أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2019
3543
التاريخ: 25-5-2019
16178
التاريخ: 26-10-2019
1630
التاريخ: 11-1-2019
5565
|
البحث الثالث
النقــد
تمهيد :
عند دراستنا لتطور أشكال القيمة التبادلية وجدنا أن النقد أصبح في النهاية هو المعادل العام لجميع قيم السلع الأخرى وأصبح بذلك الشكل السائد في معظم المجتمعات وفي علاقة التبادل في السوق تظهر السلعة في طرف والنقد في طرف آخر ، أي أن السلعة والنقد هما قطبا العلاقات التبادلية والتي تظهر على شكل نظام من العلاقات السلعية النقدية .
وقد بحثنا في الفصول والأبحاث السابقة موضوع السلعة ، ومن الضروري الإلمام أيضاً بموضوع النقد . لأنه لا يمكن الإحاطة بالاقتصاد السلعي الرأسمالي دون معرفة جوهر السلعة وماهية النقد .
وحتى يمكن تعرف النقد فلا بد من تحليل الوظائف الخاصة التي يقوم بها في عملية التداول في السوق .
1-وظائف النقد :
أ- الوظيفة الأولى ـ مقياس القيمة ومعيار السعر :
إن الوظيفة الأولى التي يؤديها النقد هي وظيفة مقياس القيمة ومعيار السعر .
فعندما نقول أن قيمة أو سعر السلعة يعادل كذا من الوحدات النقدية ( الليرة مثلاً ) فإننا نقيس هذه القيمة وهذا السعر بالنقد .
ولكن حتى يستطيع النقد القيام بهذه الوظيفة يجب أن يحمل هو أيضاً قيمة ، لأنه لا يمكن قياس أشياء ذات قيمة بواسطة شيء آخر لا يحمل أي قيمة . فإذا ما تم قياس قيمة السلع بالذهب فإن الذهب بحد ذاته يمثل قيمة وهكذا يصبح بالإمكان مقارنة قيم جميع السلع بمقياس نوعي واحد ، وإن وجود هذا المقياس النوعي يجعل بالإمكان قياس ومقارنة السلع بعضها ببعض من الناحية الكمية . كان نقول أن سلعة ما تساوي ثلاثة غرامات من الذهب وسلعة أخرى تساوي ستة غرامات من الذهب ، فكل من السلعتين تقاس بمقياس نوعي واحد هو الذهب والاختلاف هو فقط من زاوية النوعية لأن قيمة السلعة الثانية تساوي ضعف قيمة السلعة الأولى(1).
وإذا اتخذ النقد شكل الذهب وأمكن بواسطته قياس قيم السلع الأخرى فإن قيمة الذهب تقاس بنفس الوقت بواسطة القيم التي تمثلها السلع الأخرى وذلك حين يتم التناسب بين الذهب وغيره من السلع إلا أنه يلاحظ أن قيمة السلعة تتغير باستمرار نتيجة تغير إنتاجية العمل ، وكذلك فإن قيمة الذهب لا تبقى ثابتة لأن قيمة الذهب باعتباره سلعة ترتبط أيضاً بتغير إنتاجية الذهب وإذا كان السعر هو التعبير النقدي من القيمة ( مثلاً أن سعر السلعة كذا غرام من الذهب ) فإن السعر يرتبط من ناحية بقيمة السلعة ومن ناحية أخرى بقيمة الذهب إذا كان الذهب هو المعادل النقدي العام لقيم جميع السلع الأخرى . ويمكننا أن نبين العلاقة بين قيمة السلعة وقيمة الذهب من جهة والسعر من جهة أخرى بالحالات التالية :
|
قيمة السلعة |
قيمة الذهب |
السعـــــر |
الحالة الأولى |
ارتفاع |
ثابت |
ارتفاع |
الحالة الثانية |
انخفاض |
ثابت |
انخفاض |
الحالة الرابعة |
ثابت |
انخفاض |
ارتفاع |
وهكذا يتغير السعر بصورة طردية مع تغير قيمة السلعة وبصورة عكسية مع تغير قيمة الذهب . فإذا كانت قيمة السلعة مرتبطة بكمية العمل فإن ارتفاع كمية العمل تؤدي إلى زيادة القيمة وبالتالي السعر والعكس صحيح عندما تنخفض كمية العمل المبذولة في إنتاج السلعة لأن ذلك يؤدي إلى انخفاض سعر السلعة إلا أن تغير السعر لا يتوقف فقط على تغير قيمة السلعة وإنما أيضاً على تغير قيمة الذهب مثلاً إن :
20 كغ حبوب = 6 غرامات ذهب
فإذا بقيت قيمة الحبوب ثابتة بينما تضاعفت إنتاجية الذهب بحيث ينتج في الساعة اثنا عشر غراماً من الذهب بدلاً من ستة غرامات فإن قيمة الذهب تنخفض إلى النصف أي من عشر دقائق بالنسبة للغرام الواحد إلى خمس دقائق فقط ، وفي هذه الحالة فإن معادلة التبادل السابقة تتغير لتصبح :
20 كيلو غرام حبوب = 12 غرام ذهب
وهكذا فإن انخفاض قيمة الذهب نتيجة زيادة إنتاجيته إلى الضعف يؤدي إلى زيادة سعر الحبوب ، أما إذا زادت قيمة الذهب إلى الضعف نتيجة تناقص الإنتاجية في إنتاجه إلى النصف وأصبح إنتاج الساعة الواحدة ثلاثة غرامات بدلاً من ستة غرامات فإن قيمة عشرين كيلو غراماً حبوب ستعادل قيمة ثلاثة غرامات ذهب فقط ، وهكذا نرى بأن زيادة قيمة الذهب من عشر دقائق بالنسبة للغرام الواحد إلى عشرين دقيقة يؤدي إلى انخفاض سعر الحبوب من ستة غرامات ذهب إلى ثلاثة غرامات فقط. وفي القرن السابع عشر أدى اكتشاف الذهب في العالم الجديد إلى تزايد إنتاجيته وانخفاض قيمته من ناحية وإلى ارتفاع أسعار السلع من ناحية أخرى .
وحتى يقوم النقد بوظيفته الأولى في قياس القيمة فهناك ضرورة لتثبيت الوحدات النقدية التي تستخدم كمعيار الأسعار المختلفة . وهذه الوحدات النقدية تمثل عادة كمية محددة من النقد المعدني الثمين ( الذهب ؛ مثلاً ) ، وهذه الكمية تختلف من بلد إلى آخر فعلى سبيل المثال كان الروبل في روسيا عام 1897 يمثل كمية من الذهب تساوي 0.774 غ وكان الدولار الأميركي إلى وقت قريب يمثل 0.888 غرام من الذهب وذلك طبقاً لقيمته الاسمية المثبتة بموجب القانون .
ب ـ الوظيفة الثانية ـ النقد وسيلة للتداول :
وفي هذه الحالة يمارس النقد وظيفته الثانية كوسيلة للتداول وحتى يمكن فهم هذه الوظيفة من المفيد إجراء المقارنة بين شكل التبادل البسيط المباشر ( المقايضة ) أي :
ســــلعة – ســـــــلعة
وبين الشكل النقدي عندما أصبح النقد المعادل العام لجميع قيم السلع الأخرى بحيث أصبحت صورة التبادل السلعي النقدي على الشكل التالي :
ســـــــلعة - نقـــــد - ســــلعة
ففي الحالة الأولى يتم تبادل سلعة مقابل سلعة ، بينما يظهر النقد في الحالة الثانية كوسيلة للتداول ، حيث تباع السلعة مقابل النقد ويتم شراء سلعة أخرى بواسطة النقد أيضاً .
وفي حالة التبادل البسيط المباشر ( المقايضة ) تبدو عمليتا البيع والشراء عملية واحدة ويكون البائع هو المشتري في الوقت نفسه . أما في الحالة الثانية فإنه يوجد مرحلتان متمايزتان : في المرحلة الأولى يتم بيع السلعة بالنقد ، وفي المرحلة الثانية يتم شراء سلعة أخرى بالنقد ، أي أن هناك انفصال زماني ومكاني بين عمليتي البيع والشراء أي بإمكان المرء أن يبيع السلعة بالنقد ويشتري سلعة أخرى في مكان آخر وزمان آخر .
وبواسطة النقد إذن يستطيع المرء أن يشتري أية سلعة يريدها وفي أي مكان وزمان يختاره بينما يبقى التبادل في الحالة الأولى محصوراً بين سلعتين فقط وهكذا فإن النقد هو الذي ينجز ويسهل عملية التداول السلعي في السوق عندما يقوم بدور الوسيط في عملية تداول العدد الكبير من السلع .
إلا أن السلعة تخرج من عملية التداول عندما تتحقق قيمتها في السوق وتذهب إلى عملية الاستهلاك ، أما النقد فإنه يبقى في دورة التداول في السوق ، ومع هذا فإن الأولوية تبقى الدورة السلعية التي تلعب الدور الأساسي بينما تنبثق وظيفة النقد كوسيلة للتداول من الدورة السلعية إذ بدون الدورة السلعية لا يوجد هناك نقد في التداول ، أن النقد يرافق الحركة السلعية وينظم تداولها في السوق .
الوظيفة الثالثة ـ النقد وسيلة لتكوين الثروة والادخار :
إن هذه الوظيفة تنبع أساساً من الوظيفتين الأولى والثانية أي قياس القيمة والسعر ووسيلة للتداول السلعي ، كما يجب لفهم الوظيفة الثالثة للنقد الإحاطة بظروف وظيفة الإنتاج والتداول السلعي في السوق .
فعندما يقوم أحد المنتجين ببيع منتجاته في السوق ويتوجب عليه في فترة لاحقة شراء أدوات الإنتاج ( آلة مثلاً) وذلك بعد أن ينتهي استهلاكها كلياً فإن عليه في هذه الحالة تجميع النقد اللازم لعملية الشراء المقبلة ، والنقد يقوم عندئذ بوظيفة تكوين الثروة والتراكم أو الادخار .
إن النقد الذهبي يقوم بهذه الوظيفة بصورة أفضل مما يقوم بها النقد الورقي ذلك لأن النقد الورقي يتعرض للانخفاض في قيمته الشرائية إذ لا تبق قيمته ثابتة . وقد أدرك الناس ذلك إذ نجدهم يفضلون اكتناز الذهب على اكتناز النقد الورقي . لأن قيمة الذهب تبقى أكثر ثباتاً من النقد الورقي.
الوظيفة الرابعة ـ النقد كوسيلة للدفع :
ومع تطور عمليات التداول السلعي نشأت أشكال جديدة للتداول ومنها البيع على أساس الائتمان وفي هذه الحالة تتم عملية الشراء قبل أن يقوم المشتري بعملية بيع منتجاته في السوق ، وإن عملية الشراء هذه تتم على أساس الدفع الآجل .
وهناك أسباب وراء هذا الشكل من التداول ترجع إلى طبيعة الإنتاج والتداول الخاصة بالسلعة ، فمن المعروف أن المزارع قد يحتاج إلى بعض السلع كالسماد مثلاً حتى يستطيع البدء بعملية الإنتاج ولكن قد لا يتوفر لديه النقد اللازم إلا أنه يستطيع شراء المواد والسلع اللازمة على شرط أن يسدد قيمتها بعد تحقيق المحصول الزراعي وينشأ بهذه الحالة المدينون من طرف والدائنون من طرف آخر .
وفي مثل هذه الحالات لا يظهر النقد بصورة مباشرة فورية في عملية التبادل ، بينما تحل محله مؤقتاً أشكال مختلفة من الالتزامات الآجلة الدفـع( كمبيالة ، سند ، الخ) التي يتعهد بموجبها المدين بتسديد مبلغ معين يمثل سعر السلعة في وقت آخر يسمى تاريخ الاستحقاق ، وفي هذا التاريخ يقوم المشتري بتسديد القيمة نقداً .
وهكذا يقوم النقد بوظيفة الدفع الآجل ، ومع الزمن تطورت أشكال الدفع الآجل وظهر النقد الائتماني إذ يستطيع حامل الكمبيالة سداد التزاماته بواسطة هذه الكمبيالة وتحويلها إلى البائع الجديد الذي يستلم قيمتها في تاريخ الاستحقاق ، ثم اتخذ النقد الائتماني شكل البنكنوت وهي أوراق مستندية تقوم بوظيفة الدفع ويلتزم البنك بموجبها بسداد قيمتها نقداً ( كالشيكات مثلاً ) وقد تطورت هذه الأشكال وأصبحت تحل تدريجياً محل الكمبيالة .
الوظيفة الخامسة ـ النقد كنقد عالمي :
إن تطور الإنتاج العالمي والتبادل السلعي بين الدول المختلفة كان لا بد من أن يؤدي تدريجياً إلى ظهور وظيفة جديدة للنقد حيث أصبح دور النقد لا ينحصر في الحدود الوطنية المحلية لكل دولة وإنما يتجاوز هذه الحدود ليمارس وظيفته الخاصة كنقد عالمي .
إلا أن لكل دولة عملتها الوطنية الخاصة بها التي تمثل قيمة معينة تختلف عن قيمة النقد المحدد في الدول الأخرى ، وهنا لا بد من وجود نقد واحد يعد مقياساً للتبادل بين هذه الدول ، ونظراً لاختلاف طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية عن العلاقات الاقتصادية السائدة في المجتمع ، فقد عد النقد الذهبي أو ما يماثله من قيمة فعلية مقياس التبادل ووسيلة للمبادلات التجارية الدولية ، وفي عملية التبادل هذه لا يؤخذ بما تملكه كل دولة من العملة الوطنية المحلية الخاصة بها وإنما بما تملكه من احتياطي الذهب ، ولذا تحتاج كل دولة إلى كمية من احتياطي الذهب أو ما يماثله من قيم حقيقية تقوى مركزها في علاقات التبادل الدولي .
قوانين الدورة النقدية وكمية النقد :
إن النقد سواء أكان يمثل وحدات نقدية من المعدن الثمين ( الذهب مثلاً ) أم وحدات من النقد الورقي فإن للدورة النقدية بعض الصفات التي تختلف بها عن الدورة السلعية ، إن السلعة عندما تباع وتشترى تخرج غالباً من عملية التداول بينما يبقى النقد في مجال التداول يمارس وظائفه الخاصة به ، فعندما يشتري المرء سلعة استهلاكية ( قميص مثلاً ) فإن كمية النقد المدفوعة نفسها تستعمل من قبل البائع للقيام بعمليات تبادل أخرى بينما تخرج السلعة من السوق لتدخل عملية الاستهلاك ، إن الوحدات النقدية تقوم عادة بعدد من العمليات التبادلية تزيد إجمالي قيمتها عن قيمة النقد المتبادل نفسه فالنقد المدفوع مقابل سعر القميص ولو فرضناه وحدة نقدية من فئة الخمس والعشرين ليرة سورية فإن بائع القميص يستعمل هذه الوحدة النقدية نفسها في شراء سلعة أخرى والبائع الجديد يستعملها من جديد في عمليات أخرى وهكذا ، فإذا استمرت هذه الوحدة النقدية في الدوران والتداول بحيث قامت بعدد من الدورات تساوي ست دورات مثلاً وفي كل دورة تقوم بعملية تبادل تساوي قيمتها أي خمساً وعشرين ليرة سورية فإن مجموع أسعار العمليات التجارية التي تستخدمها يساوي (6×25=150 ليرة سورية ) أي أننا في هذا المثال نستعمل فئة نقدية واحدة في عدة عمليات تجارية مجموع أسعارها 150 ليرة سورية .
وانطلاقاً من هذه الصفات والوظائف الخاصة التي يمارسها النقد في مجال التداول فإن كمية النقد اللازمة في المجتمع هي أقل من إجمالي أسعار السلع المتداولة وبمعنى آخر فليس هناك حاجة إلى قيمة من النقد تساوي مجموع أسعار السلع المتداولة نظراً لأن النقد يقوم بعدد أكبر من الدورات في مجال التداول ، ويمكن إذاً حصر العوامل التي تحدد كمية النقد اللازمة للتداول في عاملين أساسيين .
1ـ العامل الأول :
وهو يمثل مجموع أسعار السلع التي تخضع للتبادل النقدي فكلما ازداد مجموع أسعار هذه السلع دعا ذلك إلى ضرورة زيادة الكمية النقدية وبالعكس .
2ـ العامل الثاني :
وهو متوسط عدد دورات النقد وهو يمثل سرعة الدورة النقدية في المجتمع وهذه تتناسب عكساً مع كمية النقد إذ كلما ازدادت سرعة الدورة النقدية انخفضت الكمية اللازمة من النقد .
فإذا فرضنا أن الدولار الواحد يقوم بخمس دورات في فترة معـينة ( سنة مثلاً ) بينما بلغ مجموع أسعار السلع الخاضعة للتبادل بالنقد مائة ألف دولار ففي هذه الحالة فإن الكمية اللازمة من الدولارات الذهبية ( إذا كان النقد ذهباً ) هي :
مجموع أسعار الســــــلع 100000.00
كمية النقد = --------------------- 20000 دولار ذهبي
متوسط عدد الدورات السنوية = 5
وهذا القانون للدورة النقدية ينطبق في حال كون جميع العمليات التجارية تتم بواسطة النقد ، إلا أن هناك عادة بعض العوامل الأخرى التي تؤثر على كمية النقد اللازمة يمكن إيجازها بما يلي :
1- بعض العمليات التجارية التي لا يظهر فيها النقد بصورة مباشرة وفورية كالعمليات التي تتم على أساس الدفع الآجل كالكمبيالة والسندات والخ .. وهذه تستحق الدفع في فترة قادمة ؛ أي أن عمليات البيع والشراء تتم دون أن يستعمل النقد إلا في الفترات اللاحقة وفي هذه الحالة فليس هناك حاجة فورية للمبلغ من النقود الذي يعادل مجموع أسعار هذه العمليات .
2- بعض العمليات التي تمت سابقاً على أساس الدفع الآجل ( كمبيالة ، سند) وهي تستحق الدفع والتسديد حالياً وحين استحقاق وقت الدفع لا بد من وجود كمية من النقد تعادل أسعار هذه العمليات التجارية المستحقة .
3- بعض عمليات التبادل التي تتم أحياناً على أساس المقايضة أي سلعة مقابل سلعة أخرى ، حيث لا يستعمل النقد في هذه الحالة كوسيلة للقياس والتداول ، وفي هذا النوع من المبادلات السلعية التجارية ليس هناك حاجة أيضاً إلى المبالغ النقدية اللازمة لسداد قيمة هذه العمليات ، إن هذه الاعتبارات تؤثر على كمية النقد الضرورية فالدفع الآجل يؤدي إلى إنقاص كمية النقد كما أن الدفع المستحق يزيد من الحاجة إلى النقد ، وفي الحالة الثالثة ( المقايضة ) فإن ذلك يؤثر في إنقاص كمية النقد اللازمة للتداول حيث لا يكون هناك حاجة للنقد لتغطية هذا الجزء من عمليات التبادل السلعي في السوق ، وهكذا يصبح القانون الذي ينظم ويحدد كمية النقد اللازمة للتداول كالتالي :
كمية النقد الضرورية
= مجموع أسعار السلع المتداولة + مجموع المبالغ المستحقة للدفع – مجموع المبالغ الآجلة الدفع – مجموع أسعار صفقات المقايضة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العدد الوسطي لدورات النقد
وإذا استبدلنا الرموز بهذه العوامل كان لدينا :
س + د – ق – ت
م = ------------------
ن
وهكذا يمكن تحديد قانون الدورة النقدية والذي ينظم كمية النقد اللازمة للتداول إذا توفرت هذه المعطيات والعوامل الناظمة لتحديد هذه الكمية ، ولكن يجب التمييز أيضاً بين حالتين :
1-إذا كان النقد الذهبي هو النقد المتداول فإن كمية النقد اللازمة تتأثر أيضاً بقيمة الذهب التي لا تبقى ثابتة في حال تغير إنتاجية العمل في استخدام الذهب ، فإذا انخفضت قيمة الذهب نتيجة ارتفاع الإنتاجية ففي هذه الحالة لا بد من زيادة كمية النقد الذهبي اللازمة لتداول السلع إذا بقيت كمية وقيمة السلع ثابتة ، لأننا كما لاحظنا في الوظيفة الأولى للنقد الذهبي إن انخفاض قيمة الذهب يؤدي إلى زيادة أسعار السلع وفي هذه الحالة لا بد إذن من زيادة كمية النقد الذهبي نتيجة لانخفاض قيمته حتى يمكنه تغطية أسعار الثابتة للسلع الأخرى ، فإذا كان سعر سلعة ما دولاراً ذهبياً واحداً وانخفضت قيمة الذهب إلى النصف بينما بقيت قيمة السلعة ثابتة فإن سعر السلعة يصبح دولارين ، ويجب أن يكون هناك دولاران بدلاً من دولار واحد حتى يمكن مبادلة هذه السلعة (2).
2- في الحالة الثانية عندما يحل النقد الورقي محل النقد الذهبي كما هو شائع في الوقت الحاضر ، ففي هذه الحالة إذا كانت كمية النقد الورقي تساوي نفس كمية النقد الذهبي فإن النقد الورقي يؤدي نفس الوظيفة التي يقوم بها النقد الذهبي . ولكن في حال زيادة كمية النقد الورقي عن كمية النقد الذهبي اللازمة للتداول فإن العلاقات النقدية السلعية ستؤول إلى التبدل والتغيير ؛ أولاً لأن النقد الذهبي خلافاً للنقد الورقي ، يحمل قيمة بحد ذاته بينما لا يحمل النقد الورقي أي قيمة خاصة وإنما يمثل قيمة هي القيمة الحقيقية للنقد الذهبي. فالليرة السورية الورقية لا تحمل قيمة إلا قيمة طباعتها التي لا تذكر وإنما تملك قيمة اسمية هي عبارة عن كمية ما من الذهب مثبتة بالقانون ؛ وثانياً إن النقد الذهبي يقوم بوظيفة تكوين الثروة أفضل من النقد الورقي والناس عندما يتعاملون بالنقد الذهبي فأنهم لا يستخدمون إلا الكمية اللازمة منه فقط للتداول بينما يذهب ما يزيد عن ذلك إلى الاكتناز والأغراض الصناعية ، أما النقد الورقي فيبقى غالباً في عملية التداول نظراً لأن الناس لا يفضلونه كثيراً كوسيلة لتكوين الثروة والادخار ، فلو افترضنا على سبيل المثال أن كمية النقود الضرورية هي مائة مليون دولار من الذهب بينما يوجد في التداول مائتا مليون دولار من النقد الورقي فإن كل دولار في هذه الحالة من النقد الورقي يمثل نصف القيمة الاسمية التي يحملها وبذلك تنخفض القيمة الشرائية للدولار الورقي إلى النصف.
مثال آخر: إن البائع آ باع إلى المشتري ب آلتين بسعر عشرة آلاف دولار على أن يكون الدفع بعد سنة واحدة . فإذا افترضنا أن قيمة الدولار الورقي انخفضت إلى النصف نتيجة طرح كميات إضافية من النقد الورقي في السوق زيادة عن الكمية الضرورية فإن قيمة الآلة الواحدة ترتفع 100% بحيث تصبح عشرة آلاف دولار بدلاً من خمسة آلاف دولار فعندما يسدد المشتري ب قيمة الآلتين إلى البائع آ والمثبتة على الكمبيالة أو السند الموقع بينهما بعد عام من الشراء فهو يسدد مبلغ عشرة آلاف دولار والتي أصبحت تساوي قيمة آلة واحدة بدلاً من آلتين ، وهو بذلك يتحرر من التزامه من الناحية الحقوقية ولكن من الناحية الاقتصادية فإنه في هذه الحالة يسدد قيمة آلة واحدة بدلاً من قيمة آلتين نتيجة لانخفاض قيمة النقد الورقي إلى النصف .
وباختصار فإن قانون كمية النقد هو قانون اقتصادي موضوعي يعبر عن التناسب الضروري بين كمية النقد اللازمة وبين الدورة السلعية في السوق ، كما يعبر عن العلاقة الموضوعية بين كمية النقد الحقيقي (الذهب مثلاً ) وبين كمية النقد الورقي الذي يمثل النقد الحقيقي ، وكما هو الحال بالنسبة للسلعة فهناك أيضاً نظريات متعددة تحاول كل منها تفسير ظاهرة النقد وقوانينه الخاصة من وجهة نظر معينة ولا يتسع المقام هنا للتوسع في مسائل النقود لأن هذا يحتاج إلى بحث خاص مفصل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مجموعة من المؤلفين – الاقتصاد السياسي – دار الجماهير دمشق صفحة 98
2ـ مقدمة في الاقتصاد- مرجع سابق
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|