لا يختلف فيهما اثنان.
ثم إنّ النصوص الإسلاميّة دلّت على أنّ الحاكم الإسلاميّ يجب أنّ يكون متحلّياً بالأخلاق الإنسانيّة العالية مضافاً إلى توفّر الصفات المذكورة سابقاً فيه ، فلا يكون مثلاً حريصاً على الملك متعطشاً إلى الرئاسة ، لأنّ ذلك يدلّ في الأغلب على رغبة في الاستئثار والتسلّط الذي ـ يسوّغ للحاكم ـ بدوره ـ أن يفعل كلّ شيء لتثبيت سلطته وتبرير استئثاره.
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « إنَّا والله لا نولّي هذا العمل أحداً سألهُ ، أو أحداً حرص عليه » (4)
وعندما طلب عبد الله بن عباس من الإمام عليّ (عليه السلام) أن يفوّض إمارة البصرة والكوفة إلى طلحة والزبير اللذين كانا يطلبان الرئاسة والحكومة ، حتّى يحسم بذلك مادة الفساد ، فأجابه (عليه السلام) بقوله : « ويحك إنّ العراقين بهما الرِّجالُ والأموالُ ، ومتى تملكا رقاب النَّاس يستميلا السفينة بالطَّمع ، ويضربا الضَّعيف بالبلاء ، ويقويا على القوي بالسلطان ، ولو كنت مستعملاً أحداً ـ لضرّه أو نفعه ـ لاستعملتُ مُعاوية على الشام.
ولولا ما ظهر لي من حُرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي » (5)
إلى غير ذلك من الأخلاق التي تتطلّبها الولاية.
كما ينبغي أنْ يكون بعيداً في حكمه عن أساليب الطغاة والجبارين ، فلا يتخذ حاجباً مثلاً.
فعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنّه قال : « ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلاّ أغلق الله أبواب السماء دونَّ خلّته ، وحاجته ومسكنته » (6)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « من ولاّه الله شيئاً من اُمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلّته وفقره يوم القيامة » (7)
وهناك كلام مماثل للإمام عليّ(عليه السلام) في عهده المعروف لمالك الأشتر إذ كتب فيه : « وأمّا بعدُ فلا يطولنَّ احتجابك عن رعيتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيَّة شُعبة من الضيق ، وقلّة علم بالاُمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغَّر عندكم الكبير ويعظِّم الصغير ويقبّح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحقّ بالباطل ، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به عن الاُمور ، وليست على الحقِّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب » (8)
وقال (عليه السلام) أيضاً : « أيّما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله يوم القيامة عن حوائجه وإنّ أخذ هديّة كان غلولاً وإن أخذ لها رشوةً فهو مشرك » (9)
وينبغي أن يكون الحاكم الإسلاميّ أميناً على أموال الاُمّة وناصحاً لهم في حكمه.
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة » (10)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « ما من عبد يسترعيه الله رعيَّةً يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيَّته إلاّ حرّم الله عليه الجنَّة » (11)
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « ما من أمير يلي اُمور المسلمين ثمَّ لا يجهدُ لهم وينصحُ لهم إلاّ لم يدخله معهم الجنَّة » (12)
وأنْ يكون عطوفاً مع الضعفاء والأيتام. فقد جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عسل وتين من همدان وحلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها ، وهو يُقسّمها للناس قدحاً ، قدحاً ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟ فقال : « إنّ الإمام أبو اليتامى ، وإنّما لعَّقتُهم هذا برعاية الآباء » (13)
بل وتبلغ عطوفة الحاكم الإسلاميّ وتتسع وظيفته إلى درجة يجب عليه أداء دين من مات ولم يترك شيئاً ... قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك » (14)
وعن أمير المؤمنين في مواساة الحاكم للضعفاء : « إنّ الله جعلني إماماً لخلقه ففرض عليَّ التَّقدير في نفسي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقيرُ بفقري ولا يطغي الغنيّ غناهُ » (15).
ولمّا لبس عاصم بن زياد العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع (16) بن زياد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قد غمَّ أهله وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « عليَّ بعاصم بن زياد » ، فجيء به فلما رآه عبس في وجهه ، فقال له : « أمّا استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكرهُ أخذك منها ، أنت أهون على الله من ذلك ، أوليس الله يقول : { وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ } ( الرحمن : 10 ـ 11 ) ، أو ليس الله يقولُ : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * [ إلى قوله ] يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} ( الرحمن : 19 ـ 22 ) ، فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من أبتذالها بالمقال ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } ( الضحى : 11)
فقال عاصم : يا أمير المؤمنين فعلى مَ اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة ؟ فقال : « ويحك إنّ الله عزَّ وجلَّ فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة النَّاس ، كيلا يتبيَّغ بالفقير فقره ».
فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء (17) .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في التعريف بالإمام : « يحقن الله به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلمَّ به الشَّعث ويشعب به الصَّدع ، ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف » (18)
وفي العهد الذي كتبه المأمون للرضا (عليه السلام) : ( وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلايقه في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنَّة نبيّه (عليه السلام) في مدَّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يولّيه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علماً لهم ومفزعاً في جمع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن الله من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم ) (19)
وإنّما استشهدنا بكلامه هذا لأنّ الظاهر أنّ هذه الكلمات كانت موضع القبول من الإمام (عليه السلام) وقد نقل الأربليّ كلاماً في هذا المقام فراجعه.
________________________
(1) بحار الأنوار 14 : 379 ( الطبعة القديمة)
(2) سفينة البحار : 560.
(3) إنّ ما ذكرناه من حالة ولد الزنا إنّما هو من باب وجود الاستعداد الأكثر ، والأرضيّة المناسبة للانحراف والشذوذ وبالتالي بيان وجود المقتضي للفساد في الطفل المولود من الزنا ، ولذلك لو شبَّ وكبر كان بإمكانه كأيّ إنسان آخر مختار ، أن يحرز نفسه من آثار هذه الحالة ، ويطهّرها من الشوائب العالقة بطبيعته ، فلا يوجب ما ذكرنا فيه من الحالة الناشئة من الزنا جبراً ... وتفصيل البحث موكول إلى محلّه ، وبالتالي إنّ المتولّد من الزنا كالمتولّد من الأبوين المسلولين يكون أكثر استعداداً وقابليةً من غيره للتعرّض إلى السل ولكنّه في إمكانه أن يراجع الطبيب ويقوم بإعمال وقائيّة تمنع من نمو ذلك الاستعداد ، وتمنعه من الابتلاء بداء والديه.
وبعبارة اُخرى : إنّ خبث الولادة بمنزلة المقتضي لانحراف الطفل أيام شبابه وكبره وليست علّةً تامّةً له.
(4) صحيح مسلم ج 5 كتاب الإمارة ، الحديث 14.
(5) الإمامة والسياسة 1 : 40.
(6) جامع الاُصول 4 : 52 أخرجه الترمذيّ.
(7) جامع الاُصول 4 : 52 أخرجه أبو داود.
(8) نهج البلاغة : قسم الرسائل ( الرقم 53)
(9) ثواب الأعمال : 310.
(10) صحيح مسلم : 55 كما في جامع الاُصول الجزء (4)
(11) جامع الاُصول 4 : 53 نقلاً عن البخاريّ ومسلم.
(12) جامع الاُصول 4 : 53 أخرجه مسلم.
(13-15) الكافي 1 : 406 ، 407 ، 339.
(16) وفي نهج البلاغة ، علاء بن زياد.
(17) الكافي 1 : 410 ـ 411 ، ونهج البلاغة : الخطبة (204).
(18) الكافي 1 : 314.
(19) كشف الغمّة ، لعليّ بن عيسى الأربليّ : 124 ، وبحار الأنوار : 12 في العهد الرضويّ.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|