أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015
1252
التاريخ: 15-02-2015
1554
التاريخ: 5-10-2014
1378
التاريخ: 5-10-2014
1587
|
عندما بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوّض بالإسلام النظام القبيلي في الجزيرة العربية والنظام الطبقي في سائر المجتمعات البشرية في ما بلّغ عن اللّه قوله تعالى:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]
وبقوله في خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط ايام التشريق عام حجة الوداع :
((يا أيّها الناس! الا انّ ربكم واحد وانّ اباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لاحمر على أسود
ولا لاسود على أحمر إلاّ بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)!(1).
وعلى هذا الاساس اقام (صلى الله عليه وآله وسلم) المجتمع الاسلامي الاول في المدينة المنورة، فعاش فيه سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وابو ذر العربي البدوي متآخين كأسنان المشط لا تفاضل بينهم، واربى على ذلك حين زوّج مولاه زيدا ابنة عمته زينب حفيدة عبد المطلب، وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب المقداد بن عمرو مولى بني زهرة (2)، ووظف على بلال الحبشي الاذان حتى علا سطح الكعبة يوم الفتح وأذن عليها.
وكان من الطبيعي أن يظهر أحياناً في ذلك المجتمع المثالي آثار التعصب القبيلي بين صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين نشأوا وعاشوا قبل الاسلام في المجتمع الّذي بنيت أُسسه على النظام القبيلي ونقتصر بذكر بعض أخبارها في ما يأتي بإذنه تعالى:
أ ـ التعصب القبيلي للصحابة المهاجرين من قريش
1 ـ روى مسلم عن عائذ بن عمرو:
(ان أبا سفيان اتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا واللّه ما أخذت سيوف اللّه من عنق عدو اللّه مآخذها.
قال ابو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيِّدهم).
قال محمّد فؤاد عبدالباقي في شرح الحديث:
هذا الاتيان لابي سفيان كان، هو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية (3).
2 ـ في سنن الدارمي وأبي داود ومسند أحمد وغيرها بسندهم عن عبداللّه ابن عمرو بن العاص انّه قال:
((كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا؟
فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال: ((أُكتب فو الّذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ))(4).
انّ التعصب الجاهلي هو الّذي دفع الصحابة القرشيين أن يمنعوا عبداللّه بن عمرو بن العاص من كتابة الحديث لما كان فيه ذكر اسماء القرشيين الذين ناهضوا الرسول، وحاربوا الاسلام والمسلمين، وجاء ذكر أفعالهم في القرآن الكريم وبيان اسمائهم في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ب ـ التعصب القبيلي في قبائل الانصار
خبر مسجد ضرار
قال تعالى في سورة التوبة / 107:
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدَاً ضِرَاراً وَكُفْرا وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ}
قال ابن عباس: {وَالَّذِين اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً} هم أناس من الانصار ابتنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستمدوا بما استطعتم من قوّة وسلاح، فإنّي ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمّداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنُحب أن تصلي فيه، وتدعو بالبركة، فأنزل اللّه {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً}(5).
ج ـ خبر الشجار على ماء المريسيع :(6)
عندما هاجر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة آخى بين المهاجرين من قريش من نسل نزار ورجال من الاوس والخزرج من الانصار من نسل قحطان (7) فعاشوا بوئام وإخاء حتى إذا انتهوا من معركة غزوة بني المصطلق وقعت أول منافرة بينهما عندما وردت واردة الناس على ماء المريسيع، فازدحم على الماء جهجاه بن مسعود وهو يقود فرس عمر بن الخطاب، وسنان بن وبر الجهني حليف الخزرج، فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الانصار!
وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين!
فغضب عبداللّه بن أبي بن سلول الخزرجي رئيس المنافقين وعنده رهط من قومه، فقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا، وكاثرونا في بلادنا! واللّه ما عدنا وجلابيب قريش هذه إلاّ كما قال الاوّل: ((سمن كلبك يأكلك))!
أمّا واللّه لان رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الاعزّ منها الاذلّ.
ثمّ قال لمن حضره من قومه: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللّه لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم، لتحوّلوا إلى غير داركم.
فبلغ ذلك رسول اللّه، وأشاروا عليه بقتله، فلم يقبل، وإنّما عالج الامر بحكمة، حيث أمر بالرحيل في غير ساعة الرحيل، وسار بالناس يومهم ذلك حتّى أصبح، وصدر اليوم الثاني حتّى آذتهم الشمس، فلما نزل بهم ومس جلدهم الارض، وقعوا نياماً وبذلك شغلهم عن حديث المنافرة.
وفي هذه الواقعة نزلت سورة (المنافقون) ومنها الآية / 8
{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَعَزُّ مِنْهَا الاَذَلَّ وَللّهِ ِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
وبلغ حسان بن ثابت الانصاري الّذي وقع بين جهجاه وبين الفتية الانصار، فقال وهو يريد المهاجرين:
أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد (8)
الابيات
فجاء صفوان بن المعطّل إلى بعض المهاجرين وقال: انطلق بنا نضرب حسّاناً، فواللّه ما أراد غيرك وغيري.
ولما أبى المهاجري ذلك ذهب صفوان وحده، مصلتا بالسيف حتى ضرب حساناً في نادي قومه، وجرحه وقال:
تلق ذباب السّيف عنِّي فإنني غلام إذا هو جيت لست بشاعر(9)
ثمّ أصلح الرسول بينهم، وانتهت بذلك أول منافرة وقعت بين فرعي القبيلتين بعد أن عالجها الرسول بحكمته.
ووقعت الثانية يوم وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لان المجتمع العربي في شبه الجزيرة كان يتوزع على مجتمعات قبليّة متعدّدة، وبعد هجرة الرسول إلى المدينة وفتح مكّة أصبحت المجتمعات المتعددة يحكمها مجتمع المدينة الواحد المتكون من المهاجرين والانصار.
وكان المهاجرون جلّهم من مكّة ماعدا النادر منهم وهم ينتمون إلى قريش وحلفائها ومواليها والانصار كلّهم من اليمن ومن قبائل سبأ؛ وبذلك تحولت العصبيّة القبيليّة المتعدّدة إلى التعصّب بين مهاجرة قريش ومن انتمى إليها من نزار والانصار ومن أنتمى إليها من السبأيين.
وأوّل شجار وقع بينهما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حدث في سقيفة بني ساعدة ثمّ امتدّ إلى عصور طويلة بعد ذلك كما سندرسه في ما يأتي بحوله تعالى.
* * *
زالت الاعراف الجاهلية ظاهراً عن شبه الجزيرة العربية بعد نزول سورة البراءة واعلامها على الحجيج المسلم والمشرك في منى في السنة التاسعة من الهجرة.
وأصبح المجتمع الاسلامي من جانب الحاكم وقليل من افراده اسلاميا انسانيا وفي سلوك الكثرة الكاثرة من افراده مزيجاً من الاعراف القبيلية الجاهلية والاخلاق الاسلامية ومن قبل بعض آخر من افراده قبلي جاهلي محض وهم الذين سموا بالمنافقين.
وكان أهمّ ميزة هذا العصر بقاء الاحساس القبيلي بين افراده سواء منهم المؤمن والمنافق والّذي كان تظهر آثاره بين حين وآخر في المجتمع، فيعالجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحكمته. وكان ذلكم خصائص المجتمع في هذا العصر.
__________________________
1- مسند أحمد 5 / 411.
2- راجع في خبر زواج زينب بنت جحش بحث صفات المبلغين من عقائد الاسلام من القرآن الكريم وخبر زواج ضباعة في ترجمة ضباعة من الاصابة.
3- صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال 4/ 1947، وفي ترجمة (سلمان) و(صهيب) و(بلال) من سيرة النبلاء 2 / 15؛ واللفظ لمسلم الاستيعاب 2 / 639 ط. مصر، تحقيق علي محمّد البجاوي. أ ـ أبو عبداللّه سلمان الفارسي كان مجوسياً ثمّ تنصر قبل بعثة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقصد المدينة ليدرك الرسول، فصحب قوما من العرب، فأسروه، وباعوه
لرجل من يهود المدينة. فرأى رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم)، وعرف فيه علامات النبوّة، وأسلم على يديه، فاشتراه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله و سلم)، وأعتقه وهو الّذي أشار على النبيّ يوم الخندق بحفر الخندق، وقال النبيّ في حقّه يوم ذاك: سلمان منّا أهل البيت، وتوفي في عصر عثمان سنة خمس وثلاثين في المدائن أميرا عليها ودفن هناك.
أسد الغابة 2 / 228 ـ 232.
ب ـ صهيب بن سنان الربعي النمري، كان أبوه عاملاً لكسرى على الابلة، فغارت الروم عليهم، وأسرت صهيبا فنشأ فيهم، ثمّ باعته إلى كلب فجاءت به إلى مكّة، فباعته من عبداللّه ابن جدعان فأعتقه، وكان من السباقين إلى الاسلام الّذين ع ذبوا في مكّة، وكناه الرسول أبا يحيى، وكان في لسانه لكنة. توفي بالمدينة سنة ثمان أو تسع وثلاثين ودفن بها وكان ابن سبعين أو ثلاث وسبعين. أسد الغابة 3 / 31 ـ 33.
ج ـ بلال بن رباح الحبشي، وأمه حمامة، كان من السابقين إلى الاسلام، فعذبته قريش، فكانت تبطحه على وجهه في الشمس، وتضع الرحاء عليه حتى تصهره الشمس، ويقولون له: أكفر بربّ محمّد، فيقول: أحد، أحد، وأشتراه أبو بكر وأعتقه، وكان مؤذن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم)، وخازنه، وشهد معه مشاهده كلّها، وذهب بعد النبيّ إلى الشام غازياً، وتوفي هناك في العشر الثاني بعد الهجرة، وعمره بضع وستون سنة. أسد الغابة 1 / 209.
4- سنن الدارمي، 1 / 125، باب من رخص في الكتابة من المقدمة، وسنن أبي داود 2 / 126، باب كتابة العلم، ومسند أحمد 2 / 162، 192 و 207 و215، ومستدرك الحاكم 1 / 105 ـ 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1 / 85 ط. الثانية، ط. العاصمة بالقاهرة سنة 1388.
وعبداللّه بن عمرو بن العاص قرشي سهمي وامه ريطة بنت منبه السهمي كان أصغر من أبيه بإحدى عشرة أو أثنتى عشرة سنة. اختلفوا في وفاته أكان بمصر أو الطائف أو مكّة وعام 63 أو 65. راجع ترجمته بأسد الغابة 3 / 23، والنبلاء 3 / 56، وتهذيب التهذيب 5 / 337.
5- في الطبري 11 / 18 ـ 20 والدر المنثور 3 / 276 عن ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وأبو عامر عبد عمرو بن صيفي الراهب كان رأس الاوس في الجاهلية وترهّب لما بلغه من اليهود ان خاتم الانبياء يكون في المدينة املا في أن يكون هو النبيّ المبشر له فلمّا هاجر الرسول إلى المدينة حسد رسول اللّه فلم يسلم وجاهر الرسول بالعداوة وخرج إلى مكّة وحرّضهم لحرب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ ذهب إلى قيصر لنفس الغرض.
6- المريسيع: ماء يبعد عن المدينة أياماً، كان يسكن حوله قوم من خزاعة يقال لهم: بنو المصطلق غزاهم رسول اللّه (صلى الله عليه و آله وسلم) في العام الخامس أو السادس بعد الهجرة. (امتاع الاسماع ص 195) وجهجاه من قبيلة غفار كان يومذاك أجيراً لعمر بن الخطاب المهاجري لذلك نادى بشعارهم ومات جهجاه بعد عثمان بسنة أسد الغابة 1 / 309.
7- ولد نزار بن معد بن عدنان : مضر وربيعة واياد وانمار وولد مضر: الياس وقيس عيلان وعرب الشمال ينتسبون إلى عدنان ومعد ونزار ومضر وربيعة وقيس.
أمّا عرب الجنوب فينتسبون إلى الأزد وسبأ وقحطان والأزد هو ابن الغوث بن نبت بن مالك ابن كهلان بن سبأ. وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان (جمهرة أنساب العرب 310 ـ 311).
8- الجلابيب سفلة الناس، وبهامش الاغاني 4 / 11 (كان المنافقون يسمون المهاجرين بالجلابيب، وفي ديوان حسان (الخلابيس) أي الاخلاط من كل وجه، الفريعة اسم أم احسان وبيضة البلد:، يقال للمدح والذم.
9- الطبري، ط. أوربا، 1 / 1526؛ الاغاني 4 / 12 عن الزهري ولسان العرب مادة (بيض)؛ امتاع الاسماع للمقريزي 1 / 211.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|