النظرية الحديثة في الدخل والاستخدام

لقد سبق وأن أوضحنا بأن النظرية الكلاسيكية تفترض سيادة حالة الاستخدام الكامل وتحقق حالة التوازن عند ذلك عند المستوى الذي يحقق الاستخدام الكامل ، الا ان التاريخ الاقتصادي يشير الى الى ان الرأسمالية مرت بأزمات متتالية كان النشاط الاقتصادي يتحول عندها من الزيادة والارتفاع الى الهبوط والركود .

وكان أعنف تلك الأزمات هي أزمة الكساد الكبير في 1929 ــ 1933 م التي عصفت بالنظام الرأسمالي وهزت أركانه فانعدمت الثقة بالنظرية الكلاسيكية في تجاوز تلك الأزمة التي اتسمت بارتفاع معدلات البطالة ، وقد ساد شعور بالحاجة الى نظرية تعالج المستويات المرتفعة للبطالة في تلك المدة ، لذا جاء جون مينارد كينز John Maynard Keynes   (بكتابه النظرية العامة للاستخدام والدخل والفائدةThe General Theory of Employment , Interest & Money(  ليهاجم النظريـة الكلاسيكية وينتقد فروضها التي وصفها بأنها غير واقعية ، اذ انتـقد قانون ساي للأسواق الذي ينص على ان " العرض يخلق طلبه " ، فيرى ان قرارات الانتاج المولدة للدخل لا يصاحبها اتخاذ القرارات وبنفس السرعة بانفاق الدخل وعليه فإن من الممكن حدوث قصور في الطلب الكلي وما ينتج عن ذلك من بطالة .

ويرى كينز ايضاً ان الادخار الذي هو ذلك الجزء من الدخل القومي الذي لا يذهب الى الاستهلاك ليس بالضرورة ان يتجه الى الاستثمار ، فالنقود التي تُدخر قد تُكتنز من قبل الأفراد لزيادة أرصدتهم النقدية وينشأ عن ذلك قصوراً في الطلب ، وعليه فان عرضاً اضافياً لا يولد بالضرورة طلباً اضافياً .

كما انتقـد كينز الفرض الكلاسيكي القائل بمرونة الأسعار والأجور والتي انطلق منها الكلاسيك بأنها كفيـلة بتحقيق التوازن الذي يحدـث عند مستوى الاستخدام ، وعارض كينز ذلك مؤكداً على جمود الأسعار والأجور ، وان التوازن يمكن ان يحدث دون مستوى الاستخدام الكامل ، وان التوازن عند هذا المستوى هو حالة خاصة من التوازن .

تهتم النظرية الكينزية بالكيفية التي يتم فيها تحديد الدخل القومي وتوازنه خلال مدة زمنية عادة ما تكون سنة ، وملخص نظرية كينز هي أنه في الأجل القصير اعتبر أن الطاقة الانتاجية ثابتة ، لذا فان مستوى كل من الدخل والانتاج يتحـدد في ضوء استخدام واستغلال الطاقة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما المحدد لمستوى استخدام واستغلال تلك الطاقة ؟

يجيب كينز على هذا السؤال بأن الطلب الفعال هو الذي يحدد ذلك المستوى ، اذ ان حجم التوظف يعتمد عليه ، وبالتالي يمكن أن نقول ان البطالة هي نتاج لقصور الطلب الفعال ، لذا يمكن أن نقول ان الطلب الفعّال هو المرتكز الأساس الذي تقوم عليه النظرية الكينزية .